شريف
23-12-2011, 07:36 AM
You can see links before reply
حينما أردت أن أنتزع عقلى عكس الاتجاه و ضد التيار بعيدا عن المشهد الذى يتكرر كل يوم على خشبة مسرح السياسة ( التى لم تعد سياسة ) فى مصر .. أغلقت الكمبيوتر و التلفاز _ لعنهم الله _ و نزعت فيشة الراديو _ لا أسمعنا الله صوته _ و أخفيت الهاتف عن العيون بعد أن قمت بإغلاقه و حمدت الله أن الهاتف الأرضى عطلان أصلا لعلى لا أسمع أى أخبار و لا أى سياسة و لا أى تحرير و لا أى عبايات. حتى زوجتى أغلقت عليها باب الغرفة ... و ارتديت كل ملابسى الشتوية الثقيلة التى أعرفها و التى لا أعرفها حتى صار الدولاب خاويا على عروشه ... و صارت أحبال الغسيل تشتكى الوحدة .. و اتجهت إلى أحد المقاهى لعل جديداً أسمع ! و لكن لم أكد أجلس و لم أكد أعلن عن رغبتى فى احتساء كوب من الليمون أو الينسون المهدئ للأعصاب أو الكركديه الخافض لضغط الدم ... إلا و رأيت أمامى شاشة إل سى دى لا تقل عن 60 بوصة يملؤها أحد المتحدثين فى أحد البرامج و هو يعلن بصوت أجش عن مليونية الغد .. مليونية الحرائر .. !! ياللدوامة ... أحسست أن أرض المقهى تلف بى و كأنها مراجيح مولد النبى ... فقمت كالمفزوع أسعى نحو البيت مرة أخرى علي خلفية صدى صوت عامل المقهى ينادى : يا بيه .. يا بيه ... و لكن لا أعصاب لمن تنادى ... لقد أصبحت كل الحوارات و النقاشات عن السياسة ... لقد تكلم فيها كل أحد حتى الأطفال و الرضع .. و وصولا إلى عامل المقهى نفسه ... يا حبيبتى يا مصر ... من يرحمك الآن من سطوة و تجبر و غرور المتكلمين عنكِ و فيكِ ... هرولت إلى البيت موعوكا تماما كمن هرب من غرفة العناية المركزة و فى يده المحاليل و علي أنفه كمامة التنفس الصناعى .. و لكنه لم يعد يأبه لنصائح الأطباء ... يهرب من أجل الهروب ... من أجل أن يشتم رائحة أخرى غير رائحة القطن و الشاش و الأدوية و الميكروكروم ...صعدت مرة أخرى إلى البيت ... وجدت فيشة الراديو قد وضعت مرة اخرى و باب الغرفة موارب و على وشك أن ينفجر التلفاز بقنابل الاخبار العنقودية المعتادة كل يوم ... فجددت بيعتي للهدوء و نزعت الفيشة مرة أخرى و أغلقت باب الغرفة من جديد وسط علامات الاستنكار ... و قررت بكامل ملابسي و قواى العقلية أن أجلس فى عز البرد في البلكونة ممسكا بقلم و ورقة كى أكتب أى شئ و عن أى شئ إلا السياسة ... و قررت أن أتبع مبدأ تعلمته من كتب التنمية البشرية برغم أنى قلت لنفسى : أى تنمية و أي بشرية هذه التى تستطيع أن تداوى كل هذا الاكتئاب !! ... المبدأ يقول : انزع عقلك فورا بعيدا عن كل ما يضايقك أو يثير مشاعرك السلبية و فكر و اندمج فى أي قصة او حكاية او أي قضية أخرى ... لا أخفيكم سرا .. نجحت في ذلك لدقائق معدودة ... و انشغل عقلي بقضية أخرى ألا و هى : أننى يمكننى بكلمة طيبة أن أذيب الفوارق بيني و بين شخص أختلف معه .. و تذكرت قصة الأعمى الذى جلس على باب جامع واضعا فى حجره ورقة مكتوب عليها (( ساعدونى فأنا أعمى )) ... فكانوا يساعدونه بقروش قليلة ..فمر رجل يعرف تأثير الكلمة ... فقام بتغيير الورقة التي في يد الاعمي ووضع ورقة أخري مكتوب عليها : نحن في فصل الربيع لكنى لا استطيع رؤية جماله !! ... و مالبث أن فعل ذلك حتي انهالت الجنيهات علي الاعمي حتي اندهش و شك في الامر فسأل أحد المارة عما هو مكتوب في الورقة و لما أخبره .. أيقن أنه بكلمة تستطيع أن تقلب دفة الحياة ... المهم ... و أنا أتذكر هذه القصة .. هاجمت عقلي صورة الخراب الذي تحدثه الكلمة الخبيثة في المجتمع المصري ... و قفز علي عقلي أيضا حديث (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )) ... فكتبت في ورقتي و قلت : بناءا علي هذا الحديث فنحن كفرة و ملاحدة !!! ... نعم ... لقد لُدِغَ الشعب المصري من جحر واحد مائة ألف مرة !! المشاهد تتكرر كل يوم ... باختلاف المسميات .. كل شئ يتكرر .. أشعر اننى فى فيلم عربى قديم من بتوع يوسف وهبى يتكرر للمرة المليون ... نفس التصريحات و نفس ردود الافعال و نفس الاخطاء و نفس الاختلاف ... نفس طريقة المعاملة .. نفس الدماء و نفس السباب و نفس التوتر .. تسعة أشهر يتكرر فيها المشهد كل يوم دون أن نفكر و لو لحظة في تغييره ... نفس الأخطاء و الغريب أننا نتوقع نتائج مختلفة ... نفس طريقة تعامل الشرطة و الشرطة العسكرية مع الناس و غشمها لم تتغير و نفس اسلوب المتظاهرين و الهمج فى السب و القذف و الحرق لم تتغير ... و نفس النتائج من قتل و حرق و سحل و تدمير تراث لم تتغير ... و الكل يخطئ نفس أخطاءه و لا يغير و لا يتغير ... مصر أصيبت بالشيخوخة فى التفكير .. الكل يفكر بعقل الماضى ... و كما قيل في تعريف الشيخوخة : هي أن يتبادل خصرك النحيل و عقلك العريض مكانهما !!! الكل يتكلم و يفتي ... و لو صحت منهم العقول ... و لو تكلم الناس فيما يعرفونه فقط و فيما يملكون عليه الوثائق و الادلة ... لأصبحت الكرة الأرضية في صمت القبور ... و ظللت أكتب و أكتب حتي اسودت الورقة البيضاء من كثرة الحبر ... ثم اكتشفت في النهاية أننى مازلت أكتب و أتحدث و أفكر في ... السياسة !!! السياسة مرة أخري ... ياللأسى ..
من يساعدني و له الثواب عند الله ؟؟؟ من يخطف عقلي ثم يطلب فدية ربع جنيه ... فأقول له اقتله ... لن أدفع فيه مليما ؟؟؟ من يساعدني علي ذلك و له الاجر و الثواب ؟؟؟ قمت من البلكونة كقطعة الثلج من البرد .. و عندما دخلت الشقة وجدت فيشة الراديو وضعت مرة أخري و حرارة الاخبار تتوالي .. و باب الغرفة مفتوح علي مصراعيه ... فابتسمت و وضعت فيشة التلفاز و رفعت صوته و جلست مستسلما لسماع نفس الاخبار علي لسان نفس الاشخاص و أنا علي نفس الكرسي في قمة الاستسلام تماما كمن يجلس في قمة الثبات و الأدب مطأطئا رأسه عند الحلاق ! أو في صيدلية بياخد حقنة في العضل .
حينما أردت أن أنتزع عقلى عكس الاتجاه و ضد التيار بعيدا عن المشهد الذى يتكرر كل يوم على خشبة مسرح السياسة ( التى لم تعد سياسة ) فى مصر .. أغلقت الكمبيوتر و التلفاز _ لعنهم الله _ و نزعت فيشة الراديو _ لا أسمعنا الله صوته _ و أخفيت الهاتف عن العيون بعد أن قمت بإغلاقه و حمدت الله أن الهاتف الأرضى عطلان أصلا لعلى لا أسمع أى أخبار و لا أى سياسة و لا أى تحرير و لا أى عبايات. حتى زوجتى أغلقت عليها باب الغرفة ... و ارتديت كل ملابسى الشتوية الثقيلة التى أعرفها و التى لا أعرفها حتى صار الدولاب خاويا على عروشه ... و صارت أحبال الغسيل تشتكى الوحدة .. و اتجهت إلى أحد المقاهى لعل جديداً أسمع ! و لكن لم أكد أجلس و لم أكد أعلن عن رغبتى فى احتساء كوب من الليمون أو الينسون المهدئ للأعصاب أو الكركديه الخافض لضغط الدم ... إلا و رأيت أمامى شاشة إل سى دى لا تقل عن 60 بوصة يملؤها أحد المتحدثين فى أحد البرامج و هو يعلن بصوت أجش عن مليونية الغد .. مليونية الحرائر .. !! ياللدوامة ... أحسست أن أرض المقهى تلف بى و كأنها مراجيح مولد النبى ... فقمت كالمفزوع أسعى نحو البيت مرة أخرى علي خلفية صدى صوت عامل المقهى ينادى : يا بيه .. يا بيه ... و لكن لا أعصاب لمن تنادى ... لقد أصبحت كل الحوارات و النقاشات عن السياسة ... لقد تكلم فيها كل أحد حتى الأطفال و الرضع .. و وصولا إلى عامل المقهى نفسه ... يا حبيبتى يا مصر ... من يرحمك الآن من سطوة و تجبر و غرور المتكلمين عنكِ و فيكِ ... هرولت إلى البيت موعوكا تماما كمن هرب من غرفة العناية المركزة و فى يده المحاليل و علي أنفه كمامة التنفس الصناعى .. و لكنه لم يعد يأبه لنصائح الأطباء ... يهرب من أجل الهروب ... من أجل أن يشتم رائحة أخرى غير رائحة القطن و الشاش و الأدوية و الميكروكروم ...