نساء مؤمنات
...............................
الخنساء بنت عمرو
(أم الشهداء)
..................................................
هي أم عمرو تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السليمية الملقبة بالخنساء، من أشهر شاعرات العرب. وقد أجمع علماء اللغة والأدباء ونقاد الشعر على أنه لم تكن امرأة أشعر منها، وشعرها كله في رثاء أخويها معاوية وصخر
اشتهر رثاؤها في أخويها وعظم مصابها فيهما. وأنشدت الخنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت فقال لها النابغة ( اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين. ولولا أن هذا الأعمى (يعني الأعشى) أنشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا الموسم).
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم، وأعلنت إسلامها وإيمانها بعقيدة التوحيد، وحسن إسلامها حتى أصبحت رمزا متألقا من رموز البسالة، وعزة النفس، وعنوانا للأمومة المسلمة المشرفة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: (هيه يا خناس ويومئ بيده) .
وعندما أخذ المسلمون يحشدون جندهم ويعدون عدتهم زحفا إلى القادسية، و كل قبيلة تزحف تحت علمها مسارعة إلى تلبية الجهاد كانت الخنساء مع أبنائها الأربعة تزحف مع الزاحفين للقاء الفرس وفي خيمة من آلاف الخيام،جمعت الخنساء بنيها الأربعة لتلقي إليهم بوصيتها فقالت: يا بني أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) .
فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم متبصرين بالله على أعدائه منتصرين. فلما أشرق الصبح واصطفت الكتائب وتلاقى الفريقان أخذت تتلقى أخبار بنيها وأخبار المجاهدين.
و جاءها النبأ باستشهاد أبنائها الأربعة فقالت:
(الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
سبحان الله كيف يغير الإسلام القلوب , لقد بقيت الخنساء في الجاهلية زمنا طويلا تبكي أخويها صخرا ومعاوية وتندبهما و ترثيهما ,وها هي في الإسلام تستقبل خبر استشهاد بنيها الأربعة فتكتفي بأن تحمد الله عز وجل , وتشكره على هذا الشرف العظيم الذي منحها إياه باستشهادهم
إن نفس المؤمن تسمو بإيمانها على كل متاع الدنيا الزائف الفاني , طمعا فيما عند الله تعالى
توفيت الخنساء بالبادية في أول خلافة عثمان بن عفان- رضي الله عنه- سنة 24 هـ.
.................................................. ........
السميراء بنت قيس
(الصابرة المجاهدة)
....................................
هي السميراء بنت قيس، أسلمت فشمخت بإسلامها، وشمخ بها الإسلام فإذا هي نموذج فريد متحرك لما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة.
وحين نفر المسلمون إلى أحد، سارعت السميراء تحرض ولديها، النعمان بن عبد عمرو، وسليم بن الحارث، للنفرة مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ثم مضت من خلف الركب النبوي، مع نفر من نساء المسلمين تستطلع أخبار القتال.
واحتدم القتال، والسميراء ورهطها يراقبن عن بعد مجرى المعركة، حتى إذا لاح لها فارس يقترب، نهضت إليه تستوقفه، وتسأله عن أخبار المعركة، فعرفها الفارس فنعى إليها ولديها النعمان وسليم، فما زادت على أن قالت: ( إنا لله وإنا إليه راجعون).
وعادت إلى الرجل تقول: يا أخا الإسلام، ما عنهما سألتك، أخبرني ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الرجل: خيراً إن شاء الله هو بحمد الله على خير ما تحبين.
فقالت: أرنيه انظر إليه. فأشار إليه،
فقالت: وقد تهلل وجهها، ونسيت مصيبتها بولديها:
كل مصيبة بعدك تهون يا رسول الله.
وما هي إلا سويعات، حتى جيء لها بولديها الشهيدين: فقبلتهما وحملتهما على ناقتها، ورجعت بهما إلى المدينة.
وفي الطريق، قابلتها عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- فقالت : ما وراءك يا سميراء؟. قالت: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بحمد الله بخير , وأما المسلمون فقد اتخذ الله منهم شهداء، وأما الكافرون فقرأت قوله تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال) .
قالت عائشة- رضي الله عنها-: فمن هؤلاء الذين فوق الناقة يا سميراء؟
قالت: هما ولداي، النعمان وسليم، قد شرفني الله باستشهادهما، وإني لأرجو الله أن يلحقني بهما في الجنة.
رحم الله السميراء بنت قيس وأسكنها الله فسيح جناته
.................................................. ...............
شهيدة البحر
أم حرام بنت ملحان
..........................
هي أم حرام بنت ملحان ، بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنيم بن عدي الأنصارية النجارية المدنية .
أخت أم سليم ،وخالة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وزوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت. وأخواها سليم وحرام اللذان شهدا بدراً وأحداً، واستشهدا يوم بئر معونة، وحرام هو القائل عندما طعن من خلفه برمح : فزت ورب الكعبة.
