المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفلسفة والحياة



عوض علي خليفة
20-02-2012, 07:57 PM
مقدمــة البحث لم يكد يظهر الإنسان على وجه الأرض ، حتى دأب يسعى ويلح في السعي كلما ألحت عليه غريزة حب البقاء ، لذا لم يقف الإنسان مكتوف اليدين بل تلاحقه الأسئلة التي تتعجل الجواب عنها: من أين جئنا؟ ما غاية وجودنا ؟ ما مصيرنا بعد الموت ؟ ما الخير وما الشر؟ كيف وجد العالم ؟ وما أصله ومصيره ؟...أسئلة ضرورية تتردد كثيراً لا مفر منها لأنه لا بد للإنسان من تفسير شامل للوجود يسلك على أساسه في هذا الكون وبه يتحدد منهج حياته ونوع النظام الذي يحقق هذا المنهج ، وكل هذه الأسئلة من صميم الوجود الإنساني كما هي محور التفكير الفلسفي ، نعم فالسؤال الفلسفي قديم قدم الإنسان.فإذا كان بعض الناس يعتقد بأن الفلاسفة يعيشون في أبراج عاجية تعزلهم عن مشكلات الإنسان والمجتمع ، ولا يسهمون في تقديم الحلول المناسبة لها ، كما أعتقد البعض ان الفيلسوف الذي يبحث عن الحقيقة ، كمن يبحث عن قطة سوداء في حجرة مظلمة، وهذه الإعتقادات وغيرها عارية من الصحة ، فهناك أمثلة عديدة على جهود الفلاسفة الذين جعلوا من الفلسفة أداة للإصلاح الاجتماعي وتحسين أوضاع المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.فقد سجل تاريخ الفكر الفلسفي أن الفيلسوف اليوناني كان على صلة وثيقة بالمجتمع اليوناني القديم يؤثر فيه ويتأثر به ، ويوجه تياراته السياسية والفكرية كفلسفة سقراط وأفلاطون مثلاً.وفي العصور الحديثة اتجه الفلاسفة إلى دراسة مجتمعاتهم دراسة واقعية ، ولا حظوا أوجه القصور التي أصابت نظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، مما أدى إلى قيام عدد من الثورات التي مهد لها هؤلاء الفلاسفة ، فقد قامت الثورة الفرنسية مثلاً بفضل آراء ونظريات روسو وفولتير وهوبز ولوك وغيرهم من الفلاسفة الذين هاجموا الظلم الاجتماعي ، ودافعوا بقوة عن الحرية والديموقراطية وكرامة الإنسان في كل مكان .وفي الشرق العربي ، نجد ان الأفكار الفلسفية لجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ، قد أخذت طريقها إلى الشعوب العربية والإسلامية ، فكانت سبباً في قيام ثورات اجتماعية وسياسية عرفتها بعض البلدان العربية ، ومثال لذلك ثورة أحمد عرابي في مصر .وفي الوقت الحاضر نجد للفلسفة الوجودية رأي مميز في الإنسان والحرية والمسؤلية ، فالوجود الإنساني الواقعي هو موضوع الفلسفة الحقيقية عند الفلاسفة الوجوديين ، ومشكلات الإنسان وانفعالاته وهمومه .من ذلك يتضح لنا أن الفلسفة ليست بعيدة عن الواقع ، بل إن لها ارتباط وثيق به ، فهي مرآة الواقع بمشكلاته ، تنقده ، وتحلله، وتبحث له عن حلول واقعية .وسوف نتناول في هذا البحث بعض الأمور التي تتعلق بما يلي:1- مفهوم الفلسفة ، واختلاف تعريفاتها، ليس كهدف في ذاته بل بما يخدم بحثنا.2- خصوصية الفلسفة التي جعلتها تتهم ببعدها عن الواقع.3- إرتباط الفلسفة بالواقع تاريخياً على مر العصور.4- إرتباط الفلسفة بالمشكلات الحياتية المعاصرة للمجتمع الدولي .
أولاً: ما هـي الفلسفة ؟

إن أول من يتعامل مع الفلسفة يثير فيه الفضول الفكري عدة تساؤلات حول طبيعة الفلسفة وأهميتها ، ومنفعتها ، وما إذا كانت فكراً يمكنه أن يترجم إلى ممارسات عملية ، إلى غير ذلك من التساؤلات ، وهي – في الواقع – تساؤلات حاول الفلاسفة الإجابة عنها. وبتعبير آخر، إن هذه التساؤلات مرتبطة بتاريخ الفلسفة ذاتها .. ولعل محتويات هذا البحث كفيلة بإظهار ذلك ؛ وهي في نفس الوقت إجابة مباشرة على بعض التساؤلات التي يطرحها الفرد على نفسه.
فما هي الفلسفة ؟ وما علاقتها بالحياة والمجتمع ؟ من هو الفيلسوف ؟ وما طبيعة شخصيته ؟
إن الإجابة على السؤال ما هي الفلسفة ؟ ليست إجابة سهلة ، لأن طرح السؤال إشعار بالتفلسف ودخول في واقع الفلسفة. وأن الإجابة المباشرة على هذا السؤال ؟ تعترضه عدة صعوبات ، بعضها يرجع إلى غير المتفلسفة ، وبعضها يرجع إلى الفلاسفة أنفسهم .
فالأوائل تصدر عنهم آراء متضاربة ، بعضهم يصف الفلسفة بأنها ثرثرة وكلام فارغ ، وبعضهم يعتبرها تفكيرا في الغيبيات ، وبعضهم يعتبرها آراء وهمية ، إلى غير ذلك من الصفات القائمة على الأفكار القبلية ، والمسبقة ، التي لا تستند إلى علم بالموضوع.
