المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فُقَهَاءٌ وَأَعْلام "منقول للفائدة"



سمير الجابرى
02-06-2010, 01:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد
أرجوا من الله القبول وأن يوفقنى فى ذكر بعض التراجم لمشاهير الفقهاء والأعلام
وعلى الله قصد السبيل.


ترجمة لحياة الإمام الأعظم ابو حنيفة النعمان

هوأبو حنيفة أو أبو حنيفة النعمان أو النعمان بن ثابت بن النعمان بن زوطي المولود سنة (80هـ/699م). أبوه ثابت بن النعمان رجل تقي من أهل الكوفة، واشتهر بورعه، وكان تاجــراً مشهوراً بالصدقِ والأمانة والوفاء، أخذ عنهُ الاشتغال بالتجارة أبنهِ النعمان والذي ولد في الكوفة وكانت آنذاك حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات الفقه والحديث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشيوخ العلم وأئمته، وفي هذه المدينة قضى النعمان معظم حياته متعلماً وعالماً، وتردد في صباه الباكر بعد أن حفظ القرآن على هذه الحلقات، لكنه كان منصرفاً إلى مهنة التجارة مع أبيه، فلما رآه عامر الشعبي الفقيه الكبير ولمح ما فيه من مخايل الذكاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر في العلم، فاستجاب لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس وما أكثرها في الكوفة، فروى الحديث ودرس اللغة والأدب، وكان من كثرة أهتمامهِ بأن لا يضيع عنه ما يتلقاه من العلم يقضي الوقت في الطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه و حنيفة الحبر، فاشتهر بها وكني أبا حنيفة، واتجه إلى دراسة علم الكلام حتى برع فيه براعة عظيمة مكّنته من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم في بعض مسائل العقيدة، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبي سليمان.
تتلمذ أبو حنيفة على يد حماد بن أبي سليمان . ولقد أدرك أبو حنيفة جماعة من أصحاب النبي محمد ومنهم: أنس بن مالك بن النضر، وعبد الله بن أوفى، ووائلة بن الأسقع، وسهل بن سعد ولازم أبو حنيفة شيخهُ حماد بن أبي سليمان وتخرج عليه، وواصل دراستهُ عنده ثماني عشرة عاماً، ولم يفارق شيخهُ حماداً حتى توفى، ومما يدل على حبهِ له أنه سمى ولده (حماد) إعتزازاً بشيخهِ.
ولقد هاجر من الكوفة إلى مكة وأقام فيها عدة سنوات، وأكمل دراسته الفقهية على عطاء بن أبي رباح، ومجاهد وهما تلميذي الصحابي عبد الله بن عباس.
وبلغ عدد العلماء الذين أخذ منهم إجازة العلم وأتصل بهم أكثر من سبعين عالماً. ومنهم الإمام جعفر الصادق و اللذي قال أبو حنيفة في حقه : (لولا السنتان لهلك النعمان) مشيرا للسنتان التي قضاهما لديه في طلبه للعلم.
رئاسة حلقة الفقه
وبعد موت شيخه حماد بن أبي سليمان آلت رياسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة، وهو في الأربعين من عمره، والتفّ حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه، وكانت له طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تُطرح في حلقته؛ فلم يكن يعمد هو إلى حلها مباشرة، وإنما كان يطرحها على تلاميذه، ليدلي كل منهم برأيه، ويعضّد ما يقول بدليل، ثم يعقّب هو على رأيهم، ويصوّب ما يراه صائبا، حتى تُقتل القضية بحثاً، ويجتمع أبو حنيفة وتلاميذه على رأي واحد يقررونه جميعا.
وكان أبو حنيفة يتعهد تلاميذه بالرعاية، وينفق على بعضهم من مالهِ، مثلما فعل مع تلميذه أبي يوسف حين تكفّله بالعيش لما رأى ضرورات الحياة تصرفه عن طلب العلم، وأمده بماله حتى يفرغ تماما للدراسة، يقول أبو يوسف المتوفى سنة (182هـ = 797م): "وكان يعولني وعيالي عشرين سنة، وإذا قلت له: ما رأيت أجود منك، يقول: كيف لو رأيت حماداً –يقصد شيخه- ما رأيت أجمع للخصال المحمودة منه".
وكان مع اشتغاله يعمل بالتجارة، حيث كان له محل في الكوفة لبيع الخزّ (الحرير)، يقوم عليه شريك له، فأعانه ذلك على الاستمرار في خدمة العلم، والتفرغ للفقه.
أصول مذهبه
نشأ مذهب أبي حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي، وتكونت أصول المذهب على يديه، وأجملها هو في قوله: "إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن و ابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا".
وهذا القدر من أصول التشريع لا يختلف فيه أبو حنيفة عن غيره من الأئمة، فهم يتفقون جميعا على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام منهما، غير أن أبا حنيفة تميّز بمنهج مستقل في الاجتهاد، وطريقة خاصة في استنباط الأحكام التي لا تقف عند ظاهر النصوص، بل تغوص إلى المعاني التي تشير إليها، وتتعمق في مقاصدها وغاياتها.
ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والإكثار من القياس أنه يهمل الأخذ بالأحاديث والآثار، أو أنه قليل البضاعة فيها، بل كان يشترط في قبول الحديث شروطاً متشددة؛ مبالغة في التحري والضبط، والتأكد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التشدد في قبول الحديث هو ما حملهُ على التوسع في تفسير ما صح عنده منها، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه النوازل والمشكلات المتجددة.
ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع.
تلاميذ أبي حنيفة
لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما اندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء:
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفي عام(183هـ/799م)، ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفي في عام(189هـ/805م)، وزفر بن الهذيل، وهم الذين قعدوا القواعد وأصلوا الأصول في المذهب الحنفي.
ولقد قضى الإمام أبو حنيفة عمرهُ في التعليم والتدريس ولقد تخرج عليه الكثير من الفقهاء والعلماء، ومنهم ولدهُ حماد ابن ابي حنيفة، وإبراهيم بن طهمان، وحمزة بن حبيب الزيات، وأبو يحيى الحماني، وعيسى بن يونس، ووكيع، ويزيد بن زريع، وأسد بن عمرو البجلي، وحكام بن يعلى بن سلم الرازي، وخارجن بن مصعب، وعبد الحميد ابن أبي داود، وعلي بن مسهر، ومحمد بن بشر العبدي، ومصعب بن مقدام، ويحيى بن يمان، وابو عصمة نوح بن أبي مريم، وأبو عبد الرحمن المقريء، وأبو نعيم وأبو عاصم، وغيرهم كثير.
تدوين المذهب
وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية، وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجامع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.
وقد جمع أبو الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة (344هـ/955م) كتب ظاهر الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه "الكافي"، ثم قام بشرحه شمس الأئمة السرخسي المتوفى سنة (483هـ/1090م) في كتابه "المبسوط"، وهو مطبوع في ثلاثين جزءاً، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها.
انتشار المذهب
انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، كما كان مذهب السلاجقة والدولة الغزنوية ثم الدولة العثمانية، وهو الآن شائع في أكثر البقاع الإسلامية، ويتركز وجوده في مصر و الشام و العراق و أفغانستان وباكستان والهند والصين .
وفاة أبي حنيفة
مد الله في عمر أبي حنيفة، وهيأ له من التلاميذ النابهين من حملوا مذهبه ومكنوا له، وحسبه أن يكون من بين تلاميذه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، وأقر له معاصروه بالسبق والتقدم، قال عنه النضر بن شميل: "كان الناس نياماً عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه"، وبلغ من سمو منزلته في الفقه أن قال فيهِ الإمام الشافعي : "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة".
كما كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما يشهد له بذلك، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن عياض بقوله: "كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالأفضال على كل من يطيف به، صبورا عل تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان".
وتوفي أبو حنيفة في بغداد بعد أن ملأ الدنيا علماً وشغل الناس في (11 من جمادى الأولى 150هـ/14 من يونيو 767م) ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية في مقبرة الخيزران على الجانب الشرقي من نهر دجلة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:44 AM
الإمام مالك
الإمام مالك (93 هـ/715 م - 179 هـ/796 م) إمام دار الهجرة و أحد الأئمة الأربعة المشهورين ، ومن بين أهم أئمة الحديث النبوي الشريف .
نسبه
هو 'أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن حارث' وهو ذو إصبح بن عوف بن مالك بن شداد بن زرعة وهو حمير الأصغر و 'عمرو بن الحارث ذي أصبح الحميري' من ملوك اليمن, الحميري ثم الأصبحي, المدني, حليف بني تيم من قريش, فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين. التاريخ الكبير 7/310والمعارف لابن قتيبة ص 499/497
وامه هي العالية وقيل الغالية بنت الشريك الازدية
وجده اللأول 'أباعامر بن عمرو ' " صحابي شهد المغازي كلها مع النبي خلا بدر " القشيري.
ومالك جد الإمام من كبار التابعين وروى عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت وكان من أفاضل الناس وأحد الأربعة الذين حملوا عثمان بن عفان ومات سنة اثنتي وعشر ومائة. ولد للإمام أربعة أبناء وبنت هي أم البهاء وكانت ممن يحفظون علمه.
مولده ونشأته
ولد الإمام مالك في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين من الهجرة/712م بذي المروة وكان أخوه النضر يبيع البز فكان مالك معه بزازا ثم طلب العلم وكان ينزل أولا بالعقيق ثم نزل المدينة المنورة.
لقد نشأ مالك في بيت اشتغل بعلم والحديث.وكان أكثر هم عناية عمه نافع المكنى بأبي سهيل, ولذا عد من شيوخ ابن شهاب وفي أعمام مالم وجده أسرة من الأسر المشهورة بالعلم وكان أخوه النضر مشتغلا بالعلم ملازما للعلماء حتى أن مالك كان يكنى بأخي النضر لشهرة أخيه دونه بدأ الإمام مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه له ، فقد حكي أنه كان يريد أن يتعلم الغناء فوجهته أمه إلى طلب العلم . حفظ القرآن ثم اتجه لحفظ الحديث وكان لابد من كل طالب علم من ملازمة عالم من بين العلماء وقد جالس مالك ناشئا صغيرا ثم انقطع لابن هرمز سبع سنين لم يخلطه بغيره ثم اتجه مالك إلى نافع مولى ابن عمر فجالسه وأخذ عنه علما كثيرا وقد اشتهر أن أصح الأحاديث: " مالك عن نافع عن ابن عمر".كما اخذ مالك عن ابن شهاب الزهري ولولعه بالعلم نقض سقف بيته ليبيعه ويطلب به العلم وملازمة كبار العلماء. يقول الإمام مالك : حينما بلغت سن التعليم جاءت عمتي وقالت :إذهب فاكتب (تريد الحديث ) .
انطلق يلتمس العلم وحرص على جمعه وتفرغ له ولازم العديد من كبار العلماء ، لعل أشدهم أثراً في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو أبو بكر بن عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ ،فقد روي عن مالك أنه قال:{{ كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل . }}
وكذلك يعد مالك أكثر وأشهر الفقهاء والمحدثين الذين لازموا نافع مولى ابن عمر و راويتٌه
يقضي معه اليوم كله من الصباح إلى المساء سبع سنوات أو ثماني ، وكان ابن هرمز يجله ويخصه بما لا يخص به غيره لكثرة ملازمته له ولما ربط بينهما من حب وتآلف ووداد .
وأخذ لإمام مالك عن الإمام ابن شهاب الزهري وهو أول من دون الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة وقد روى عنه الإمام مالك في موطئه 132 حديثا بعضها مرسل .
كما أخذ عن الإمام جعفر الصادق من آل البيت وأخرج له في موطئه 9 أحاديث منها 5 متصلة مسندة أصلها حديث واحد طويل هو حديث جابر في الحج والأربعة منقطعة .
وكذلك روى عن هشام بن عروة بن الزبير ، محمد بن المنكدر ، يحي بن سعيد القطان الأنصاري ، سعيد بن أبي سعيد المقبري، وربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي وعبد الله بن المبارك والإمام الشافعي وغيرهم ، من أقرانه الأوزاعي والثوري والليث وخلق. وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي والقعني. وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و 600 من أتباع التابعين .
جلوسه للفتيا
لما أصبح له باع جلس للفتيا بعد استشار كبار العلماء في المسجد النبوي الذي كان يعج بالتابعين وتابعي التابعين من أمثال الزهري وابن شهاب وربيعة الرأي قيل وهو ابن سبع عشر سنة....
تحريه في العلم والفتيا
يروى عن النبي - صلعهم - من حديث أبي هريرة انه قال: "ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم, فلا يجدون عالما اعلم من عالم المدينة" وقال غير واحد بأنه مالك بن أنس. ذكر لمالك لما انه ذكرت أمامه الموطآت, وان غير واحد من العلماء قد صنع موطا كموطئه, قال دعوهم , فلن يبقى غلا ما أريد به وجه الله" ولهذا كان يتحرى تحريا عظيما في الفتوى عند التحمل وعند الاداء فكان يسأل في العدد الكثير من المسائل ولا يجيب إلا في القليل وكان يفكر في المستالة سنين فما يتفق فيها رأي.وكثيرا ما كان يتبع فتواه بالآية الكريمة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين (الجاثية 31). وكان لا يحدث إلا عن ثقة وكان إذا شك في الحديث طرحه.
توقيره للعلم ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -:
كان من توقيره للعلم لا يحدث إلا على طهارة ولا يحدث أو يكتب حديثا واقفا وكان لا يفضل على المدينة بقعة سواها.
شهادة أهل العلم له بالإمامة وثناؤهم عليه
ابن هرمز: "ادعيه, فإنه عالم النّاس".
ابن شهاب :"أنت من أوعية العلم".
قيل لأبي الأسود من للرأي بعد ربيعة بالمدينة؟ قال: الغلام الاصبحي (مالك).
سفيان بن عيينة: "ما نحن عند مالك؟ إنما نحن نتبع آثار مالك". وقال" ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك". وقال "مالك سيد أهل المدينة". وقال "مالك سيد المسلمين".
الشافعي: "إذا جاء الخبر فمالك النجم".وقال :" مالك بن انس معلمي(أستاذي) وما أحد امنُّ علي من مالك, وعنه اخذنا العلم وإنما أنا غلام من غلمان مالك".
وقال : مالك وسفيان قرينان ومالك النجم الثاقب الذي لا يلحق.
الأوزاعي :رأيت رجلا عالما(يقصد مالك).
أبو يوسف: "ما رأيت أعلم من ثلاث مالك وأبي ليلى وأبي حنيفة".
الليث: علم مالك تقي, علم مالك نقي, مالك أمان لمن اخذ عنه من الأنام".
ابن المبارك: "لو قيل لي اختر للأمة إماما, لاخترت مالكا".
ابن المهدي : "مالك افقه من الحكم وحماد" وقال: أئمة الحديث الذين يقتدي بهم أربعة سفيان بالكوفة, ومالك بالحجاز, والاوزاعي بالشام, وحماد بن يزيد بالبصرة". وقال : مابقي على وجه الأرض اامن على حديث رسول الله من مالك". يحي ابن سعيد: " مالك أمير المؤمنين في الحديث".وقال: " مالك هو أعلى أصحاب الزهري, وأوثقهم واثبت الناس في كل شيء".وقال "مالك نجم الحديث المتوقف عن الضعفاء, الناقل عن أولاد المهاجرين والأنصار".
النسائي: امناء الله على وحيه, شعبة, ومالك, ويحي بن سعيد القطان, ما أحد عندي أفضل بعد التابعين من مالك ولا اجل منه ولا أحد اا من على الحديث منه".
احمد بن حنبل:" مالك أحسن حديثا عن الزهري من ابن عيينة, ومالك اثبت الناس في الزهري".
مواهبه وصفاته
حبا الله مالكا بمواهب شتى حتى أصبح الإمام الذي لا يفتى معه أحدا منها:
الحفظ:عرف عن الإمام مالك بأنه قوي الحافظة كان يحفظ أكثر من 40 حديثا في مجلس واحد.
الصبر والجلد.
الإخلاص في طلب العلم قربة خالصة لله عز وجل.وجيد التحري في رواية الحديث مدققا في ذلك كل التدقيق ، لا ينقل إلا عن الإثبات ولا يغتر بمظهر الراوي أو هيئته .قال الإمام مالك :{{ لقد أدركت في هذا المسجد (مسجد المدينة المنورة) سبعين ممن يقول : قال فلان قال رسول الله فما أخذت عنهم شيئا، وأن أحدهم لو أؤتمن على بيت مال لكان أمينا عليه إلا ظنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن )
قوة الفراسة والنفاذ غلى بواطن الأمور وإلى نفوس الأشخاص.
وإن لم يرحل الإمام مالك في طلب الحديث مع أن الرحلة في ذلك الوقت كانت ضرورية. إلا انه استعاد عن هذا لكون المدينة كانت مركزا للعلم ومنارة له بحيث لا يكتمل علم احدهم دون القدوم غليها والأخذ من منبعها الصافي من أحفاد الصحابة ومسكنهم فكانت المدينة كلها منابع علم من حيها وميتها ويابعا وأخضرها سمائها وأرضها تكاد تنطق بالعلم الوفير وهذا ما جعل الإمام مالك يرى بان عمل أهل المدينة حجة .
شيوخه
اخذ عن خلق كثير وهم في الموطأ وكان أهمهم :
ابن هرمز
أبو زناد
نافع
ربيعة محسن
ابن شهاب
الأنصاري
يحي ابن سعيد
سعيد المقبري
عامر ابن عبد الله بن زبير.
ابن المنكدر
عبد الله ابن دينار
تلاميذه
كان أكثر الأئمة الذين ظهروا في عصر الإمام مالك تلامذة له ، وقد كان تلاميذه من شتى بقاع الأرض لا يعدون ولا يحصون والذي ساعده على ذلك أنه كان مقيماً بالمدينة المنورة وكان الحجاج يذهبون لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيجلسون نحوه يتعلمون منه العلم ، فمنهم من كان يطول به المقام عند الإمام مالك ومنهم من كان يقصر به المقام . والذي جعل أيضاً تلاميذ الإمام مالك كثيري أن الإمام مالكاً كان معمراً فلقد أطال الله في عمره حيث عاش تسعين عاماً .وأحصى الذهبي ما يزيد عم ألف وأربعمائة"تلميذ
عبد الرحمن بن القاسم
عبد الله بن وهب
أشهب بن عبد العزيز القيسي
أسد بن الفرات
عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون
ومن تلاميذه مالك أيضا: ابن أبي اياس أبو الحسن الخرساني.
ابن الوليد أبو يحمد الحميري
ابن خداش أبو الهيثم المهلبي.
أبو عبد الله اللخمي.
سعيد ابن شعبة أبو عثمان الخرساني.
سليمان بن جارود أبو داوود الطياليسي.
ابن ذكوان أبو عبد الله الترميذي.
بن حماد أبو يحي النرسي.
بن جبلة عبدان المروزي.
عبد الله بن نافع الزبيري.
بن عمرو القيسي أبو عامر العقدي.
وكيع بن جراح أبو سفيان الرؤاسي.
وفاته
بعد حياة عريضة حافلة توفي (رحمه الله) في ربيع الأول سنة 179 هـ/795م عن عمر يناهز ثلاثة و ثمانين سنة ، حيث صلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم العباسي و شيع جنازته و اشترك في حمل نعشه و دفن في البقيع .


