[gdwl]اقرأ المرفق " مقال عن :"[/gdwl]
فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء
![]() |
[gdwl]اقرأ المرفق " مقال عن :"[/gdwl]
فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء
العام الهجري الجديد وقفات ودروس
الحمد لله تعالى المنزه عنالنقصان، سبحانه وتعالى عظيم الشان والصلاة والسلام على نبيه محمد الطاهر وآلهوصحبه أهل التقى والمآثر وبعد:
في سنة ست عشرة من الهجرة كان ذلك القرارالميمون بمرسوم عمري طاهر يحكي طهارة ذلك الجيل الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلمفها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي االه عنه يصدر أمراً أن يتعامل المسلمونبالتاريخ الهجري ويتركوا ما سواه من التاريخ، فغدا التاريخ الهجري هو التاريخالمقدم عند المسلمين، يردون إليه ويصدرون عنه.
أخيالمسلم: وها نحن نقدم الخطى لنعبر عتبات عام منصرم لندخل عاماً جديداً.
وما أعظم أن يدرك المسلم عظمة هذا التاريخ، ولكن هل يكفي هذا، وقد انفرطعقد النظام؟!!
أخي:كم هو مؤلم أن لا يتجاوزنظر المسلم موضع قدميه، فهذه هي جماعات المسلمين أفراداً وزرافات يحتفلون بميلادعام هجري جديد، وهم إذ يحتفلون بذلك نسوا بأمر من أخذوا في احتفالهم هذا؟ هل كانذلك بأمر من الله تعالى في كتابه العزيز؟ أم بأمر رسوله؟ أم هم مقتدون بصحابة النبيصلى الله عليه وسلم؟!
إنه لمن الخطأ الواضح أن يقدم المسلمون على فعل ليسله أصل من كتاب ولا سنة وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأمره الله تعالى أن لايتجاوز وحيه{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاإِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاتباع ونهاها عن الإحداث وأن منأحدث حدثاً في الدين فهو مردود عليه«من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد» [رواه البخاري].
أخي فيالله:ألا أدلك على خير من ذلك كله، وهو خير لك في معاشك ومعادك، فسأنضحعليك من طيب النصح، فهل من طالب لأريج المسك ونفحات العطر؟!
أخي:هل تذكرت نعمة الإسلام؟ والتي فاقت كل نعمة وما أعظمه منميلاد يوم أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام فأخرج العباد منالظلام إلى النور ومن الضلال إلى الهدى،قال الإمام ابن رجب: " رحم الله عباده بإرسال محمد صلىالله عليه وسلم فأنقذهم من الضلال كما قال تعالى: {وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ولهذا قالالله تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُوَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] فمن حصل له نصيب من دينالإسلام فقد حصل له الفضل العظيم وقد عظمت عليه نعمة الله فما أحوجه إلى القيامبشكر هذه النعمة وسؤاله دوامها والثبات عليها إلى الممات والموت عليها فبذلك تتمالنعمة ".
كم يمر العام الهجري على المسلمين وأكثرهم لا يتذكر هذه النعمةالجليلة، ولا يلتفت إليها إلا إذا مرَّ عليه رأس العام الهجري الجديد، فلا يتذكرذلك إلا تذكر الغافلين، فما أعظمها من مصيبة.
ثم أخيالمسلم: وأنت تتذكر العام الهجري الجديد هل خطر ببالك ذلك المصاب العظيموالذي زلزل المدينة الطاهرة يوم حدوثه؟
وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم كموكم من المسلمين لا ينتبهون لذلك، وهو الحدث الذي آذن بأول شرط من أشراط الساعة،نعم لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم لنا كتاب الله تعالى وسنته الطاهرة ولكن فقدهله وقعه الخاص على النفوس، هذاأبوالجوزاء يقول: "كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوهفصافحه ويقول: يا عبدالله ثق بالله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة".