أما الصعوبات التي يخلقها الفلاسفة فإنها صعوبات تكمن في عدم إجماعهم على تعريف محدد. فحينما يعرف الفيلسوف الفلسفة، إنما يعرف فلسفته الخاصة. وهذا ما يجعلنا أمام زخم هائل من التعاريف قد يصل عددها إلى عدد الفلاسفة أنفسهم ، وذلك يرجع إلى عدة عوامل رئيسية هي:
1- غياب موضوع محدد: فالفلسفة لا تدرس موضوعا بعينه. فكل موضوع صالح لكي يجلب اهتمامات الفلاسفة مادام يتسم بطابع الإشكالية. لذا يقال إن الفلسفة تدرس كل شيء بما في ذلك نفسها.
2- غياب منهج موحد: لكل فيلسوف منهجه الخاص ، يعتقد أنه موصله إلى اليقين. وقد يتأثر الفيلسوف ببعض العلوم فيقتبس منها مناهجها (ديكارت مثلا). لكن في غالب الأحيان يكون للفلاسفة مناهجهم الخاصة (المنهج التوليدي عند سقراط مثلا).
3- ارتباط الفلسفة بالعصر: إن الفيلسوف مرتبط بقضايا زمانه وعصره ، وهي التي تملي عليه المواضيع والإشكاليات ، وسبل التفكير، وطبيعة المعارف التي سيستخدمها.. ولما كان عصر أفلاطون ليس هو عصر ديكارت ، لابد أن نجد اختلافا بين الفيلسوفين سواء في تعريف الفلسفة أو تحديد أهدافها ..إلخ.
4- قناعات الفيلسوف الخاصة: يمكن أحيانا أن ينتمي الفلاسفة إلى نفس العصر (الطبيعيون مثلا) أو لعصور متقاربة ، لكن هذا لا يمنع وجود الاختلاف بينهم ، لأن لكل فيلسوف قناعاته الفردية ، التي تكون مسؤولة عن تميزه وتفرده ، واتسام فلسفته بالجدة والأصالة.
ثانياً: خصوصيات الفلسفة
أن صعوبة تعريف الفلسفة لا تعني بالضرورة، أن الفلسفة فكر متعال عن الواقع ، أو فكر يصعب إدراكه وتمثله ، إنما يعني ذلك فقط أن للفلسفة بعض الخصوصيات التي تميزها عن غيرها ، وهذه الخصوصيات يمكن اعتبارها في ذات الوقت آليات مشتركة بين سائر الفلاسفة. ويمكن تلخيص بعضها إجمالا فيما يلي:
1-النسقية: إن مفهوم النسق يفيد النظام والتأليف ، ويشير إلى وجود منظومة من العناصر. ومن هذا المنطلق ، نقول إن الفلسفة ليست فكرا مرتجلاً ، وليست شطحات فكرية لا يعرف مصدرها ، وإنما هي تفكير منظم ، وبنية من الأفكار والنظريات. فقد يتناول الفيلسوف موضوعات متعددة ، كالوجود ، والمعرفة ، والقيم ، لكن هذا لا يمنع من اتسام فلسفته بالنظام والتدرج ، والمنطقية.
2- العقلانية والتأمل: إن الفلسفة فكر عقلاني تأملي باعتبارها فكراً بعيداً عن الارتجال ، وخصوصاً لأن العقل وحده يستطيع أن يبحث في القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. كما أن الفلسفة تفكير عميق يبتعد عن العواطف الوجدانية .
3- الشمولية: إن الفلسفة - على خلاف العلم – تترفع عن الجزئيات ، حيث لا تهتم إلا بالقضايا الأكثر عمومية ، وتتسم بالتناول الكلي للموضوعات.
4- التجريد: قد تكون الفلسفة وليدة واقع معين ، لكنها تحتفظ لنفسها بالمقاربة التجريدية ،لأنها ابتعاد عن الارتباط العضوي والمباشر بالمحسوس والجزئي ، خصوصا وأنها تسعى إلى بناء معارف ذات طابع شمولي وعام .
5- النقد: إن الفلسفة فكر نقدي لأنها إعادة نظر متواصلة ، خصوصاً وأنها لا تؤمن بوجود معارف ثابتة ومطلقة. كما أنها تجاوز للاعتقادات الساذجة والبديهية. لذا تتسم بالشك القبلي في وجود معرفة نهائية .
5- التساؤل: إن الفلسفة فكر تساؤلي باعتبارها فكراً إشكالياً نقدياً . فالتفكير الفلسفي يجعل من كل شيء موضوع تساؤل ومناقشة وسجال. لذا قال كارل ياسبرز "الأسئلة في الفلسفة أهم من الإجابات عليها، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا" إن السؤال الفلسفي – في العمق – ليس إلا إشعارا بحدوث الدهشة لدى المتسائل. وكما قال أرسطو : " إن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف"وما دامت هناك أمور تؤلم الإنسان كالمرض والموت، والبؤس، والشقاء.. وما دام الوجود الإنساني ووجود العالم يشكلان لغزا محيرا فستستمر الدهشة الفلسفية وسيستمر التفلسف.
إن عرضنا لخصوصية الفلسفة لا يعني أنها بعيدة عن الواقع ، ولكن لنعرف أنها تفكير من نوع خاص ، يعتمد على العقل والتحليل والنقد ، والبحث عن الحلول للمشكلات والتعرض لمسائل قد لا تثير فضول الإنسان العادي.

ثالثاً: العلاقة بين الفلسفة والحياة على مر العصور التاريخية

إن الفلسفة شأنها شأن أشكال الوعي البشري ، فهي لصيقة بقضايا المجتمع وهموم العصر الذي أفرزها ؛ وقد قال ماركس في هذا الصدد : "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
إن الفلسفة – إذن – ليست فكراً متعالياً عن الواقع الاجتماعي ، وإنما هي خلاصة عصرها ، وتاريخ الفلسفة حافل بالنماذج التي تؤكد ذلك ، كما سنوضح في الصفحات التالية للبحث.
