* فصاحة غلام
حُكي:
أنَّ البادية قحطت في أيام هشام بن عبد الملك،
فقدمت عليه العرب،
فهابوا أن يكلِّموه،
وكان فيهم دِرْواس بن حبيب،
وهو ابن ستِّ عشرة سنة،
له ذُؤابة، وعليه شَمْلَتان،
فوقعت عليه عين هشام،
فاستصغره واستقله .
فقال لحاجبه معنفا :
ما شاء أحد أن يدخل عليَّ إلَّا دخل، حتى الصبيان !!
فوثب دِرْواس من بين الناس
حتى وقف بين يديه مُطْرِقًا، فقال:
يا أمير المؤمنين، إنَّ للكلام نشْرًا وطَيًّا،
وإنَّه لا يعرف ما في طيِّه إلا بنشْره،
فإنْ أذن لي أمير المؤمنين أنْ أنشُره نشَرته.

فأعجبه كلامه،
وقال له: انشُره لله درُّك،
فقال: يا أمير المؤمنين،
إنَّه أصابتنا سنون ثلاث،
سنة أذابت الشَّحم،
وسنة أكلت اللَّحم،
وسنة دقَّت العظم،
وفي أيديكم فضول مال،
فإنْ كانت لله ففرِّقوها على عباده،
وإنْ كانت لهم، فَعَلام تحبسونها عنهم،
وإنْ كانت لكم، فتصدَّقوا بها عليهم،
فإنَّ الله يجزي المتَصدِّقين.

فقال هشام:
ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثَّلاث عذرًا،
فأمر للبوادي بمائة ألف دينار،
وله بمائة ألف درهم،
ثم قال له: ألك حاجة؟
فقال درواس :
ما لي حاجة في خاصَّة نفسي دون عامَّة المسلمين.
فخرج من عنده وهو من أجلِّ القوم !!