المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكِنايةُ



أ / الطيب الشنهوري
06-05-2014, 07:58 AM
الكِنايةُ


أَمَّا الكِنايةُ فهِيَ لفظٌ أُرِيدَ بهِ لازمُ معناهُ
مَعَ جوازِ إرادةِ المعنى مَعَهُ.
فهيَ تُخالفُ المجازَ مِن جهةِ جوازِ
إرادةِ المعنى الحقيقي معَ إرادةِ لازمِهِ

نحوُ: زيدٌ طويلُ النِّجَادِ تُريدُ طولَ القَامَةِ،
وزيدٌ مهزولُ الفصِيلِ،
أَوْ كثيرُ الرَّمَادِ كنايةٌ عَنْ كرمِهِ،

ونحْوُ:
إنَّ السَّمَاحَةَ وَالمرُوءَةَ والنَّدَى :
فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الحَشْرَجِ
كنايةٌ عن ثبوتِ هذهِ الصفاتِ لهُ.
* من كتاب تحفةُ الإخوانِ في علمِ البيانِ

للشيخ العلامة أحمد الدردير المالكي رحمه الله

الكنايةُ :
لفظٌ أطلقَ وأريدَ به لازمُ معناهُ
مع جوازِ إرادة ذلك المعنَى .

تقولُ العربُ : فلانةٌ بعيدةُ مهوَى القُرط.
انظر في هذا المثال تجد أن ( مهوى القرط )
هو المسافةُ من شحمة الأذن إلى الكتف،
وإذا كانت هذه المسافة بعيدة لزم أنْ يكون العنق طويلاً ،
فكأن العربي بدل أنْ يقول :
"إن هذه المرأة طويلة الجيد أو العنق "
أعطانا تعبير جديدا يفيد اتصافها بهذه الصفة .
وهذا ما يسمى (الكناية).


تقول الخنساء في أخيها صخر:

طويلُ النجادِ رفيعُ العمادِ
كثيُر الرمادِ إذا ما شتا.

تصف الخنساء أخاها بأنه طويل النجاد ،
رفيع العماد ، كثير الرماد .

تريد أنْ تدل بهذه التراكيب على أنه شجاع ،
عظيم في قومه ، جواد ،
فعدلت عن التصريح بهذه الصفات
إلى الإشارة إليها والكناية عنها ؛
لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه ،
ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة .

ثم إنه يلزم من كونه رفيع العماد أن يكون
عظيم المكانة في قومه وعشيرته .

كما أنه يلزم من كثرة الرماد كثرةُ حرق الحطب،
ثم كثرة الطبخ، ثم كثرة الضيوف ، ثم الكرم .

ولما كان كل تركيب من التراكيب السابقة ،
وهي : طويل النجاد ، ورفيع العماد ،
وكثير الرماد ، كُنيَ به عن صفة لازمة لمعناه ،
كان كلُّ تركيبٍ من هذه وما يشبهه (كناية عن صفة).



قال الشاعر :
الضَّاربين بكلِّ أبيضَ مخذَمٍ :
والطاعنينَ مجامعَ الأضغانِ .

في هذا المثال أراد الشاعر وصف ممدوحيه
بأنهم يطعنون القلوب وقت الحرب
فانصرف عن التعبير بالقلوب
إلى ما هو أملح وأوقع في النفس
وهو " مجامعُ الأضغان " ،
لأنَّ القلوب تُفهم منه إذ هي مجتمع الحقد والبغض والحسد وغيرها.

وإذا تأملت هذين التركيبين وهما:
" بنت عدنان " و " مجامع الأضغان "
رأيت أنَّ كلاً منهما كُني به عن ذات لازمة لمعناه
أي كني به عن موصوف، لذلك كان كل منها (كناية عن موصوف).