(You can see links before reply)

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:45 AM
الإمام الشافعى

محمد بن إدريس الشافعيّ (150 هـ/766 م - 204 هـ/820 م). مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما نص علي ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله و هو أيضا أحد أئمّة أهل السنّة وهو صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ. يُعَدّ الشافعيّ مؤسّس علم أصول الفقه , وهو أول من وضع .
اسمه و مولده وكنيته
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد الله بن ابن يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي يلتقي في نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف بن قصي .
ولد في سنة مائة وخمسين وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة .
وُلِد بغزّة ، وقيل بعسقلان , ثم أُخِذ إلى مكة وهو ابن سنتين .
سيرته
نشأ يتيمًا في حجر أمّه في قلّة من العيش، وضيق حال، وكان في صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يفيده في العلوم ونحوها، حتى ملأ منها خبايا، وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة.
ثم رحل الشافعي من مكّة إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطّأ حفظًا، فأعجبته قراءته ولازمه، وكان للشافعيّ رحمه الله حين أتى مالكًا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن.
واشتهر من حسن سيرته، وحمله الناس على السنة، والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة. ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم، ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن وغيرَه؛ ونشر علم الحديث ومذهب أهله، ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه، وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطّان يعجبان به، وقيل أنّ القطّان وأحمد بن حنبل كانا يدعوان للشافعيّ في صلاتهما.
وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة، ويرويه عنه أربعة من جلّ أصحابه، وهم أحمد بن حنبل، أبو ثور، الزعفراني والكرابيسي.
ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة -وقيل سنة مائتين- وحينما خرج من العراق قاصدا مصر قالو له أتذهب مصر وتتركنا فقال لهم [هناك الممات ]-وحينما دخل مصر و أشتغل في طلب العلم وتدريسه ، فوجىء بكتاب أسمه الكشكول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما وقرأ فيه العديد من الأحاديث النبوية التى رواها عبد الله و دونها و بناءا عليه غير الشافعى الكثير من أحكامه الفقهية و فتاواه لما أكتشفه في هذا الكتاب من أحكام قطعت الشك باليقين أو غيرت وجهة أحكامه ، حتى انه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للإمام الشافعى يقال له هل تسأل عن الشافعى القديم (أي مذهبه حينما كان في العراق )أم مذهب الشافعى الحديث (أي الذى كان بمصر )، كماصنّف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه. وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبًا لم يسبق إليها منها أصول الفقه، ومنها كتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي وغيرها.
من قصائده

أأنثر درا بين سارحة البهم وأنظم منثوراً لراعية الغنم
لعمري لئن ضيعـت في شر بلدةٍ فلست مضيعاً فيهـم غـرر الكلـم
لئن سـهل الله العزيز بلطفه وصادفـت أهــلاً للعلوم وللحكم
بثثت مفيداً واستـفدت ودادهم وإلا فمكنون لدى ومكتـتـم
ومـن منح الجهال علما أضاعه ومـن منع المستوجبين فقد ظلم
وله أيضا:

اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في ود يجئ تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ويظهر سراً قد كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
وله أيضاً :

نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لهجانـا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضآً عيانا
كما أن له في ذكر ال بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

يا ال بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القران أنزله
يكفيكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له
وأيضا في حب أهل بيت النبي (عليه الصلاة والسلام):

لو فتشوا قلبي لألفوا بــه سطــرين قد خُطّا بلا كاتبِ
العدل والتوحيد في جانبٍ وحب أهل البيت في جانبِ
وأيضا في دعوته لحب آل بيت النبي(صلى الله عليه وسلم):

يا راكباً قف بالمحصــب من منى واهتف بساكن خيفها والناهضِ
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفرات الفائــــض
إن كان رفضــــاً حـب آل محمـــد فليشــــــهد الثقلان أني رافض
كما قال حول مقتل الحسين (رضي الله عنه) سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

تأوّه قلبـــــي والفــــــؤاد كئيـــــــب وأرّق نومـــي فالسهاد عجيبُ
ومما نفى نومي وشـــــيب لومتــي تصاريف أيــــامٍ لهـن خطــوبُ
فمن مبلغ،ٌ عني الحسـين رســـــالةً وإن كرِهَتْـــــها أنفــسٌ وقلوبُ
ذبيحٌ، بلا جــــرمٍ كــأنّ قميصـــــــه صبيــغ بماء الأرجوان خضيب
فللسيف إعـــــوال وللــرمـــــح رنّة وللخيل من بعد الصهيل نحيب
تزلزلت الدنيــــــــــا لآل محــمـــــدٍ وكادت لهم صمّ الجبـــال تذوب
وغارت نجوم واقشـــعـرت كواكــب وهتك أستارٍ وشــــُق جيــــوب
يُصلّى على المبعوث مـن آلِ هاشــمٍ ويُغزى بنـــــوه إن ذا لعجيـب!
لئــن كـان ذنـبي حــب آل محمــــــدٍ فذلك ذنب لســـــت عنه أتـوب
هم شُفعــائي يوم حشــري وموقفـي إذا ما بدت للنــــاظرين خطوب
وله أيضا ً :
إذا المرء أفشـى سـره بلسـانه
ولام علـيه غــيره فـهو أحـمـق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذي يستودع السـر أضيق
مصنفاته
كتاب الأم.
الرسالة في أصول الفقه، وهي أول كتاب صنف في علم أصول الفقه.
اختلاف الحديث
أحكام القرآن
الناسخ و المنسوخ
كتاب القسامة.
كتاب الجزية.
قتال أهل البغي.
سبيل النجاة.

