ألْحق النحاة بجمع المذكر في إعرابه أنواعًا أشهرها: خمسة فَقَد كلُّ نوع منها بعض الشروط، فصار شاذًا ملحقًا بهذا الجمع، وليس جمعًا حقيقيًّا، وكل الأنواع الخمسة سماعىّ لا يقاس عليه؛ لشذوذه وإنما يُذكَر هنا لفهم ما ورد منه في النصوص القديمة.
أولها: كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع، وليس لها مفرد من لفظها، ولكن لها مفرد من معناها
مثل كلمة: "أوُلُو" في قولنا: "المخترعون أُولو فضل"، أي: أصحاب فضل؛
فهي مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ إذ لا مفرد لها من لفظها، ولها مفرد من معناها، وهو: صاحب. وهي منصوبة ومجرورة بالياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة في قولنا: كان المخترعون "أوُلي" فضل. وانتفعت من "أُولِي" الفضل. ومثل هذه الكلمة يسمى: اسم جمع.
- ومن الكلمات المسموعة: أيضًا كلمة: (عالَمون). ومفردها: عالَم، وهو ما سوى الله - عز وجل - ، من كل مجموع متجانس من المخلوقات، كعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد وعالم المال، وعالم الطائرات... إلخ.
وكلمة: "عالَم" تشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره. في حين أن كلمة: "عالَمون" لا تدل إلا على المذكر العاقل، فهي تدل على معنى خاص بالنسبة لما يندرج تحت كلمة "عالَم"، والخاص لا يكون جمعًا للعام؛
لهذا كان "عالمون" إما اسم جمع لكلمة: "عالَم" وليس جمعًا له؛ وإمَّا جمعًا له غير أصيل ولكن بتغليب المذكر العاقل على غيره. وفي هذه الحالة لا تكون جمع مذكر سالمًا حقيقة؛ لأن اللفظة ليست علمًا ولا صفة، وإنما تلحق به كغيرها مما فقد بعض الشروط.
ثانيها: من الكلمات المسموعة، ما لا واحد له من لفظه ولا من معناه،
وهي: عشرون، وثلاثون، وأربعون، وخمسون، وستون، وسبعون، وثمانون، وتسعون. وهذه الكلمات تسمى : "العقود العددية" وكلها أسماء جموع أيضًا.
ثالثها: كلمات مسموعة أيضًا؛ ولكن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه، فلا يبقى على حالته التي كان عليها قبل الجمع؛ ولذلك يسمونها، جموع تكسير، ويلحقونها بجمع المذكر في إعرابها بالحروف؛
مثل: بَنون، وإحَرُّون، وأرَضون، وذَوُو، وسنون وبابه.
فكلمة: "بنون" مفردها. "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع، وتحركت الباء؛
وكلمة: "إحَرُّون" "مفردها: "حَرَّة"، زيدت الهمزة في جمعها.
"وأرَضون" (بفتح الراء) لا مفرد لها إلا: أرْض (بسكونها)؛ فتغيرت حركة الراء عند الجمع من سكون إلى فتح. هذا إلى أن المفرد مؤنث، وغير عاقل.
و "ذَوو" في الجمع مفتوحة الذال، مع أن مفردها: "ذُو" مضموم الذال.
"وسِنون" مكسورة السين في الجمع، مفتوحتها في المفرد، وهو: "سَنَة"، فضلا عن أنها لمؤنث غير عاقل أيضًا، - وأصلها "سَنَهٌ" أو "سَنَوٌ"، بدليل جمعهما على "سَنهات" و "سَنَوات" - ثم حذفت لام الكلمة، (وهي الحرف الأخير منها)، وعوض عنه تاء التأنيث المربوطة، ولم ترجع الواو عند الجمع.-
ومن الكلمات الملحقة بهذا الجمع سماعًا، والتي تدخل فى باب "سَنَة"
كلمة: عِضَة، وجمعها: عِضون (بكسر العين فيهما). وأصل الأولى: "عِضَةٌ، بمعنى: كذب وافتراء. أو: عِضَوٌ. بمعنى: تفريق. يقال فلان كلامه عضهٌ، أي : كذب، وعمله عِضَوٌ بين الأخوان، أي: تفريق وتشتيت؛ فلام الكلمة هاء، أو واو.
ومثلها "عِزَة"، جمعها: عزُون (بالكسر فيهما). والعزَة: الفرقة من الناس، وأصلها عِزْي؛ يقال: هذه عِزَة تطلب العلم... وأنتم عِزون في ميدان العلم.