يعد طاليس( 560-548 ق.م ) أول فيلسوف يوناني مارس الاشتغال الفلسفي ، وهو من الحكماء السبعة ومن رواد المدرسة الملطية. وقد جمع بين النظر العلمي والرؤية الفلسفية ، وقد وضع طريقة لقياس الزمن وتبنى دراسة الأشكال المتشابهة في الهندسة وخاصة دراسته للمثلثات المتشابهة ، ولقد اكتشف البرهان الرياضي في التعامل مع الظواهر الهندسية والجبرية أو مايسمى بالكم المتصل والكم المنفصل . وإذا كان هناك من ينسب ظهور الرياضيات إلى فيثاغوس . فإن طاليس قد سبقه في ذلك . أمافلسفته في الوجود فتتمركز حول أصل الوجود ، حيث يرده إلى الماء باعتباره العلة المادية الأولى التي كانت وراء خلق العالم ، ويؤكد أن "الماء هو قوام الموجودات بأسرها ، فلا فرق بين هذا الإنسان وتلك الشجرة وذلك الحجر إلا الاختلاف في كمية الماء الذي يتركب منها هذا الشيء أو ذاك".
أما المذهب الذري الذي يمثله ديمقريطس فيرى أن أصل العالم هو الذرات ، ولذلك فتح الباب امام العلماء للبحث في أصل المادة وهي الذرة ، وأضاء الطريق أمام أبحاث المنهج العلمي المعاصر.
وإذا رجعنا إلى المدرسة الفيثاغورية والعالم الرياضي اليوناني الكبير فيثاغورس الذي يعد أول من استعمل كلمة فلسفة ، وكانت بمعنى حب الحكمة . حيث يذهب إلى أن العالم عبارة عن أعداد رياضية ، كما أن الموجودات عبارة عن أعداد ، وبالتالي فالعالم الطبيعي عنده عدد ونغم ، والفيثاغورية مدرسة علمية تعنى بالرياضيات والطب والموسيقى والفلك. وقد طرحت الفيثاغورية كثيراً من القضايا الحسابية والهندسية موضع نقاش وتحليل . كما أن الفيثاغورية هيئة سياسية تستهدف تنظيم المدينة ( الدولة ) على أيدي الفلاسفة الذين يحتكمون إلى العقل والمنهج العلمي .
هذا ولا يفوتنا الحديث عن سقراط (أبو الفلاسفة اليونانيين) ، الذي غير مجرى الفلسفة فحصرها في أمور الأرض وقضايا الإنسان والذات البشرية حيث اهتم بالأخلاق والسياسة . وقد ثار ضد السوفسطائيين الذين زرعوا الشك والظن ، ودافع عن الفلسفة باعتبارها المسلك العلمي الصحيح للوصول إلى الحقيقة ، وذلك بالاعتماد على العقل والجدل التوليدي والبرهان المنطقي . وكانت الفلسفة عند سقراط تهدف إلى تحقيق الحكمة وخدمة الحقيقة لذاتها ، حيث كان ينظر إلى الحقيقة في ذات الإنسان وليس في العالم الخارجي ، وما على الإنسان إلا أن يتأمل ذاته ليدرك الحقيقة ، لذلك قال قولته المأثورة :" أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك".ولذلك يقال بأنه أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض . ولقد أولى سقراط مبحث الأخلاق اهتماماً خاصاً ، وتابعه في ذلك معظم الفلاسفة اليونانيين ، وبحسب علمنا أن مبحث الأخلاق أقل فروع الفلسفة تعرضاً للاتهام بالبعد عن الميدان العملي ، حيث تعد تعاليمها السراج الأول الذي أضاء سبل الحياة منذ بدء الخليقة ، لتعرف الجماعات الانسانية طريق الخير وتسير على هداه ، وطريق الشر لتبتعد عنه ، وتعيش بذلك حياة سعيدة هادئة مطمئنة.
ويؤسس تلميذه أفلاطون في" جمهوريته الفاضلة " مجتمعاً متفاوتاً وطبقياً ، إذ وضع في الطبقة الأولى الفلاسفة والملوك واعتبرهم من طبقة الذهب ، بينما في الطبقة الثانية وضع الجنود وجعلهم من طبقة الفضة ، أما الطبقة السفلى فقد خصصها للعبيد وجعلهم من طبقة الحديد ، لأنهم أدوات الإنتاج والممارسة الميدانية ، وذلك حسب تقسيمه للنفس البشرية إلى ثلاث أقسام ( الشهوانية-الغضبية- العاقلة ). إن تفكير أفلاطون في "مدينة مثالية" (كتاب الجمهورية) لم يكن إلا محاولة منه لإصلاح المجتمع اليوناني الذي أفسده السوفسطائيون ، ولقد قام بتطبيق هذا النظام في مدينة سرقوسة اليونانية .
وإذا تناولنا فلسفة المعلم الأول ( أرسطو ) فقد كان فيلسوفاً موسوعياً شاملاً ، وكانت فلسفته منفتحة على كل ضروب المعرفة والبحث العلمي ، إذ يبحث في الطبيعة والميتافيزيقا والنفس وعلم الحياة والسياسة والشعر وفن الخطابة والمسرح . ويذهب أرسطو إلى أن العالم الحقيقي هو العالم الواقعي المادي ، وأن الحقيقة لا توجد سوى في العالم الذي نعيش فيه ، ولقد أعطى أرسطو الأولوية لما هو واقعي ومادي على ماهو عقلي وفكري. ومن هنا عد أرسطو فيلسوفاً مادياً اكتشف العلل الأربع: العلة الفاعلة والعلة الغائية والعلة الصورية الشكلية والعلة المادية. فإذا أخذنا الطاولة مثالا لهذه العلل الأربع، فالنجاريعتبر هو العلة الفاعلة والصانعة ، أما الخشب فيشكل علتها المادية، أما صورة الطاولة فهي العلة الصورية الشكلية ، في حين تظهر العلة الغائية في الهدف من استعمال الطاولة التي تسعفنا في الأكل والشرب. ولقد اهتم أرسطو بالاخلاق والهدف منها هو تحقيق السعادة ، ولكن كيف تتحقق السعادة عند أرسطو؟ يقول أرسطو :أن سعادة الانسان هي في تحقيق طبيعته العاقلة ، وبما أن الإنسان ليس عقلاً فقط وإنما توجد قوى اخرى شهوانية وغضبية ، أصبح تحقيق سعادته بالتالي ينحصر في إشباع تلك القوى جميعاً وعدم كبتها ، بشرط أن يتم كل ذلك تحت سيطرة العقل ، ومن ثم أصبح الاعتدال في نظامهالأخلاقي قاعدة ذهبية للأخلاق ، فصار كل اعتدال فضيلة وكل تطرف رزيلة ، ولذلك يعرف الفضيلة بأنها وسط بين رزيلتين ، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن .
