جهاد 2000
27-11-2011, 06:34 PM
الثورة.. نجاح في تونس وتعثر في مصر !
السبت 01 محرم 1433 الموافق 26 نوفمبر 2011
د. محمد مورو
الفرق بين نجاح الثورة في تونس وتعثرها في مصر حتى الآن هو أن الجيش التونسي خرج من المعادلة منذ البداية، ولم يتدخل في الشأن السياسي التونسي من قريب أو بعيد، وأن الساسة التونسيين استطاعوا أن يصلوا إلى صيغة تفاهم مشترك جعلتهم يتفقون على مسار معين للمرحلة الانتقالية، وأنه تم القضاء مباشرة على كل مؤسسة الحكم المخلوع، شكلًا وموضوعًا، وهذا عكس الشأن المصري على طول الخط.
ربما تكون لمصر خصوصيتها بالطبع، لأنها هي الدولة المحورية في المنطقة، وحسابات تشكيل نظام مستقل بها، سواء كان إسلاميًا أو غير ذلك أمر له تداعيات كبيرة على المنطقة والعالم، وهكذا فإن الأمريكان مثلًا، والذين يتمتعون بنفوذ داخل المؤسسة المصرية التي حكمت مصر طوال الفترة السابقة، لم يكن يروق لهم حكم شعبي حقيقي في مصر، أيًا كان لونه، لأن هذا خطر على إسرائيل وعلى مصالح أمريكا معًا.
بالطبع فإن إرادة أمريكا ليست قدَرًا، وأوضاعها الداخلية والدولية لا تسمح لها بممارسة ضغط حقيقي على النظام المصري، ولكن الذين تربَّوا على إرضاء أمريكا لن يستطيعوا امتلاك جرأة الخروج عليها.
في كل الأحوال فإن الشعب المصري قد خرج من القمقم وكسر حاجز الخوف، وأن الثورة سوف تحقق أهدافها في النهاية. ولكن الأمر يقتضي وضع النقاط على الحروف، لاكتساب الخبرة والتقليل من الأخطاء التي شابت حركة القوى الثورية والقوى السياسية معًا.
نجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة برأس النظام "حسني مبارك"، ولكن بقى رجال مبارك هم الذين يحكمون، وكان قطاع من مؤسسة الدولة المباركية الفاشلة، استخدم الثورة ليزيح قطاعًا آخر، وهذا عمل تآمري من الطراز الرفيع، ولكنه سقط سريعًا، لأن القناع كان هشًا ورقيقًا، فتمزق في أول مواجهة، اكتشفنا أن الفساد لا يزال يرتع، وأن الفلول يتحركون على قدم وساق، وأن هناك فوضى وانفلاتًا أمنيًا مقصودًا، وأن الحكام الجدد هم من ينظم ذلك، أو أنهم في غيبوبة كاملة لا يصلحون معها للاستمرار في الحكم أو إدارة الفترة الانتقالية.. اكتشفنا أن الشرطة لا تزال تقمع الناس وتقتلهم وتطلق عليهم الرصاص المطاطي، وأن الشهداء يسقطون في الميادين، ولكن هذه المرة كانت هناك أدوات السلطة المباشرة تشارك في القمع على نطاق واسع، فأساءوا لأنفسهم وللمؤسسة العسكرية، ولم يعد جو الاحترام غير العادي الذي تمتع به هؤلاء إبَّان الموجة الأولى من الثورة من 25 يناير إلى 11 فبراير وما بعدها، هو النمط السائد الآن، وأصبح هدف الموجة الثانية من الثورة هو إسقاط النظام كله وليس رأسه، وعدم الرضا بالإصلاحات الشكلية المفرغة من المضمون.
ومن الطريف أن بطء التفكير وبطء اتخاذ القرارات كانت السمة التي سادت بقايا نظام مبارك بعد سقوطه، لدرجة أن الناس العاديين أدركوا هذا وقالوا: كأن مبارك هو الذي يفكر لهم.. أنظر مثلًا إلى قانون العزل السياسي الذي طالب به الجميع لفترة طويلة دون جدوى، إذ به يصدر قبل أسبوع من بَدْء الانتخابات.. أليست هذه مأساة؟! لأنه إذا كان حقيقة فهذا يعني أن الذين أصدروه لا يعرفون شيئًا عن التاريخ، فكيف يفعَّل قانون يحتاج إلى إجراءات طويلة قبل بدء الانتخابات بأسبوع واحد؟!! وإن كان خداعًا فهو خداع ضعيف متهافت، يدل على سذاجة أكثر مما يدل على خبث.
الموجة الثانية من الثورة انطلقت والمارد الذي خرج من القمقم لن يعود إليه بسهولة، ولكن على القوى السياسية ألا تنزل لاقتسام الكعكة قبل أن تنضج، ولدينا في تاريخنا الإسلامي موقعة أحد، حيث نزل الرماة قبل انتهاء المعركة فحدثت الهزيمة.
نسأل الله أن يوفق شباب مصر الطاهر في التحرير لاستكمال الثورة وعدم ضياعالفرصة مرة أخرى.
