المؤاخاة بين المهاجرينوالأنصار »
وكما قام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد مركز التجمعوالتآلف؛ قامبعمل آخر من أروع ما يحفظه التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بينالمهاجرينوالأنصار. قال ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلمبينالمهاجرين والأنصار، في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلا نصفهممنالمهاجرين ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثونبعدالموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل {وأولواالأرحام بعضهم أولى ببعض } [ 75:8] رد التوارث دون عقد الاخوة. وقدجعلالرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا، لا لفظا فارغا،وعملايرتبط بالدماء والأموال لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لهاأثر. وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوةوتملأالمجتمع الجديد بأروع الأمثال. فقد روى البخاري أنهم لما قدمواالمدينةآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بنالربيعفقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين،ولىامرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتهافتزوجها،قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بنيقينقاع،فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط (طعام من لبن الإبل) وسمن، ثم تابعالغدو،ثم جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم ؟ (كلمة
يمانية معناها ما الذي أرى بك) قال: تزوجت. قال: كم سقت إليها؟ قال: نواةمن ذهب. وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى اللهعليهوسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا، فقالوا: فتكفوناالمؤنة،ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا. وهذا يدلنا على ما كانعليهالأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحيةوالإيثاروالود والصفاء وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره،فلميستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يحفظ حياتهم. وحقا فقد كانتهذهالمؤاخاة حكمة فذة، وسياسة صائبة حكيمة، وحلا رائعا لكثير من المشاكلالتيكان يواجهها المسلمون، والتي أشرنا إليها. وكما قام رسول الله صلىاللهعليه وسلم بعقد المؤاخاة بين المؤمنين قام بعقد معاهدة أزاح بها كل ماكان من حزازات الجاهلية والنزعات القبلية، ولم يترك مجالا لتقاليدالجاهلية،وهاك بنودها ملخصا: هذا كتاب من محمد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـبينالمؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم: