جهاد 2000
28-12-2011, 01:13 PM
رهانات إسرائيل المبكرة على العسكر في مصر
الثلاثاء 02 صفر 1433 الموافق 27 ديسمبر 2011
صالح النعامي
تعيش إسرائيل حالة من الفزع والإرباك الشديد إثر الأحداث المتتالية التي شهدتها مصر مؤخرًا، والتي أظهرت لصنَّاع القرار في تل أبيب بؤس الرهان على إمكانية أن تنجح قيادة الجيش المصري في تقليص "المخاطر" التي قد تتعرض لها إسرائيل، والناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر.
فالجنرال أورن شاحور، الذي كان مسؤولًا عن التنسيق مع الجيش المصري ، يرى أن مصلحة إسرائيل تقتضي بأن يبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحكم أطول فترة ممكنة من أجل ترتيب الأمور بما يضمن بقاء مصر ضمن الدائرة الأمريكية، كما نقلت عنه ذلك النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 23-11-2011.
ويصور أليكس فيشمان - كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، وثيق الصلة بدوائر صنع القرار الصهيوني- مشاعر خيبة الأمل التي تعصف بدوائر الحكم الإسرائيلية، بعدما فشلت محاولات المجلس العسكري في تأمين مكانة فوق دستورية لنفسه في الدستور المصري القادم. ويرى فيشمان في مقال نشره بتاريخ 22-11-2011، أن عدم نجاح المجلس العسكري المصري في تأمين مكانة فوق دستورية خاصة، يعني مواجهة إسرائيل شرق أوسط جديد، حيث يؤكد فيشمان أن صناع القرار في واشنطن وتل أبيب كانوا يأملون أن ينجح المجلس العسكري، ليس فقط، في تقليص قدرة القوى المعادية لإسرائيل على تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؛ بل كانوا يراهنون على نجاح المجلس العسكري في ترجيح كفة مرشح للرئاسة يضمن الحفاظ على اتفاقية "كامب ديفيد" من جهة، ويواصل ربط مصر بالمنظومة الغربية، على اعتبار أن ذلك "مصلحة قومية مصرية".
إن إسرائيل أدركت منذ وقت بعيد الطاقة الهائلة الكامنة في علاقاتها مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يصف مبارك بأنه "كنز إستراتيجي" لإسرائيل؛ لذا فقد جُنَّ جنون القيادة الإسرائيلية بعدما تم خلع مبارك. لكن الأمل الذي ظل يحدو حكام تل أبيب، كان يتمثل في السعي للحفاظ على نفس العلاقات مع أركان نظام مبارك، التي ظلت تمارس صلاحيات الحكم بعد خلعه، لاسيما قيادة العسكر والمؤسسة الأمنية. وفي الوقت نفسه، خشيت محافل صنع القرار ودوائر التقدير الاستراتيجي في إسرائيل أن تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن المس بمكانة قادة العسكر والأمن في مصر، فاتجهت إلى واشنطن للتشاور حول كيفية تقليص "الأخطار" الناجمة عن التحول الديموقراطي في مصر. فبخلاف الانطباع السائد، فإن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيويورك أواخر أيلول الماضي، قد بحث بشكل أساسي آليات التحرك الكفيلة بتقليص المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر، في أعقاب إجراء الانتخابات التشريعية.
النقاش حول طلب السلطة الفلسطينية عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لم يشغل حيزًا كبيرًا في اللقاء بين الاثنين، كما كشف عن ذلك التلفزيون الإسرائيلي. لقد بحث كل من نتنياهو وأوباما آليات للتأثير على المشهد السياسي المصري المستقبلي بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، مع العلم بأن التوصية بهذه الآليات قد جاءت نتاج مباحثات مطولة أشرف عليها كل من يعكوف عامي درور، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وتوم دنيلون، مستشار الأمن القومي الأمريكي. وحسب التصور الذي قدمه لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو فإن المصلحة الإسرائيلية تقتضي بأن تواصل قيادة الجيش المصري الاضطلاع بدور حاسم في عملية صنع القرار السياسي والعسكري المصري في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات المصرية. وقد عبر وزير الدولة الإسرائيلي الجنرال يوسي بيليد عن أمله في أن يضطلع الجيش المصري بنفس الدور الذي كان يضطلع به الجيش التركي قبل صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
توظيف أوباما
لقد تعلم نتنياهو الدرس من تجربة تدخله الفج لصالح الرئيس مبارك في ذروة تفجر الثورة المصرية، عندما توجه علنًا لقادة الدول الأوروبية وطالبهم بعدم السماح بإسقاط مبارك، حيث إن هذا التدخل المكشوف قد أدى، في حينه، إلى نتائج عكسية. من هنا، فإن نتنياهو يحاول حاليًا أخذ الاحتياطات بشأن مستقبل العلاقة مع مصر، بشكل سري وبعيدًا عن الأنظار، وضمن ذلك عبر تفاهمات مع الرئس أوبامًا، وحسب إسحاق مولخو، المستشار السياسي لنتنياهو، فإن أكثر هاجس ظل يشغل بال رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة ، هو السعي لتأمين المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وتحديدًا في مصر.
ومن الواضح أن نتنياهو قد قبل توصية شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية آنفة الذكر، وبالتالي يمكن القول: إن نتنياهو ومساعديه قد أوصوا الرئيس أوباما بالضغط من أجل أن يحافظ العسكر في مصر على ثقل زائد في عملية صنع القرار السياسي، وذلك لمنع القوى السياسية المصرية التي يفترض أن تحكم مصر بعد الانتخابات من القيام بأي خطوة جدية تؤثر سلبًا على المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وفي سعيهم لتجنيد الأمريكيين للتأثير على مستقبل مصر، فإن الإسرائيليين قد حرصوا على تذكير أوباما بالمصالح الأمريكية التي يمكن أن تتضرر جراء صعود قوى سياسية "متطرفة" للحكم في مصر، لاسيما الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإمكانية أن ينشأ تكتل عربي معادٍ للولايات المتحدة بقيادة مصر في المرحلة المقبلة.
يُستدل مما تقدم على أن إسرائيل عملت في الخفاء على إحباط التحول الديمقراطي في مصر، وعندما أدركت أن هذه المهمة باتت مستحيلة؛ فإنها تستنفر حاليًا للمواجهة، وهذا ما يتوجب على القوى السياسية المصرية الانتباه والتحوط له.
الثلاثاء 02 صفر 1433 الموافق 27 ديسمبر 2011
صالح النعامي
تعيش إسرائيل حالة من الفزع والإرباك الشديد إثر الأحداث المتتالية التي شهدتها مصر مؤخرًا، والتي أظهرت لصنَّاع القرار في تل أبيب بؤس الرهان على إمكانية أن تنجح قيادة الجيش المصري في تقليص "المخاطر" التي قد تتعرض لها إسرائيل، والناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر.
فالجنرال أورن شاحور، الذي كان مسؤولًا عن التنسيق مع الجيش المصري ، يرى أن مصلحة إسرائيل تقتضي بأن يبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحكم أطول فترة ممكنة من أجل ترتيب الأمور بما يضمن بقاء مصر ضمن الدائرة الأمريكية، كما نقلت عنه ذلك النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 23-11-2011.
ويصور أليكس فيشمان - كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، وثيق الصلة بدوائر صنع القرار الصهيوني- مشاعر خيبة الأمل التي تعصف بدوائر الحكم الإسرائيلية، بعدما فشلت محاولات المجلس العسكري في تأمين مكانة فوق دستورية لنفسه في الدستور المصري القادم. ويرى فيشمان في مقال نشره بتاريخ 22-11-2011، أن عدم نجاح المجلس العسكري المصري في تأمين مكانة فوق دستورية خاصة، يعني مواجهة إسرائيل شرق أوسط جديد، حيث يؤكد فيشمان أن صناع القرار في واشنطن وتل أبيب كانوا يأملون أن ينجح المجلس العسكري، ليس فقط، في تقليص قدرة القوى المعادية لإسرائيل على تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؛ بل كانوا يراهنون على نجاح المجلس العسكري في ترجيح كفة مرشح للرئاسة يضمن الحفاظ على اتفاقية "كامب ديفيد" من جهة، ويواصل ربط مصر بالمنظومة الغربية، على اعتبار أن ذلك "مصلحة قومية مصرية".
إن إسرائيل أدركت منذ وقت بعيد الطاقة الهائلة الكامنة في علاقاتها مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يصف مبارك بأنه "كنز إستراتيجي" لإسرائيل؛ لذا فقد جُنَّ جنون القيادة الإسرائيلية بعدما تم خلع مبارك. لكن الأمل الذي ظل يحدو حكام تل أبيب، كان يتمثل في السعي للحفاظ على نفس العلاقات مع أركان نظام مبارك، التي ظلت تمارس صلاحيات الحكم بعد خلعه، لاسيما قيادة العسكر والمؤسسة الأمنية. وفي الوقت نفسه، خشيت محافل صنع القرار ودوائر التقدير الاستراتيجي في إسرائيل أن تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن المس بمكانة قادة العسكر والأمن في مصر، فاتجهت إلى واشنطن للتشاور حول كيفية تقليص "الأخطار" الناجمة عن التحول الديموقراطي في مصر. فبخلاف الانطباع السائد، فإن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيويورك أواخر أيلول الماضي، قد بحث بشكل أساسي آليات التحرك الكفيلة بتقليص المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر، في أعقاب إجراء الانتخابات التشريعية.
النقاش حول طلب السلطة الفلسطينية عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لم يشغل حيزًا كبيرًا في اللقاء بين الاثنين، كما كشف عن ذلك التلفزيون الإسرائيلي. لقد بحث كل من نتنياهو وأوباما آليات للتأثير على المشهد السياسي المصري المستقبلي بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، مع العلم بأن التوصية بهذه الآليات قد جاءت نتاج مباحثات مطولة أشرف عليها كل من يعكوف عامي درور، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وتوم دنيلون، مستشار الأمن القومي الأمريكي. وحسب التصور الذي قدمه لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو فإن المصلحة الإسرائيلية تقتضي بأن تواصل قيادة الجيش المصري الاضطلاع بدور حاسم في عملية صنع القرار السياسي والعسكري المصري في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات المصرية. وقد عبر وزير الدولة الإسرائيلي الجنرال يوسي بيليد عن أمله في أن يضطلع الجيش المصري بنفس الدور الذي كان يضطلع به الجيش التركي قبل صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
توظيف أوباما
لقد تعلم نتنياهو الدرس من تجربة تدخله الفج لصالح الرئيس مبارك في ذروة تفجر الثورة المصرية، عندما توجه علنًا لقادة الدول الأوروبية وطالبهم بعدم السماح بإسقاط مبارك، حيث إن هذا التدخل المكشوف قد أدى، في حينه، إلى نتائج عكسية. من هنا، فإن نتنياهو يحاول حاليًا أخذ الاحتياطات بشأن مستقبل العلاقة مع مصر، بشكل سري وبعيدًا عن الأنظار، وضمن ذلك عبر تفاهمات مع الرئس أوبامًا، وحسب إسحاق مولخو، المستشار السياسي لنتنياهو، فإن أكثر هاجس ظل يشغل بال رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة ، هو السعي لتأمين المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وتحديدًا في مصر.
ومن الواضح أن نتنياهو قد قبل توصية شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية آنفة الذكر، وبالتالي يمكن القول: إن نتنياهو ومساعديه قد أوصوا الرئيس أوباما بالضغط من أجل أن يحافظ العسكر في مصر على ثقل زائد في عملية صنع القرار السياسي، وذلك لمنع القوى السياسية المصرية التي يفترض أن تحكم مصر بعد الانتخابات من القيام بأي خطوة جدية تؤثر سلبًا على المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وفي سعيهم لتجنيد الأمريكيين للتأثير على مستقبل مصر، فإن الإسرائيليين قد حرصوا على تذكير أوباما بالمصالح الأمريكية التي يمكن أن تتضرر جراء صعود قوى سياسية "متطرفة" للحكم في مصر، لاسيما الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإمكانية أن ينشأ تكتل عربي معادٍ للولايات المتحدة بقيادة مصر في المرحلة المقبلة.
يُستدل مما تقدم على أن إسرائيل عملت في الخفاء على إحباط التحول الديمقراطي في مصر، وعندما أدركت أن هذه المهمة باتت مستحيلة؛ فإنها تستنفر حاليًا للمواجهة، وهذا ما يتوجب على القوى السياسية المصرية الانتباه والتحوط له.