الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على فضله وإنعامه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم لقائه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.
أيها الناس:
عزل الرِّجال عنِ النِّساء ، واختصاصهنّ بأعمالِ المنزل وحضانة الأطفال ، واختصاص الرِّجال بالعمل والإكتساب هي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ، وسارت عليها البشريَّة طوال تاريخها في الشَّرق والغرب ، وعند سائر الأمم ، قبل أن تأتي الحضارة المعاصرة بهذا الضَّلال ومن قرأ تواريخ الحضارات والأمم السَّالِفة أيقن بحقيقة ذلك.ونزلت شرائِع الله تعالى على أنبيائِه ورسله عليهم السَّلام بما يوافِق هذه الفطرَة ، وقد أجمعت الشَّرائع كلها حفظ النَّسل من الإختلاط ، وعلى حفظ المجتمعات من الفساد والإنحلال ؛ ولذا كان الزِّنى محرماً على لسان كل المرسلين عليهم السلام، ويجمع كل العقلاء من البشر على أن الإختلاط أكبر سبب للزِّنى ، كما يجمع البشر على أنَّ الزِّنى سبب للأمراض والطَّواعين التي تفتك بالنَّاس ، والواقع يدل على هذه الحقائِق. ولا يماري في شيء من ذلك إلاَّ جاهل أو مكابر ، فمن دعا للاختلاط ورضيه فهو يدعو للزِّنى وانتشار الفواحش ، وهو يدعو كذلك لنشر الطَّاعون في النَّاس ، وإهلاكِهم به ، شاء ذلك أم أبى ؛ إذ إنَّ هذه الأمراض الخبيثة هي نتاج دعوته الخبيثة.وإن تعجب فعجب لأناس يدعون للإختلاط ، وينشرون الرَّذيلة في النَّاس ، ثمَّ يحذرون من انتشار مرض الإيدز ، فهل هم صادقون في تحذيرهم ؟ وهل يعقلون ما يقولون وما يفعلون؟ وهل هم إلاَّ كمَن يسقي الإنسان سماً ثم يصيح به محذراً إيّاه أنْ يموت ممَّا سقاه. إنَّه لن تجدي المُؤتمرات والنَّدوات والتَّوعية الصِّحيَّة والاجتماعيَّة في التَّخفيف من الأمراض المستعصية ، النَّاجمَة عن الممارسات ال***يّة المُحرَّمة إذا كان المفسدون يخلطون بين الرجال والنساء ، ويوسعون دائرة الإختلاط يوما بعد يوم ؛ وينشرون في إعلامهم ما يسعر الشَّهوات ، ويدعو إلى الرَّذيلة؛ ولذا نوصيهم ألاَّ يكذبوا على النَّاس ويخدعوهم ، ويحذروهم من انتشار الإيدز ؛ لأنَّهم أكبر سبب من أسبابه حين شرعوا للإختلاط ، وأفسدوا الإعلام ، وفرضوا على الناس آراءهم الفكرية الشهوانية. يقول العلاَّمة ابن القيم رحمه الله تعالى : ولا ريب أنَّ تمكين النِّساء من اختلاطهنّ بالرِّجال أصل كل بليَّة وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامَّة والخاصَّة.. وهو من أسباب الموت العام والطَّواعين المهلكة. ولمَّا اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفسير ، فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات. وكلام ابن القيم رحمه الله تعالى لا يعجب أهل الشر والفساد ، ودعاة الرذيلة والانحلال ؛ لأنهم مستعبدون في أفكارهم لما يمليه عليهم أهل الحضارة المعاصرة ، ومشربون بحب كتابات الغربيين ، فلا بأس من نقل شيء من أقوال الغربيين من باب قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } وحيث إنَّ المفسدين يزعمون أنَّهم بمشاريعهم التغريبية التخريبية ينصرون المرأة ويدافعون عن حقوقها في الاختلاط والفساد فإنني سأنقل بعض أقوال النساء الغربيات حتى نعرف رأيهن في الاختلاط وقد جربنه ، وسبقن نساء العالمين إليه ، ولسن متهمات بأنهن مؤدلجات أو متطرفات ، أو يعشن عصور الظلام والحريم كما يقول المنافقون والمنافقات.
تقول الصحفية الأمريكية هيليان ستانبري ( أنصحكم بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم ، امنعوا الاختلاط ، وقيدوا حرية الفتاة ، بل ارجعوا لعصر الحجاب ، فهذا خير لكم من *****ة وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا ، امنعوا الاختلاط ، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير ، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعـًا مليئـًا بكل صور ال*****ة والخلاعة ، إنَّ ضحايا الإختلاط يملأون السُجون ، إنَّ الإختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبِّي قد هدّد الأسرة وزلزَل القيَم والأخلاَق ).
وتقول كاتبة أخرى: إنَّه لعارٌ على بلادِ الإنجليز أنْ تجعل بناتها مثلاً للرَّذائِل بكثرةِ مخالطةِ الرِّجال . وفي بريطانيا حذَّرت الكاتبة الإنجليزية " الليدي كوك " من أخطار وأضرار اختلاط النِّساء بالرِّجال فقالت: على قدر كثرة الإختلاط تكون كثرة أولاد الزِّنى وقالت: علموهنَّ الإبتعاد عنِ الرِّجال.
فهل يبقى لدعاة الإختلاَط والفسَاد قول وقد عارضوا شريعةَ اللهِ تعالَى ، وخالفوا الفطرَة التي فطرَ الله النَّاس عليها، وكذبوا على النَّاس فزوَّروا الحقائِق ، وأخفوا النَّتائِج المخزية للإختلاط في البِلاد التي اكتوت بذلك.
حمَى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من المفسدين والمفسدات ، والمنافقين والمنافقات ، وردهم على أعقابهم خاسرين ، إنَّه سميع قريب.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.