وأيضًا: "ثُبةٌ" بالضم، وجمعها: ثُبُون، بضم أول الجمع أو كسره. والثُّبة "الجماعة"، وأصلها ثبَوٌ، أو: ثُبَىٌ، يقال: الطلاب مختلفون: ثبة مقيمة. وثُبة مسافرة، وهم ثُبون.
وعلى ضوء ما سبق نعرف السبب في تسمية تلك الكلمات المسموعة بجمع التكسير، لأن تعريفه وحده هو الذي ينطبق عليها، دون غيره من جمعي التصحيح؛ إذ هو "ما تغَيَّر فيه بناء الواحد" وقد تغير بناء واحدها.
رابعها: كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخرى الخاصة بجمع المذكر؛ فألحقوها به، ولم يعتبروها جمعًا حقيقيًّا.
ومن هذه الكلمات، "أهل". فقد قالوا فيها: أهلون.
مثل:
وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ : ولا بد يومًا أن ترَد الودائعُ
فجمعوها مع أنها ليست علمًا ولا صفة. ومنها: "عالمون"؛ ليست علمًا، ولا صفة أيضًا. وقد تكلمنا عنها من وجهة أخرى فيما سبق. ومنها: "وابل"؛ بمعنى: مطر غزير. يقال: غَمَر الوابلون الحقول. فجمعوها، مع أنها ليست علمًا ولا صفة، ولا تدل على عاقل.
خامسها: كلمات من هذا الجمع المستوفي للشروط، أو مما ألحق به، ولكن سمي بها، وصارت أعلامًا.
فمن أمثلة الأولى المستوفى للشروط "حَمْدون". "وعَبْدون". و "خَلْدون" و "زيدون" وهي أعلام أشخاص معروفة قديمًا وحديثًا.
ومثال الثاني : "عِلِّيُّون". (اسم لأعالى الجنة) المفرد: عِلِّي. بمعنى المكان العالي، أو عِلِّية، بمعنى: الغرفة العالية. وهو ملحق بالجمع، لأن مفرده غير عاقل.
سادسها: كل اسم من غير الأنواع السابقة يكون لفظه كلفظ الجمع في اشتمال آخره على واو ونون، أو ياء ونون،
لا فرق في هذا بين أن يكون نكرة؛ مثل: "يا سَمين" و "زيتون"
أو علَمًا مثل: "صِفِّينَ" و "نَصِيينَ" و "فِلَسْطينَ"
زيادة وتفصيل:
ا- بمناسبة النوع الخامس نشير إلى أن التسمية بجمع المذكر السالم معروفة قديمًا وحديثًا، كالتسمية بغيره من أنواع المفردات، والمثنيات، والجموع. فإذا سُمِّىَ به ففيه عدة إعرابات، يرتبها النحاة الترتيب التالِي، بحسب شهرتها وقوتها:
(1) أن يعرب بالحروف كجمع المذكر السالم، مع أنه علم على واحد، فيبقى حاله بعد التسمية به كحاله قبلها. تقول في رجل اسمه سعدون: جاء سعدونَ. وأكرمت سَعْديِنَ، وأصغيت إلى سعدِينَ. وفي هذه الحالة لا تدخله "أل" التي للتعريف، لأنه معرفة بالعلمية.
(2) أن يلزم آخره الياء والنون رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، ويعرب بحركات ظاهرة على النون مع تنوينها - غالباً - تقول في رجل اسمه محمدِين: هذا محمدِينٌ، ورأيت محمدِينًا، وقصدت إلى محمدينٍ، فكلمة: "مُحمدِين": إما مرفوعة بالضمة الظاهرة،
أو: منصوبة بالفتحة الظاهرة، أو: مجرورة بالكسرة الظاهرة، مع التنوين (غالبًا في كل حالة) (فإعرابها - كما يقول النحاة - كإعراب: غِسْلِين وحِين). وتلك النون لا تسقط في الإضافة؛ لأنها ليست نون جمع، والأخذ بهذا الإعراب - في رأينا - أحسن؛ في العلم المختوم بالياء والنون. والاقتصار عليه أولى؛ ليسره ومطابقته للواقع الحقيقي، فهو بعيد، عن كل لَبس؛ إذ لا يتوهم السامع معه أن الكلمة جمع مذكر حقيقي؛ وإنما يدرك حين يسمعها أنها علم على مفرد. وهناك سبب هام يقتضي الاقتصار على هذا الرأي في العلَم المختوم بالياء والنون هو: "المعاملات الرسمية" الجارية في عصرنا على الوجه المبين عند الكلام على التسمية بالمثنى.
