الغارة "المنسقة" على التأسيسية
جمال سلطان
لا يمكن تصور أو افتراض أن ما حدث فى مصر خلال اليومين الماضيين كان عفويًا، وأقصد بذلك الحملة المنسقة للهجوم على تأسيسية الدستور، عقب انتهاء الانتخابات مباشرة وظهور النتائج لم يتحدث سوى الذين لم يوفقوا فى عملية التصويت وخرجوا من اللجنة، ثم بعد ذلك بدأ مسلسل غريب بمعدل كل عدة ساعات يعلن أحدهم أنه اكتشف أن اللجنة "مش ولا بد" فقرر الانسحاب، وبعضهم كما فعل عمرو حمزاوى كان من فرط استعجاله يتخبط فيما يشبه الفضيحة، عندما أعلن عن إجرائه استبيانًا بين مؤيديه لمعرفة رأيهم ينسحب أم يبقى لأنه لا بد من أن يحترم رأيهم وقرارهم واختيارهم، وبعد أن جاءت النتيجة ترفض الانسحاب قرر الانسحاب!!، وذلك من فرط إيمانه بالديمقراطية واحترامه لناخبيه، التسريبات ملأت القاهرة أمس عن اتصالات جرت من جهة ما بعدد من النشطاء والبرلمانيين وأن رسائل وصلت لآخرين بأن هناك دعمًا من "جهة ما" لإسقاط اللجنة التأسيسية، الأمر لم يتوقف على ذلك بل وصل إلى حملات منسقة فى الإعلام الرسمى والخاص "إعلام الفلول" كلها تحمل هجومًا ضاريًا على اللجنة التأسيسية، تذكرك بنفس طريقة إعلام مبارك عندما ينسق حملاته الإعلامية، وعندما يضطر برنامج تليفزيونى إلى إحضار أحد ليدافع عن اللجنة لا تتاح له فرصة التقاط أنفاسه وليس فقط أن يتكلم، وتحول الإعلام المصرى إلى مناحة عجيبة تفهم منها أن البلد حدث فيها كارثة، وتحاول أن تفهم من الكلام أى شىء له معنى فلا تجد، البعض علل انسحابه بأن غالبية اللجنة من الإسلاميين، طيب، وفى تقدير معاليك كم الرقم الذى "تسمح" به للغالبية البرلمانية، لا تجد إجابة، البعض الآخر علل انسحابه بأنه لا يجوز لأعضاء البرلمان أن يشاركوا فى لجنة صياغة الدستور، دون أن تجد أى مبرر قانونى أو أخلاقى أو حتى سياسى، ولكن حسنًا، سنبعدهم جميعا، فهل هذا يحل المشكلة، إذا طرحت جميع الأسماء من خارج البرلمان فإن التصويت على اختيارهم سيكون ـ بنص الإعلان الدستورى ـ من أعضاء البرلمان بغالبيته الإسلامية، وهو ما يتيح لهم بسهولة التصويت لصالح المرشحين المنتمين إلى التيار الإسلامى والمقربين منه من خارج البرلمان، والبعض اعتبر أن قطاعات من المجتمع لم تمثل بشكل كاف، وهو الدفع الذى قدمه الدكتور يحيى الجمل أمام محكمة القضاء الإدارى عندما قال إن المرأة والأقباط لم يمثلوا بشكل كاف، ولكنه عجز عن أن يجيب عن السؤال: كم امرأة تكفى لكى تبارك هذه اللجنة يا دكتور، وكم مسيحياً تراه يرضى جنابك فتبارك هذه اللجنة، ودع عنك الروح الطائفية البغيضة أن يطالب بوضع عدة أرقام مسيحية، لا يذكر لها أى شرط أو قيمة، فقط أن تكون مسيحية الديانة.
نفس الذين كانوا يرفضون الانتخابات البرلمانية هم أنفسهم الذين يهاجمون اللجنة الدستورية، نفس الذين كانوا يقولون الدستور أولا، نفس الذين هاجموا الشعب المصرى وتصويته على الاستفتاء الشهير، ونفس هؤلاء هم الذين يهاجمون المادة 28 التى تحصن قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة من الطعن، لأنهم ـ باختصار ـ لا يريدون أى دولة ديمقراطية يكون فيها غالبية إسلاميون، البرلمان نطعن عليه، واللجنة الدستورية نطعن عليها، وأيضًا رئاسة الجمهورية نطعن عليها، حتى تظل مصر بجميع سلطاتها فى دوامة من الطعون والاضطراب والتيه والتوتر وغياب اليقين وغياب "السلطة" حتى لو وصلت إلى الخراب الكامل.
|جريدة المصريون|
المفضلات