وإذا استعرضنا ما يطلق عليها فلسفة العصور الوسطى ، نجد أنها كانت وثيقة الصلة بواقع الحياة الاجتماعية والسياسية ، ذلك أنها استمدت مبادئها من تعاليم الاديان السماوية والتي بدورها أصبحت تنظم حياة الشعوب فيما يسمى العبادات ( العلاقة بين الانسان وربه ) والمعاملات ( العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان ).
فلقد قام فلاسفة الاسلام امثال ابن سينا – الكندي- ابن رشد- بالتوفيق بين الفلسفة اليونانية التي تقوم على العقل من جهة ، وتعاليم الدين الاسلامي الذي يقوم على الوحي من جهة أخري ، مستخدمين في ذلك منطق أرسطو الصوري .
كما كانت فلسفتهم وثيقة الصلة بمجتمعاتهم ، فنحن نجد الفارابي في "المدينة الفاضلة" يحاول إرجاع الدولة الإسلامية إلى أمجادها البائدة ، كما نجد ابن رشد الملقب بالشارح الأعظم لفلسفة أرسطو ، يقوم بنقل آراء وأفكار فلاسفة اليونان إلى الفكر الأوروبي في الغرب ، وذلك بالشروح العظيمة على فلسفة أرسطو، وكان لمنهجه العقلي أثر بالغ في انتشار النزعة العقلية التنويرية في أوربا .
كما قام فلاسفة المسيحية كذلك بالدفاع عن عقيدتهم مستخدمين منطق أرسطو كحجة أقناعية للخصوم ، يضاف إلى ذلك دورهم في التوفيق بين الدين المسيحي والفلسفة اليونانية على يد القديس توما الأكويني وأوغسطين وأنسلم .
من هذا نجد أن فلاسفة العصور الوسطي مصلحين اجتماعيين ، وضحوا لنا بعض القضايا مثل الحرية والإرادة والتربية والسياسة وغيرها.. وجميعها وثيقة الصلة بالحياة الواقعية ، فلم تكن فلسفهم يوماً ما بعيدة عن الواقع الاجتماعي .
الفلسفة الحديثة
وتعتبر الفلسفة الحديثة التي بدأت على يد الفيلسوف الفرنسي ديكارت ، وكانت تهدف إلى وضع منهج للعلم والمعرفة يؤدي بدوره إلى التقدم بدلاً من المنطق الأرسطي الصوري ، ولذلك وجد ديكارت ضالته في المنهج الاستنباطي الرياضي الذي يتسم بدقة اليقين والبحث عن الجديد ، فصاغ لنا ديكارت القواعد الأربعة لهذا المنهج ( البداهةالعقلية – التحليل – التركيب - المراجعة والاحصاء).
ورأى الفيلسوف الانجليزي فرنسيس بيكون أن منهج العلم والتقدم يكمن في الواقع التجريبي حيث المنهج الإستقرائي الذي يقوم على الملاحظة والتجريب ، والذي هو سر تقدم العلوم الطبيعية ، فلقد حاول بيكون التعويل على الطريقة الاستقرائية ونبذ الطريقة القياسية الموروثة من أرسطو ، وكان من أكبر المناهضين لأرسطو، حيثُ ابرز نقائض المنطق الصوري ، ودعا إلى ضرورة الاعتماد على التجربة ، لأنه يرى أن العلم الصحيح هو القائم‏ على التجربة والملاحظة. وكان كتابه " الاورجانون الجديد" من أهم الأعمال التي فتحت الطريق لإصلاح العلوم باعتماد المنهج التجريبي. ومن طريف ما يؤثر عنه أن آخر عبارة خطها قلمه وهو على سرير الموت هي: "لقد نجحت التجربة نجاحاً عظيما".
أن القرن الثامن عشر هو عصر التنوير، وهو عصر من صنع الفلاسفة. وقد تأثر التنوير بمفكرين عظيمين هما: لوك ونيوتن ، ولوك بمنهجه التجريبي الذي اعتمد فيه على الواقع المحسوس والتجربة كبداية للبحث في المعرفة ، أما نيوتن فقد كان لمنهجه العلمي ولمكتشفاته اثر في فلاسفة التنوير، وكان اكتشافه للجاذبية مؤيداً للمذهب التجريبي وموطداً للثقة في المنهج الرياضي .
وهذا كانط الفيلسوف الالماني قمة عصر التنوير بلامنازع ، إذ يقول :كن جريئاً في استخدام عقلك ، وهو الذي جمع في منهجه بين العقلانية والتجريبية.
ولا يفوتنا في هذا المقام أراء دافنشي وفولتير وجان جاك روسو حول النظم السياسية وسيطرة الكنيسة ، وظلم الحكام ، والحق الألهي المقدس ، وما كان لآرائهم في العقد الاجتماعي والتربية من قيام الثورات ضد الظلم والديكاتورية ، وأدى ذلك إلى سيادة الديمقراطية في العالم أجمع .
ويمكننا التعرف على مجموعة سمات عامة لفلسفة التنوير في كل البلدان الأوروبية ، مثل اعتبار أن للعقل سلطانً على كل شي‏ء، وانه مقياس لصحة العقائد ، وأساس للعلم ، ووسيلة للقضاء على الخرافة والجهل والخوف ، واتجاه نحو العالم الحسي ..
