الضغط الاقتصادي على مصر.. لماذا؟
الاحد 14 صفر 1433 الموافق 08 يناير 2012
د. محمد مورو
أكثر من سبب داخلي وخارجي للضغط الاقتصادي على مصر، وإذا عُرف السبب بطل العجب، وبداية فإن تكرار الحديث عن أن مصر تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، كان جزءًا من الثورة المضادة لثورة 25 يناير، وقد اهتم قادة الثورة المضادة داخل وخارج المؤسسة المصرية الحاكمة بترويج هذه المقولة، بالإضافة إلى تعمد إحداث نوع من الانفلات الأمني في الشارع المصري، وكذا النفخ في حوادث هذا الانفلات ومظاهره، لإعطاء إحساس للإنسان المصري بأن الثورة كانت وبالًا عليه، فقد أدت وسوف تؤدي إلى ضياع الأمن والأمان والاستقرار، وأدت وسوف تؤدي إلى الفقر والحرمان، حتى يندم الناس على حكم مبارك، ويتخلوا عن الالتفاف على الثورة وتأييدها، ومن ثم يتم إعادة النظام القديم بوجوه جديدة، وتتم محاصرة الثوار ومطالبهم.
وبديهي أن الكلام عن انهيار الاقتصاد المصري وانهيار الأمن كان مبالغًا فيه، فلو كان هناك انفلات أمني حقيقي لما تمت إجراءات الانتخابات البرلمانية في مراحلها الثلاث بهذه السلاسة، بل إنها لم تشهد أي نوع من الانفلات الأمني على الإطلاق، وهذا يدل على أن الانفلات الأمني كان مقصودًا، ويدل على مدى وعي ورقي الشعب المصري الذي عاش قرابة عام بدون وجود وزارة داخلية، ومع ذلك كان يسافر ويعمل ويتحرك ليلًا ونهارًا بدون مشكلة، ولو حدث غياب لوزارة الداخلية في أمريكا أو أوروبا مثلًا لمدة يوم واحد لحدثت ملايين الجرائم، ولاستحالت الحياة تمامًا.
بالنسبة للمسألة الاقتصادية، فإن الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية تجاهلت الاستفادة من الطاقة الهائلة التي ترتبت على الثورة لدى شعب مصر عقب الثورة، وكانت هذه الطاقة كفيلة بوضع مصر على طريق التقدم والنهوض.
وفي جانب آخر، فإن تعمد الإعلان والنفخ في مسائل ومظاهر الانفلات الأمني، ثم تبديد الاحتياطي لمصر من النقد الأجنبي كان مقصودًا. فإذا أضفنا إلى ذلك المحاولات الأمريكية لمنع الدول العربية من تقديم المساعدات لمصر، ووضع شروط تعجيزية للقروض – وهي أساسًا مرفوضة ولا قيمة لها إلا ربط مصر بالاقتصاد الرأسمالي العالمي – كان يستهدف تكبيل أي حكومة قادمة – وهي من الإسلاميين مثلًا – من التصرف بحرية في قضايا السياسة والاقتصاد، وإلا واجهت التجويع والحصار غير المعلن.
كان ذلك يستهدف الضغط على أي حكومة قادمة، باتجاه ضرورة عدم اتخاذ أي إجراءات اقتصادية تفك ارتباط مصر بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، أي إكراه الحكومة القادمة على الارتباط بالسوق الرأسمالي العالمي، فإذا فعلت ذلك لا يهم الأمريكان إن كان النظام يطبق الشريعة والحدود أو لا يطبقها!!.
وكذا منع أي حكومة مصرية تحت هذا الضغط الاقتصادي – من التصدي بنوع من الاستقلال والوطنية في القضايا الخارجية، وخاصة تجاه إسرائيل، فلا بد لها أن تعترف باستمرار المعاهدات سيئة السمعة مع إسرائيل، مثل كامب ديفيد، وعدم دعم المقاومة الفلسطينية بشكل حقيقي، وإلا فإن التجويع والإفقار قادم.
وهكذا فإن الأزمة الاقتصادية المفتعلة أو الحقيقية، ومنع حل المشكلة الاقتصادية كان جزءًا ولا يزال من تطويع الإرادة المصرية تجاه إسرائيل، وهذا هو السبب الحقيقي في الضغوط الأمريكية لمنع مصر من حل أزمتها الاقتصادية، وبديهي أن مصر تختلف عن تونس، لأن مصر هي القوة العربية الكبرى أولًا، ثم هي دولة مواجهة وعلى حدود إسرائيل من ناحية ثانية.
المفضلات