المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج العرفي



الدكتورة سلوى
20-09-2009, 12:47 AM
الزواج العرفي
الدكتورة/سلوى عزازي
ألقيت في قصر ثقافة أبو كبير

" رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ " صدق الله العظيم 0
وأصلي وأسلمُ على خيرِ هادٍ سيدنا محمد الذي علمه ربُهُ فعَلِمَ وعلَّمَ ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين 0
أما بعد
فيسعدني ويشرفني التحاور معكم اليوم في موضوع أراه من أهم الموضوعات المطروحة، والتي يعاني منها المجتمع اليوم، وهو موضوع الزواج العرفي الذي انتشر في مجتمعنا، وتنبع أهمية هذا الموضوع كما قلت سابقا من أن الأسرة نواة المجتمع، والفرد نواة الأسرة التي إذا صلحت صلح المجتمع، وحتى تصلح هذه النواة ينبغي تلبية احتياجاتها الضرورية، وأبرز هذه الاحتياجات بعد الطعام، الحاجة إلى تكوين أسرة، وإنجاب الأطفال، والسؤال هنا : كيف نكون هذه الأسرة؟
والإجابة من خلال الزواج، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)  [الروم:21] والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي أنواع الزواج نقصد؟
والإجابة تحتاج نظرة سريعة إلى بعض أنواع الزواج التي برزت في الآونة الأخيرة، ومنها:
1. الزواج الشرعي: بعقد موثق على يد مأذون، وشهود، وإشهار0
2. الزواج العرفي: عقد غير موثق بين طرفين، وهو نوعان:
النوع الأول: عقد متوفر فيه جميع أركان الزواج، ويفتقد التوثيق فقط، وهذا يعرِّض حقوق المرأة للضياع.
والنوع الثاني: ورقة تكتب بين الشاب والفتاة دون شهود أو بوجود أحد الأصدقاء وبدون مهر ولا ولي ولا إشهار ولا توثيق، وهذا لا يعد زواجا. وهذا النوع الثاني من الزواج العرفي ظهرت منه أنواع أخرى، مثل زواج الكاسيت.. الوشم.. الطوابع.
فزواج الكاسيت لا يحتاج إلى ورقة أو شهود، وإنما يكتفي الطرفان بوجود كاسيت وشريط، ويسجل عليه كلٌّ منهما الكلمات التي يرددها المأذون الشرعي، ويحتفظ كل منهما بنسخة منه.
أما زواج الوشم فهو عبارة عن كتابة وثيقة الزواج بالوشم على الجلد. وزواج الطوابع أسهل الأنواع، حيث يقوم كل طرف بلصق طابع بريد على جبين الآخر فيصيرا زوجين!!.
3. زواج المسيار: يتزوج الرجل المرأة ويشترط عليها ألا تتطالبه بأية حقوق ويذهب إليها في الأوقات التي يريدها هو0
4. زواج فريند: المتعارف عليه أنه الزواج بين الأصدقاء من جنس واحد، ولكن الشيخ «عبد المجيد الزنداني» رئيس جامعة الإيمان باليمن يرى أنه زواج شرعي بين الجنسين، ولكن لا يحدث اللقاء في زمن محدد ولا مكان محدد بل حينما تسمح الظروف، ويعده بديلا مثاليا لظاهرة الزواج العرفي حيث يقول" تزوج صديقتك واتركها في بيت ابيها"0
5. زواج المتعة: الزواج الشرعي لكنه محدد التوقيت0
وبالنظر للأنواع السابقة تتضح الإجابة عن السؤال: ومن وهنا نتساءل؛ ماذا يفرق الزواج العرفي عن الزواج الرسمي؟
والإجابة أن الزواج الرسمي له شروط يجب توافرها فيه، لا يتوافر بعضها في الزواج العرفي، بعضها من عهد الرسول والآخر استحدثه الفقهاء نتيجة ضرورات الحياة منها:
1. البلوغ
2. الإيجاب والقبول
3. المهر
4. الولي
5. الشهود والإشهار
6. التوثيق.