والقصد من سرد الآراء التي تخالف هذا الأحسن والأيسر فهم النصوص القديمة الواردة بها، دون أن نبيح اليوم استعمالها؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدية إلى البلبلة والاضطراب فيما ننشئه من كلام، وإلى التعسير من غير داع، فيما نمارسه من شئون الحياة.
ومن العرب من يجري حكم: "غِسْلين وحِين" منونًا - في الغالب - أو غير منون على "سنين" وبابه كله. وإن لم يكن علمًا. ومنهم من يجريه منونًا على جميع أنواع المذكر السالم وملحقاته كما سبق.
(3) أن يلزم آخره الواو والنون في كل الحالات، ويعرب بحركات ظاهرة على النون من غير تنوين فيكون نظير: "هارون" في المفردات الممنوعة من الصرف.
(4) أن يلزم آخره الواو والنون، في كل الحالات ويعرب بحركات ظاهرة على النون، مع تنوينها فيكون نظير "عَرَبون" من المفردات.
ونرى أن الاقتصار على هذا الإعراب - أو على سابقه - أحسن في العَلم المختوم بالواو والنون؛ مثل: زيدون؛ لما سبق في نظيره المختوم بالياء والنون.
(5) أن يلزم آخره الواو والنون المفتوحة في جميع الحالات، ويعرب بحركات مقدرة على الواو.
ب- إذا سُمِّي بجمع المذكر، أو بما ألحق به ( كالأعلام الواردة في النوع الخامس، ومنها: حَمدون، خَلدون، عَبدون، زيدون...)، وأريد جمع هذا العلم جمع مذكر سالماً، لم يصح جمعه مباشرة - كما عرفنا - وإنما يصح جمعه من طريق غير مباشر، وذلك بالاستعانة بالكلمة الخاصة التي يجب أن تسبق هذا العلم، وتلحقها علامة الجمع رفعاً، ونصباً، وجرًّا، وهذه الكلمة هي : "ذو" دون غيرها، وتصير في الرفع: "ذوُو"، وفي النصب والجر: "ذَوِي" وهـي "مضافة"، والعلم بعدها هو "المضاف إليه " دائمًا، وفيه الإعرابات السابقة فيقال: جاءنى ذُوو حمدون، وصافحت ذَوِي حمدون، وأصيغت إلى ذَوي حمدون... فكلمة: "ذَوو" و "ذَوِى" تعرب على حسب حاجة الجملة، وترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء وتلك الكلمة هي التي توصل لجمع المسمى به.
حـ - سبقت الإشارة إلى أن النون مفتوحة في جمع المذكر السالم وملحقاته في أحواله الإعرابية المختلفة؛ أي: في حالة رفعه بالواو، أو نصبه أو جره بالياء، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من يكسرها، ولكن لا داعي للأخذ بهذه اللغة، منعًا للخلط والتشتيت من غير فائدة.
أما نون المثنى وجميع ملحقاته فالأشهر فيها أن تكون مكسورة في الأحوال الإعرابية المختلفة. وقليل من العرب يفتحها، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء، في حالتي النصب والجر، ولا داعي للعدول عن الـرأي الأشهر في الاستعمال، للسبب السالف.
د- لنون المثنى والجمع وملحقاتهما أثر كبير في سلامة المعنى، وإزالة اللبس؛ ففي قولنا: سافر خليلان: موسى ومصطفى - نفهم أن موسى ومصطفى هما الخليلان، وأنهما اللذان سافرا، بخلاف ما لو قلنا: سافر خليلا موسى ومصطفى؛ بغير النون فإننا قد نفهم الكلام على الإضافة ( إضافة: خليلاَ إلى موسى ) ويتبع هذا أن الخليلين هما اللذان سافرا، دون موسى ومصطفى. وفرْق بين المعنيين.
ومثل هذا أن نقول في الجمع: مررت ببنينَ أبطال؛ فالأبطال هم البنون؛ والبنون هم الأبطال، فلو حذفت النون لكان الكلام: مررت ببني أبطال، وجاز أن نفهم الكلام على الإضافة؛ إضافة البنين إلى أبطال؛ فيتغير المعنى.