كانت أم حرام رضي الله عنها من علية النساء ، أسلمت، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت . وروت الأحاديث ،وحدث عنها أنس بن مالك وغيره من الصحابة .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويزورها في بيتها ، ويقيل عندها ، فقد كانت هي و أختها أم سليم خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم،إما من الرضاع ،و إما من النسب ، لذا تحل له الخلوة بهما.
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه :
(دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا أنا ،وأمي ،وخالتي أم حرام ،فقال: قوموا فلأصل بكم ،فصلى بنا في غير وقت صلاة )
وكانت أم حرام رضي الله عنها تتمنى أن تكون مع الغزاة المجاهدين الذين يركبون البحر لنشر الدعوة ،وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .فاستجاب الله لها وحقق أملها ،حيث تزوجت من الصحابي الجليل عبادة ابن صامت وخرجت معه واستشهدت هناك في غزوة قبرص .
يقول أنس رضي الله عنه حاكيا القصة :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام زوجة عبادة بن الصامت ،فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته ثم جلست ،فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك
فقالت أم حرام : ما يضحكك يا رسول الله ؟.
قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ،يركبون ثج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة)
فقالت أم حرام :يا رسول الله ،ادع الله أن يجعلني منهم
فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ،ثم استيقظ وهو يضحك .
فقالت أم حرام :يا رسول الله ما يضحكك ؟.
فقال صلى الله عليه وسلم ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله مثل الملوك على الأسرة)
فقالت :يا رسول الله ،ادع الله أن يجعلني منهم .
فقال أنت مع الأولين )
قال - يعني أنس بن مالك- رضي الله عنه :
فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت،فلما جاز البحر ،ركبت دابة فصرعتها فقتلتها ،وكانت تلك الغزوة غزوة قبرص ،فدفنت فيها ،وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان رضي الله عنهم جميعا.
وكان ذلك في سبع وعشرين .
وكان قبرها معروفا يسمى بقبر المرأة الصالحة
وهكذا كانت أم حرام رضي الله عنها واحدة من تلك الأسرة الكريمة الوفية للمبادئ التى تحملها وتبذل كل ما في وسعها لنشر عقيدة التوحيد خالصة لا تبغي من وراء ذلك إلا رضا الله عز وجل .
.................................................. .................
خولة بنت ثعلبة
رضي الله عنها وأرضاها
المرأة التي سمع الله قولها
.............................................
هي خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف, من ربات الفصاحة والبلاغة, تزوجها أوس بن الصامت , أخو عبادة بن الصامت, رضي الله عنهما, وهو ممن شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنجبت منه خولة ولدهما الربيع.
وهي التي سمعها الله من فوق سبع سماوات وهي تستفتي وتجادل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لقيت من زوجها عندما قال لها: (أنت علي كظهر أمي )
وذلك بعد أن راجعته في شيء فغضب منها.
فقال لها الرسول صلى عليه وسلم : " ما أعلمك إلا قد حرمت عليه".
وهنا رفعت المرأة المؤمنة يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى, وفي عينيها دموع وحسرة, واتجهت إلى من لا يخيب من دعاه قائلة:
اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي.
وما كادت تفرغ من دعائها حتى تغشى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه عند نزل الوحي , ثم سرى عنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ثم قرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم
( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (1)
إلى قوله تعالى ..
(..وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (4)
المجادلة :1-4
فحرم الله تعالى الظهار , وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي أو كظهر أختي أو ما شابه هذا القول
وبين الله تعالى أنه إثم عظيم وجرم كبير , وبين الكفارة في ذلك لمن وقع في هذا الإثم , وهي تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا
قبل أن يمس زوجته .
فخلد الله ذكر خولة بنت ثعلبة لارتباط أمرها مع زوجها بهذه الآيات الكريمات , وبهذا الحكم الجليل
وهنا لا بد من أن نذكر هذا الموقف الرائع لها رضي الله عنها مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
خولة بنت ثعلبة هذه المرأة المؤمنة رضي الله عنها التي رباها الإسلام توقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الطريق لتعظه وتنصحه قائلة:
( يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك, فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر, ثم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين, فاتق الله في الرعية, واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد, ومن خاف الموت خشي الفوت, ومن أيقن بالحساب خاف من العذاب)
ولكن الجارود العبيدي كان يرافق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال لها : قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين.
فقال عمر: دعها , أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات فحق لعمر أن يسمع لها.
وفي رواية قال عمر رضي الله عنه: والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضر صلاة فأصليها, ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها.
هذه هي قصة المرأة المجادلة لسيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة والسلام تحمل في طياتها من العبر والدلالات ما يجعل المرأة المسلمة ترفع رأسها عاليا بفخر واعتزاز لتقدير الإسلام لها واهتمامه بها.
فلله در نساء العقيدة الصحيحة أمثال خولة, فهي تقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مجادلة(محاورة) مستفتية, أما الاستغاثة والشكوى فلا تكون إلا لله تعالى, وهذا هو صريح الإيمان والتوحيد الذي تعلمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
.........................................