السبت 01 محرم 1433 الموافق 26 نوفمبر 2011
د. محمد مورو
الفرق بين نجاح الثورة في تونس وتعثرها في مصر حتى الآن هو أن الجيش التونسي خرج من المعادلة منذ البداية، ولم يتدخل في الشأن السياسي التونسي من قريب أو بعيد، وأن الساسة التونسيين استطاعوا أن يصلوا إلى صيغة تفاهم مشترك جعلتهم يتفقون على مسار معين للمرحلة الانتقالية، وأنه تم القضاء مباشرة على كل مؤسسة الحكم المخلوع، شكلًا وموضوعًا، وهذا عكس الشأن المصري على طول الخط.
ربما تكون لمصر خصوصيتها بالطبع، لأنها هي الدولة المحورية في المنطقة، وحسابات تشكيل نظام مستقل بها، سواء كان إسلاميًا أو غير ذلك أمر له تداعيات كبيرة على المنطقة والعالم، وهكذا فإن الأمريكان مثلًا، والذين يتمتعون بنفوذ داخل المؤسسة المصرية التي حكمت مصر طوال الفترة السابقة، لم يكن يروق لهم حكم شعبي حقيقي في مصر، أيًا كان لونه، لأن هذا خطر على إسرائيل وعلى مصالح أمريكا معًا.
بالطبع فإن إرادة أمريكا ليست قدَرًا، وأوضاعها الداخلية والدولية لا تسمح لها بممارسة ضغط حقيقي على النظام المصري، ولكن الذين تربَّوا على إرضاء أمريكا لن يستطيعوا امتلاك جرأة الخروج عليها.
في كل الأحوال فإن الشعب المصري قد خرج من القمقم وكسر حاجز الخوف، وأن الثورة سوف تحقق أهدافها في النهاية. ولكن الأمر يقتضي وضع النقاط على الحروف، لاكتساب الخبرة والتقليل من الأخطاء التي شابت حركة القوى الثورية والقوى السياسية معًا.
نجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة برأس النظام "حسني مبارك"، ولكن بقى رجال مبارك هم الذين يحكمون، وكان قطاع من مؤسسة الدولة المباركية الفاشلة، استخدم الثورة ليزيح قطاعًا آخر، وهذا عمل تآمري من الطراز الرفيع، ولكنه سقط سريعًا، لأن القناع كان هشًا ورقيقًا، فتمزق في أول مواجهة، اكتشفنا أن الفساد لا يزال يرتع، وأن الفلول يتحركون على قدم وساق، وأن هناك فوضى وانفلاتًا أمنيًا مقصودًا، وأن الحكام الجدد هم من ينظم ذلك، أو أنهم في غيبوبة كاملة لا يصلحون معها للاستمرار في الحكم أو إدارة الفترة الانتقالية.. اكتشفنا أن الشرطة لا تزال تقمع الناس وتقتلهم وتطلق عليهم الرصاص المطاطي، وأن الشهداء يسقطون في الميادين، ولكن هذه المرة كانت هناك أدوات السلطة المباشرة تشارك في القمع على نطاق واسع، فأساءوا لأنفسهم وللمؤسسة العسكرية، ولم يعد جو الاحترام غير العادي الذي تمتع به هؤلاء إبَّان الموجة الأولى من الثورة من 25 يناير إلى 11 فبراير وما بعدها، هو النمط السائد الآن، وأصبح هدف الموجة الثانية من الثورة هو إسقاط النظام كله وليس رأسه، وعدم الرضا بالإصلاحات الشكلية المفرغة من المضمون.
ومن الطريف أن بطء التفكير وبطء اتخاذ القرارات كانت السمة التي سادت بقايا نظام مبارك بعد سقوطه، لدرجة أن الناس العاديين أدركوا هذا وقالوا: كأن مبارك هو الذي يفكر لهم.. أنظر مثلًا إلى قانون العزل السياسي الذي طالب به الجميع لفترة طويلة دون جدوى، إذ به يصدر قبل أسبوع من بَدْء الانتخابات.. أليست هذه مأساة؟! لأنه إذا كان حقيقة فهذا يعني أن الذين أصدروه لا يعرفون شيئًا عن التاريخ، فكيف يفعَّل قانون يحتاج إلى إجراءات طويلة قبل بدء الانتخابات بأسبوع واحد؟!! وإن كان خداعًا فهو خداع ضعيف متهافت، يدل على سذاجة أكثر مما يدل على خبث.
الموجة الثانية من الثورة انطلقت والمارد الذي خرج من القمقم لن يعود إليه بسهولة، ولكن على القوى السياسية ألا تنزل لاقتسام الكعكة قبل أن تنضج، ولدينا في تاريخنا الإسلامي موقعة أحد، حيث نزل الرماة قبل انتهاء المعركة فحدثت الهزيمة.
نسأل الله أن يوفق شباب مصر الطاهر في التحرير لاستكمال الثورة وعدم ضياعالفرصة مرة أخرى.