المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخطر عملية تهريب للآثار



جهاد 2000
27-03-2012, 07:28 PM
أخطر عملية تهريب للآثار

رصد العملية: محمود عبدالرحمن- أشرف عامر

منذ 1 ساعة 30 دقيقة

الاقتراب من عالمهم يشبه إلي حد كبير محاولة اللعب بالنار ومحاولة فك طلاسمهم الخاصة لا تقابل عندهم إلا بشيء واحد فقط وهو القتل ودفن كل الأسرار مع من اكتشفها، لأنهم يعلمون جيداً أنهم يلعبون في الممنوع ويبيعون ما لا يملكون.

باختصار هي تجارة المليارات وأكل «الشهد» في أيام يتجرع فيها المصريون التراب.. هي تجارة بيع التاريخ الذي لم يصنعوه ولم يشاركوا فيه، ودورهم يقتصر علي قبض ثمنه، لتبقي تجارة الآثار هي الخطر الأكبر الذي قد يوقظنا يومياً علي بلد باع رموز حضارته وتاريخه.
علي الرغم من أن هذه التجارة الممنوعة لم يتوقف العمل بها علي مدار السنوات الماضية، إلا أن هذه المرة كانت الآثار التي يتم بيعها آثاراً حكومية، أو بمعني آخر آثار ممهورة بشعار وزارة الآثار، وفي حالة جيدة جداً، بالإضافة إلي أن سرقتها تمت من مكان أثري شهير بمدينة الفيوم، في شهر رمضان الماضي أثناء عرضها أمام الجمهور دون أن يتقدم أي من المسئولين بالإبلاغ عن اختفائها، والمثير للدهشة هو تورط قيادات أمنية وأثرية في سرقتها من أماكنها عن طريق مساعديهم ونقلها في سياراتهم الخاصة التي لا تخضع للتفتيش من محافظة الفيوم إلي مدينة رأس سدر بمحافظة جنوب سيناء لبيعها هناك بعد التنسيق مع عدد من البدو الذين يديرون عمليات البيع والشراء، ويعملون كوسطاء لهذه التجارة.
رحلة البيع كانت «الوفد» شاهد عيان عليها بالصوت والصورة.
حضور عملية البيع والشراء ونقل الآثار بالتأكيد أشبه بدروب الخيال لأسباب عديدة أهمها حجم الأموال التي يتم دفعها في التمثال الواحد أو في أي قطعة أثرية، بالإضافة إلي تخوف العاملين بهذه التجارة من فضح سرهم الذي قد يؤدي إلي سجنهم وإيقاف مصدر الملايين التي يحصلون عليها في كل مرة.

عن طريق سمسار البيع الذي تتم في منزله عملية تسليم وتسلم القطع المسروقة وثمنها، استطعنا حضور الصفقة بعد أن قام بتقديمنا إلي التجار علي أننا من أبناء شقيقته «ولسه داخلين في الكار جديد» وعلي الرغم من أن الحجة قد تبدو ضعيفة، خاصة أن هؤلاء المهربين أذكياء إلي درجة كبيرة ولا يثقون في المحيطين بهم إلا بصعوبة كبيرة، إلا أن تعهد السمسار لهم بالأمان، بالإضافة إلي معرفتهم القديمة به، هو ما أهلنا للحصول علي موافقتهم بالحضور.
رحلة الوصول إلي مكان بيع القطع الأثرية المسروقة أشبه بفيلم سينمائي طويل جداً، فالأماكن المتفق عليها لتنفيذ العملية تتغير كل 15 دقيقة تقريباً وفي خلال هذه الفترة تظهر شخصيات جديدة غير تلك التي تظهر في البداية.. البضاعة المسروقة عبارة عن تمثالين أثريين شهيرين في منطقة الفيوم، الأول عبارة عن «خشب أبنوس» مطلي بالذهب الفرعوني يوجد به حرباة مصنوعة من خشب الأبانوس ومثبت علي مركب من الخشب الأبانوس أيضاً، يصل ارتفاعه إلي 60 سنتيمتر ووزنه 60 كيلو جراماً، أما الثاني فهو مصنوع من «الجرانيت الفرعوني» يصل طوله إلي 68 سنتيمتر ووزنه 68 كيلو جراماً، بالإضافة إلي أنبولين للزئبق الأسود تم سرقتهما من موميتين شهيرتين في المنطقة الأثرية بالفيوم أيضاً حيث يتم العثور عليها في فم مومياء الملوك وأسرهم.