جمعه لشتى العلوم
حدث الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح ، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا ، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف ، رضي الله عنه .
وحدث محمد بن عبد الحكم قال : ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث ، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه ، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه .
وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها ، وكان من أعرف الناس بالتواريخ ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى .
قال مصعب بن عبدالله الزبيري : "ما رأيت أعلم بأيام الناس من الشافعي" .
وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو ابن ثمان عشرة سنة : "أفت أبا عبدالله فقد آن لك أن تفتي" .
وقال الحميدي : كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم ، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا .
تواضعه وورعه وعبادته
كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق ، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس .
قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري : قال الشافعي : ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ ، وما في قلبي من علم ، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي .
قال حرملة بن يحيى : قال الشافعي : كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق .
قال الشافعي رضي الله عنه : والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة .
وقال أيضا : ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و اعتقدت مودته ، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني .
وقال : أشد الأعمال ثلاثة : الجود من قلة ، والورع في خلوة ، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف .
وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره أستاذا كان أو تلميذا ، أو جار ، أو صديقا .
قال الربيع بن سليمان : كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة .
وقال أيضا : قال الشافعي : والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .
وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء : الثلث الأول يكتب ، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام .
فصاحته وشعره وشهادة العلماء له
لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم ، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته ، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو ، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو .
قال أبو عبيد : كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة .
وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة .
قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن إدريس .
قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا .
وقال أحمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.
حدث أبو نعيم الاستراباذي ، سمعت الربيع يقول : لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته - التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة - لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.
سخاؤه
أما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره ، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه.
وحدث محمد بن عبدالله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد .
قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام , فقال لي الشافعي : أفلست في عمري ثلاث إفلاسات ، فكنت أبيع قليلي وكثيري ، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط .
قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل ، ويبادر بإعطائه .
وفاته
تُوفّي بمصر سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة .
قال تلميذه الربيع : توفّي الشافعي رحمه الله ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده ، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين ، وقبره بمصر
كتابا لإصول الفقه سماه الرسالة

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:48 AM
الإمام أحمد بن حنبل
الإمام أحمد بن حنبل (164 هـ/780 م ـ 241 هـ/855 م) هو أحد أئمة أهل السنة والجماعة .
نشأته
هو الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المروزي الوائلي ولد في بغداد سنة 164ه في شهر ربيع الاول/780م وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.
أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حَيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عُكابَة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام. هكذا ساق نسبه ولده عبد الله، واعتمده أبو بكر الخطيب في ((تاريخه )) وغيره. وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو، مات شابا له نحو من ثلاثين سنة. وربي أحمد يتيما، وقيل: إن أمه تحولت من مرو، وهي حامل به. قال صالح : قال لي أبي : ولدت سنة أربع و ستين و مئة.
مذهبه
مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
منهجه العلمي ومميزات فقهه : إشتُهِرَ الإمام أنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. ومن شدة ورعه ما كان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط وذلك لأنه كان محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديث، و كان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجَّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين.
وهكذا فقد تميز فقهه أنه في العبادات لا يخرج عن الأثر قيد شعرة، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ويقول في الحج: " خذوا عني مناسككم ". كان الإمام أحمد شديد الورع فيما يتعلق بالعبادات التي يعتبرها حق لله على عباده وهذا الحق لا يجوز مطلقاً أن يتساهل أو يتهاون فيه.
أما في المعاملات فيتميز فقهه بالسهولة والمرونة و الصلاح لكل بيئة وعصر، فقد تمسَّك أحمد بنصوص الشرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير. مثال ذلك: " الأصل في العقود عنده الإباحة ما لم يعارضها نص "، بينما عند بعض الأئمة الأصل في العقود الحظر ما لم يرد على إباحتها نص.
وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى، نهاه وقال له: " لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك؟.من شيوخه سفيان بن عيينة والقاضي أبو يوسف ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وخلق كثير.وروى عنه من شيوخه عبد الرزاق والشافعي ومن تلاميذه البخاري و مسلم وابو داود .ومن أقرانه علي بن المديني ويحيى بن معين. رحمهم الله
محنته
اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم. وقد رأى أحمد بن حنبل أن رأي المعتزلة يحوِّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته عملا بقوله تعالي :" إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان".. وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم،الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه ، وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق . وحين وصل المتوكّل ابن المعتصم و الأخ الأصغر للواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
مواقفه
لما كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه البدع المستحدثة التي ارادت النيل من الدين خصوصا في مسألة خلق القرآن وقفة عظيمة. وقد صمد ايضاً بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء. قد قال بعض الاشعار اثناء حبسه. من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
و قد قال عنه الأمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
مؤلفاته :
وكتاب المسند قد تعرض لعدة شروحات ومن أفضلها كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني - للشيخ أحمد البنا.
- المسند. ويحوي أكثر من أربعين ألف حديث.
- الناسخ والمنسوخ.وفضائل الصحابة.وتاريخ الاسلام.
- العلل.
- السنن في الفقه.
- أُصُول السُّـنّة
- كتاب أحكام النساء
- كتاب الأشربة
- العلل ومعرفة الرجال
- الأسامي والكنى
- الزهد
وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة12ربيع الاول سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد( في جانب الكرخ قرب مدينة ماتسمى مدينة الكاظمية ) , قبره بين مقابر المسلمين وغير معروف سوى مكان المقبرة , وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود و النصارى و المجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:49 AM
الإمام الحافظ الليثُ بن سعد

من أشهر الفقهاء في زمانه فاق في علمه وفقهه إمام المدينة الإمام مالك غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.إنه الإمام الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية ولد بقرقشندة وهي قرية من أسفل أعمال مصر في سنة أربع وتسعين للهجرة.

طلبه للعلم
تلقى الليث العلم على عدد من كبار علماء عصره، فسمع من عطاء بن أبي رباح وابن أبى مليكة ونافعا العمري وسعيد بن أبي سعيد المقبري وابن شهاب الزهري وأبا الزبير المكي وغيرهم كثير.
وفي عدة روايات يصف الليث رحلاته في طلب العلم: قال ابن بكير سمعت الليث يقول سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة.
قال يحيى بن بكير أخبرني من سمع الليث يقول كتبت من علم ابن شهاب علما كثيرا وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة فخفت أن لا يكون ذلك لله فتركته ودخلت على نافع فسألني فقلت أنا مصري فقال ممن قلت من قيس قال ابن كم قلت ابن عشرين سنة قال أما لحيتك فلحية ابن أربعين قال أبو صالح خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين ومائة خرجنا في شعبان وشهدنا الأضحى ببغداد قال وقال لي الليث ونحن ببغداد سل عن منزل هشيم الواسطي فقل له أخوك ليث المصري يقرئك السلام ويسألك أن تبعث إليه شيئا من كتبك فلقيت هشيما فدفع إلي شيئا فكتبنا منه وسمعتها مع الليث.


مكانته العلمية
يقول الحافظ أبو نعيم: كان الليث رحمه الله فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلى رأيه ومشورته ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم فاستعفى من ذلك.
ولليث أحاديث كثيرة في كتب الصحاح، ومن الأحاديث التي رويت عن الليث ما رواه الترمذي قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [قال يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا]
قال أبو صالح كان الليث يقرأ بالعراق من فوق على أصحاب الحديث والكتاب بيدي فإذا فرغ رميت به إليهم فنسخوه.
قال ابن سعد كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه.
روى عبد الملك بن شعيب عن أبيه قال قيل لليث أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك فقال أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب.
وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول أصح الناس حديثا عن سعيد المقبري الليث بن سعد يفصل ما روي عن أبي هريرة وما روي عن أبيه عن أبي هريرة هو ثبت في حديثه جدا.
ومما يروى عنه أيضا عن الليث بن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري وكان يحيى الموؤدة يقول الرجل إذا أراد أن يقتل أبنته مه لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها
ولليث أسانيد إلى أبي هريرة ومنها: عن الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة]

مناقبه وفضائله
قال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة.
روي عن شرحبيل بن جميل قال أدركت الناس أيام هشام الخليفة وكان الليث بن سعد حدث السن وكان بمصر عبيد الله بن أبي جعفر وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنة ثم قال ابن بكير لم أر مثل الليث، وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال ما رأيت أحدا أكمل من الليث.
***
قال عثمان بن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث فحدثهم بفضائله فكفوا وكان أهل حمص ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش فحدثهم بفضائل علي فكفوا عن ذلك، وروي عن حرملة يقول كان الليث بن سعد يصل مالكا بمائة دينار في السنة فكتب مالك إليه علي دين فبعث إليه بخمس مائة دينار فسمعت ابن وهب يقول كتب مالك إلى الليث إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر فبعث إليه بثلاثين حملا عصفرا فباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضله، قال أبو داود قال قتيبة كان الليث يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة وقال ما وجبت علي زكاة قط وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالكا ألف دينار وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف دينار وجارية تساوى ثلاث مائة دينار.
قال صالح بن أحمد الهمذاني: قدم منصور بن عمار على الليث فوصله بألف دينار واحترقت دار ابن لهيعة فوصله بألف دينار ووصل مالكا بألف دينار وكساني قميص سندس فهو عندي.
وروي عن محمد بن رمح يقول كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار ما أوجب الله عليه زكاة درهم قط،
***
وروي عن أشهب بن عبد العزيز يقول كان الليث له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها أما أولها فيجلس للسلطان في نوائبه وحوائجه وكان الليث يغشاه السلطان فإذا أنكر من القاضي أمرا أو من السلطان كتب إلى أمير المؤمنين فيأتيه العزل ويجلس لأصحاب الحديث وكان يقول نجحوا أصحاب الحوانيت فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم ويجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه ويجلس لحوائج الناس لا يسأله أحد فيرده كبرت حاجته أو صغرت وكان يطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر وفي الصيف سويق اللوز في السكر
***
وروي عن يعقوب ابن داود وزير المهدي قال:قال أمير المؤمنين لما قدم الليث العراق الزم هذا الشيخ فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه.
وكان الليث بن سعد يقول بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط، ويعلق الحافظ أبو نعيم على قوله فيقول: كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ومالك والأوزاعي والسنن ظاهرة عزيزة فأما في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة وامتحن أئمة الأثر ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة ثم كثر ذلك واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول فطال الجدال واشتد النزاع وتولدت الشبة نسأل الله العافية.
***
قال بكر بن مضر قدم علينا كتاب مروان بن محمد إلى حوثرة والى مصر إني قد بعثت إليكم أعرابيا بدويا فصيحا من حاله ومن حاله فأجمعوا له رجلا يسدده في القضاء ويصوبه في المنطق فأجمع رأي الناس على الليث بن سعد وفي الناس معلماه يزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث، قال أحمد بن صالح أعضلت الرشيد مسألة فجمع لها فقهاء الأرض حتى أشخص الليث فأخرجه منها.

مواقف من حياته
قال الحسن بن يوسف بن مليح سمعت أبا الحسن الخادم قال كنت غلاما لزبيدة (زوجة الرشيد) وأتي بالليث بن سعد تستفتيه فكنت واقفا على رأس ستي زبيدة خلف الستارة فسأله الرشيد فقال له حلفت إن لي جنتين فاستحلفه الليث ثلاثا إنك تخاف الله فحلف له فقال: قال الله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن:16) فأقطعه الرشيد قطائع كثيرة بمصر.
***
وروي عن الليث قال: قال لي أبو جعفر المنصور تلي لي مصر قلت لا يا أمير المؤمنين إني أضعف عن ذلك إني رجل من الموالي فقال ما بك ضعف معي ولكن ضعفت نيتك في العمل لي.
***
قال وجاءت امرأة إلى الليث فقالت يا أبا الحارث إن ابنا لي عليلاً واشتهى عسلا فقال يا غلام أعطها مرطا من عسل والمرط عشرون ومائة رطل.
***
وعن الحارث بن مسكين قال اشترى قوم من الليث ثمرة فاستغلوها فاستقالوا فأقالهم ثم دعا بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين دينارا فقال له ابنه الحارث في ذلك فقال اللهم غفرا إنهم قد كانوا أملوا فيها أملا فأحببت أن أعوضهم من أملهم بهذا.
***
وروي عن الليث قال لما ودعت أبا جعفر المنصور ببيت المقدس قال أعجبني ما رأيت من شدة عقلك والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك قال شعيب كان أبي يقول لا تخبروا بهذا ما دمت حيا.
***
قال يحيى بن بكير: قال الليث: قال لي المنصور تلي مصر؛ فاستعفيت قال أما إذا أبيت فدلني على رجل أقلده مصر قلت عثمان ابن الحكم الجذامي رجل له صلاح وله عشيرة. قال: فبلغ عثمان ذلك فعاهد الله ألا يكلم الليث.
***
وروي عن سعيد الآدم قال مررت بالليث بن سعد فتنحنح فرجعت إليه فقال لي يا سعيد خذ هذا القنداق فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن لا بضاعة له ولا غلة. فقلت: جزاك الله خيرا يا أبا الحارث. وأخذت منه القنداق ثم صرت إلى المنزل فلما صليت أوقدت السراج وكتبت بسم الله الرحمن الرحيم ثم قلت فلان بن فلان ثم بدرتني نفسي. فقلت: فلان بن فلان. قال فبينا أنا على ذلك إذا أتاني آت فقال هالله يا سعيد تأتي إلى قوم عاملوا الله سرا فتكشفهم لآدمي ما الليث وما شعيب أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه. فقمت ولم أكتب شيئا، فلما أصبحت أتيت الليث فتهلل وجهه فناولته القنداق فنشره فما رأى فيه غير بسم الله الرحمن الرحيم فقال: ما الخبر فأخبرته بصدق عما كان فصاح صيحة فاجتمع عليه الناس من الحلق فسألوه فقال ليس إلا خير ثم أقبل علي فقال يا سعيد تبينتها وحرمتها صدقت ما الليث وما شعيب أليس مرجعهم إلى الله.
***
عن أبي صالح كاتب الليث قال كنا على باب مالك فامتنع عن الحديث فقلت ما يشبه هذا صاحبنا فسمعها مالك فأدخلنا وقال من صاحبكم قلت الليث قال تشبهونا برجل كتبت إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا فأنفذ منه ما بعنا فضلته بألف دينار.

ثناء العلماء عليه
كان الإمام الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال ابن وهب: لولا مالك والليث لضل الناس.
وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس وكان لا يأكل إلا بلحم إلا أن يمرض.
وقال أحمد بن سعد الزهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول الليث ثقة ثبت، وقال أيضا: الليث كثير العلم صحيح الحديث
وقال عثمان الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول الليث أحب إلي من يحيى بن أيوب ويحيى ثقة قلت فكيف حديثه عن نافع فقال صالح ثقة.
وعن أحمد بن صالح وذكر الليث فقال: إمام قد أوجب الله علينا حقه لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثله.
قال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى وكان ثقة كثير الحديث سريا من الرجال سخيا له ضيافة
وقال العجلي والنسائي: الليث ثقة.
وقال ابن خراش: صدوق صحيح الحديث.
وروي عن يحيى بن معين قال: هذه رسالة مالك إلى الليث حدثنا بها عبد الله بن صالح يقول فيها وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاءهم منك.
وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك ولكن الحظوة لمالك رحمه الله.
قال علي بن المديني الليث ثبت.
قال العلاء بن كثير الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا.

