1ـأنهم أمة واحدة من دون الناس.المؤاخاة بين المهاجرينوالأنصار »
وكما قام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد مركز التجمعوالتآلف؛ قامبعمل آخر من أروع ما يحفظه التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بينالمهاجرينوالأنصار. قال ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلمبينالمهاجرين والأنصار، في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلا نصفهممنالمهاجرين ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثونبعدالموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل {وأولواالأرحام بعضهم أولى ببعض } [ 75:8] رد التوارث دون عقد الاخوة. وقدجعلالرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا، لا لفظا فارغا،وعملايرتبط بالدماء والأموال لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لهاأثر. وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوةوتملأالمجتمع الجديد بأروع الأمثال. فقد روى البخاري أنهم لما قدمواالمدينةآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بنالربيعفقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين،ولىامرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتهافتزوجها،قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بنيقينقاع،فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط (طعام من لبن الإبل) وسمن، ثم تابعالغدو،ثم جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم ؟ (كلمة
يمانية معناها ما الذي أرى بك) قال: تزوجت. قال: كم سقت إليها؟ قال: نواةمن ذهب. وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى اللهعليهوسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا، فقالوا: فتكفوناالمؤنة،ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا. وهذا يدلنا على ما كانعليهالأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحيةوالإيثاروالود والصفاء وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره،فلميستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يحفظ حياتهم. وحقا فقد كانتهذهالمؤاخاة حكمة فذة، وسياسة صائبة حكيمة، وحلا رائعا لكثير من المشاكلالتيكان يواجهها المسلمون، والتي أشرنا إليها. وكما قام رسول الله صلىاللهعليه وسلم بعقد المؤاخاة بين المؤمنين قام بعقد معاهدة أزاح بها كل ماكان من حزازات الجاهلية والنزعات القبلية، ولم يترك مجالا لتقاليدالجاهلية،وهاك بنودها ملخصا: هذا كتاب من محمد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـبينالمؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم:
2 ـ المهاجرون من قريش على ربعتهم (أيحالتهمالتي وجدها عليهم الإسلام) يتعاقلون بينهم (أي يعقل بعضهم عن بعض،والعقل: الدية) وهم يفدون عانيهم (أي أسيرهم) بالمعروف والقسط بينالمؤمنين، وكل قبيلةمن الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلطائفة منهم تفدي عانيهابالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3 ـ وأن المؤمنينلا يتركون مفرحا بينهم (أيالمثقل بالدين) أن يعطوه بالمعروف في فداء أوعقل(أي دية).
4 ـ وأن المؤمنينالمتقين على من بغى عليهم، أو ابتغى ظلماأي طلب إتاوة بالظلم) أو إثم أو عدوانأو فساد بين المؤمنين.
5 ـ وأنأيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.
6 ـ ولايقتل مؤمن مؤمنا في كافر.
7 ـ ولا ينصر كافرا على مؤمن. 8 ـ وأن ذمة الله واحدةيجير عليهم أدناهم.
9 ـ وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومينولا متناصرين
عليهم. 10 ـ وأن سلم المؤمنين واحدة، ولا يسالم مؤمن دون مؤمن فيقتال فيسبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
11ـ وأن المؤمنين يبيء بعضهم علىبعضبما نال دماءهم في سبيل الله (البواء: المساواة، والمقصود أنهم يدواحدةيثأرون لبعضهم).
12 ـ وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولايحول
دونه على مؤمن.
13 ـ وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا (أي قتله بلا جناية) عنبينة فإنه قود به (أي عليه الدية) إلا أن يرضى ولي المقتول.
14 ـوأنالمؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه. 15 ـ وأنه لا يحل لمؤمنأنينصر محدثا (أي مجرما) ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليهلعنةالله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
16 ـ وأنكم مهما اختلفتم فيه من شئ فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
المفضلات