شبكات الاتجار في الآثار في مصر أصبحت كثيرة ومتعددة، يقود بعضها عدد من القيادات الأمنية التي تتولي مهمة نقل الآثار المسروقة في سيارتهم الخاصة التي لا تخضع للتفتيش بأي حال من الأحوال، يساعدهم في ذلك عدد من المسئولين عن المناطق الأثرية الذين تتركز مهامهم في عزل بعض القطع الأثرية ورفعها من أماكن العرض بحجة إعادة صيانتها، وبعد وقت معين يتم تسريبها وبيعها إلي عصابات الاتجار، وقد زاد نشاط هذه المجموعات خلال الفترة الماضية نظراً للتغيرات الكثيرة لوزراء الآثار والثقافة وقيادات الأماكن.. ويبقي الشيخ المغربي الذي يتولي مهمة تطفيش الجان الملازم للقطع الأثرية، بجانب قدرته الهائلة علي التسويق، خاصة أنه علي صلة وثيقة بالعديد من التجار الأجانب الذين يلهثون وراء الآثار المصرية، وتبقي مجموعة السماسرة الذين يتركز معظمهم في محافظة جنوب سيناء، نظراً لما تحتويه أرضها من كنوز أثرية عديدة مدفونة بداخلها.
عمليات البيع ودفن الثمن لا تتم في المكان الذي يتم الاتفاق عليه في المرة الأولي، ويتم تغييره قبل موعد التسليم عدة مرات، خاصة أن الخيانة هي الطابع المشترك بين جميع العاملين في هذا المجال، فعلي الرغم من أننا كنا علي موعد مع مصدرنا الخاص الذي سوف يتم التسليم في منزله، إلا أنه أخبرنا قبلها بدقائق أن المكان قد تغير، وأنه نفسه لا يعلم المكان الذي سوف يتم التسليم فيه، علي الفور بادرني الظن بأنه لا يريد أن حضورنا معه، أو أن القيادة الأكبر منه رفض، وتوجهت إليه بسؤالي المباشر حول ما إذا كان يرغب في عدم حضورنا وعودتنا من حيث أتينا، ولكن لغته البدوية القوية أكدت لي عكس ذلك، وطلب مني الاستمرار في التواصل معه عبر الهاتف المحمول حتي يتثني له وصف الطريق لنا بدقة، مؤكداً إمكانية حضورنا معه.

الطريق الجديد الذي سرنا عليه لا توجد فيه أي معالم تستطيع تحديد هويته منها، فبعد أن تنحينا جانباً من الطريق العمومي لمدينة رأس سدر لم نجد أمامنا سوي طريق رملي يبدو أنه قد تم رصفه لأول مرة وآخر مرة منذ ما يزيد علي عشرات السنين، سرنا علي الطريق الذي لا يخلو من الحفر والمطبات الهوائية ومعنا مصدرنا علي الهاتف، إلي أن وجدنا أسلاك شائكة تحيط بمزرعة زيتون كان قد وصفها لنا المصدر بعد أن قطعنا ما يقرب من 25 كيلو متراً بالسيارة، عندها توقفنا وطلبنا منه وصف باقي الطريق حتي نتمكن من الوصول، والمفاجأة كانت في عدم معرفته به علي الرغم من أنه السمسار الذي يقود عملية البيع، سألته عن سبب ما يحدث فأخبرني أن الشيخ «المغربي» طلب منه نقل مكان عملية البيع لأن المشتري يصعب عليه التنقل بالأموال، بعدها بلحظات طلب منا السير دون توقف في «المدق» الوحيد الذي يوجد أمامنا حتي نجد طفلين في انتظارنا وهما يتوليان مهمة توصيلنا إليه.
قطعنا ما يقرب من 50 كيلو متر داخل أحضان الأراضي الصحراوية والتبات العالية حتي وصلنا إلي مكان التسليم، والمفاجأة كانت في انعدام وجود أي تأمين علي «المضيفة» التي يوجد بها التجار فهي مفتوحة علي الجبل مباشرة، وعبارة عن طابق واحد خرساني، مساحتها لا تزيد علي 50 متراً تقريباً يوجد أمامها عدد من السيارات «اللاندكروزر» يجلس بداخلها سائقوها، وجدنا مصدرنا في انتظارنا أمام باب المضيفة ودخلنا دون أن نتعرف علي الأربعة أشخاص الموجودين فيها، لأن مصدرنا كان قد أخبرهم بحضورنا من قبل، بالإضافة إلي أنهم لا يعيرونا أي اهتمام ولم يردوا علينا التحية، لم تظهر أي علامات قلق أو توتر علي التجار، بل علي العكس من ذلك كانت حالتهم ثابتة إلي درجة كبيرة وأخذوا في فحص التمثالين وأنبولين الزئبق بعدسات مكبرة، التي وصلت قبلنا بدقائق، ولم نشاهد عمليات دخولها إلي المكان.