الفلسفة المعاصرة:
إن الفلسفة المعاصرة هي أكثر الفلسفات إلتصاقاً بالواقع الاجتماعي للشعوب ومرآة لمشكلاتهم والعمل على تحليلها والمساهمة في تقديم حلول لها ، فإذا رجعنا لفلسفة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر المسماة بالوجودية ، نجدها مرتبطة بالواقع الانساني ، وتبحث في حرية الانسان ، ومسئوليته عن نتيجة أفعاله ، ومدى تلك الحرية ، ذلك أنها حرية ملتزمة ، فالوجودية تهتم بالانسان ومشكلاته وعواطفه وهمومه وقلقه ، فهي بذلك انعكاس لواقع الحياة الاجتماعية.
كما سارت في هذا المنحى كل من البرجماتية الأمريكية علي يد وليم جيمس وقام على أساسها النظام الرأسمالي الأمريكي ، الذي يؤمن بالعمل والمنفعة والديمقراطية والعلم.
ونجد منحى آخر عند الفلاسفة الألمان أمثال هيجل وماركس وتطبيق نظرياتهم السياسية والاجتماعية في واقع الاشتراكية العلمية.

رابعاً: الفلسفة وبعض القضايا المعاصرة للمجتمع الدولي
في هذه الظروف يفترض أن تشارك المعرفة الفلسفية مشاركة أساسية في صياغة وعي الناس للواقع الذي يعيشونه ، بما تتميز به من نظرة نقدية قادرة على التوجه للمشاكل مباشرة ، والبحث عن جذورها ، والتعمق في أصولها الأولى من خلال الفحص المستمر والتساؤل المتواصل .
بالإضافة إلى كونها معرفة شمولية تسعى باستمرار لتصور القضايا بكل مظاهرها وأبعادها ، لذلك فالفيلسوف مرآة عصره ومجتمعه ، يضع نصب عينيه قضايا المجتمع المعاصر للعمل على حلها والمشاركة في التخفيف من وطأتها.
انطلاقا مما تقدم نطرح السؤال التالي : هل الفلسفة إلزام أم إلتزام؟ يقول ديكارت : "لأن يحيى المرء بدون تفلسف هو حقا كمن يظل مغمضا عينيه لا يحاول أن يفتحهما ، والتلذذ برؤية كل ما سيكشفه البصر لا يمكن أن يقارن بالرضى الذي ينال من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة". يتأكد إذن – من خلال هذا القول- أن الفلسفة ليست ترفاً فكرياً وإنما هي ضرورة ، وعليها إعادة النظر في كل شيء ، وفي كل قضايا الحياة .
والفلسفة، كذلك، التزام لأنها اندماج وانصهار في كل ما من شأنه أن يساهم في صيرورة الحياة ، وبالتالي الانطلاق بها إلى فضاء أرحب وأوسع .
ومن القضايا المعاصرة :
1- مشكلة العنف: تعيش المجتمعات بصفة عامة ، والمجتمعات العربية بصفة خاصة ، مجموعة من المشاكل المعقدة والمتشابكة ، تتطلب التعاون وتوحيد جهود الفلاسفة والمفكرين في وضع حلولاً لها ، ومن تلك المشكلات ، مشكلة العنف بأنواعها المختلفة.
والفلسفة تقف ضد جميع ضروب العنف محاولة منها لنشر ثقافة التسامح والانفتاح على الغير، لأن العنف يعتبر من المسارات الخسيسة التي بإمكانها أن تجهض حركة الحياة ، وتقتضي على طموح الإنسان في بلوغ غايات نبيلة.
فالفلسفة تحارب العنف لأنه ليس مجرد سلوك فردي ينحصر في أخذ ثأر أو إنزال عقوبة أو قصاص ، ولكنها تحاربه لأن العنف يوجد عندما يحطم واحد أو عدد من الفاعلين شخصا آخر، مباشرة ، أو بصفة غير مباشرة ، أو يمسهم في كيانهم الجسمي أوالنفسي ، في ممتلكاتهم ، أو في انتماءاتهم الثقافية وغير ذلك.
ليس العنف فقط مسألة جرح أو قتل ، إذ يمكن أن يكون التحطيم سيكولوجياً ، بواسطة التعذيب أوالنفي ، أو الإيذاء في الممتلكات ، أو يلحق لغة الجماعة ، أو ثقافتها أومعتقداتها ، أو يعني الحرمان من العمل ..إلخ.
بناء على هذا، نستطيع القول إن الفيلسوف ضد العنف ، لأنه سلوك لا عقلي يهدف إلى النيل من كرامة الإنسان وبالتالي النيل من إنسانيته. إن الفلسفة ضد العنف لأنه يقوم على كل الأفكار السلبية التي تحاربها كالتسلط ، والظلم ، والبؤس والشقاء والحرمان ..إلخ.
وعلى الفلسفة أن تتنبه للعنف لأن خطورته ، اليوم ، أكبر من أي وقت مضى حيث يستعان بالإنجازات التكنولوجية والعقلية في إنتاجه. ولعل ذلك ما يجعلنا نقول إن العنف أصبح اليوم سلوكا لا عقليا أنتجه العقل.
2- قضية التنمية والتخلف : إن التنمية بوسائلها وإمكانياتها وشروطها ، وما تتطلبه من وسائل وإمكانيات مادية وبشرية ، هي نتاج فلسفة واضحة ، تقوم على الفعل والحركة والنشاط ، فلم يعد الفعل كلمة عابرة ، بل أصبح نظرية فلسفية ، عمل كثير من الفلاسفة والعلماء إلى تحليلها وتنظيرها، وغرس الحياة فيها.
لقد كان الفعل والعمل أحد أهم سمات العقيدة الإسلامية ، وما انبثق عنها من فلسفة ، وهو ما أدى إلى ازدهار العرب والمسلمين في عصورهم الأولى فتطوّروا وازدهروا، ولازالت كثير من مآثرهم تشهد على ذلك.
