بقلم: حسن القباني
( اخوان مسلمين )
وسط حملات التشكيك والتشهير والفبركة والتفزيع، جاءت رسالة الشعب المصري الذكي الأبي واضحة لأصحاب الحناجر والفضائيات ورءوس الأموال، والبرامج المستوردة والبعيدين عنه، بالانحياز إلى مرشحي الحرية والعدالة والتصويت للإسلاميين، تكليفًا لا تشريفًا وثقةً لا محاباة.
هذا التكليف له تبعات وهذه الثقة تُحمِّل الإخوان المسلمين تعبًا مضافًا، كي يتمكن أنصار "الإسلام هو الحل" و"نحمل الخير لمصر" من تحويل الشعارات الجادة إلى واقع عملي، يرسم مستقبلاً أفضل لمصر وللمصريين.
هذا الواقع لن يتحقق إلا بالتعب؛ لأن المعني الحقيقي للراحة، ليس هو راحة الدنيا كما قال السلف الصالح والصحابة والتابعون، ولكنه راحة الآخرة، عندما يُبَشَّرُ المؤمن بالقبول.
في ظلال هذا المعنى يقول الله تعالي: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)) (البلد)، و(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7)) (الشرح)، وسُئِل ذو النورين: متى الراحةُ يا عثمانُ؟ قال: عندما تَدخل رجلي اليُسرى بجوار اليمنى على عتبة الجنة، وسئل أيضًا الإمام أحمد بن حنبل: متى الراحة يا إمام؟ جاب: عند أول قدم تضعها في الجنة.
ولو أنا إذا متنا تُركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا ونُسأل بعدها عن كل شيء
هذه الراحة، التي ننشدها في الفترة المقبلة، ستأتي عندما يرتاح الشعب المصري، ويكون آمنًا في بيته، لديه قوت يومه، لا بطالة بين أبنائه، ولا عنوسة بين فتياته.
وقد قالها مرشدنا الأول الإمام الشهيد حسن البنا- طيب الله ثراه وأسعده في قبره- للإخوان منذ اليوم الأول للتأسيس: "أيها الإخوان هل أنتم على استعداد أن تجوعوا ليشبع الناس.. وأن تسهروا لينام الناس.. وأن تتعبوا ليستريح الناس... وأخيرًا أن تموتوا لتحيا أمتكم، هكذا تكونون صادقين بحقٍّ مع الله".
إن ثقافتنا الإسلامية تفرض علينا أن نعيد مع أنفسنا حسابات التعب والكدر؛ حتى لا يتسرب إلينا ما يعطل مسيرتنا نحو بناء وطننا الحبيب، ونصرة أهله الطيبين الذين نصرونا على الرغم من حملات المشككين، فالدنيا دار عمل وكدر وما أجمله التعب في سبيل الله وكله- كما كان يعلم الأستاذ محمد الدسوقي أحد الرعيل الأول للإخوان إخوانه بالبحيرة- كله في حبِّه- أي الله عزَّ وجلَّ- يهون.
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الأقذاء والأكدار
يقول شهيد القرآن الأستاذ الأديب سيد قطب في هذا المعنى أيضًا في مقطوعته الأدبية "أفراح الروح": "عندما نعيش لذواتنا، تبدو الحياة قصيرة ضئيلة تبدأ من حيث نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود، أما عندما نعيش لغيرنا- أي عندما نعيش لفكرة- فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض، إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي، في هذه الحالة نربحها حقيقة لا وهمًا".
فَهِمَ هذا المعني أيضًا الشاعر الإنجليزي وليام شكسبير فقال ناصحًا الجميع منذ عهده: "المتعب ينام على وسادة من الحجر ليستريح، أما الكسول فلن يجد الراحة فوق وسادة من الريش".
يجب علينا أن نكثف جهودنا جميعًا كي نزرع الخير في مصر اليوم ليحصده أجيال تلو أجيال، وهذا واجب الفائزين والخاسرين من جميع الاتجاهات، والواجب الأكبر للحرية والعدالة الذي حاز على تقدير الشعب.
لقد منح الله عزَّ وجلَّ المصريين نجاحًا كبيرًا لثورتهم المجيدة في 18 يومًا فقط، ليبدءوا جميعًا مرحلةً جديدةً لا راحة فيها على الإطلاق، وعلى الجميع أن يعي ذلك، وأن يقدم نفسه في سبيل الله؛ فداءً لنهضة مصر بجهده وفكره وعرقه.
المفضلات