وفاته
قال يحيى بن بكير وسعيد بن أبي مريم مات الليث للنصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومائة قال يحيى يوم الجمعة وصلى عليه موسى بن عيسى.
قال خالد بن عبد السلام الصدفي شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي فما رأيت جنازة قط أعظم منها رأيت الناس كلهم عليهم الحزن وهم يعزي بعضهم بعضا ويبكون فقلت يا أبت كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة فقال بابني لا ترى مثله أبدا. ودفن بالقاهرة، وشهد جنازته جمع غفير، وكان الناس فى هم وحزن كبير، يعزي بعضهم بعضًا .

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:50 AM
الإمام الأوزاعي

نَسَبُهُ وَقَبِيلَتُهُ:
هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأَوْزَاعِيّ، قال محمد بن سعد: والأوزاع بطن من همدان، وقال البخاري في تاريخه: الأوزاع: قرية بدمشق إذا خرجت من باب الفراديس.
مَولِدُهُ:

البَلدُ التي وُلدَ فِيهَا:
ولد في ( بَعْلَبَكّ ) وهي إحدى المدن اللبنانية وتقع على بعد 85 كم إلى الشرق من بيروت فوق أعلى مرتفعات سهل البقاع...
البَلدُ التي عَاشَ فِيهَا:
نشأ في البقاع، وسكن بيروت.
طُفُولَتُهُ وتَربِيَتُهُ:
قال ابن كثير: نشأ - أي الأَوْزَاعِيّ - بالبقاع يتيما في حجر أمه، وكانت تنتقل به من بلد إلى بلد، وتأدب بنفسه، فلم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار وغيرهم أعقل منه، ولا أورع ولا أعلم، ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم، ولا أكثر صمتا منه....
أَهَمُّ ملامِحِ شَخْصِيَتِهِ:
كَثْرَةُ عِلْمِهِ وَفِقْهِِهِ:
يُعّدُّ الإمِامُ الأَوْزَاعِيّ أحد الفُقَهَاءِ الأعلام الذين أثّرُوا في مَسِيرةِ الفِقْهِ الإسلامي خَاصَّةً في بلادِ الشَّامِ والأَندلُسِ....
قال الحافظ ابن كثير: وقد بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على مذهبه نحوًا من مائتين وعشرين سنة...
ثم انتقل مذهبه إلى الأندلس وانتشر هناك فترة، ثم ضعف أمره في الشام أمام مذهب الإمام الشافعي، وضعف في الأندلس أيضًا أمام مذهب الإمام مالك الذي وجد أنصارًا وتلاميذ في الأندلس، بينما لم يجد مذهب الأَوْزَاعِيّ الأنصار والتلاميذ...
وقال ابن كثير عن الأَوْزَاعِيّ أيضًا: ما تكلم بكلمةٍ إلا كان المتعين على من سمعها من جلسائه أن يكتبها عنه - من حسنها -، وكان يعاني الرسائل والكتابة، وقد اكتتب مرة في بعث إلى اليمامة فسمع من يحيى بن أبي كثير وانقطع إليه فأرشده إلى الرحلة إلى البصرة ليسمع من الحسن وابن سيرين.
فسار إليها فوجد الحسن قد توفي من شهرين ووجد ابن سيرين مريضا، فجعل يتردد لعيادته، فقوي المرض به ومات ولم يسمع منه الأَوْزَاعِيّ شيئًا.
ثم جاء فنزل دمشق بمحلة الاوزاع خارج باب الفراديس، وساد أهلها في زمانه وسائر البلاد في الفقه والحديث والمغازي وغير ذلك من علوم الاسلام.
وقد أدرك خلقا من التابعين وغيرهم، وحدث عنه جماعات من سادات المسلمين، كمالك بن أنس والثوري والزهري، وهو من شيوخه.
وقد حج مرة فدخل مكة وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله، ومالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: أفسحوا للشيخ حتى أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه.
وقد تذاكر مالك والأَوْزَاعِيّ مرة بالمدينة من الظهر حتى صليا العصر، ومن العصر حتى صليا المغرب، فغمره الأَوْزَاعِيّ في المغازي، وغمره مالك في الفقه أو في شئ من الفقه.
وتناظر الأَوْزَاعِيّ والثوري في مسجد الخيف في مسألة رفع اليدين في الركوع والرفع منه.
فاحتج الأَوْزَاعِيّ على الرفع في ذلك بما رواه عن الزهري عن سالم عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه".
واحتج الثوري على ذلك بحديث يزيد بن أبي زياد، فغضب الأَوْزَاعِيّ وقال: تعارض حديث الزهري بحديث يزيد بن أبي زياد وهو رجل ضعيف؟ فاحمرّ وجه الثوري، فقال الأَوْزَاعِيّ: لعلك كرهت ما قلت؟ قال: نعم.
قال: فقم بنا حتى نلتعن عند الركن أينا على الحق، فسكت الثوري.
وقال ابن زياد: أفتى الأَوْزَاعِيّ في سبعين ألف مسألة بحدثنا.
وقال أبو زرعة: رُوي عنه ستون ألف مسألة.
وقال غيرهما: أفتى في سنة ثلاث عشرة ومائة وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، ثم لم يزل يفتي حتى مات وعقله زاكٍ.
وقال يحيى القطان عن مالك: اجتمع عندي الأَوْزَاعِيّ والثوري وأبو حنيفة فقلت: أيهم أرجح؟ قال: الأَوْزَاعِيّ.
وقال عنه ابن حبان في كتابه مشاهير علماء الأمصار: أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وحفظًا وفضلًا وعبادةً وضبطًا مع زهادةٍ...
عِبَادَتِهِ وَوَرِعِهِ وَزُهْدِهِ:
قال بشر بن المنذر: كان الأَوْزَاعِيّ كأنه أعمى من الخشوع، وقال ابن مسهر: كان يُحيي الليل صلاة وقرآناً...
وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أحدا أشدّ اجتهادا من الأَوْزَاعِيّ في العبادة.
وقال غيره: حجّ فما نام على الراحلة، إنما هو في صلاة، فإذا نعس استند إلى القتب، وكان من شدة الخشوع كأنه أعمى.
ودخلت امرأة على امرأة الأَوْزَاعِيّ فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولا فقالت لها: لعل الصلبي بال ههنا.
فقالت: هذا أثر دموع الشيخ من بكائه في سجوده، هكذا يصبح كل يوم.
شُيُوخه:
روى عن عطاء بن أبي رباح، والقاسم ابن مخيمرة، ومحمد بن سيرين حكاية، والزهري، ومحمد بن علي الباقر، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وقتادة، وعمرو بن شعيب، وربيعة بن يزيد، وشداد، وأبي عمار، وعبدة ابن أبي لبابة، وبلال بن سعد، ومحمد بن إبراهيم التيمي، ويحيى بن أبي كثير، وعبد الله بن عامر اليحصبي، ومكحول، وأبي كثير السحيمي وخلق...
مُؤَلَفَاتِهِ:




ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ:
قال عنه أبو نعيم في الحلية: الإمام المبجل، والمقدام المفضل، عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأَوْزَاعِيّ، رضي الله تعالى عنه. كان واحد زمانه، وإمام عصره وأوانه، كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم، مقوالاً بالحق لا يخاف سطوة العظائم.
وقال عنه الحافظ ابن كثير: الإمام الجليل علامة الوقت... فقيه أهل الشام وإمامهم.
وقال عنه الإمام مالك: كان الأَوْزَاعِيّ إماما يقتدى به.
وقال عنه الذهبي: كان رأساً في العلم والعمل، جم المناقب. ومع علمه كان بارعاً في الكتابة والترسل.
وقال إسماعيل بن عياش: سمعتُ الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.
وقال عبد الله الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه.
وقال سفيان بن عيينة وغيره: كان الأَوْزَاعِيّ إمام أهل زمانه...
وقال محمد بن عجلان: لم أر أحدا أنصح للمسلمين من الأَوْزَاعِيّ.
وقال عنه الصفدي: إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم...وكان ثقة مأموناً فاضلاً خيراً كثير العلم والحديث والفقه حجّة.
وقال يحيى بن معين: العلماء أربعة: الثوري، وأبو حنيفة، ومالك، والأَوْزَاعِيّ.
وقال أبو حاتم: كان - أي الأَوْزَاعِيّ - ثقةً متبعًا لما سمع.
وقال عنه الزركلي صاحب الأعلام: إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتّاب المترسلين.
الأَوْزَاعِيُّ عَالِمٌ رَبَانِّي ّلا يَخْشَى فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ:
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية:
ولما دخل عبد الله بن علي - عم السفاح الذي أجلى بني أمية عن الشام، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأَوْزَاعِيّ فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه.
قال الأَوْزَاعِيّ:
دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهادا ورباطا هو؟ قال: فقلت: أيها الأمير سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: سمعت محمد بن إبراهيم التيمي يقول: سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
قال: فنكت بالخيزرانة أشد مما كانت ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال: يا أوزاعي ما تقول في دماء بني أمية؟ فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال: ما تقول في أموالهم؟ فقلت: إن كانت في أيديهم حراما فهي حرام عليك أيضا، وإن كانت لهم حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال: ألا نوليك القضاء؟ فقلت: إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الإحسان.
فقال: كأنك تحب الانصراف؟ فقلت: إن ورائي حرما وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي.
قال: وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف.
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال يقول لك الأمير: استنفق هذه.
قال: فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفا.
مِنْ كَلِمَاتِهِ الخَالِدَةِ:
- عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وقول الرجال وإن زخرفوه وحسنوه، فإن الامر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم.
- اصبر على السنة وقف حيث يقف القوم، وقل ما قالوا وكف عما كفوا، وليسعك ما وسعهم.
- العلم ما جاء عن أصحاب محمد، وما لم يجئ عنهم فليس بعلم.
- لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلب مؤمن.
- إذا أراد الله بقوم شرًا فتح عليهم باب الجدل وسد عنهم باب العلم والعمل.
العافية عشرة أجزاء، تسعة منها صمت، وجزء منها الهرب من الناس.
وَفَاتُهُ:
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: كنت جالسا عند الثوري فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من الغرب - يعني قلعت - قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأَوْزَاعِيّ، فكتبوا ذلك فجاء موت الأَوْزَاعِيّ في ذلك اليوم.
وقال أبو مسهر: بلغنا أن سبب موته أن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه، ولم تكن عامدة ذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة.
قال: وما خلف ذهبا ولا فضة ولا عقارا، ولا متاعا إلا ستة وثمانين فضلت من عطائه.
وكانت وفاته في بيروت يوم الأحد 28 صفر سنة 157 هـ، 16 يناير 774 م، وهو دون السبعين بسنة واحدة، ورثاه بعضهم بقوله:
جاد الحيا بالشام كل عشيةٍ... قبراً تضمن لحده الأَوْزَاعِيّ
قبرٌ تضمن فيه طود شريعةٍ... سقيا له من عالمٍ نفاع
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:52 AM
الإمام سفيان الثورى


أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الربابي التميمي المضري (97 هـ-161 هـ) من بني ثور من حلف الرباب ، كونه أبناء عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الذي ينتهي نسبه إلي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. كان أحد أئمة الإسلام يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء «هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع. قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم ويحيى بن معين وغيرهم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. وقال علي بن الحسن بن شقيق عن عبد الله قال: ما أعلم على الأرض أعلم من سفيان. وقال بشر الحافي: كان الثوري عندنا إمام الناس. وعنه قال: سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما».
نسبه
هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، الثوري نسباً الكوفي موطناً.
مولده
ولد سنة سبع وتسعين بالكوفة في خلافة سليمان بن عبد الملك.
شيوخه وطلابه
يقال أن عدد شيوخه ستمائة شيخ وكبارهم الذين حدثوه عن أبو هريرة وجرير بن عبد الله وابن عباس وأمثالهم وقد قرأ الختمة عرضا على حمزة الزيات أربع مرات وأما الرواة عنه فخلق فذكر ابن الجوزى أنهم أكثر من عشرون ألفا.
طلبه للعلم
بكر في طلب العلم حتى رآه أبو اسحق السبيعي مقبلا وقال:" وآتيناه الحكم صبيا" قال أبو المثنى: سمعتهم بمرو يقولون قد جاء الثوري قد جاء الثوري، وخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه (خرج شعره) قال عبد الرازق وغيره عن سفيان قال: ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني.
زهده وورعه
قال رحمه الله: ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن ولكنه قصر الأمل وارتقاب الموت ، قال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم قيل للفضيل بن عياض في بعض ما كان يذهب إليه من الورع: من إمامك في هذا؟ قال: سفيان الثوري.
عبادته وخشيته لله
قال : ما بلغنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة؛ قال عطاء الخفاف: ما لقيت سفيان الثورى إلا باكيا فقلت: ما شأنك؟ قال: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا قال ابن وهب: رأيت الثوري في المسجد الحرام بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودى لصلاة العشاء. قال على ابن فضيل: رأيت سفيان الثوري ساجدا حول البيت فطفت سبعة أشواط قبل أن يرفع رأسه. قال يحيى القطان: ما رأيت رجلا أفضل من سفيان لولا الحديث كان يصلى ما بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فإذا سمع مذاكرة الحديث ترك الصلاة وجاء.
ثناء العلماء عليه
قال شعبة و ابن عيينة وأبوعاصم ويحيى بن معين وغيرهم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان قال ابن عيينة: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.
درر من أقواله
قال شعيب بن حرب: قلت لسفيان الثوري حدّث بحديث في السنة ينفعني الله به فإذا وقفت بين يديه وسألني عنه قلت يا رب حدثني بهذا سفيان فأنجو أنا وتؤخذ. فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدى وإليه يعود ومن قال غير هذا فهو كافر والإيمان قول وعمل ونية ويزيد وينقص وتقدمه الشيخين إلى أن قال يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين وحتى ترى أن إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر بها وحتى تؤمن بالقدر وحتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد ماض إلى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار أو عدل فقلت: يا أبا عبد الله الصلاة كلها قال لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين صلى خلف من أدركت وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة فإذا وقفت بين يدى الله فقل يا رب حدثني بهذا سفيان بن سعيد ثم خل بيني وبين ربى عز وجل.
ومن أقواله أيضا:
ما أعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية.
لو هم رجل أن يكذب في الحديث وهو في جوف بيته لأظهر الله عليه.
البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منه.
طلبت العلم ولم يكن لي نية ثم رزقني الله النية.
استوصوا بأهل السنة خيرا فانهم غرباء.
الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل.
الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض.
قيل له: إلى متى تطلب الحديث قال: وأى خير أنا فيه خير من الحديث فأصير اليهان الحديث خير علوم الدنيا.
المال داء هذه الأمة والعالم طبيب هذه الأمة فإذا جر العالم الداء إلى نفسه فمتى يبرىء الناس.