إصبر لكل مصيبة وتجلد *** وأعلمبأنًّ المرء غيرُ مخلَّد
واصبر كما صبَر الكرامُ فإنها *** نُوبٌ تَنُوبُاليومَ تُكشفُ في غد
وإذا أتتك مصيبة تشجى بها *** فاذكر مصابكَ بالنبيمحمد
أخي:كم تمر على المسلمالأعوام والحال هي هي!! لا يتغير ولا يتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلبومعاص بلغت عنان السماء، أوامر الرحمن معطلة وأوامر الشيطان تنفذ انشغل الناسبالمعاصي، فإذا كان العام الهجري الجديد، قالوا: هذا هو العامالجديد.
ولكن..
أخي المسلم:أين الجديدمن أفعالك؟ أين الجديد من أقوالك؟ ألا يوجد قلب تاه يفكر فيما مضى من العمر وانصرممن الساعات؟!! قال الإمام ابنرجب: "العجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان ثم أطاعه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْلَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} [الكهف:50]. لما أهبط آدم إلى الأرضوُعد العود إلى الجنة هو ومن آمن من ذريته واتبع الرسل{يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِيفَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف:35]
المؤمنون في دار الدنيا في سفر جهاد يجاهدون فيه النفوس والهوى، فإذاانقضى سفر الجهاد عادوا إلى وطنهم الأول الذي كانوا فيه في صلب أبيهم تكفل اللهللمجاهد في سبيله أن يرده إلى وطنه بما نال من أجر أو غنية".
أخي في الله:ها هي الأرض تعج بالمعاصي والذنوب وتجأر إلىالله من ذلك، وقد غاب عن القلوب الرقيب والمذكر، فكانت المصائب والويلات التي تجرعالمسلم مرارتها، زلازل فيضانات ومجاعات وحروب وكسوف بين الحين والآخر، فلا أحديرعوي ولا مقلع عن الهوى{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّوَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوالَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. قال مجاهد: "أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قريةعلى ماء جار فهو بحر".
أخي:بلاء في بلاء وتمرالسنين والشرور في ازدياد،قالمجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطروتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"،وقالعكرمة: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطربذنوب بني آدم"،وقالبعض الصالحين وقد شكى إليه الناس بلاء وقع: "ما أرى ما أنتمفيه غلا بشؤم الذنوب". وقال الإمام ابنالقيم: "ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً منالفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن".
أخي المسلم:أما آن لك أن تدرك وأنت تدخل عاماً هجرياًجديداً، أن المعاصي والذنوب سبب من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلطالعداء والذل والصغار.
فقد كان منعامة دعاء إبراهيم بن أدهم: ((اللهم انقلني منذل المعصية إلى عز الطاعة)) ومندعاء الإمام أحمد بن حنبل: ((اللهم أعزني بطاعتكولا تذلني بمعصيتك)) .
أخي:هذه فرصةجديدة لك إن قُدر لك أن تحيا هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك رقيباً، فإن اللهتعالى محص عليك أعمالك إن كانت خيراً أو شراً، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يُرفع إليهعمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجههما انتهى إليه بصره من خلقه» [رواه مسلم].
أخيالمسلم: هل فكرت في أن لا يرفع لك إلا عمل صالح؟ فإن ساعات العمر محسوبة وكليوم يمضي من حياتك ينقص به يوم من عمرك يكتب لك فيه ما قلته من قول أو فعلته من فعل{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]،قال ابن عباس رضي اللهعنهما: "يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى إنه ليكتب قوله: أكلتُوشربتُ وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كانفيه من خير وشر وأُلقي سائره فذلك قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُمَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] ".
أخي في الله:كم كان الصالحون يحرصون على إحصاءساعات الليل والنهار وكم كانوا يشفقون أن ترفع لهم أعمال سيئة، فوا حسرة أهل الدنياعندما فاتتهم هذه اللذة، لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى إمرأته يوم الخميس وتبكيإليهويقول: "اليوم تعرضأعمالنا على الله عز وجل" وكان الضحاك يبكي آخر النهارويقول:" لا أدري ما رُفع من عملي، يا من عمله معروضعلى من يعلم السر وأخفى لا تبهرج فإن الناقد بصير".
قال الإمام ابن القيم: "إضاعةالوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عنالدنيا وأهلها". وقال أيضاً رحمهالله: "أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بهاوأنفع لها في معادها".