إلا أن التخلف بدأ مع إهمال الفعل ، فانعكف المسؤولون والعلماء على أنفسهم ، وبدأت الصراعات الداخلية التي جلبت أطماع الأجانب إليهم ، وهوانهم على أعدائهم. ورغم استقلالهم السياسي ، إلا أن التطوّر والتقدم ، يبقى من مهمة الفلاسفة والمفكرين والمسؤولين السياسيين ، وهو ما فشلوا في تحقيقه في وقتنا الحاضر.
رغم التخلف الذي أطبق على مختلف أقطاب الأمة الإسلامية ، إلا أن الأزمة تولد الهمة ، حيث عرف العالم الإسلامي ظهور مجموعة من العلماء المصلحين ، خلال القرن التاسع عشر، والذين عملوا على استنهاض الهمم ودفع المسلمين إلى الإنتفاضة والتحرر والتيقظ ، وتوعية الشعوب بأن التخلف ليس قدرا محتوما عليهم ، بل يمكنهم الخروج منه ومحاربة الإستبداد ، والعمل على تغيير أوضاعهم ، ومن هؤلاء جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وغيرهم من العلماء والحركات الإصلاحية بالعالم الإسلامي.
أما في المجال الفكري والفلسفي ، فهناك فلاسفة ومفكرون يعملون على استنهاض الهمم والسعي لشحذ العزائم ، من أجل تحريك المجتمع العربي نحو النهضة والتنمية والرقي فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد د/ زكي نجيب محمود الذي يرى أن التغير يحدث في حياتنا العربية ، لو أننا قبل النطق بأي كلمة ، وبكل كلام ، وبأدنى فكرة ، نتساءل ، ما الفائدة (الأخلاقية أوالمادية) التي سنحققها؟ إذ بهذه الطريقة ، فإن كل الكلام الذي لا يحمل فائدة ، وكل الأفكار المجرّدة والعقيمة تختفي من مجالنا الثقافي والإجتماعي .
وإذا نظرنا في عوامل تطور الحضارة الغربية ، نجد ظهور نظريات فلسفية ، ساهمت في تحرير العقل الغربي من جموده ، ومناهجه العقيمة غير المجدية. ومن هذه النظريات ، نجد النظرية البراجماتية ، أي العملية ، والتي تجعل من العمل مبدأ مطلقاً. حيث يؤرخ لها الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس . وهو يلخصها قائلا: إن تصورنا لموضوع ما ، هو تصورنا لِما قد ينتج عن هذا الموضوع من نتائج عملية لا أكثر.
كما نجد الواقعية الإنجليزية الجديدة ، حيث يدعو رسل إلى ضرورة إعطاء الفلسفة صبغة علمية صرفة. إذ يجدر بالفلسفة في رأيه أن تستقي معاييرها وأحكامها الأساسية من علوم الطبيعة .
كما كان لأراء بنتام وجون ستيوارت مل في المنفعة العامة دوراً هاماً في تطور الإقتصاد الانجليزي.
3- الطب والهندسة الوراثية : لقد حقق علم الأحياء في أواخر هذا القرن طفرة هائلة ، في مجال المورثات(الجينات) ، طفرة أكثر أهمية وأبعد مدى للعلم نفسه ولآثاره وتأثيراته من تلك التي كانت لنظرية التطور الدارونية ، وإذا كانت الآفاق التي فتحتها نظرية التطور في مجال علم الأحياء قد طالت " أساس الفلسفة الأخلاقية" فإن الآفاق التي تفتح اليوم أمام العلم نفسه وتطبيقاته الطبية ، وفي مجال الهندسة الوراثية خاصة ، تضع الأخلاق أمام إحراج لم يسبق له مثيل من قبل ، إحراج يطال ليس الأساس الفلسفي النظري الذي يبرر القيم الأخلاقية وحسب ، بل يتحدى هذه القيم نفسها.
إن الباحث في المجال البيولوجي والطبى مطالب عند القيام بتجارب تخص الإنسان ، أن يلتزم بأخلاقيات وقيم معينة ، فالأمر لم يعد يتعلق بالتجريب على الإنسان بل بتغيير الإنسان ، وهتك حرمات جوانب أساسية لم يكن يطالها العلم من قبل ، جوانب الجنس( الانجاب والنسل ) ، والوراثة ، والحياة والموت ، فهناك مشكلات متعددة يضعها علم الأحياء اليوم أمام الطب منها: إمكانية تجميد الأجنة ، وإمكانية اختيار نوع المولود من خلال التدخل في البويضات ، وغير ذلك من المشاكل التي تثيرها قضايا الإخصاب خارج الرحم ( أطفال الأنابيب ) والاستنساخ والهندسة الوراثية.
إننا اليوم ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرون ، نجد أنفسنا أمام الحاجة إلى القيم الأخلاقية التي تفرض سلطتها على العلم وتقدمه ، ليس في مجال الأحياء والطب وتطبيقاتهما فحسب ، بل وأيضاً في مجال العلوم الطبيعية الأخرى وتطبيقاتها المدمرة( الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية...)
ولذلك يحاول الفلاسفة جاهدين وضع اخلاقيات معينة ، تسمى "أخلاقيات البيولوجيا "أو ما يسمى" البيو إتيك" .
4- السلام والتعاون الدولي: لقد خاض العالم في القرن العشرين حربين عالميتين وهو مهدد بحرب ثالثة نووية ، فيها الدمار والهلاك للمنتصر والمنهزم على السواء ، كما تزايد الصراع الدموي بين الدول لاسباب متعددة ايديولوجية وعقائدية وعلى الثروات الطبيعية وأيضا الحدودالسياسية ، وغيرها .. مثل الحرب على الإرهاب في افغانستان والعراق ، والحروب في الصومال والسودان وكشمير وفلسطين وقطاع غزة وغيرها .