محنته
عن عطاء بن مسلم قال: لما استخلف المهدى بعث إلى سفيان فلما دخل خلع خاتمه ورمى به إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة فأخذ الخاتم بيده وقال: تأذن في الكلام يا أمير المؤمنين؟ وقال عبيد: قلت لعطاء: يا أبا مخلد، قال له يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم قال: أتكلم على أنى آمن؟ قال: نعم قال: لا تبعث إلى حتى آتيك ولا تعطني شيئا حتى أسألك قال: فغضب من ذلك وهم به فقال له كاتبه أليس قد أمنته يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى فلما خرج حف به أصحابه فقالوا ما منعك يا أبا عبد الله وقد أمرك أن تعمل بالكتاب والسنة؟ فاستصغر عقولهم ثم خرج هاربا إلى البصرة. قال ابن سعد: وطلب سفيان فخرج إلى مكة فكتب المهدى أمير المؤمنين إلى محمد بن إبراهيم وهو على مكة يطلبه فبعث محمد إلى سفيان فاعلمه ذلك وقال: أن كنت تريد إتيان القوم فاظهر حتى أبعث بك إليهم وان كنت لا تريد ذلك فتوار، قال: فتوارى سفيان فطلبه محمد بن إبراهيم وأمر مناديا فنادى بمكة: من جاء بسفيان فله كذا وكذا فلم يزل متواريا بمكة لا يظهر إلا لأهل العلم ومن لا يخافه قالوا: فلما خاف سفيان بمكة من الطلب خرج إلى البصرة فقدمها فنزل قرب منزل يحي بن سعيد القطان فقال لبعض أهل الدار أما قربك أحد من أصحاب الحديث؟ قالوا: بلى يحي بن سعيد قال: جئنى به فأتاه به فقال: أنا هنا منذ ستة أيام أو سبعة فحوله يحي إلى جواره وفتح بينه وبينه بابا وكان يأتيه بمحدثى أهل البصرة فيسلمون عليه ويسمعون منه وكان فيمن أتاه جرير بن حازم والمبارك بن فضالة وحماد بن سلمة ومرحوم العطار وحماد بن زيد وغيرهم وأتاه عبد الرحمن بن مهدى ولازمه فكان يحي وعبد الرحمن يكتبون عنه تلك الأيام. ولما تخوف سفيان أن يشهر مقامه بالبصرة قرب يحي بن سعيد قال له: حولنى من هذا الموضع فحوله إلى منزل الهيثم بن منصور الأعرجى من بنى سعيد بن زيد مناة بنى تميم فلم يزل فيه فكلمه حماد بن زيد في تنحيه عن السلطان وقال: هذا فعل أهل البدع وما تخاف منهم فأجمع سفيان وحماد على أن يقدما بغداد.
وفاته
قال ابن المدينى: أقام سفيان في اختفاؤه نحو سنة وقال ابن المهدى: مرض سفيان بالبطن فتوضأ تلك الليلة ستين مرة حتى إذا عاين الأمر نزل عن فراشه فوضع خده بالأرض وقال: يا عبد الرحمن ما أشد الموت ولما غمضته وجاء الناس في جوف الليل وعلموا وقيل: اخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة فشهده الخلق وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفى بوصية من سفيان لصلاحه وكان موته في شعبان سنة احدى وستين ومائة.
• قال أبو أسامة: لقيت يزيد بن إبراهيم صبيحة الليلة التى مات فيها سفيان فقال لى: قيل لى الليلة في منامي:مات أمير المؤمنين، فقلت للذى يقول في المنام: مات سفيان الثورى؟ قال: نعم.
• قال يوسف بن أسباط: رأيت الثوري في النوم فقلت: أى الأعمال وجدت أفضل؟ قال: القرآن، فقلت: الحديث، فحول وجهه.
• قال مصعب بن المقدام: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم آخذا بيد سفيان الثوري وهو يجزيه خيرا.
• قال أبو سعيد الأشج: حدثنا إبراهيم بن أعين قال: رأيت سفيان بن سعيد فقلت: ما صنعت؟ قال: أنا مع السفرة الكرام البررة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:54 AM
القاضى أبو يوسف

هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة ، أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجَير بن معاوية الأنصاري الكوفي . وسعد بن بجير له صحبة ، وهو سعد ابن حبْتَة ، وهي أمه ، وهو بجلي من حلفاء الأنصار ، شهد الخندق وغيرها . مولد أبي يوسف في سنة ثلاث عشرة ومائة .

حدث عن : هشام بن عروة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبي إسحاق الشيباني ، وعبيد الله بن عمر ، والأعمش ، وحجاج بن أرطاة ، وأبي حنيفه ، ولزمه وتفقه به ، وهو أنبل تلامذته ، وأعلمهم ، تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ، ومعلى بن منصور ، وهلال الرأي ، وابن سماعة ، وعدة .

وحدث عنه : يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن الجعد ، وأسد بن الفرات ، وأحمد بن منيع ، وعلى بن مسلم الطوسي ، وعمرو بن أبي عمرو الحراني ، وعمرو الناقد ، وعدد كثير . وكان أبوه فقيرا ، له حانوت ضعيف ، فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف . بالدراهم ، مائة بعد مائة .

فروى علي بن حرملة التيمي عنه ، قال : كنت أطلب العلم وأنا مقل ، فجاء أبي فقال : يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة ، فأنت محتاج ، فآثرت طاعة أبي ، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم ، وقال : الزم الحلقة ، فإذا نفذت هذه ، فأعلمني . ثم بعد أيام أعطاني مائة . ويقال : إنه رُبِّي يتيما ، فأسلمته أمه قصارا .

وعن محمد بن الحسن قال : مرض أبو يوسف ، فعاده أبو حنيفة ، فلما خرج ، قال : إن يمت هذا الفتى ، فهو أعلم مَنْ عليها . قال أحمد بن حنبل : أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد . قال إبراهيم بن أبي داود البرلسي : سمعت ابن معين يقول : ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ، ولا أحفظ ، ولا أصح رواية من أبي يوسف.

وروى عباس ، عن ابن معين : أبو يوسف صاحب حديث ، صاحب سنّة .

وعن يحيى البرمكي قال : قدم أبو يوسف ، وأقل ما فيه الفقه ، وقد ملأ بفقهه الخافقين . قال أحمد : كان أبو يوسف منصفا في الحديث . وعن أبي يوسف قال : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة . وعن هلال الرأي قال : كان أبو يوسف يحفظ التفسير ، ويحفظ المغازي ، وأيام العرب ، كان أحد علومه الفقه .

وعن ابن سماعة قال : كان ورد أبي يوسف في اليوم مائتي ركعة .

قال ابن المديني : ما أُخِذ على أبي يوسف إلا حديثه في الحجر ، وكان صدوقا .

قال يحيى بن يحيى التميمي : سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول : كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة ، وفي لفظ : إلا ما في القرآن ، واجتمع عليه المسلمون .

قال بشر بن الوليد : سمعت أبا يوسف : من طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن طلب الدين بالكلام تزندق ، ومن تتبع غريب الحديث كذب . قال ابن عدي : لا بأس به . وقال النسائى في طبقات الحنفية : وأبو يوسف ثقة . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه .

بكار بن قتيبة : سمعت أبا الوليد قال : لما قدم أبو يوسف البصرة مع الرشيد ، اجتمع الفقهاء والمحدثون على بابه ، فأشرف عليهم وقال : أنا من الفريقين جميعا ، ولا أقدم فرقة على فرقة . قال : وكان قاضي الآفاق ، ووزير الرشيد ، وزميله في حجه .

محمد بن شجاع : حدثنا الحسن بن أبي مالك ، سمعت أبا يوسف يقول : لا نصلي خلف من قال : القرآن مخلوق ، ولا يفلح من استحلى شيئا من الكلام .

قلت : بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه ، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله .

قال محمد بن سعدان : حدثنا أبو سليمان الجوزجاني ، سمعت أبا يوسف يقول : دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما ، فقال : هل رأيت أحسن منهما ؟ قلت : نعم ، يا أمير المؤمنين . قال : وما هو ؟ قلت : الوعاء الذي هما فيه . فرمى بهما إليّ ، وقال : شأنك بهما .

قال بشر بن الوليد : توفي أبو يوسف يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة .

وقال غيره : مات في غرة ربيع الآخر ، وعاش تسعا وستين سنة . وقد أفردت له ترجمة في كراس .

وما أنبل قوله الذي رواه جماعة عن بشر بن الوليد ، سمعت أبا يوسف يقول : العلم بالخصومة والكلام جهل . والجهل بالخصومة والكلام علم .

قلت : مثاله شُبَهٌ وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام ، تورد في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها ، فيكفِّر هذا هذا ، وينشأ الاعتزال والتجهم والتجسيم ، وكل بلاء . نسأل الله العافية .

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:57 AM
محمد بن الحسن الشيباني

محمد بن الحسن ابن فرقد ، العلامة ، فقيه العراق أبو عبد الله الشيباني ، الكوفي ، صاحب أبي حنيفة . ولد بواسط 132 هـ.، ونشأ بالكوفة .

وأخذ عن أبي حنيفة بعض الفقه ، وتمم الفقه على القاضي أبي يوسف .

وروى عن : أبي حنيفة ، ومسعر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس .
شيوخه:
أبو حنيفة النعمان بن ثابت.
مسعر بن كدام.
سفيان الثوري.
عمر بن ذر.
مالك بن مغول.
مالك بن أنس.
أبو عمرو الأوزاعي.
زمعة بن صالح.
بكير بن عامر.
أبو يوسف القاضي.
تلاميذه:
محمد بن إدريس الشافعي.
أبو سليمان الجُوزجَاني.
هشام بن عبيد الله الرازي.
أبو عبيد القاسم بن سلام.
إسماعيل بن توبة.
علي بن مسلم الطوسي.
أخذ عنه : الشافعي فأكثر جدا ، وأبو عبيد ، وهشام بن عبيد الله ، وأحمد بن حفص فقيه بخاري ، وعمرو بن أبي عمرو الحراني ، وعلي بن مسلم الطوسي ، وآخرون .

وقد سقت أخباره في جزء مفرد .

قال ابن سعد : أصله جزري ، سكن أبوه الشام ، ثم ولد له محمد سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، غلب عليه الرأي ، وسكن بغداد .

قلت : ولي القضاة للرشيد بعد القاضي أبي يوسف ، وكان مع تبحره في الفقه يضرب بذكائه المثل .

كان الشافعي يقول : كتبت عنه وقْر بُخْتِيٍّ وما ناظرت سمينا أذكى منه ، ولو أشاء أن أقول : نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن ، لقلت لفصاحته .

وقال الشافعي : قال محمد بن الحسن : أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا ، وسمعت من لفظه سبع مائة حديث .

وقال ابن معين : كتبت عنه "الجامع الصغير".

قال إبراهيم الحربي : قلت للإمام أحمد : من أين لك هذه المسائل الدقاق ؟ قال : من كتب محمد بن الحسن .