أخي المسلم:هل فكرتيوماً وأنت تحاسب نفسك كم صعد لك من الأعمال الصالحة؟ من صلاة وصيام وصدقة وقراءهللقرآن وذكر لله تعالى، إنها الأيام تمر وإنه العمر ينقضي قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟وعن عمله فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه» [رواه الترمذي].
أخي المسلم:هو عمرك فلا تقضهإلا في الطاعات حتى يأتيك الموتقال الحسنالبصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ثمقرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]".
أخي:كم مضى عليك من السنين؟ كمعمرت من العمر؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعذر الله إلى امرىء أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» [رواهالبخاري]. وعن وهيب بن الوردقال: "إن لله ملكاً ينادي في السماء كل يوم وليلة أبناء الخمسين زرعدنا حصاده أبناء الستين هلموا إلى الحساب أبناء السبعين ماذا قدمتم؟ وماذا أخرتم؟أبناء الثمانين لا عذر".
عزيزي: كم من العمريمضي في غير طاعة الله؟! كم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟! فعن ابن عباس رضيالله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتانمغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»[رواه البخاري].
قال الإمام ابن الجوزي:قد يكونالإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكونصحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيامزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته فيطاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبهالشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:يسر الفتى طول السلامة والبقا *** فكيف ترى طولالسلامة يَفعَلُ
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة *** ينوء إذا رام القبامويحمل
وقالالطيبي: "ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي لهرأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعاملهويلزم الصدق والخدق لئلا يغبن فالصحة والمال رأس المال وينبغي له أن يعامل اللهبالإيمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول اللهتعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10]، وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطانلئلا يضيع رأس ماله مع الربح".
أخي المسلم:لقداستخلفك الله في الأرض لينظر جهاد المجاهدين في عبادته وطاعته، فيميز بين أوليائهوأعدائه،قال الإمام ابنرجب: "كم لله من لطف وحكمة في إهباط آدم إلى الأرض لولا نزوله لماظهر جهاد المجاهدين واجتهاد العابدين المجتهدين ولا صدعت زفرات أنفاس التائبين ولانزلت قطرات دموع المذنبين".
أخي:لقد أفنيناأعمارننا في حب الدنيا والتنافس في الاستزاده منها والتكاثر في إقتناء حطامها{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2]،قال الإمام ابنالقيم: "وأعرض عن ذكر المكاثر به إرادة لا طلاقة وعمومه وإن كل مايكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل فيهذا التكاثر. فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علمولا سيما إذا لم يحتج إليه والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعهاوتوليدها.. والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقربإلى الله".
أخي المسلم:تمر عليك الأشهر سريعةوكل يوم فيها يطلبك بحظه من الطاعة، فإن المسلم لا تمضي عليه ساعة من ساعات عمرهإلا وهي مشغولة بطاعة مولاه تعالى، حتى أنه ليمر عليه الصيف فيذكر حال من لا ظل لهأو مسكن يؤويه من حر الشمس ولفحها أو من زمهرير الشتاء وقبل هذا كله يذكره الصيفبشدة نار جهنم ويذكره الشتاء بزمهريرها،قال الإمام ابن رجب: "من فضائل الشتاء أنه يذكربزمهرير جهنم ويوجب الإستعاذة منها".
أخيالمسلم:تلك هي حال المؤمنين الصادقين لا تمر عليهم أيام السنة، إلا وهم قداستزادوا من الصالحات وعمروا أوقاتهم بالطاعات وإذا أردت أن تعرف أخي أحوالالصالحين فتعال معي: قدم مسافر فيما مضى على أهله فسروا به وهناك امرأة من الصالحاتفبكتوقالت: "ذكرني هذابقدومه القدوم على الله عز وجل فمن مسرور ومثبور!!".
أرأيت أخي المسلم؟ ماأسعد الصالحين بمعرفة مولاهم، وما أرفع مقامهم بنهلهم من مورد الطاعات ومعينالقربات، فوا حسرتاه على قوم فاتتهم هذه اللذات حتى خرجوا من دار الفناء والممات.