وكذلك تمنع توهم الإفراد في مثل: جاءنى هذان، ورحبت بالداعين للخير؛ فلو لم توجد النون لكان الكلام: جاءنى هذا، ورحبت بالداعي للخير؛ وظاهره أنه للمفرد، وهو غير المراد قطعاً.
وتحذف نون المثنى والجمع للإضافة - كما أشرنا - في الأمثلة السابقة؛ وهو حذف لازم؛ كحذفها وجوبًا مع "اثنين" و "اثنتين" عند تركيبهما مع عْشر، أو: عَشرة ؛ فتحل كلمة: "عَشر، أو: عشْرة" مكان النون بعد حذفها، نحو: "اثنا عشَر" و "اثنتا عشْرة"؛ فتعرب: "اثنا" و "اثنتا" إعراب المثنى، وكلمة "عْشر أو: عَشرة" اسم مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. - كما سبق.
وقد تحذف جوازًا للتخفيف؛ إذا كانت في آخر اسم مشتق (أي : وَصْف) في أوله "أل" الموصولة، قد نصَب بعده مفعوله مثل: ما أنتما المهملا واجبًا، - وما أنتم المانعو خيرًا؛ ومنه قراءة من قرأ: "والمقيمي الصلاةَ" (بنصب كلمات: "الواجبَ"، وخيراً، و "الصلاةَ"؛ على أنها مفعول به لاسم الفاعل الذي قبل كل منها). ويجيز سيبويه وآخرون حذف نون ما دل على تثنية أو جمع من أسماء الموصول؛ نحو: اللذان، واللتان، والذين.
وقد تحذف نون الجمع جوازًا إذا وقع بعدها لام ساكنة، كقراءة من قرأ: ( غير مُعْجِزِى اللهَ ). بنصب كلمة "اللهَ" على أنها مفعول به (أصله: معجزين اللهَ)، وقراءة: "وإنكم لذائقو العذابَ " بنصب كلمة: "العذابَ" على أنها مفعول به أيضًا، وأصلها: ( وإنكم لذائقون العذاب ).
وأقل من هذا أن تحذف من غير وقوع اللام الساكنة بعدها؛ كقراءة من قرأ: ( وما هم بضَارّي به من أحد ) وأصلها: "بضارين به".
وقد تحذف النون جوازًا لشبه الإضافة في نحو: لا غلامي لمحمد، ولا مكرَمي للجاهل، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة، والخبر محذوفًا.
وكذلك في : لَبَّيْكَ وسَعْدَيك, وأشباههما عند من يرى أن الكاف حرف للخطاب، وليست باسم.
وقد يحذفان للضرورة في الشعر
هذا، وعلى الرغم من أن حذفهما جائز في المواضع التي ذكرناها - فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة؛ منعًا للغموض واللبس، وضبطًا للتعبير في سهولة، ووضوح، واتفاق يلائم حالة الناس اليوم. أما المواضع التي يجب فيها حذفهما فلا مفر من مراعاتها.
هـ- الأصل في المثنى أن يدل على اثنين حقيقة. لكن قد يكون اللفظ ظاهره التثنية ومعناه الجمع بشرط وجود قرينة؛ فيكون ملحقًا بالمثنى في الإعراب فقط، وليس مثنى حقيقة؛ لفقد شرط التثنية؛ ومن ذلك: ( ارجع البصر كَرَّتين ) أي: كَرَّات؛ لأن المراد التكثير، والتكثير لا يتحقق بكَرتين، وإنما يتحقق بكَرَّات. ومثله: حَنَانَيْك, وهذا النوع يجوز فيه التجريد من علامة التثنية اكتفاء بالعطف، مثل: أتعبتنا الأسفار خمس وخمس، وذَهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر:
تَخدِي بنا نُجُبٌ أفْنَى عرائكهَا : خَمْسٌ وِخَمْسٌ وتأويبٌ وتأويب
وقد يغني التكرار عن العطف؛ كقوله تعالى: ( صفًّا صفًّا )، وقوله: ( دَكًّا دكًّا ).
و- إن المثنى المرفوع إذا أضيف إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: غاب حارسا الحقل وأقبل زارعا الحديقة - فإن علامة التثنية (وهي الألف) تحذف نطقًا، لا خَطًّا. ويرجح النحاة في إعرابه أن يقال: إنه مرفوع بألف مقدرة.