7. نية الدوام
وقد يقول بعض الناس إن الزواج الموثق لم يكن في عهد الرسول ، وأقول في ذلك إن الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه حينما كثرت مشكلات الزواج، وبدأت الزوجات تبحثن عن حقوقهن، وتنكر الأزواج لهن شرع توثيق عقد الزواج لصيانة حقوق الطرفين والأبناء، ونحن مطالبين بإطاعة أولي الأمريَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59)[النساء: 59]، فالزواج العرفي هو مصطلح حديث رسخه قانون رقم 78 لسنة 1931 في مصر، حيث لم يعد من المعترف به قانونا: الزواج الذي يكون بغير وثيقة رسمية منذ ذلك التاريخ، وذلك إذا أنكره صاحباه أو أحدهما، وهو الزواج العرفي، وكما درسنا سابقا في الأزهر أن عقد الزواج العرفي يكون باطلا إذا عقد في بلد يوجد بها مأذون، بمعنى أن الزواج العرفي يصح في حالة واحدة فقط هي أن يكون الطرفان في بلد لا يوجد بها مأذون، فقد يكون الطرفان في جزيرة منعزلة عن الناس، أو في بلد أجنبي لا يوجد به مأذون في ظروف طبيعية وغير مفتعلة، فقد يتعمد الطرفان الذهاب إلى الصحراء مثلا لكتابة العقد حتى يكونا في مكان لا يوجد به مأذون0
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا كان الزواج العرفي كان محللا في عهد الرسول لماذا حرم الآن؟
ونظرة متأملة في الزواجين توضح ما بينهما من فرق شاسع يدعو للتروي؛ فالعروس في الزواج الشرعي تستأذن وتتدلل، وتفرح، ويفرح معها كل محبيها، وتسير مرفوعة الرأس إلى جوار العريس، وينظر إليها المجتمع نظرة احترام، وحينما تنجب يسعد الجميع، ويسجل الولد باسم أبيه، وإذا حدثت خلافات، يكون معها من الأوراق ما يثبت حقها، وكذلك الرجل0
أما في الزواج العرفي فيتلفت الطرفان حولهما من الخوف من افتضاح أمرهما، وذلك لأن أهم شرط من شروط الزواج لم يتحقق وهو الإشهار، فتتحول السعادة في الزواج الشرعي إلى خوف، وبذلك يكون الركن الأساسي في الزواج قد هدم وهو السكن، وتضطر المرأة أن تأخذ حبوب منع الحمل، كما أن هذا الزواج إذا أثمر عن مولود، ما مصير هذا المولود؟ فكما رأينا في وسائل الإعلام القضية الشهيرة التي تنكر الأب لابنته، ولنا أن نتخيل نظرة المجتمع إلى هذه الأسرة التي كانت تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع، كيف يكون وضعها الآن بعد نشر هذا الموضوع في وسائل الإعلام، وتنكر الأب لابنته، وما وضع البنت المولودة؟ وكيف ستكون نظرة المجتمع لها؟ إضافة إلى أن الزواج بصفة عامة يبرز ما في الزوجين من مزايا وعيوب، فقد تكتشف الفتاة ما بالزوج من عيوب لم تكن تراها من قبل، ثم يأت شخص لخطبتها تتوافر فيه الشروط المطلوبة، ماذا سيكون موقفها، فإذا كانت إحدى الزوجات في زواج شرعي قد تعرضت في ليلة زفافها إلى كلام من قبل الزوج نتيجة سماعة لوشاية الواشين جعلها تنشد:
الناس تقول عرسي والجرح بقلبي غائر
كلماتك كالرصاص يعكس ما في الضمائر
أصغيت لكم عدو خدعوك بقول فاجر
وأضعت اليوم عرسي في كلام جد خاسر
من قال اليوم عرسي إنسان غير باصر
لصغائر من أمور تلهب ما في المشاعر
بالحزن لممت جرحي والجرح بقلبي غائر
فلماذا أنت ثائر؟ وتسلني عن المشاعر
الحب يضيع مني بكلام الخصم ناشر
ووثقت اليوم إنك إنسان لا تناصر
فحبيبك من عدوك لا تدر بمن تقامر
فإذا كان هذا حال الزوجة الشرعية في ليلة زفافها، ما بالنا بالزوجة غير الشرعية وما تتعرض له من كلام؛ نتيجة إخفاء الزواج، ورؤية بعض أفراد المجتمع لها عند لقاء الزوج المزعوم، ومن ضياع لحقوقها0
ومن هنا حرم الزواج العرفي لما يترتب عليه من ضياع حقوق الطرفين0
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن؛ لماذا لم يخش على هذه الحقوق في عهد الرسول؟ والإجابة بكل بساطة لوجود الرسول بينهم، وتمتعهم بقوة الإيمان، حتى إذا فكر أحدهم في التلاعب لن يقوى على الكذب على رسول الله، لذلك كانت الحقوق محفوظة دون عقد، ولكن بعد وفاته  بدأ الإيمان يضعف، كما بدأ الإحساس بالرقابة الإلهية يضعف بغياب الوحي، لذلك ظهرت المشكلات التي دعت إلى توثيق الزواج، واعتبار الزواج غير الموثق نوعا من الزنا، وتتضح خطورة هذا الموضوع من خلال ما كتبه الكاتب الأمريكي الشهير لبات بوكانان"Pot Buchonon" في كتابه «موت الغرب" The Death Of the West وهو يبحث عن العوامل التي ستؤدي إلى انهيار الحضارة الغربية والمجتمعات الغربية، ومنها:
1. ذوبان العائلة واندثارها كوحدة اجتماعية وعزوف النساء عن الحياة الطبيعية التقليدية مثل الزواج وإنجاب الأطفال ورعايتهم، وعزوف الشباب عن مؤسسة الزواج، نتيجة الحركة النسائية الأمريكية التي استهدفت إلى رسم دور جديد للمرأة الأمريكية خارج البيت، وإعطاء أهمية أكبر لدورها في مجالات أخرى مما أدى إلى انهيار الوضع العائلي التقليدي في الولايات المتحدة، وضمور العائلة كمؤسسة اجتماعية تتكامل في حضانتها تربية الجيل، فانتشرت بسبب ذلك الجريمة والانحراف0
2. انخفاض معدلات المواليد لأن الطاعون plague أكل في القرن الرابع عشر ثلث أوروبا، والآن الغرب ينتحر طواعية ويوميا من خلال حبّـة منع الحمل التي تقتل النطفة قبل أن تتخلق (the pill: the suicide tablet of the west) وظهور فكرة الإجهاض Abortion التي أصبحت في متناول الطلبة والطالبات في سن المراهقة، ومع انتشار صورة المرأة المتعرية تآكل الاحترام العام للمرأة، وتآكل احترام المرأة لقيمتها وذاتها 0
وهذا الكاتب الأمريكي نقل لنا صورة حية من واقع المجتمع الأمريكي المتمدين، تنطق بتدهور وضع المرأة نتيجة حركات التحرير، وبناء عليه تدهور المجتمع نتيجة خروج المرأة للعمل
والسؤال الآن: ما العمل في مثل هذه الظاهرة؟
والإجابة: العودة إلى الدين الحنيف حيث يقول الرسول"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته0