المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( الخبر و الإنشاء )



أ / الطيب الشنهوري
31-01-2012, 06:48 PM
الخبر والإنشاء

............................

الكلام عند البلاغيين إما خبر وإما إنشاء

......................

أولا : الخبر :
............................

الخبر: هو ما يحتمل الصدق أوالكذب،
نحو: محمد جالس، فإن كان هذا الكلام مطابقاً للواقع،
بأن كان محمد جالساً، كان الكلام صدقاً،
وإن لم يكن مطابقاً للواقع، بأن لم يكن محمد جالساً، كان كذباً.

والغالب في الخبر أن يلقى لأحد أمرين:
..........................................
1- إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنه الخبر وذلك فيما إذا كان المخاطب جاهلاً، كقولك: ( الله ربنا ) للطبيعي.
وهذا القسم يسمى: (فائدة الخبر).

2 ـ إفادة المخاطب أن المتكلم عالم أيضاً وأنه يعلم الخبر، وذلك فيما إذا كان المخاطب عالماً، كقولك: (أنت حفظت القرآن) لمن كان حافظاً للقرآن.
ويسمى هذا القسم: (لازم فائدة الخبر).

وقد تأتي بالكلام لأغراض أخرى، غير هذين مثل:

1 ـ الاسترحام، نحو: ( إلهي عبدك العاصي أتاك..).

2 ـ إغراء المخاطب بشيء، نحو: (وليس سواءً عالم وجهول).

3 ـ إظهار الضعف والخشوع، كقوله تعالى: ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) (مريم: من الآية4).

4 ـ إظهار التحسر على شيء محبوب، كقوله تعالى: ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ) (آل عمران: من الآية36).

5 ـ إظهار الفرح، كقوله تعالى : ( جَاءَ الْحَقُّ ) (التوبة: من الآية 48).

6 ـ التوبيخ، كقولك: (أنا أعلم فيم أنت!).

7 ـ التحذير، نحو : (أبغض الحلال الطلاق).

8 ـ الفخر، نحو: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر).

9 ـ المدح، نحو: (فإنك شمس والملوك كواكب..).

10 ـ التذكير بأمر، كالتفاوت بين المراتب، نحو: ( لايستوي كسلان ونشيط).

==========
أقسام الخبر :
* ينقسم الخبر من حيث نوع المخاطب إلى:

1- الابتدائي : وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر، كقولك ـ لمن لا يعلم كون القبلة في طرف الجنوب من العراق ـ : (القبلة في العراق نحو الجنوب).

2- الطلبي : وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب شاكاً في الخبر، طالباً العلم به، كقولك ـ لمن شك في سقوط حكومة ـ: (الحكومة سقطت). ويستحسن في هذه الحال تأكيد الخبر بمؤكد.

3 ـ الإنكاري : وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب منكراً، كقولك للنصراني: (والله محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي). وفي هذه الحال يؤتى بالخبر مؤكداً بالقسم أو حرف التنبيه المؤكد أو نحوهما.

لكن ربما يؤكد الخبر لشرف الحكم، وإن لم يكن المخاطب متردداً أو منكراً، كقولك: (إن النجاة في الصدق).

واذا جئنا بالتأكيد على حسب ما ذكرنا، سمي الكلام: مطابقاً لمقتضى الظاهر.
وأما إذا لم نأت بالتأكيد في مورد التأكيد، أو أتينا بالتأكيد في غير مورده، فإن كان هناك اعتبار بلاغي كان حسناً، وإلاّ فلا.

- قال رجل لعيسى بن هشام النحوي ( إنني أجد في كلام العرب زيادات لا قيمة لها )
- قال : مثل ماذا وجدت ؟
- قال : العرب يقولون " زيد بالبيت " ,
ويقولون " إن زيدا بالبيت " ,
ويقولون " إن زيدا لبالبيت "
فزاد الكلام والمعنى واحد .
- فقال النحوي : أنت لا تفهم لغة قومك
- زيد بالبيت : للسائل
- و إن زيدا بالبيت : للشاك
- و إن زيدا لبالبيت : للمنكر
وفي قوله هذا تقسيم الخبر إلى ابتدائي وطلبي وإنكاري
فمع خالي الذهن يقال الكلام بلا مؤكد
ومع الشاك المتردد يؤتى بمؤكد واحد
ومع المنكر يؤتى بمؤكدين أو أكثر .

* و ينقسم الخبر من حيث نوع الجملة إلى قسمين:

1- الجملة الفعلية، وهي إما مركبّة من فعل وفاعل،
نحو: ( جاء زيد) وإما من فعل ونائب فاعل نحو (ضُرب زيدٌ ).

ثمّ إنّها قد تفيد التجدد والحدوث في زمن معيّن، نحو قولهم في البخيل: (يعيش عيشة الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء).

وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئاً فشيئاً،
كقول المتنبي: (تدبّر شرق الأرض والغرب كفه..)
بمعنى أن شأنه المستمر تدبير الممالك.

2- الجملة الاسمية، وهي ما تركبت من مبتدأ وخبر، وهي لا تفيد إلاّ ثبوت شيء لشيء، نحو (زيد شجاع)
لكن إذا كان خبر المبتدأ فعلاً، أو كان هناك قرينة، أفادت التجدد أيضاً، نحو: (الكريـــم يفرح بالضيف) وقوله تعالـــى: ( وإنك لعـــلي خلق عظيم) ( القلم: 4).

============
العدول عن مقتضى الظاهر :

قد ذكروا للعدول عن مقتضى الظاهر لاعتبار بلاغي موارد ومنها :

1 ـ تنزيل العالم منزلة الجاهل، لعدم جريه على موجب علمه، فيلقى إليه الخبر كما يلقى إلى الجاهل كما تقول لمن لا يصلي، وهو عالم بوجوب الصلاة: (الصلاة واجبة) من غير تأكيد.

2- تنزيل خالي الذهن منزلة المتردد السائل،
قال تعالى: ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ )(يوسف: من الآية53 )
فإن قوله: ( إن النفس) أكدت لأنه تقدم ويشير إلى الخبر المقتضي لتردد المخاطب.

3- تنزيل غير المنكر منزلة المنكر، إذا ظهرت أمارة الإنكار، كقوله:

جاء شقيق عارضاً رمحه : إن بني عمّك فيهم رماح
فشقيق لا ينكر رماح بني عمه، ولكن مجيئه واضعاً رمحه على فخذه بالعرض وهو راكب، بمنزلة إنكاره أن لبني عمه رماحاً، فأكد الكلام استهزاء به.

4- تنزيل المتردد منزلة الخالي الذهن،
كقولك لمن تردد في مجيء الشتاء: (جاء الشتاء).

5- تنزيل المتردد منزلة المنكر، ويدل على ذلك شدة التأكيد، وإلا فلو لم ينزل كان التأكيد الواحد كافياً، كقولك لمن يتردد في مجيء الأمير: ( والله إن الأمير قد جاء).

6- تنزيل المنكر منزلة الخالي الذهن، لأن عنده من الدلائل ما لو تأملها ارتدع، قال تعالى‏: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) (البقرة: من الآية163 ).

7- تنزيل المنكر منزلة المتردد، ويظهر بعدم الاعتناء إلى مزيد التأكيد مع اقتضاء المقام ذلك كقولك لمن ينكر نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الإنكار: (إن محمداً صلى الله عليه وآله نبي).
وحاصل التقسيم: إن كلاً من المنكر والمتردد والخالي قد ينزّل منزلة غيره لاعتبار بلاغي.

.......................................
..................................

ثانيا :الإنشاء
الإنشاء لغة: هو الإيجاد.
وفي الاصطلاح: ما لا يحتمل صدقاً ولا كذباً، كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء وغيرها، فإنك إذا قلت: (اللّهم ارحمني) لا يصح أن يقال لك: صادق أو كاذب، نعم يصح ذلك بالنسبة إلى الخبر الضمني المستفاد من الكلام، وهو أنك طالب للمغفرة.
لكن لا يحكم على لفظ الجملة في صيغتها هذه بالصدق أو بالكذب .

أقسام الإنشاء:

والإنشاء ينقسم إلى (طلبي) و(غير طلبي).

( 1 ) الإنشاء غير الطلبي:

ما لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، وهو على أقسام:

1 ـ المدح والذم، ويكونان بـ (نعم) و(حبذا) و(ساء) و(بئس) و(لاحبذا)،
نحو: (نعم الرجل زيد) و(وبئست المرأة هند).

2 ـ العقود، سواء كانت بلفظ الماضي، نحو: (بعت) و(وهبت) و ( رهنت ) أم بغيره، نحو: (امرأتي طالق) و(عبدي حرّ).

3 ـ القَسَم، سواء كان بالواو أو بغيرها، نحو: (والله) و( لعمرك).
وحروف القسم : الواو والباء والتاء

4 ـ التعجّب، ويأتي قياساً بصيغة (ما أفعله) و(أفعل به) نحو: ( ما أحسن عليّاً ) و(أكرم بالحسين)
وسماعاً بغيرهما، نحو: (كيف تكفرون بالله ؟ ) (البقرة: 28).

5 ـ الرجاء، ويأتي بـ (عسى) و(حرى) و(اخلولق)
نحو: (فعسى الله أن يأتي بالفتح)(المائدة :52).


( 2 ) الإنشاء الطلبي:

والإنشاء الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب ـ حسب اعتقاد المتكلم ـ وهو المبحوث عنه في علم المعاني لما فيه من اللطائف البلاغيّة، وأنواعه خمسة:

الأمر , والنهي , والاستفهام , والتمني , والنداء.