الوسطية في الإسلام.. ماذا تعني؟!
نردد كثيراً.. إن الإسلام دين الوسطية.. نقول: "خير الأمور الوسط".. ونتصور أن الوسطية هي مسك العصي من منتصفها.. أو الوقوف بين منطقتين متنافرتين.. متناقضتين.. متباعدتين.. وهذا التصور فيه اجتهاد بشري.. لا اجتهاد إسلامي.
إن الوسطية في الإسلام هي الصراط المستقيم.. الخط الدقيق الفاصل بين الزيت والماء.. شعرة رفيعة بين الحق والباطل.. ولأن الوقوف علي هذا الخط صعب.. ولأن الاحتفاظ بهذه الشعرة أكثر صعوبة.. فإن الصراط المستقيم لا نصل إليه إلا بالدعاء.. "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".. إننا نكررها كلما قرأنا الفاتحة.. ونحن نقرأ الفاتحة في الصلاة أكثر من مرة.. لأن الوصول إلي الصراط المستقيم صعب جداً.. لا نقول مستحيلاً.
يقول الله سبحانه وتعالي للنبي صلي الله عليه وسلم : "قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم".. فالصراط المستقيم هداية من عند الله.. ويقول سبحانه وتعالي: "وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم".. فالصراط المستقيم الذي منحه الله للرسول يمنحه الرسول لغيره من المؤمنين.. هؤلاء المؤمنون يصلون إلي الصراط المستقيم بطاعة الله ورسوله.. يقول سبحانه وتعالي: "ومن يُطع الله والرسول فأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً".
لقد هدي الله النبيين إلي الصراط المستقيم.. وعن طريق النبيين أنعم علي قوم بهذه الهداية.. ثم هدي الله الصديقين إلي الصراط المستقيم.. وعن طريق الصديقين أنعم الله علي قوم بهذه الهداية.. ثم هدي الله الشهداء إلي الصراط المستقيم.. وعن طريق الشهداء أنعم الله علي قوم بهذ الهداية.. ثم هدي الصالحين إلي الصراط المستقيم.. وعن طريق الصالحين أنعم الله علي قوم بهذه الهداية.
والكلام في الصراط المستقيم دقيق جداً.. أرق من الشعرة.. ولكنه في الوقت نفسه أحدُّ من السيف.. المشي علي الصراط المستقيم كالمشي علي شعرة.. كالمشي علي حد السيف.. ويستحيل أن يبحث أي شخص عنه بنفسه.. كل ما علينا أن نطلب من الله أن يهدينا الصراط المستقيم.. ونكرر ذلك بتكرار قراءة الفاتحة.
والمعروف أن الفاتحة كما فسرها سيدنا علي زين العابدين: بها ثلاث حقائق:
1 الحقيقة الأولي: حقية.. وهي في قوله سبحانه وتعالي: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين".. كلها تتعلق بالحق.
2 الحقيقة الثانية: حقية خلقية.. جامعة بين الحق والخلق.. وهي في قوله سبحانه وتعالي: "إياك نعبد وإياك نستعين".. فإذا تحقق الجزء الثاني كان الجزء الثالث أو الحقيقة الثالثة.. وإذا لم يتحقق فقد الجزء الثاني والجزء الثالث.. "إياك" حق.. و"نعبد" خلق.. و"إياك".. حق.. و"نستعين" خلق.
3 الحقيقة الثالثة: خلقية.. وهي في قوله سبحانه وتعالي: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".. وهذه الحقيقة لا نصل إليها إلا إذا وصلنا إلي الحقيقة الثانية الجامعة بين الحقية والخلقية "إياك نعبد وإياك نستعين".. فإذا لم نصل إليها فقدناها وفقدنا الحقيقة الثالثة وبقيت لنا الحقيقة الأولي.
يقول الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" يقول الحق: حمدني عبدي وإذا قال العبد "الرحمن الرحيم" يقول الحق: مجدني عبدي وإذا قال العبد: "مالك يوم الدين" يقول الحق أثني علي عبدي "الحقيقة الحقية" فإذا قال العبد: "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الحق: هذا بيني وبين عبدي "الحقيقة البرزخية" ولعبدي ما سأل "الحقيقة الخلقية"".
والصراط المستقيم يشبه مركز الثقل بالنسبة للأجسام.. النقطة التي يتوازن عندها الجسم.. إذا لم يصل إليها وقع.. أو هي مثل مركز الدائرة.. لو ابتعد عن مكانه ولو بمسافة غير محسوسة تغير شكل الدائرة.. لم تعد دائرة.. الصراط المستقيم هو نقطة الحياد.. نقطة قرار استقرار الإيمان في القلب التي يتحول فيها من قلب "سمي قلباً لأنه يتقلب ككف اليد بين الكفر والإيمان" إلي فؤاد "سمي فؤاداً ويعني المستقر وقد يستقر عند الإيمان وقد يستقر عند الكفر".. ومن ثم نطلب من الله أن يربط الله علي قلوبنا بما نحب.. الإيمان.. يقول الله سبحانه وتعالي: "وليربط علي قلوبكم".
إن نقطة الحياد هي نقطة صعبة جداً.. ذلك نطلبها من الله "اهدنا الصراط المستقيم".. ونحن نكرر "اهدنا الصراط المستقيم".. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المفضلات