قيل : إن محمدا لما احتضر ، قيل له : أتبكي مع العلم ؟ قال : أرأيت إن أوقفني الله ، وقال : يا محمد ، ما أقدمك الري ؟ الجهاد في سبيلي ، أم ابتغاء مرضاتي ؟ ماذا أقول ؟

قلت : توفي إلى رحمة الله سنة تسع وثمانين ومائة بالري .
مات محمد بن الحسن والكسائي في يوم واحد، فقال الرشيد: اليوم دفنت اللغة والفقه

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:58 AM
ابنُ حزم الظاهرى


نسبه وقبيلته:
هُوَالإِمَامُ الأَوْحَدُ، البَحْرُ، ذُو الفُنُوْنِ وَالمعَارِفِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ الفَارِسِيُّ الأَصْلِ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ اليَزِيْدِيُّ مَوْلَى الأَمِيْر يَزِيْدَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيِّ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-المَعْرُوف بيَزِيْد الخَيْر، نَائِب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَر عَلَى دِمَشْقَ، الفَقِيْهُ الحَافِظُ، المُتَكَلِّمُ، الأَدِيْبُ، الوَزِيْرُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فَكَانَ جَدُّهُ يَزِيْد مَوْلَى لِلأَمِيْر يَزِيْد أَخِي مُعَاوِيَة.
وَكَانَ جَدُّهُ خَلَفُ بنُ مَعْدَانَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الأَنْدَلُس فِي صحَابَة ملك الأَنْدَلُس عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ؛المَعْرُوف بِالدَّاخل.
مولده:
وَلد أَبُو مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ 384 هـ، 994 م
البلد التي ولد فيها:
قُرْطُبَة
البلد التي عاش فيها:
الأندلس
طفولته وتربيته:
نشَأَ فِي تَنَعُّمٍ وَرفَاهيَّة، وَرُزِقَ ذكَاء مُفرطاً، وَذِهْناً سَيَّالاً، وَكُتُباً نَفِيْسَةً كَثِيْرَةً، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ كُبَرَاء أَهْل قُرْطُبَة؛ عَمل الوزَارَةَ فِي الدَّوْلَة العَامِرِيَّة، وَكَذَلِكَ وَزَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي شَبِيْبته، وَكَانَ قَدْ مَهر أَوَّلاً فِي الأَدب وَالأَخْبَار وَالشّعر، وَفِي المنطق وَأَجزَاءِ الفلسفَة، فَأَثَّرت فِيْهِ تَأْثيراً لَيْتَهُ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَقَدْ وَقفتُ لَهُ عَلَى تَأَلِيف يَحضُّ فِيْهِ عَلَى الاعتنَاء بِالمنطق، وَيُقَدِّمه عَلَى العلُوْم، فَتَأَلَّمت لَهُ، فَإِنَّهُ رَأْسٌ فِي علُوْم الإِسْلاَم، مُتَبَحِّر فِي النقل، عَديمُ النّظير عَلَى يُبْسٍ فِيْهِ، وَفَرْطِ ظَاهِرِيَّة فِي الفروع لاَ الأُصُوْل.
قِيْلَ: إِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لِلشَافعِيّ، ثُمَّ أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى القَوْل بنفِي القيَاس كُلّه جَلِيِّه وَخَفِيِّه، وَالأَخْذ بِظَاهِرِ النَّصّ وَعمومِ الكِتَاب وَالحَدِيْث، وَالقَوْلِ بِالبَرَاءة الأَصْليَّة، وَاسْتصحَاب الحَال، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كتباً كَثِيْرَة، وَنَاظر عَلَيْهِ، وَبسط لِسَانَه وَقلمَه، وَلَمْ يَتَأَدَّب مَعَ الأَئِمَّة فِي الخَطَّاب، بَلْ فَجَّج العبَارَة، وَسبَّ وَجَدَّع، فَكَانَ جزَاؤُه مِنْ جِنس فِعله، بِحَيْثُ إِنَّهُ أَعرض عَنْ تَصَانِيْفه جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَهجروهَا، وَنفرُوا مِنْهَا، وَأُحرقت فِي وَقت، وَاعْتَنَى بِهَا آخرُوْنَ مِنَ العُلَمَاءِ، وَفَتَّشوهَا انتقَاداً وَاسْتفَادَة، وَأَخذاً وَمُؤَاخذَة، وَرَأَوا فِيْهَا الدُّرَّ الثّمِينَ ممزوجاً فِي الرَّصْفِ بِالخَرَزِ المَهين، فَتَارَةٌ يَطربُوْنَ، وَمرَّةً يُعجبُوْنَ، وَمِنْ تَفَرُّدِهِ يهزؤُون.
وَفِي الجُمْلَةِ فَالكَمَالُ عزِيز، وَكُلُّ أَحَد يُؤْخَذ مِنْ قَوْله وَيُتْرَك، إِلاَّ رَسُوْل اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ويشير الكثيرون ممن ترجم للشيخ رحمه الله أو درس تاريخه ونشأته أن الشيخ نشأ بين مجموعة من النساء ومن ثَم كان له من الصفات كذا وكذا... والواقع أن الشيخ رحمه الله قد هيّأ له الله نساءً فُضْلَياتٍ قمن على تربيته وتعليمه ونلحظ ذلك من كونه حفظ القرآن على أيديهن، إضافة إلى ذلك كان والد الشيخ من العلماء الكبار المشهود لهم بالخير وسعة العلم وحسن الخلق....
أهم ملامح شخصيته:
موسوعيٌ في علمه:
من المعروف أن أبا محمد بن حزم كان موسوعي الثقافة، متعدد جوانب المعرفة، فهو الفقيه والأصولي النحرير، وهو المحدث المدقق، وهو اللغوي وهو الشاعر المجيد وهو المؤرخ، وهو الأمين، وهو التربوي والمربي والدارس لأغوار النفس والمدرك لحقيقتها بحسب الطاقة البشرية....
كان ابن حزم - رحمه الله - مفسرًا محدثًا فقيهًا مؤرخًا شاعرًا مربيًا عالمًا بالأديان والمذاهب...

ويزداد هذا الأمر وضوحًا بإطلاعنا على هذا الكم الهائل من المؤلفات في شتى الميادين العلمية...
كريم الأخلاق والشمائل:
ذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله أن الإمام ابن حزم كان يتصف بالصفات التالية:











شيوخه:
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَع مائَة وَبعدهَا مِنْ طَائِفَة مِنْهُم:يَحْيَى بن مَسْعُوْدِ بنِ وَجه الجَنَّة؛صَاحِبِ قَاسِم بن أَصْبَغ، فَهُوَ أَعْلَى شَيْخ عِنْدَهُ، وَمِنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الجَسور، وَيُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْث القَاضِي، وَحُمَامِ بن أَحْمَدَ القَاضِي، وَمُحَمَّدِ بن سَعِيْدِ بنِ نبَات، وَعَبْدِ اللهِ بن رَبِيْع التَّمِيْمِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الطَّلَمَنْكِي، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ بنِ نَامِي، وَأَحْمَد بن قَاسِم بن مُحَمَّدِ بنِ قَاسِم بن أَصْبَغ.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِي عَنْ:أَبِي عُمَرَ بن عبدِ البرِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ أَنَس العُذْرِيّ.
وَأَجْوَد مَا عِنْدَهُ مِنَ الكُتُب(سُنَن النَّسَائِيّ)يَحمله عَنِ ابْنِ رَبيع، عَنِ ابْنِ الأَحْمَر، عَنْهُ.
وَأَنْزَل مَا عِنْدَهُ(صَحِيْحُ مُسْلِم)، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ رِجَال، وَأَعْلَى مَا رَأَيْتُ لَهُ حَدِيْثٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَكِيْع فِي ثَلاَثَةُ أَنْفُس.
تلاميذه:
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُهُ أَبُو رَافِعٍ الفَضْل، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ، وَوَالِد القَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي، وَطَائِفَة.
وَآخر مَنْ رَوَى عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ بِالإِجَازَة أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّد...
مؤلفاته:
لابْنِ حَزْم مُصَنّفَات جَلِيْلَة:
أَكْبَرُهَا الإِيصَال إِلَى فَهم كِتَاب الخِصَال ويقع في خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف وَرقَة، والخِصَال الحَافِظ لجمل شرَائِع الإِسْلاَم مُجَلَّدَان والمُجَلَّى فِي الفِقْه مُجَلَّد والمُحَلَّى فِي شرح المُجَلَّى بِالحجج وَالآثَار ويقع في ثَمَانِي مُجَلَّدَات حَجَّة الوَدَاعِ مائَة وَعِشْرُوْنَ وَرقَة وقسمَة الخَمْس فِي الرَّدِّ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي مُجَلَّد والآثَار الَّتِي ظَاهِرهَا التعَارض وَنفِي التنَاقض عَنْهَا يَكُوْن عَشْرَة آلاَف وَرقَة، لَكِن لَمْ يُتِمَّه والجَامِع فِي صَحِيْح الحَدِيْث بِلاَ أَسَانِيْد والتَّلخيص وَالتَّخليص فِي المَسَائِل النّظرِيَّة
مَا انفرد بِهِ مَالِك وَأَبُو حنِيفَة وَالشَّافِعِيّ ومُخْتَصَر الموضح لأَبِي الحَسَن بن المغلس الظَّاهِرِي، مجلد واخْتِلاَف الفُقَهَاء الخَمْسَة مَالِك، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَدَاوُد والتَّصفح فِي الفِقْه مُجَلَّد والتَّبيين فِي هَلْ عَلِمَ المُصْطَفَى أَعيَان المُنَافِقين ويقع ثَلاَثَة كَرَارِيْس والإِملاَء فِي شرح المُوَطَّأ أَلف وَرقَة والإِملاَء فِي قوَاعد الفِقْه أَلف وَرقَة أَيْضاً ودر القوَاعد فِي فَقه الظَّاهِرِيَّة أَلف وَرقَة أَيْضاً
الإِجْمَاع مُجيليد والفَرَائِض مُجَلَّد والرِّسَالَة البلقَاء فِي الرَّدِّ عَلَى عبد الحَقّ بن مُحَمَّدٍ الصَّقَلِي مُجيليد والإِحكَام لأُصُوْل الأَحكَام مُجَلَّدَان والفِصَل فِي الملل وَالنِّحل مُجَلَّدَان كَبِيْرَان والرَّدّ عَلَى مَنِ اعترض عَلَى الفَصْل لَهُ، مُجَلَّد واليَقين فِي نَقض تَمويه المعتذرِيْنَ عَنْ إِبليس وَسَائِر المُشْرِكِيْنَ مُجَلَّد كَبِيْر والرَّدّ عَلَى ابْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِيّ مائَة وَرقَة والتَّرشيد فِي الرَّدّ عَلَى كِتَابِ الفرِيْد لابْنِ الرَّاوندي فِي اعترَاضه عَلَى النّبوَات مُجَلَّد والرَّدّ عَلَى مَنْ كفر المتَأَوِّلين مِنَ المُسْلِمِيْنَ مُجَلَّد
مُخْتَصَر فِي علل الحَدِيْث مُجَلَّد والتَّقَرِيْب لَحْد المنطق بِالأَلْفَاظ العَامِيَّة مُجَلَّد
الاسْتجلاَب مُجَلَّد، كِتَاب نَسَب البَرْبَر مُجَلَّد ونَقْطُ العروس مُجيليد، وَغَيْر ذَلِكَ.....
وَمِمَّا لَهُ فِي جزء أَوْ كُرَّاس:
مُرَاقبَة أَحْوَال الإِمَام ومِنْ ترك الصَّلاَة عمدًا ورِسَالَة المُعَارَضَة وقصر الصَّلاَة ورِسَالَة التَأكيد ومَا وَقَعَ بَيْنَ الظَّاهِرِيَّة وَأَصْحَاب القيَاس وفَضَائِل الأَنْدَلُس والعتَاب عَلَى أَبِي مَرْوَانَ الخَوْلاَنِيّ ورِسَالَة فِي مَعْنَى الفِقْه وَالزُّهْد ومَرَاتِب العُلَمَاء وَتوَالِيفهُم والتلخيص فِي أَعْمَال العبَاد والإِظهَار لمَا شُنِّعَ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِيَّة
زجر الغَاوِي جُزآن و النّبذ الكَافِيَة والنّكت الموجزَة فِي نَفِي الرَّأْي وَالقيَاس وَالتَّعليل وَالتَّقليد مُجَلَّد صَغِيْر والرِّسَالَة اللاَزمَة لأَولِي الأَمْر ومُخْتَصَر الملل وَالنِّحل مُجَلَّد والدّرَة فِي مَا يَلزم المُسْلِم جُزآن ومَسْأَلَة فِي الرُّوح والرَّدّ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ اليَهودي، الَّذِي أَلَّف فِي تَنَاقض آيَات والنَّصَائِح المنجيَة والرِّسَالَة الصُّمَادحية فِي الوعد وَالوعيد ومَسْأَلَة الإِيْمَان ومَرَاتِب العلُوْم وبيَان غلط عُثْمَان بن سَعِيْدٍ الأَعْوَر فِي المُسْنَد وَالمُرسل وتَرْتِيْب سُؤَالاَت عُثْمَان الدَّارِمِيّ لابْنِ مَعِيْنٍ
عدد مَا لِكُلِّ صَاحِب فِي مُسند بَقِيّ، وتسمِيَة شُيُوْخ مَالِك والسِّير وَالأَخلاَق جُزآن وبيَان الفَصَاحَة وَالبلاغَة ورِسَالَة فِي ذَلِكَ إِلَى ابْنِ حَفْصُوْنَ ومَسْأَلَة هَلِ السَّوَاد لُوْنٌ أَوْ لاَ والحدّ وَالرَّسم وتسمِيَة الشُّعَرَاء الوَافدين عَلَى ابْنِ أَبِي عَامِرٍ وشَيْء فِي العروض ومُؤَلّف فِي الظَّاء وَالضَاد والتَّعقب عَلَى الأَفليلِي فِي شرحه لديوَان المتنبِّي وغَزَوَات المَنْصُوْر بن أَبِي عَامِرٍ وتَألِيف فِي الرَّدِّ عَلَى أَنَاجيل النَّصَارَى.
مؤلفاته في الطب:
وَلابْنِ حَزْم: رِسَالَة فِي الطِّبّ النّبوِي وَذَكَرَ فِيْهَا أَسْمَاء كتب لَهُ فِي الطِّبّ مِنْهَا مَقَالَة العَادَة، وَ مَقَالَة فِي شفَاء الضِّدّ بِالضِّدّ وَ شَرْح فَصول بقرَاط
وَكِتَاب بلغَة الحَكِيْم وَكِتَاب حدّ الطِّبّ وَكِتَاب اخْتصَار كَلاَم جَالينوس فِي الأَمرَاض الحَادَّة وَكِتَاب فِي الأَدويَة المفردَة وَ مَقَالَة فِي المحَاكمَة بَيْنَ التَّمْر وَالزَّبِيْب
وَ مَقَالَة فِي النَّخْل وَأَشيَاء سِوَى ذَلِكَ....
منهجه في البحث:
بدأ ابن حزم طلبه للعلم باستحفاظ القرآن الكريم، ثم رواية الحديث، وعلم اللسان، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه، فدرسه على مذهب الإمام مالك؛ لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حرًا، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهب.
ولذلك انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي، فأعجبه تمسكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصًا أو حملاً على النص، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان.
ولكنه لم يلبث إلا قليلاً في الالتزام بالمذهب الشافعي، فتركه لما وجد أن الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس وكل وجوه الرأي أيضًا.
ثم بدا له أن يكون له منهج خاص وفقه مستقل، فاتجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدد في ذلك، حتى أنه كان أشد من إمام المذهب الأول داود الأصفهاني.
ثناء العلماء عليه:
لقد قيّض الله لمحاسن الرجال من ينشرها بين الناس، وهذا دأب أهل الثناء، كما قيّض للمساويء والمثالب من ينبش عنها ويخرجها للناس، وهذا دأب أهل الثلب والبغضاء، ولقد كان ابن حزم أهلًا لثناء العلماء ومدحهم، فقد عرفت من شمائله وعلو همته بل وحتى مشاركاته السياسية، ما دعا أهل التراجم إلى الثناء عليه...
قال الأمير أبو نصر ابن مأكولا: كان فاضلًا في الفقه حافظًا في الحديث، مصنّفًا فيه وله اختيار في الفقه على طريقة الحديث،، روى عن جماعة من الأندلسيين كثيرة، وله شعر ورسائل.
وقال الحميدي: كان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه، ومستبطًا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننًا في علوم جمة، عاملًا بعلمهن زاهدًا في الدنيا بعد الرياسة، التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعًا ذا فضائل جمّة، وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به في العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمستندات شيئًَا كثيرًا وسمع سماعًا جمًّا.
وقال الحافظ الذهبي: ابن حزم الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف...
وقال عنه أيضًا: الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزير الظاهري صاحب التصانيف... وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدّة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنّة والمذاهب والملل والنّحل والعربية والآداب والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة الحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب.
وفاته:
1 - قوة الحافظة. 2 - البديهة الحاضرة. 3 - عمق التفكير والغوص في الحقائق. 4 - الصبر. 5 - الجلد. 6 - المثابرة. 7 - الإخلاص. 8 - الصراحة في الحق. 10 - الاعتزاز بالنفس من غير عجب ولا خيلاء. 11 - ووصف أيضًا بالحدة - رحمه الله تعالى -. 456 هـ، 1064م عن إحدى وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.