ألا إنما التقوى هي العز والكرم *** وحبك للدنيا هو الذل والسَّقَمْ
وليس على عبد تقى تقيصة *** إذا حققالتقوى وإن حاك أو حَجَمْ
أخيالمسلم:اغتنم مواسم الطاعات وأيام القربات فلا تفوتنك وأنت لاه غافل يمرعليك شهر شعبان فماذا أديت من الطاعات؟ ويمر عليك شهر رمضان شهر الصبر والقرآنوالقيام في أيامه الحسان فماذا أديت فيه من الطاعات؟ وتمر عليك أشهر الحج أيامزيارة المشاعر المعظمة، فما الذي قدمته من القربات؟ وهل سكبت الدموع هنالك ونثرتبين يدي مولاك الحاجات؟قال الأمام ابنرجب: "هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادير للآجالومواقيت للأعمال ثم تنقضي سريعاً وتمضي جميعاً والذي أوجدها وابتدعها وخصهابالفضائل وأودعها باق لا يزول ودائم لا يحول هو في جميع الأوقات إله واحد ولأعمالعباده رقيب مشاهد، فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم ليسبغعليهم فيها فواضل النعم ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لما انقضت الأشهر الثلاثةالكرام التي أولها الشهر الحرام وآخرها شهر الصيام أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة أشهرالحج إلى البيت الحرام فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه فمن حجالبيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فما يمضي من عمر المؤمن ساعةمن الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذهالوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف. المحب لا يمل من التقرب بالنوافل إلىمولاه ولا يأمل إلا قربه ورضاه، كل وقت يخليه العبد من طاعة مولاه فقد خسره وكلساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة ترة، فوا أسفاه على زمان ضاع فيغير طاعته وواحسرتاه على وقت فات في غير خدمته".
أخيالمسلم:لقد انصرمت السنين وذهبت الشهور والأيام والكثيرون في غيهم وضلالهم،أخي، عجل بالرجوع إلى الله فهو نعم المرجع{أَلَمْ يَأْنِلِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَالْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَعَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].
أخي في الله:الإنابةالإنابة.. التوبة التوبة قبل حلول الأجل وقطع الأمل قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزوجل يقبل توبة العبد مالم يغرغر» [رواه أحمدوالترمذي وابن حبان]، وعن طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَبِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ} [سبأ:54]،قالوا: "طلبوا التوبة حين حيل بينهموبينها".
ألسنا نرى شهوات النفوس *** تفنى وتبقى علينا الذنوبُ
يخافعلى نفسه من يتوبُ *** فكيف يكن حال من لا يتوبُ
قال الفضيل بن عياض رحمهالله لرجل:كم أتى عليك؟قال:ستون سنة،قال له:أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك؟! يوشك أنتبلغ. فقال الرجل:إنا للهوإنا إليه راجعون. فقال الفضيل:من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف وإنه مسؤول فليعدللمسألة جواباً. فقال له الرجل:فما الحيلة؟قال:يسيرة. قال:وماهي؟قال: تحسن فيما بقي فيغفر لك مامضى فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي.
وقال الحسن البصري:" اتق الله يا ابن آدم لا يجتمععليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت".
أخيالمسلم:احذر موت الفجأة وصرعة الغفلة، فقد جاء أن بعض المتقدمين سكر ليلةفعاتبته زوجته على ترك الصلاة، فحلف بطلاقها ثلاثاً لا يصلي ثلاثة أيام فاشتد عليهفراق زوجته فاستمر على ترك الصلاة مدة الأيام الثلاثة فمات فيها على حاله وهو مُصرعلى الخمر تارك للصلاة.
أخي في الله:أعاذنيالله وإياك من الخواتم الردية، فابك أخي على نفسك كم نأمل في هذه الدنيا حتى انقطعتبنا الآمال؟! قال بكرالمزني: "لا تزال التوبة للعبد مبسوطة مالم تأته الرسل فإذا عاينهمانقطعت المعرفة". فردد معي أخي:
ألا للموت كأس أي كأس *** وأنت لكأسه لابد حاسي
إلى كموالممات إلى قريب *** تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي
أخي المسلم:تذكر بانقضاء السنين انقضاء الأعمار وبزوال الليلوالنهار الدنو من دار القرار وبالحر والبرد جنان ربك والنار.