ولذلك أصبحت مسئولية الدعوة إلى إقرار السلام الدولي ملقاة على عاتق رجال السياسة والمفكرين والفلاسفة خصوصاً ، ذلك أن الفيلسوف هو مرآة وضميرعصره ، يحمل مسئولية الدفاع عن الإنسانية كلها ويدعم السلام الدولي بين جميع شعوب الأرض.
وهناك بعض الأمثلة لجهود الفلاسفة في الدعوة للسلام والتعاون الدولي :
1- كانط: هو فيلسوف ألماني دعا إلى تأسيس ما يشبه هيئة متحدة لأمم العالم ، تعمل على دعم السلام العالمي بين الشعوب وحل المشكلات العالمية سلمياً ، وتأكيد الحرية والطمأنينة عند الشعوب ، وذلك في كتابه" مشروع للسلام الدائم "حيث كان يريد أن يستكمل مذهبه العقلي والاخلاقي بنظرية سياسية تعنى بتنظيم المجتمع تنظيماً مدنياً يكفل للإنسان أن يمارس نشاطه العقلي ، ويقوم فيه بواجبه الاخلاقي بحرية وأمان. وقد وضع كانط في كتابه " المشروع " تصورا كاملا لتنظيم المجتمع داخلياً وتنظيم العلاقات بين المجتمعات قانونياً ، حيث كان يرى أن الدولة بعد أن تنشأ مستقلة ، ويحكم القانون المدني علاقات افرادها ، تقوم العلاقة بينها وبين باقي الدول على ما يسميه كانط قانون الشعوب ، ويطلق عليه الآن القانون الدولي .
2- برتراند رسل: فيلسوف انجليزي كتب في الرياضيات والمنطق والتحليل الفلسفي وكذلك المسائل الاجتماعية والسياسية والتربوية ، ودعا إلى استقلال الشعوب من تحت وطأة الاستعمار ، وهاجم سياسة بلاده الاستعمارية ، كما ندد برغبة أمريكا في السيطرة على العالم ، ونادى بتحقيق السلام العالمي بين الشعوب ، ومناهضة التجارب الذرية ، ودعا إلى إقامة محكمة رمزية لمحاكمة مجرمي الحرب وهم رؤساء الدول الذين يهددون السلام العالمي.
3- كارل ياسبرز: فيلسوف وجودي ألماني ، كتب عن القنابل الذرية والتهديد المستمر بإستخدامها ، وهذا بدوره يهدد السلام العالمي ، ويولد الخوف والقلق ، ولذلك دعا الفلاسفة والمفكرين إلى توحيد جهودهم للحد من هذا الخطر الذري .
4- جان بول سارتر: فيلسوف وجودي فرنسي وزعيم الفلسفة الوجودية ، التي تهتم بالإنسان وحريته ، فالسلام هو الحرية ، وقد سبق الحديث عنه عند استعراض الفلسفة والحياة في العصر الحاضر، ونجده يعارض سياسة بلادة الاستعمارية في الجزائر مما أدى إلى منح الجزائر( بلد المليون شهيد ) استقلالها .

الخاتمـــــة
نستطيع ان نؤكد أكثر من مرة ، أن الفلسفة والفلاسفة لم يكونوا يوماً ما بعيدين عن واقع مجتمعاتهم ، ولكن خصوصية الفلسفة ومناهج دراستها هي التي جعلت البعض يعتقد خطأ في ترفع الفلسفة عن الواقع ، فلقد أستشهدنا ببعض الفلاسفة على مر العصور التاريخية ، فهؤلاء فلاسفة اليونان سقراط وأفلاطون وأرسطو ، ما زالت أرائهم في مفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية ومركزية القانون في الاصلاح السياسي والاخلاقي والاجتماعي يتردد صداها في جميع العصور اللاحقة عليهم ، وهناك أفكار ونظريات لهم قام فلاسفة العصر الحديث بتطويرها حسب متطلبات الواقع العلمي ، فنجد مثلاً ان المنطق الرمزي والرياضي على يد الفلاسفة المعاصرين هو أمتداد لمنطق أرسطوالصوري . .
ثم إنتقلنا إلى العصور الوسطى ، حيث الحضارة الاسلامية ودور الفلاسفة المسلمين الحضاري ، واسهاماتهم الجادة في خدمة الدعوة الإسلامية وفي نشرها علي أوسع نطاق حينما اضطلعوا بمهمة التوفيق بين الدين والفلسفة‏ ، فأزالوا بفلسفتهم العقلية أي تناقض أو تضاد مزعوم بين ما أتت به الشريعة الإسلامية وبين الإبداع العقلي لفلاسفة اليونان‏ ، مؤكدين أن الحق لايضاد الحق ومن هنا انطلق المبدعون من العلماء والفقهاء والأدباء واللغويين وغيرهم‏ ، انطلقوا بادئين من استخدام المنطق والفلسفة اليونانية العقلية ـ في بلورة وتأسيس اتجاهات وعلوم جديدة في كل مياديــــن الإبداع والحياة‏ .
وتسلم الراية فلاسفة الغرب المحدثون فبدأ عصر الابداع الغربي الحديث‏ ،‏ حيث جدد ديكارت المنهج الفلسفي ،‏ وجدد بيكون مناهج التفكير العلمي ، فكان أن قامت علي أفكارهما ومن تتلمذ عليهما في فرنسا وانجلترا معظم جوانب النهضة الغربية الحديثة ، وبدأت ملامح الحضارة الغربية الحديثة تتضح‏ ‏، فكان التجديد الفلسفي والعلمي هو الوقود الذي أشعل كل صور الإبداع لدي الإنسان الغربي منذ القرن السابع عشر وحتي الآن.