سمير الجابرى
02-06-2010, 01:59 AM
الإمام الشعبي

نسبه وقبيلته:
هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار - وذو كبار: قيل من أقيال اليمن - الإمام، علامة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم الشَّعْبِيُّ، ويقال: هو عامر بن عبد الله، وكانت أمّه من سبي جلولاء.
وكان الشَّعْبِيُّ ضئيلاً نحيفاً، فقيل له يوماً: إنا نراك ضئيلاً، فقال: زُوحمت في الرحم، وكان أحد توأمين...
أما قبيلته: فمن كان منهم بالكوفة قيل: شعبي.
ومن كان بمصر قيل: الاشعوبي.
ومن كان باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين، ومن كان بالشام قيل: الشعباني. قاله الذهبي.
مولده:
16 هـ، 637 م، وقيل سنة عشرين للهجرة، وقيل إحدى وثلاثين...، وقال خليفة بن خياط: ولد الشَّعْبِيُّ والحسن البصري في سنة إحدى وعشرين، وقال الأصمعي: في سنة سبع عشرة...


البلد التي ولد فيها:
الكوفة
البلد التي عاش فيها:
كان يسكن الكوفة، ولكنه تنقل بين الأقطار لطلب العلم.
أهم ملامح شخصيته:
سعة علمه وفقهه:
قال ابن شبرمة: سمعته - أي الشَّعْبِيّ - يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي؛ وقال: ما أروي شيئاً أقل من الشعر ولو شئت لأمليتكم شهراً لا أعيد، وقال أبو أسامة: كان عمر في زمانه، وكان بعده ابن عباس، وكان بعده الشَّعْبِيُّ، وكان بعده الثوري؛ ثم قال الصفدي: وعلى الجملة فكان متسع العلم...
شيوخه:

أدرك الشعبي أكابر الصحابة وأعلامهم رضي الله تعالى عنهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وابن عباس، وابن عمر، وأسامة بن زيد، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجرير بن عبد الله البجلي، وجابر بن سمرة، وعدي بن حاتم، وعروة بن مضرس، وجابر بن عبد الله، والنعمان بن بشير، والبراء بن عازب، وعقبة بن عمرو، وزيد ابن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وكعب بن عجرة، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن حصين، وعبد الرحمن بن سمرة، فيما لا يحصون.
ومن النساء: عائشة، وأم سلمة، وميمونة، أمهات المؤمنين، وأم هاني، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت قيس.
قال الشَّعْبِيُّ: أدركت خمسمائة من الصحابة أو أكثر...

وروى عن مسروق، وعلقمة، والأسود، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن طلحة، وعمر بن علي بن أبي طالب، وسالم بن عبد الله بن مسعود، وأبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود، وأبي بردة بن أبي موسى.
تلامذته:
روى عنه الحكم، وحماد، وأبو إسحاق، وداود بن أبي هند، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الاحول، ومكحول الشامي، ومنصور بن عبدالرحمن الغداني، وعطاء بن السائب، ومغيرة بن مقسم، ومحمد بن سوقة، ومجالد، ويونس بن أبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وعيسى بن أبي عيسى الحناط، وعبد الله بن عياش المنتوف، وأبو بكر الهذلي، وأمم سواهم....
مؤلفاته:
صنف الكفاية في العبادة والطاعة... قاله صاحب (هدية العارفين)
ثناء العلماء عليه:
قال عنه ابن حجر: ثقة مشهود فقيه فاضل.
وقال مكحول: ما رأيت أفقه منه.
وقال عنه أبو نعيم في الحلية: الفقيه القوي، سالك السمت المرضي، بالعلم الواضح المضي، والحال الزاكي الوضي... كان بالأوامر مكتفياً، وعن الزواجر منتهياً، تاركاً لتكلف الأثقال، معتنقاً لتحمل الواجب من الأفعال.
روى أبو بكر بن عياش عن أبي حصين، قال: ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشَّعْبِيّ، قلت: ولا شريح؟ فغضب وقال: إن شريحا لم أنظر أمره.
وعن أبي مجلز، قال: ما رأيت أحدا أفقه من الشَّعْبِيّ، لا سعيد بن المسيب، ولا طاووس، ولاعطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين، فقد رأيت كلهم.
وقال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيب بالمدينة، والشَّعْبِيُّ بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام.
وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان: ويقال إنه - أي الشَّعْبِيّ أدرك خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عاصم بن سليمان، قال: ما رأيت أحداً كان أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي.
مواقف من حياته:
حكى الشَّعْبِيُّ قال: أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسأل عني شيء إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل الإقامة عنده، فحبسني أياماً كثيرة حتى استحثثت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي: أمن أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فدُفعت إلي رقعة، وقال لي: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك فأوصل إليه هذه الرقعة، قال: فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك وأُنسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج تذكرتها، فرجعت وأوصلتها إليه، فلما قرأها قال: أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟ قلت: نعم، وخبرته بسؤالي وجوابي، ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغت الباب رددت، فلما مثلت بين يديه قال: أتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا، قال: اقرأها، فقرأته، وإذا فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت هذا ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك. قال: أفتدري لم كتبها؟ قلت: لا، قال: حسدني عليك وأراد أن يغريني بقتلك؛ قال: فتأدى ذلك إلى ملك الروم فقال: ما أردت إلا ما قال.
ويقال إن الحجاج سأله يوماً فقال له: كم عطاءك في السنة؟ فقال: ألفين، فقال: ويحك كم عطاؤك؟ فقال: ألفان، فقال: كيف لحنت أولاً؟ قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما يلحن الأمير فأعرب، فاستحسن منه ذلك وأجازه. وكان الشَّعْبِيُّ مزّاحاً، دخل عليه رجل ومعه امرأة في البيت فقال: أيكما الشَّعْبِيُّ؟ فقال: هذه، وأومأ إلى المرأة.

وقال رجل للشعبي كلاماً أقذع فيه فقال له: ان كنت صادقاً غفر الله لي وإن كنت كاذباً غفر الله لك وقال رجل للشعبي كلاماً أقذع فيه فقال له: إن كنت صادقاً غفر الله لي وإن كنت كاذباً غفر الله لك.
وكلم الشَّعْبِيُّ عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين في قوم حبسهم ليطلقهم فأبى، فقال له: أيها الأمير، إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم، وإن حبستهم بالحق فالعفو يسعهم، فأطلقهم.
من كلماته الخالدة:
- ما ترك أحد في الدنيا شيئاً لله إلا أعطاه الله في الآخرة ما هو خير له.

- تعايش الناس بالدين زمناً طويلاً حتى ذهب الدين، ثم تعايش الناس بالمروءة زمناً طويلاً حتى ذهبت المروءة، ثم تعايش الناس بالحياء زمناً طويلاً حتى ذهب الحياء، ثم تعايش الناس بالرغبة والرهبة، وأظن أنه سيأتي بعد هذا ما هو أشد منه.

- كانت العرب تقول إذا كانت محاسن الرجل تغلب مساوئه: ذلكم الرجل الكامل، وإذا كانا متقاربين ذلكم المتماسك، وإذا كانت المساوئ أكثر من المحاسن فذلكم المتهتك.
- ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها.
- لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن، فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره رأيت أن سفره لم يضع.