صعدت مرة أخرى إلى البيت ... وجدت فيشة الراديو قد وضعت مرة اخرى و باب الغرفة موارب و على وشك أن ينفجر التلفاز بقنابل الاخبار العنقودية المعتادة كل يوم ... فجددت بيعتي للهدوء و نزعت الفيشة مرة أخرى و أغلقت باب الغرفة من جديد وسط علامات الاستنكار ... و قررت بكامل ملابسي و قواى العقلية أن أجلس فى عز البرد في البلكونة ممسكا بقلم و ورقة كى أكتب أى شئ و عن أى شئ إلا السياسة ... و قررت أن أتبع مبدأ تعلمته من كتب التنمية البشرية برغم أنى قلت لنفسى : أى تنمية و أي بشرية هذه التى تستطيع أن تداوى كل هذا الاكتئاب !! ... المبدأ يقول : انزع عقلك فورا بعيدا عن كل ما يضايقك أو يثير مشاعرك السلبية و فكر و اندمج فى أي قصة او حكاية او أي قضية أخرى ... لا أخفيكم سرا .. نجحت في ذلك لدقائق معدودة ... و انشغل عقلي بقضية أخرى ألا و هى : أننى يمكننى بكلمة طيبة أن أذيب الفوارق بيني و بين شخص أختلف معه .. و تذكرت قصة الأعمى الذى جلس على باب جامع واضعا فى حجره ورقة مكتوب عليها (( ساعدونى فأنا أعمى )) ... فكانوا يساعدونه بقروش قليلة ..فمر رجل يعرف تأثير الكلمة ... فقام بتغيير الورقة التي في يد الاعمي ووضع ورقة أخري مكتوب عليها : نحن في فصل الربيع لكنى لا استطيع رؤية جماله !! ... و مالبث أن فعل ذلك حتي انهالت الجنيهات علي الاعمي حتي اندهش و شك في الامر فسأل أحد المارة عما هو مكتوب في الورقة و لما أخبره .. أيقن أنه بكلمة تستطيع أن تقلب دفة الحياة ... المهم ... و أنا أتذكر هذه القصة .. هاجمت عقلي صورة الخراب الذي تحدثه الكلمة الخبيثة في المجتمع المصري ... و قفز علي عقلي أيضا حديث (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )) ... فكتبت في ورقتي و قلت : بناءا علي هذا الحديث فنحن كفرة و ملاحدة !!! ... نعم ... لقد لُدِغَ الشعب المصري من جحر واحد مائة ألف مرة !! المشاهد تتكرر كل يوم ... باختلاف المسميات .. كل شئ يتكرر .. أشعر اننى فى فيلم عربى قديم من بتوع يوسف وهبى يتكرر للمرة المليون ... نفس التصريحات و نفس ردود الافعال و نفس الاخطاء و نفس الاختلاف ... نفس طريقة المعاملة .. نفس الدماء و نفس السباب و نفس التوتر .. تسعة أشهر يتكرر فيها المشهد كل يوم دون أن نفكر و لو لحظة في تغييره ... نفس الأخطاء و الغريب أننا نتوقع نتائج مختلفة ... نفس طريقة تعامل الشرطة و الشرطة العسكرية مع الناس و غشمها لم تتغير و نفس اسلوب المتظاهرين و الهمج فى السب و القذف و الحرق لم تتغير ... و نفس النتائج من قتل و حرق و سحل و تدمير تراث لم تتغير ... و الكل يخطئ نفس أخطاءه و لا يغير و لا يتغير ... مصر أصيبت بالشيخوخة فى التفكير .. الكل يفكر بعقل الماضى ... و كما قيل في تعريف الشيخوخة : هي أن يتبادل خصرك النحيل و عقلك العريض مكانهما !!! الكل يتكلم و يفتي ... و لو صحت منهم العقول ... و لو تكلم الناس فيما يعرفونه فقط و فيما يملكون عليه الوثائق و الادلة ... لأصبحت الكرة الأرضية في صمت القبور ... و ظللت أكتب و أكتب حتي اسودت الورقة البيضاء من كثرة الحبر ... ثم اكتشفت في النهاية أننى مازلت أكتب و أتحدث و أفكر في ... السياسة !!! السياسة مرة أخري ... ياللأسى ..
من يساعدني و له الثواب عند الله ؟؟؟ من يخطف عقلي ثم يطلب فدية ربع جنيه ... فأقول له اقتله ... لن أدفع فيه مليما ؟؟؟ من يساعدني علي ذلك و له الاجر و الثواب ؟؟؟ قمت من البلكونة كقطعة الثلج من البرد .. و عندما دخلت الشقة وجدت فيشة الراديو وضعت مرة أخري و حرارة الاخبار تتوالي .. و باب الغرفة مفتوح علي مصراعيه ... فابتسمت و وضعت فيشة التلفاز و رفعت صوته و جلست مستسلما لسماع نفس الاخبار علي لسان نفس الاشخاص و أنا علي نفس الكرسي في قمة الاستسلام تماما كمن يجلس في قمة الثبات و الأدب مطأطئا رأسه عند الحلاق ! أو في صيدلية بياخد حقنة في العضل .