المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قل «برلمان» ولا تقل «برطمان»



Mr. Ali
13-02-2012, 03:31 PM
بقلم أكمل قرطام ١٣/ ٢/ ٢٠١٢

«البرلمان» هو سلطة دستورية منتخبة تختص، كما هو معلوم للجميع، بتشريع القوانين والموافقة على الموازنة المالية للدولة، والرقابة على أداء الحكومة، وإقرار السياسات العامة، وهى واحدة من ثلاث سلطات يقوم عليها النظام الدستورى لأى دولة بالإضافة إلى السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ولا ينجح تطبيق نظام الحكم الدستورى السليم إلا بحفظ التوازن بينها، وبما يمنع تغول إحداها على الأخرى، فإن كانت الدساتير تمنح البرلمان سلطة التشريع فإن السلطة القضائية هى التى تقضى بصلاحية التشريعات من الناحية الدستورية، وإن كانت السلطة التشريعية لها الحق فى سحب الثقة من الحكومة فإن رئيس الدولة يكون له الحق فى حل المجالس التشريعية، كل ذلك بضوابط تحفظ التوازن بين السلطات وبعضها،
وليس هذا المقال محلاً لذكرها، المهم ما كان لسلطة أو هيئة أن تُوفَّق فى عملها إلى النجاح إلا إذا سارت فيه على نظام، وبحسب ما يكون للأعمال المنوطة بها من خطورة الشأن وعِظَم القدر تكون حاجتها إلى النظام أَمَسّ، وفائدتها من الالتزام به أجَلّ، و«البرلمان» بما له من مهام ثقال كان من المأمول أن يبدأ بمراجعة لائحته الداخلية وما تتضمنه من قواعد وإجراءات، خاصة إنه هيئة سياسية مكونة من عناصر متباينة ومتعارضة، وكل منها يعدل بطبعه إلى تطبيق نصوص اللائحة وفق مصلحته ولا يتحرج فى سبيل ذلك عن الذهاب فى تأويلها كل مذهب، فإن لم تكن واضحة كل الوضوح تصبح محل خلاف فى التأويل ونزاع فى التطبيق، كما لاحظنا فى الجلسات الماضية،
بالإضافة إلى أن لائحة المجلس تم وضعها فى ظل نظم حكم سابقة سيطرت فيها السلطة التنفيذية كل السيطرة على السلطة التشريعية بما انعكس على اللائحة وموادها فى مواطن عدة، لذلك فإنه من المناسب أن تعاد صياغتها على أسس واضحة وجلية منزهة عن الشوائب واللبس والشك والقصور، وبأوضح بيان، وأصرح عبارات، حتى لا يحتدم فى كل مرة وطيس الجدال بين الأعضاء بما يضيع معه وقت المجلس ومجهوده هباء، ولابد للائحة الجديدة أن تؤكد على شفافية العمل البرلمانى وعلنية الجلسات، وعلى تواصل المجتمع المدنى والجماهير مع البرلمان من خلال حضور جلساته، خاصة جلسات الاستماع قبل إصدار التشريعات، وأن تهتم بوضع ضوابط مناقشة مشروعات القوانين،
وإنشاء لجنة للصياغة لمساعدة النواب فى صياغة اقتراحاتهم التشريعية ومراجعتها دستورياً، وإلغاء جميع القيود التى تضعها اللائحة على ممارسة بعض أدوات الرقابة، وتمكين النائب من الحصول على المعلومات التى يطلبها حتى يستطيع القيام بدوره الرقابى الذى يرتضيه الناس، كما لابد للائحة من التشديد على حضور اجتماعات اللجان، ورفع النصاب العددى لصحة اجتماعاتها، وعدم استثناء رؤسائها من التفرغ لأعمالها، وإعادة النظر فى سلطات رئيس المجلس، التى تجعله يهيمن على العديد من أجهزة المجلس، وتعطيه القدرة على إصدار وتعطيل القرارات، وإعادة صياغة النصوص الغامضة فى اللوائح التى تتعلق بتحديد اختصاصات وحقوق وواجبات الأعضاء، مع التأكيد على حرية التعبير، وأن يكون الكلام فى الجلسة العامة بملاحظة أو فكرة أو اقتراح وليس على سبيل الخطابة والتكرار أو المزايدات، وقد يكون من المناسب أيضاً وضع كتاب لتفسير اللائحة بعد مراجعتها، وتبيين حكمة نصوصها وإيضاح مرامى أحكامها، فى سبيل البلوغ بمسائل الإجراءات منزلة تقترب من الإجماع جهد المستطاع، حتى لا يتحول «البرلمان» إلى «برطمان» ملىء بـ«البرطمة» و«الكلام» وينعدم منه «الفعل» و«الرجاء».