من بين كل الغشاشين والنصابين والحرامية الذين تمتلأ بهم دنيانا الواسعة؛ أخذت بائعي الخوخ مثلا لا حصرا
لا لشىء الا أننى كلما أشتريت خوخا تعرضت للغش.
وللخوخ عندى معزة خاصة وله فى قلبى منزلة رفيعة
اذ أننى أشعر بالسعادة عندما أنظر اليه
وتزيد سعادتى عندما تمتد يدى الى فمى حاملة خوخة متختخة حمراء البشرة
وأصل الى قمة هذه السعادة عندما أنقض على الخوخة وأعمل فيها مخالبى وأشعر بمذاقه الحلو فى فمى
أرأيتم
أنا إنسان بسيط تسعدنى خوخة جميلة
وهو شىء سهل المنال على حد ظنى
ولكن يبدو أن البعض يستنكر على هذه السعادة
وكما أن الطعنات غالبا ما تنهال عليك من أقرب الناس اليك
وكثيرا ما يتسبب هذا الذى تحبه وتهواه فى جرحك سواء أقصد هذا أم لم يقصده
فأن الخوخ قد فعل هذا معى مرارا وتكرارا
وطبعا الخوخ لا يقصد ذلك
وأنما هؤلاء الوحوش الذين يقودون زمامه ويملكون لجامه.
أكون سائر فى طريق _ لا بى ولا على _ فلا تقع عينى الى على كومة الخوخ المكدسة على عربة يتقدمها حمار ظريف مجرب اللون؛ ويبدو لناظرى من بعيد الهرم الخوخى الوردى اللون ضاحكا مستبشرا ينطق بالصحة والعافية ويدعونى الى التقدم اليه بكل اطمئنان.
فألبى نداء الحبيب القريب من القلب وزيادة فى الأطمئنان أسأل البائع _ بكل براءة _:
الخوخ حلو؟!
فينظر الى نظرته الى معتوهة
ويجيب بثقة: تمام التمام.... هو حضرتك شايف ايه؟
فأصمت فى خجل وأطلب منه _ ليس كيلو أو أثنين _ بل خمسة أو ستة كيلو لأثبت للخوخ عمق محبتى اليه ومقداره عندى
وأمضى الى حال سبيلى فرحا..... وأدخل بيتى مستبشرا... وردا على نظرات أصدقائي المتسائلة أجيبهم ببساطة
ده خوخ يارجالة
فيصمت اصدقائي وكأنما تعودوا أن يلقوني معه
ويمسك اصدقائي بالكيس الكرتونى ليخرجوا محتواه وأنا انظر اليهم بثقة واتذكر تلك الثمار الت اشتريتها فيسيل لعابى
ولكن
ما أني يُخرج اصدقائي ما بالكيس حتى ينفتح فمى فى بلاهة وتبرق عيناى فى دهشة اذ أننى أجد أن هذه الثمار التى أخرجها اصدقائي مختلفة تمام الأختلاف عن تلك الظريفة التى أشتريتها وسال لعابى لها
وجدتها وقد كشرت عن أنيابها وأخرجت محتوياتها حتى بانت لعينى المذهولة نواتها الداخلية وكأنها تخرج الى لسانها ناهيك عن أن الجزء الذى يشغل قاع الكيس غالبا ما يخرج قطعة واحدة ملتحمة الأطراف موحدة الجوانب.
وتنهال كلمات التقريع على من كل جانب على هذه الخيبة الفريدة من نوعها
ويتسائل الجميع فى سخرية : هل تقول للبائع أعطنى خوخا فاسدا من فضلك؟
فأدافع عن نفسى فى حرارة وأقسم بداخلى أنى لن أشتر ى خوخا مرة أخرى والعن كل بائعى الخوخ على وجه البسيطة
ولكنى أبدا لا أصب اللوم على صاحبى( الخوخ )..... فهو منهم براء.
وتتكرر القصة بحذافيرها
وأنا لا أتعظ
دائما أفترض الخير فى البائع الذى أمامى
ودائما أفترض أنه ليس كالأخرين
ودائما ما أصاب بخيبة أمل.
وفى يوم أردت أن أثبت نباهتى
وبعد أن وضع الرجل الثمار بالكيس؛طلبت منه أخراجها بحجة أن بعضها لا يعجبنى
فأكفهر وجه البائع وأحتقن شأن كل نزيه طعن فى كرامته وارتفع صوته
(عيب يا باشا الا المال الحرام)
وشعرت بالندم والخجل على ما تفوهت به فى حق الرجل
وأعتذرت بأننى ما قصدت هذا المعنى
وقبل الرجل أعتذارى على مضض وأن كانت كل ملامحه تنطق بالألم
ألم ذلك المطعون فى كرامته وأخلاقه وأمانيه
ومضيت فى طريقى وأنا أهتف فى نفسى
لسة الدنيا بخير
ذهبت الى بيتى
وأخرجت الى الكيس
وقبل أن أفتحه أحسست بسائل لزج يبلل أصابعى فلم أعره أهتماما وفتحت الكيس
ومددت يدى بداخله
فأصطدمت يدى بشىء أبعد ما يكون عن الخوخ
نظرت الى الكيس بدهشة
فبدا لى أشبه بطبق من المهلبية أو العصيدة
وأنهال اللوم على من كل جانب
ولكنى
لم أكترث
كنت أشعر بالمرارة تموج بداخلى
وتردد فى عقلى السؤال
لماذا؟
لماذا خدعتنى؟
ماذا ستكسب الا جنيهات قليلة مصحوبة بدعوات لن تسر عدو أو حبيب
لماذا تخدعنى وقد تحتاج الى؟
وان لم يكن لك بى من حاجة.....لماذا ورزق قليل مصحوبا بالبركة خير من كثير لا بركة فيه؟
أو ما قرأت يوما قول الحق تبارك وتعالى (ويل للمطففين)
ألم يعلموك فى الحضانة ان الغش حرام وأن من غشنا ليس منا.
طبعا مسألة الخوخ هذه بسيطة
ولكنها ظاهرة أنتشرت فى حياتنا حتى بتنا نألفها
فأنت لا تشترى سلعة الا وأنت على يقين أن نصفها _ على الأقل _ مصيره الى سلة المهملات وتمنى نفسك أن يكون النصف الآخر بخير.
ولا تشترى مسكنا الا وتدعو الله أن لا ينهار فوق رأسك لتصبح لك مثوى ومقرا أبدي
ولا تدخل غرفة العمليات الا وتخرج منها لتطمئن على نفسك أن أعضاءك لم تسرق
غش فى الماء والدواء والهواء
فيا بائعى الخوخ
عذرا أن وجهت اليكم الحديث
فليس أنتم فقط من يتقن الغش
ولكنى أحب الخوخ وأريد خيره وخيركم
فأن قسوت عليكم فمعذرة اليكم
نقل مع التعديل
المفضلات