وكذلك الشأن في جمع المذكر؛ فإنه إذا أضيف حذفت نونه للإضافة؛ فإن كانت إضافته إلى كلمة أولها ساكن حذفت واوه رفعًا، وياؤه نصبًا، وجرًّا؛ في النطق، لا فى الكتابة؛ تقول: جاء عالمو المدينة، وكرمت عالمِي المدينة، وسعيت إلى عالمِي المدينة.
لكن ما إعرابه؟ أيكون مرفوعًا بالواو الظاهرة في الكتابة، أم بالواو المقدرة المحذوفة في النطق لالتقاء الساكنين؛ فهي محذوفة لعلة، فكأنها موجودة؟
وكذلك في حالة النصب والجر؛ أيكون منصوباً ومجروراً بالياء المذكرورة أم المقدرة؟
يرتضي النحاة أنه معرب في جميع حالاته بالحرف المقدر؛ لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة، ويعدون هذه الحالة كحالة المثنى في أنها من مواضع الإعراب التقديري، لا الإعراب اللفظي.
ونقول هنا ما سبق أن قلناه في المثنى: وهو أنه لا داعي اليوم للأخذ بهذا الرأى، ولن يترتب على إهماله ضرر، لأن الخلاف شكلي لا قيمة له. ولكن الإعراب التقديري هنا لا يخلو من تكلف، وقد يؤدي إلى اللبس.
كذلك تقدر الواو رفعا - فقط - في جمع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ نحو: جاء صاحبِىَّ. وأصلها: صاحبون لي ؛ حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة؛ فصارت الكلمة صاحِبُوي. اجتمعت الواو والياء، وسَبقت إحداهما بالسكون، فقُلبت الواو ياء؛ فصارت الكلمة: صاحُبُىَّ، ثم حركت الباء بالكسرة؛ لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة: صاحِبِىَّ. ومثلها جاء خادِمىّ ومساعدِىّ، إذ يرتضي النحاة في إعرابها: "خادمىّ"، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة ياء المدغمة في ياء المتكلم. و"خادم" مضاف وياء المتكلم مضاف إليه؛ مبنية على الفتح في محل جر. وكذلك الباقي وما أشبهه.
ويقول فريق آخر: إن إعراب كلمة: "صاحِبِىّ" وأشباهها هو إعراب لفظي، لا تقديري؛ لوجود ذات الواو، ولكن في صورة ياء. وتغيير صورتها لعلة تصريفية لا يقتضي أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بين هذين الرأيين لا قيمة له؛ لأنه خلاف شكلي، لا يترتب عليه شيء عملي ؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأيين. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخرى.
ز- جسم الإنسان - وغيره - ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه في وقت ثم يعود إليه في وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب. ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها
فإذا كان في الجسم شىء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب - ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه:
أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: ( إن تتوبا إلى الله فقد صَغتْ قلوبُكما ). وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية، لأن التثنية في الحقيقة جمع لُغَوي؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد.
ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما.
ثالثها: الإفراد؛ نحو: ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرد، للخفة.
أما ما يكون في الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى:
( السارِق والسّارقة فاقطعوا أيدَيهُما ) فإنه جمع؛ لأن المراد الأيمان: (جمع يمين، أي: اليد اليمنى).
وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما, وسلمت على غلاميكما, إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع في مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف.
ح- سبق الكلام على منع تثنية جمع المذكر وجمعه بطريقة مباشرة فيهما، وإباحة ذلك عند التسمية به. فهل يجوز تثنية جمع التكسير، وجمعه؟
فريق قال: إن جمعه مقصور على السماع. أما تثنيته فملخص الرأي فيها أن القياس يأبى تثنية الجمع، وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة العددية، والتثنية تدل على القلة؛ فهما متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة. وقد جاء شيء من ذلك - عن العرب - على تأويل الإفراد؛ قالوا: إبلان، وغَنَمان. وجمَالانِ. ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضموا إليه مثله فثنوه, وما دام القياس يأباه فالأحسن الاقتصار فيه على السماع.
وفريق آخر يميل إلى إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة.
والأفضل الأخذ بالرأي القائل إن الحاجة الشديدة قد تدعو أحيانًا إلى جمع الجمع، كما تدعو إلى تثنيته؛ فكما يقال في جماعتين من الجِمال: جمالان - كذلك يقال في جماعات منها: جِمالات. وإذا أريد تكسير جمع التكسير روعي فيه ما نصوا عليه في بابه.
المفضلات