ثم تطرقنا إلى الفلاسفة المعاصرين والذين كانت فلسفتهم اكثر تعبيراً عن واقع مجتمعاتهم وواقع المجتمع العالمي ومنهم الفيلسوف الفرنسي سارتر والانجليزي رسل وغيرهم .وما زالت الفلسفة والفلاسفة يحملون الشعلة التي بها يتصدون لجميع الاشكاليات التي تنجم عن التطور العلمي ومتطلبات الواقع المعاصر. إن الفلسفة تلعب دوراً حيوياً في حياة الشعوب وتساهم في صنع التقدم الإنساني وتوجيهه لخدمة الإنسان ، ولم تنقطع الصلة بين الفلسفة والحياة يوماً ما ، مادامت الحياة مستمرة ، ويعتريها أشكالات متنوعة ومتعددة ، فلا تجد أمامها سوى الفلاسفة بما وهبهم الله من عقلية ناقدة ومحللة وقادرة على البحث في الأصول والعلل الأولى لجميع المشاكل على اختلافها.
والحقيقة أن الفلسفة والفلاسفة ، لم يكونوا يوماً ما وفي أي عصر بعيدين عن مشكلات الواقع أو منعزلين عن الحياة التي يحياها عامة الناس‏ ،‏ كما يتهم بذلك الفلاسفة من قبل من لايقدرون ولايعون الدور الحقيقي الذي يقوم به الفلاسفة في ريادة وصنع التقدم الحضاري للانسان في كل مراحل التاريخ الانساني؟ فأفكار الفلاسفة وآراؤهم التنويرية هي التي قادت هذا التقدم في كل العصور؟
فقد كان مفكرو مصر القديمة هم الطليعة المفكرة التي قادت المجتمع الي تخليد منجزاته الحضارية والي ابتكار كل صنوف الابداع الحضاري من نظريات مبتكرة في تفسير الوجود الي النظريات العلمية التي فجرت الابداع في مجالات الطب والجراحة والهندسة والعمارة فضلاً عن الآداب والفنون‏ ،‏ وكذلك كان مفكرو الصين القديمة‏(‏ كونفشيوس ‏)‏ كما كان لمفكري الهند وفارس وبابل القديمة نفس الدور في ريادة وصنع التقدم لبلادهم .
خلاصة القول ان الفلسفة والفلاسفة هم حملة مشاعل التقدم والتنوير في كل مجتمع نهض في الماضي ‏،‏ وهم كذلك من تحلم وتنادي بوجودهم كل أمة تريد أن تصنع مجدا أو تضيف جديداً ،‏ فالفلاسفة هم مرآة أي عصر،‏ وهم كذلك صناع الرؤى الجديدة التي ينبغي أن يسير فيها وعلي دربها كل من أراد أن يصنع الخير والتقدم للبشرية‏.‏
وعلي أي حال فقد أدرك فلاسفة العصر الحالي أهمية أن يلتحموا بقضايا مجتمعهم وأن يبدوا الرأي والتوجيه في كل القضايا المطروحة سواء كانت مجتمعية أو علمية أو فكرية‏ ، فكان أن تأسس مايسمي الآن بالفلسفة التطبيقية بفروعها المختلفة ‏.
أن للفلاسفة دوراً ، ينبغي أن يضطلعوا به في تحليل ومعالجة المشكلات الحياتية للانسان المعاصر‏ ، فالفلسفة تهتم بقضايا وإشكاليات الحياه المعاصرة وقضية حوار الحضارات ، وتعدد المعايير في النظرة الأمريكية السياسية المعاصرة ،‏ وقضايا ومشكلات البيئة وحقوق الإنسان والاصلاح السياسي ، وكذلك قضايا الاستنساخ والقتل الرحيم وغيرها من القضايا الفكرية والعلمية المختلفة .
اننا بذلك نثبت ان الفلسفة والفلاسفة لم تكن ولم يكونوا يوماً بعيدين عن تأمل قضايا الحياة ومشكلات الواقع ‏،‏ كما أننا سنظل دوما حريصين علي أن تكون الفلسفة والمنهج الفلسفي في التفكير ، قمة نتمني ان يمتلكها كل حريص علي مستقبل وطنه ، الساعي لأن يكون وطنا للأحرار ولصناع التقدم في كل مجالات الحياة‏ ،‏ فالتقدم يصنعه من يمتلكون العقلية العلمية ـ النقدية ـ الموضوعية ـ القادرة علي الحوار والابداع‏ ،‏ ولايوجد علم يغرس ذلك ويدرب الانسان عليه إلا الفلسفة ، وهذه دعوة لأن يكون كل منا فيلسوفاً وعقلانياً علي قدر استطاعته‏ لإستخدام الأخلاق التطبيقية التي أصبحت توجه التقدم العلمي في مجال الاستنساخ والهندسة الوراثية والثورات البيولوجية والجينية‏ والأسلحة النووية وغيرها كما ذكرنا في البحث.
نتمنى من الله أن نكون قد وفقنا في توضيح العلاقة بين الفلسفة والحياة على مر العصور فهي علاقة لا ينفصم عُرْاها ، ولذلك نستطيع أن نقول " الحياة والفلسفة متلازمان " .
file:///C:/DOCUME~1/CP091A~1/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image013.gif


1- د/ مصطفى النشار الأهرام1 ديسمبر 2005م العدد 43459 الفلسفة وقضايا الحياة المعاصرة.
2- محمد عابد الجابري قضايا في الفكر المعاصر-مركز دراسات الوحدة –بيروت1997م.
3- سماح رافع محمد ، محمد مصطفى بسيوني الفلسفة ومشكلات الإنسان- الجهاز المركزي للكتب الجامعية- القاهرة 1989م.
4- سماح رافع محمد المذاهب الفلسفية المعاصرة- مكتبة مدبولي- القاهرة 1985م.
5- ول ديورانت قصة الفلسفة ترجمة فتح الله محمد المشعشع- مكتبة المعارف-بيروت1982م.
عوض علي خليفة موجه الفلسفة-إدارة ديرب نجم التعليمية

ديار
21-02-2012, 01:57 PM
شكرا على البحث
البحث وافى ورائع جزاك الله خيرا