قد هيأوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أنترعى مع الهمل
وأخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبل المراضي وآمننيوإياك يوم ينادي المنادي.
أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم
يسوقنا الحديث عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم وحاجتنا لهدا الحب في الدنيا والآخرة إلى الحديث عن أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي علاقة خاصة متميزة نشأت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة رضوان الله عليهم. فكان صلى الله عليه وسلم للصحابة كالوالد الشفوق لهم أو كلأب الرحيم عليهم, يتابع أمورهم وأحوالهم الخاصة والعامة, الدينية والدنيوية بدقائقها وتفصيلاتها, وتطورت هده العلاقة عند المهاجرين والأنصار في مجتمع المدينة المنورة (مجتمع العائلة الكبيرة وراعيها ووليها رسولنا صلى الله عليه وسلم), حتى غدت وارفة الظلال تؤتي أكلها كل حين بإدن ربها, فكانت كما أرادها تعالى بين رسوله وخيرة خلقه ونزلت الآية الكريمة من سورة الأحزاب تمدح هده العلاقة وتؤكدها بقوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وأزواجه أمهاتهم ولتكون الصورة أوضح نزلت الآية الكريمة : إنما المؤمنون أخوة، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأخوة لا مثيل لها في التاريخ تحت كنفه ورعايته ومباركته وحرصه عليهم , قال تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
قال ابن كثير في تفسيره عند الآية السادسة من سورة الأحزاب : روى الإمام أحمد عن الزهري في قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه , فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي, ومن ترك مالاً فهو لورثته. ورواه أبو داوود عن أحمد بن حنبل به نحوه. قال ابن كثير بمناسبة قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم. أي في الحرمة والإحترام والتوقير والإكرام والإعظام.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما قرآ : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وروي نحو هدا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن , وهو أحد الوجهين في مدهب الشافعي رضي الله عنه, حكاه البغوي وغيره, واستأنسوا بالحديث الدي رواه أبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا لكم بمنزلة الوالد , أعلمكم , فإدا جاء أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه. أخرجه النسائي وابن ماجه... انتهى كلام ابن كثير تفسير ابن كثير.
الأب لغة : ما كان سبباً في ايجاد الشيء أو اصلاحه قاموس المنجد. فعلى هدا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لجهده في اصلاح الصحابة ومن جاء بعدهم. وهده الأبوة هي أبوة روحية تنشأ نتيجة الإدعان له والإتباع لنهجه فهي نسب روحي رباني نتيجة الإنتساب لهدا الدين ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم. جاء بالحديث : ليس بين الله وبين عباده نسب إلا بطاعته. وقد ظهرت الأبوة أيضا عند الأنبياء السابقين وأتباعهم , فهدا سيدنا لوط عليه السلام يقول {قال ياقوم : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} هود / 78. ويقصد هنا على قول أكثر المفسرين نساء قومه مخاطباَ شباب قومه : تزوجوا نساء قومي فهم أطهر لكم من الفاحشة, وقال بناتي ويعني بنات القبيلة موضحا العلاقة بينه وبين أفراد القبيلة.
فللنبوة في بعض معانيها الكثيرة معنى الأبوة : وهي رابطة روحية تربط النبي بأتباعه تنشأ نتيجة الإدعان له والإتباع لنهجه بعد مبايعته فتمنحهم الدفء والأمان والرعاية والحماية من الشرور والآثام وقد كان هدا المعنى واضحا جليا في علاقة الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلمومع تقدم الأيام تعمق الشعور لدى الصحابة بأبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم, ونجد دلك كثيرا في ثنايا السيرة النبوية العطرة.
منها مناغاة الرسول صلى الله عليه وسلم للطفل ابن عباس رضي الله عنهما : يا غلام اني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك.
وعندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الثنية مودعاً معاد بن جبل لليمن كان ينظر إليه نظر الأب الحنون , ويتملى من وجهه قبل وداعه ثم يقول : لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا. ولشدة حبه لولده يطلب منه أن يزور قبره.
وكان صلى الله عليه وسلم يمازح صغيرهم : يا عمير ما فعل النغير... وكبيرهم أمسك مرة بجليبيب رضي الله عنه من خلفه بالسوق ونادى من يشتري هدا العبد.