عملية التسليم والتسلم لم تستغرق سوي دقائق معدودة بعد أن تم الفحص، حيث أخرج سمسار المشتري من جيبه ورقتين إحداهما عبارة عن 20 جنيهاً، والثانية ورقة نتيجة ووضعهما بجوار التمثالين، لتصويرهما بجوار التمثالين حتي يتم التعرف علي الآثار من خلال العملة وورقة النتيجة، فعرفت أنها «علامة» التسليم، أو ما يطلق عليها ورقة «البرهان»، وظل يومئ بحركات غريبة غير مفهومة فنظرت إلي مصدرنا، ثم قام بفتح كيس بلاستيك وأخرج منه أشياء غريبة غير متجانسة عبارة عن آية قرآنية مدونة علي الورقة، ورغيف عيش وبعض حبيبات الملح والبودرة غير المعلومة المصدر، وجميعها يوضع في شال أبيض داخل الكيس، وأخرج من وسطها مجسمان يقترب حجم الواحد منها من حجم البيضة ولكنها سوداء اللون، وبسرعة البرق تم الانتهاء من عملية التسليم.. طبعاً كانت هي «الزئبق الأسود».
حجم الأموال التي تم دفعها كثمن لهذه القطع الأثرية كانت المفاجأة الحقيقية بالنسبة لنا فلم نكن نتخيل ولو للحظة واحدة أن يتم دفع مبلغ نصف مليار دولار أمريكي كثمن لها، موزعة كالآتي: 110 ملايين دولار لكل تمثال، و100 مليون دولار لأنبول الزئبق الذي يحتوي علي 3 جرامات زئبق أسود، بواقع متوسط ما بين 25 و27 مليون دولار لكل جرام، بخلاف العمولات التي تم الحصول عليها، حيث حصل المصدر وحده علي مبلغ 10 ملايين دولار.
إشارات متبادلة بين أحد التجار ومصدرنا تمت قبل الانتهاء من عملية الفحص، وحصل صديقنا بعدها علي شنطة العمولة «مبلغ 10 ملايين دولار» وطلب منا الاستعداد للانصراف وسبقنا إلي الخارج.
أسرعت خلفه وطلبت منه اختراع أي حجة تمكنني من البقاء في المكان حتي أقوم بالانتهاء من تصوير الأموال المدفوعة، فأخبرني بأن الدفع لن يتم الآن ولا في هذا المكان، ولكنه سوف يحدث في الخارج بعد أن يقوم البائع بتسليم الورقة التي تم تصويرها مع التمثال، وأخبرني أيضاً بأنهم يلجأون إلي هذه الطريقة لصعوبة تحويل هذه المبالغ الكبيرة عبر البنوك، بجانب المخاوف الشديدة من الغدر بهم إذا قاموا بحمل الأموال معهم.
.. وهنا انتهت مهمة صديقنا، وطلب منا الرحيل، بعد حصوله علي العمولة، وطلب منا تأجيل جميع الأسئلة، حيث موعدنا في المساء، لينتهي بذلك تحقيقنا الذي كنا شهود عيان فيه علي بيع الوطن!

شاهد الفيديو

You can see links before reply!

You can see links before replyحوارات-وملفات/93-ملفات محلية/185044-بالصور-أخطر-عملية-تهريب-للآثار