اسلام مجدي
27-08-2009, 03:16 PM
{ الكبيرة الثالثة والخمسون : عدم الوفاء بالعهد } قال الله تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } . وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } قال ابن عباس : بالعهود , وهي ما أحل الله , وحرم , وما فرض , وما حد في جميع الأشياء , وكذا قال مجاهد وغيره , ومن ثم قال الضحاك هي التي أخذ الله على هذه الأمة أن يوافوا بها مما أحل وحرم ومما فرض من الصلاة وغيرها , وهذا أولى من قول ابن جريج إنه في أهل الكتاب . أي يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة أوفوا بالعقود التي أخذت عليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم التي من جملتها : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } , ومن قول قتادة : أراد بها الحلف الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية , قال الزجاج : والعقود أوكد العهود . إذ العهود إلزام , والعقود إلزام على سبيل الإحكام والاستيثاق , من عقد الشيء بغيره وصله به كما يعقد الحبل بالحبل ; ولما كان الإيمان هو المعرفة بالله وصفاته وأحكامه , ومن جملتها أنه يجب على الخلق إظهار الانقياد لله - تعالى - في جميع التكاليف أمر بالوفاء بالعقود . والمعنى : أنكم قد التزمتم بإيمانكم أنواع العقود وإظهار الطاعة لله - تعالى - في سائر أوامره ونواهيه فأوفوا بتلك العهود . قال ابن شهاب : قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره : هذا بيان من الله ورسوله : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } إلى { سريع الحساب } فالمقصود التكاليف فعلا وتركا , وسميت عقودا لأنه - تعالى - عقد أمرها وحتمه وأوثقه فلا انحلال له , وقل : هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم , والدليل على ما اخترناه فيما مر أنها عامة أن أبا حنيفة رضي الله عنه استدل بها على صحة نحو نذر صوم يوم العيد وعضدها بقوله - تعالى - : { يوفون بالنذر } { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } " أوف بنذرك " ونفي خيار المجلس لأن العقد قد انعقد , وحرمة الجمع بين الطلقات , لأن النكاح عقد فحرم رفعه لقوله تعالى : { أوفوا بالعقود } ترك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع فبقي فيما عداه على الأصل , وخالفه الشافعي رضي الله عنه في المسائل الثلاث لأن هذا العموم مخصوص بالخبر الصحيح : { لا نذر في معصية الله } والخبر الصحيح : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } ; والقياس الجلي , إذا لو حرم الجمع في الأخيرة لما نفذ , فلما نفذ إجماعا دل على حله . إذ الأصل في نفوذ العقود أنه يقتضي حلها على أن فيه حديثا صحيحا , وهو أن الملاعن طلق ثلاثا ظانا أنها تنفذ ولم ينهه صلى الله عليه وسلم عنها . إذ لو كان جمع الثلاث حراما لكان أتى بحرام فكان يجب نهيه عنه , فلما لم ينهه عنه دل ذلك على إباحته . ولا يقال إنما لم ينهه عنه لأنه لغو لما أشرنا إليه أنه ليس لغوا إلا في الواقع , وأما في ظنه فلم يكن لغوا لأنه ظن أنه يفيده تأييد حرمتها فأوقع الثلاث , فهو دليل على أن المتعارف بين الصحابة أن إيقاع الثلاث لا يحرم وإلا لنهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما تقرر . ومما يدل على تأكد العهود وأن الإخلال بالوفاء بها كبيرة الحديث المتفق عليه : { أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب , وإذا اؤتمن خان , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر } . وفي الحديث : { لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان } . وروى البخاري : { يقول الله - تعالى - ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة , رجل أعطى بي ثم غدر , ورجل باع حرا فأكل ثمنه , ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره } . وروى مسلم : { من خلع يدا من طاعة الله لقي الله يوم القيامة ولا حجة له , ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية } , ومرت أحاديث كثيرة في هذا المعنى . تنبيه : عد هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد , لكن منهم من عبر بما مر , ومنهم من عبر بخلف الوعد , فالعبارتان إما متحدتان أو متغايرتان وعلى كل فقد يشكل عدهم من الكبائر بأنه قد تقرر في مذهبنا أن الوفاء بالوعد مندوب لا واجب وفي العهد أنه ما أوجبه الله أو حرمه , ومخالفة المندوب جائزة , والواجب والحرام تارة تكون كبيرة وتارة تكون صغيرة , فكيف يطلق أن عدم الوفاء بذلك كبيرة ؟ فإن أريد عدم الوفاء بما يكون الإخلال به كبيرة كان عد هذا كبيرة مستقلة غير سائغ . إذ لا وجود له إلا في ضمن غيره من الكبائر . ويجاب بحمل الأول بناء على تغايرهما على الملتزم بالنذر ونحوه , وكون منعه كبيرة ظاهر إذ النذر يسلك به مسلك واجب الشرع , وسيأتي أن ترك الصلاة أو الزكاة أو الحج أو الصوم كبيرة فكذا هذا . ويحمل الثاني على شيء خاص لا يعلم إلا من التصريح بهذا وهو ما لو بايع إماما ثم أراد الخروج عليه لغير موجب ولا تأويل لهذا فهذا كبيرة كما يستفاد من خبر الصحيحين : { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - إلى أن قال - ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفى له وإن لم يعطه لم يف له } . ومن قوله صلى الله عليه وسلم في خبر البخاري السابق : { رجل أعطي بي ثم غدر } . وفي خبر مسلم : { من خلع يدا من طاعة } . وفي الحديث الآخر : { من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه , ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاءه أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر } , ويدخل في ذلك أيضا ما يأتي في الجهاد , { إن من أمن حربيا ثم غدر به وقتله كان كبيرة } , وهو المراد بنكث الصفقة , وقد مر فيه وعيد شديد"