ويفاكه شيوخهم : قال مرة لإمرأة مسنة : لا يدخل الجنة عجوز... ويبشرهم : وسألته أم حارثة عن ابنها القتيل أبالجنة فأفرح أم بالنار فأحزن ؟ فسكت ثم قال لها أجنة هي ؟؟ بل جنان فدهبت فرحة بهده البشرى.
ويواسي فقيدهم , ويحضن صغارهم : قصته مع أولاد جعفر عندما جاء خبر استشهاده في مؤتة.
ويعاقب مقصرهم : قصة الثلاثة الدين تخلفوا عن غزوة تبوك دون عدر , وينقل لنا كعب معاناته خلال هدا الهجر والعقاب وملاحقته اليومية لشفاه الرسول ونظراته وكيف كان يتعمد السلام ويقول عساه تحركت شفتاه بالسلام , وكان حرصه على نظرة من حبيبه صلى الله عليه وسلم تؤكد على علاقة الأبوة المتينة التي كان يظللبها صحابته رضوان الله عليهم. كان متابعة كعب متابعة الولد المشفق من دنبه مقابل عتاب الرسول الوالد الرحيم. بالمؤمنين رؤوف رحيم.
ويجبر كسر فقيرهم : جابر بن عبد الله رضي الله عنهما , كان ضعيف دات اليد , نقلت لنا السيرة على لسان جابر دلك الحوار الممتع بين الوالد الرحيم وجابر الفقير , وأسئلته صلى الله عليه وسلم المستفيضة عن أحواله وأخباره بدقائقها وبدعابة لطيفة منه صلى الله عليه وسلم, ثم يقص علينا جابر كيف اشترى منه ناقته الهزيلة , والقصة ممتعة وطريفة.
ويعطي الأمان للغريب منهم : سلمان رضي الله عنه رجل فارسي تنقل بين الأديرة والرهبان والبلدان باحثا عن الدين الحق حتى قاده قدره إلى العبودية, ولما تعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به ساعده في عتق رقبته من العبودية وكي لايشعر بالغربة بين المهاجرين والأنصار قال صلى الله عليه وسلم (سلمان منا آل البيت).
هده العلاقة المتينة ضمن الأسرة الواحدة بكنف الوالد الرؤوف الرحيم, صقلت الصحابة وجعلت منهم رجالاً عظماء كانوا أكفاء لحمل الأمانة من بعده, ولشدة حبه لأولاده قال لنا : لا تسبوا أصحابي.
ومن صور حبه لهم نرى صورة محزنة له صلى الله عليه وسلم يوم فجيعته بأصحاب بئر الرجيع وحزنه الكبير الدي لازمه حتى وفاته على شهداء أحد السبعين. ومن شدة حبه للرعيل الأول الدين حملوا معه عبء الدعوة كان يتولى بنفسه الصلاة على فقيدهم ودفنه وربما نزل في قبره وربما بكى عليه كما حصل يوم مات عثمان ابن مظعون وكدلك يوم ماتت السيدة فاطمة بنت أسد وغبرهما كثير...
وترتقي هده العلاقة مع بعض الصحابة حتى غدت عند الرسول أغلى من الولد سألته السيدة فاطمة من أحب إليك أنا أم علي ؟ قال صلى الله عليه وسلم (يابنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك ) أحرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وادا كنا نؤكد هنا هده العلاقة الخاصة من الأبوة بين الأنبياء وأتباعهم بسبب العقيدة والنسب الروحي فإننا نلاحظ أن العلاقة الصلبية بين النبي وأولاه تنقطع بسبب العقيدة , فهدا نوح عليه السلام كان ولده مع الكافرين وعندما جاء الأمر الالهي للماء وخاف نوح عليه السلام على ولده أن يموت كافرا سأل الله تعالى أن ينجي له ولده {ونادى نوح ربه فقال : رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الخاكمين , قال يانوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} هود / 44 - 45 .
التعديل الأخير تم بواسطة جودة حسني ; 02-12-2010 الساعة 01:03 PM
مشكور على الجهد الرائع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML |
المفضلات