- من زوج كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها.
وفاته:
عاش الشَّعْبِيُّ 87 سنة وكانت وفاته فجأة بالكوفة وذلك سنة 103 هـ، 721 م، وقيل: 104، وقيل: 106...
ولمّا علم الحسن البصري بوفاة الشَّعْبِيِّ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن كان لقديم السن، كثير العلم، وأنه لمن الإسلام بمكان.
رحمه الله رحمة واسعة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:01 AM
ابن أبي ليلى
ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى العلامة الإمام مفتي الكوفة وقاضيها أبو عبد الرحمن الأنصاري الكوفي ولد سنة نيف وسبعين ومات أبوه وهذا صبي لم يأخذ عن أبيه شيئا بل أخذ عن أخيه عيسى عن أبيه وأخذ عن الشعبي ونافع العمري وعطاء ابن أبي رباح والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود والمنهال ابن عمرو وعمرو بن مرة وأبي الزبير المكي وعطية العوفي والحكم بن عتيبة وحميضة بن الشمردل وإسماعيل بن أمية وثابت بن عبيد وأجلح بن عبد الله وعبد الله بن عطاء ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة وداود بن علي الأمير وابن أخيه عبد الله بن عيسى وغيرهم حدث عنه شعبة وسفيان بن عيينة وزائدة والثوري وقيس بن الربيع وحمزة الزيات وقرأ عليه كان فيما يحفظ كتاب الله تلا على أخيه عيسى وعرض على الشعبي عن تلاوته على علقمة وتلا أيضا على المنهال عن سعيد بن جبير روى عنه أيضا أحوص بن جواب وعلي بن هاشم بن البريد ويحيى بن أبي زائدة وعمرو ابن أبي قيس الرازي وعقبة بن خالد وعبد الله بن داود الخريبي وعلي بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن ربيعة وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم ووكيع وعيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وخلق سواهم وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه قال أحمد كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى قال أحمد كان سيىء الحفظ مضطرب الحديث وكان فقهه أحب إلينا من حديثه وقال أيضا هو في عطاء أكثر خطأ وروى أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال ليس بذاك
أبو داود سمعت شعبة يقول ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى روح بن عبادة عن شعبة قال أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة وروى أبو إسحاق الجوزجاني عن أحمد بن يونس قال كان زائدة لا يروى عن ابن أبي ليلى كان قد ترك حديثه وروى أبو حاتم عن أحمد بن يونس قال ذكر زائدة ابن أبي ليلى فقال كان أفقه أهل الدنيا وروى ابن حميد عن جرير بن عبد الحميد رأيت ابن أبي ليلى يخضب بالسواد قال العجلي كان فقيها صاحب سنة صدوقا جائز الحديث وكان قارئا للقرآن عالما به قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول إنا تعلمنا جودة القراءة عند ابن أبي ليلى وكان من أحسب الناس ومن أنقط الناس للمصحف وأخطه بقلم وكان جميلا نبيلا وأول من استقضاه على الكوفة الأمير يوسف بن عمر الثقفي عامل بني أمية فكان يرزقه في كل شهر مئة درهم قال أبو زرعة هو صالح ليس بأقوى ما يكون وقال أبو حاتم محله الصدق وكان سيىء الحفظ شغل بالقضاء فساء حفظه لا يتهم إنما ينكر عليه كثرة الخطأ يكتب حديثه ولا يحتج به هو وحجاج بن ارطأة ما أقربهما وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني رديء الحفظ كثير الوهم وقال أبو أحمد الحاكم عامة أحاديثه مقلوبة ابن خراش حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان عن سعد بن الصلت قال كان ابن أبي ليلى لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ قلت هذا غلو وعكسه أولى وقال بشر بن الوليد سمعت القاضي أبا يوسف يقول ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أقول حقا بالله ولا أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى قلت فابن شبرمة قال ذاك رجل مكثار قال بشر وولي حفص بن غياث القضاء من غير مشورة أبي يوسف فاشتد عليه فقال لي ولحسن اللؤلؤي تتبعا قضاياه فتتبعنا قضاياه فلما نظر فيها قال هذا من قضاء ابن أبي ليلى ثم قال تتبعوا الشروط والسجلات ففعلنا فلما نظر فيها قال حفص ونظراؤه يعانون بقيام الليل
يحيى بن معين حدثنا أبو حفص الأبار عن ابن أبي ليلى قال دخلت على عطاء فجعل يسألني فكأن أصحابه أنكروا وقالوا تسأله قال وما تنكرون هو أعلم مني قال ابن أبي ليلى وكان عطاء عالما بالحج روى الخريبي عن سليمان بن سافري قال سألت منصورا من أفقه أهل الكوفة قال قاضيها ابن أبي ليلى وقال ابن حبان كان ابن أبي ليلى رديء الحفظ فاحش الخطأ فكثر في حديثه المناكير فاستحق الترك تركه أحمد ويحيى قلت لم نرهما تركاه بل لينا حديثه وقد قال حفص بن غياث من جلالة ابن أبي ليلى أنه قرأ القرآن على عشرة شيوخ وقال يحيى بن يعلى المحاربي طرح زائدة حديث ابن أبي ليلى وقال أحمد بن يونس كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا وقال عائذ بن حبيب سمعت ابن أبي ليلى يقول ما أقرع فيه رسول الله فهو حق وما لم يقرع فيه فهو قمار قال الخريبي سمعت الثوري يقول فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شبرمة أخبرنا محمد بن عبد السلام التيمي أنبأنا عبد المعز بن محمد البزار أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا عبد الرحمن بن علي أنبأنا يحيى بن إسماعيل الحربي أنبأنا مكي بن عبدان أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن رزين حدثنا حفص بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن الربيع بن عميلة عن أبي سريحة الغفاري قال قال رسول الله عشر آيات بين يدي الساعة خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدابة والدخان والدجال وابن مريم ويأجوج ومأجوج وريح تسفيهم تطرحهم في البحر وطلوع الشمس من مغربها هذا غريب وأصل الحديث في صحيح مسلم من رواية أبي الطفيل عن أبي سريحة أبو حفص الأبار عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال كان النبي إذا نزل عليه الوحي قلت نذير قوم أهلكوا أو صبحهم العذاب بكرة فإذا سري عنه فأطيب الناس نفسا وأطلقهم وجها وأكثرهم ضحكا أو قال تبسما هذا حديث منكر ابن حبان قال وروى ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد المازني قال كان أذان رسول الله شفعا شفعا وإقامته شفعا شفعا رواه حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عنه ثم قال ابن حبان وهذا خبر مرسل لا أصل لرفعه أحمد بن أبي ظبية حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا إذا ضحك الرجل في صلاته فعليه الوضوء والصلاة وإذا تبسم فلا شيء عليه قال البخاري وغيره مات ابن أبي ليلى في سنة ثمان وأربعين ومئة قلت مات في شهر رمضان أخبرنا عمر بن عبد المنعم أنبأنا أبو القاسم الحرستاني حضورا أنبأنا ابن المسلم أنبأنا ابن طلاب حدثنا ابن جميع أنبأنا الحسن بن عيسى الرقي بعرفة حدثنا يوسف بن بحر حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كان النبي يصلي تطوعا فسمعته يقول اللهم إني أعوذ بك من النار.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:02 AM
الحسن البصري
الحسن بن يسار يكنى بأبي سعيد ولد قبل سنتين من نهاية خلافه عمر بن الخطاب رضى الله عنه. ولد في المدينة عام واحد وعشرين من الهجرة،كانت أم الحسن منقطعة لخدمة أم سلمه ، فترسلها في حاجاتها فيبكي الحسن وهو طفل فتسكته أم سلمه بثديها، وبذلك فأنه رضع من أم سلمه ، وتربى في بيت النبوة. وكانت أم سلمه تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، ودعا له عمر بن الخطاب، فقال "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس". ولقد حفظ الحسن القرآن في العاشرة من عمره.
نشأته
نشأه الحسن في الحجاز بمكان يسمى وادي القرن، وحضر الجمعة مع عثمان بن عفان وسمعه يخطب، وشهد يوم استشهاده (يوم تسلل عليه القتلة الدار) وكان عمره أربع عشر سنة.
وفي سنه(37)هـ انتقل إلى البصرة، فكانت مرحلة التلقي والتعلم، حيث استمع إلى الصحابة الذين استقروا في البصرة لمده ست سنوات وفي السنة (43)هـ عمل كاتبا في غزوه لأمير خراسان الربيع بين زياد لمده عشر سنوات رجع من الغزو واستقر في البصرة حيث أصبح أشهر علماء عصره ومفتي البصرة حتى وفاته.
تلميذه واصل بن عطاء انفصل عن الحسن البصري وكون الحلقة الأولى للمذهب الاعتزالي.
صفاتة وشمائله
كان الحسن البصري رحمه الله مليح الصورة، بهيا، وكان عظيم الزند قال محمد بن سعد "كان الحسن فقيها، ثقة، حجة، مأمون، ناسكا، كثير العلم، فصيحا، وسيما". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان المهلب بن ابي صفرة يقدمهم إلى القتال، وأشترك الحسن في فتح كابور مع عبدالرحمن بن سمرة. قال أبو عمرو بن العلاء "ما رأيت أفصح من الحسن البصري". وقال الغزالي "وكان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم، هديا من الصحابة، وكان غاية الصحابة تتصبب الحكمة فيه.
كان الحسن كثير الحزن، عظيم الهيبة، قال أحد الصحابة "ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.
أما عن سبب حزنه فيقول الحسن رحمة الله "يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول حزنه". وكان الحسن البصري يصوم الأيام البيض، والشهر الحرم، والاثنين والخميس.
علمه



لقد كان الحسن أعلم أهل عصره، يقول قتادة "ما جمعت علمه إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فيها قط فضل الحسن".
وكان للحسن مجلسان للعلم: مجلس خاص بمنزله، ومجلس عام في المسجد يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها وكان تلاميذه كثر.
رأى الحسن عددا كبيرا من الصحابة وروى عنهم مثل النعمان بن البشير، وجابر بن عبد الله، وابن العباس، وأنس رضوان الله عليهم، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد العزيز بسيد التابعين حيث يقول "لقد وليت قضاء البصرة سيد التابعين". هل قلت السيدة عائشة رضى الله عنها قالت (عندما سمعتة يتكلم قالت من هذا الذى يتكلم بكلام الصديقين)
بئس الرفيقان، الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك
من أقوال حسن البصري

من مواقف الحسن البصري
عاش الحسن رحمه الله الشطر الأكبر من حياته في دولة بني أمية، وكان موقفه متحفظاً على الأحداث السياسية، وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والإضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق إصلاح الحاكم فما زال إصلاح المحكومين يسير . أما إن كان الحاكم ورعاً مطبقاً لأحكام الله مثل عُمر بن عبد العزيز، فإن الحسن ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.
كتب الحسن لعُمر بن عبد العزيز ينصحه فقال "فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد أئتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله".
ولقد عنف الحسن البصري طلبة العلم الشرعي الذين يجعلون علمهم وسيلة للاستجداء فقال لهم "والله لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم ".
وفاته
توفي الحسن رحمه الله عشية يوم الخميس في أول رجب سنة عشر ومئة للهجرة وعاش ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلى عليه المسلمون عقب صلاة الجمعة بالبصرة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:04 AM
الإمام بن المنذر
هو الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري الفقيه، نزيل مكة.

ولادته:

ولد في حدود سنة 241هـ؛ حيث قال الإمام الذهبي في السير (14/490): ولد في حدود موت أحمد بن حنبل.

نشأته العلمية ورحلاته:

ولد الإمام ابن المنذر وعاش في نيسابور، وذكروا في ترجمته أنه نزل بمكة واستقرَّ بها، وذكر ابن المنذر في كتابه الأوسط أنه سمع بمصر من بكَّار بن قتيبة، وهذا يعني أنه رحل إليها. ولم تذكر المصادر التي ترجمت له أنه رحل إلى غيرها من البلدان، والله أعلم.

من أشهر شيوخه:


1- الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري.

2- الإمام أبو حاتم الرازي.

3- الإمام أبو عيسى الترمذي.

4- الربيع بن سليمان.

5- وإسحاق الدَّبري.

6- وعلي بن عبد العزيز البغوي، وغيرهم كثير.
والذين أكثر الرواية عنهم في تفسيره هذا: زكريا بن داود، وموسى بن هارون، وعلي بن المبارك، وعلي بن عبدالعزيز، وعلاّن علي بن عبدالرحمن بن المغيرة، ومحمد بن علي النجار...

من أشهر تلامذته:


1- أبو حاتم بن حبان البستي.

2- محمد بن أحمد البلخي.

3- أبو بكر الخلال الحنبلي.

4- محمد بن عبدالله بن يحيى اللَّيثي.

5- أبو بكر بن المُقرئ.

6- سعيد بن عثمان الأندلسي.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

كان ابن المنذر إماماً في التفسير، ومحدثاً ثقةً، إلى جانب كونه فقيهاً مجتهداً، وهو وإن كان معدوداً من كبار فقهاء الشافعية إلا أنه كان لا يتعصب لقول أحد، بل يدور مع الدليل حيث دار.

ولقد كثرت كلمات الأئمة في الثناء عليه؛ ومن ذلك:

قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/197): الإمام المشهور أحد أئمة الإسلام .. المجمع على إمامته وجلالته ووفور علمه، وجمعه بين التمكُّن في علمي الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة النافعة في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء .. وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في نهاية من التمكُّن من معرفة الحديث، وله اختيارٌ فلا يتقيّد في الاختيار بمذهبٍ بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/640): كان ابن المنذر فقيهاً، محدثاً، ثقةً.

وقال السبكي في طبقات الشافعية (2/126): أحد أعلام هذه الأمة وأحبارها، كان إماماً مجتهداً، حافظاً ورعاً.

مؤلفاته:

لابن المنذر مؤلفات عدة تقضي بإمامته ورفعة قدره، ومن أشهر هذه المؤلفات:


1- إثبات القياس.

2- اختلاف العلماء.

3- الإجماع؛ وهو مطبوع عدة طبعات.

4- الإشراف على مذاهب أهل العلم.

5- الإقناع؛ وهو مطبوع.

6- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف.

7- رحلة الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة.

8- كتاب السنن والإجماع والاختلاف.
وفاته:

ذهب أكثر من ترجم لابن المنذر إلى أنه توفي سنة 318هـ، وثمة أقوال أخرى في سنة وفاته.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:05 AM
سليمان بن يسار
هوالفقيه ، الإمام، عالم المدينة ومفتيها، أبو أيوب ، وقيل : أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله ، المدني ، مولى أم المؤمنين ميمونة الهلالية ، وأخو عطاء بن يسار ، وعبد الملك وعبد الله . وقيل : كان سليمان مكاتبا لأم سلمة . وُلد في خلافة عثمان .

وحدث عن زيد بن ثابت ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وحسان بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، ورافع بن خديج ، وابن عمر ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأبي رافع مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- وحمزة بن عمرو الأسلمي ، والمقداد بن الأسود ، وذلك في أبي داود والنسائي وابن ماجه -وما أراه لقيه- وسلمة بن صخر البياضي -مرسل- وعبد الله بن حذافة السهمي -مرسل- والفضل بن العباس -مرسل- وأبي سعيد الخدري ، والربيع بنت معوذ ، وعدد من الصحابة .

ويروي أيضا عن عروة ، وكريب ، وعراك بن مالك ، وأبي مراوح ، وعمرة ، ومسلم بن السائب ، وغيرهم .

وكان من أوعية العلم ؛ بحيث إن بعضهم قد فضله على سعيد بن المُسَيِّب .

حدث عنه أخوه عطاء ، والزهري ، وبكير بن الأشج ، وعمرو بن دينار وعمرو بن ميمون بن مهران ، وسالم أبو النضر ، وربيعة الرأي ، وأبو الأسود يتيم عروة ، ويعلى بن حكيم ، ومعقوب بن عتبة ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، ومحمد بن يوسف الكندي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويونس بن يوسف ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن أبي حرملة ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وخثيم بن عراك ، وخلق سواهم .

قال الزهري : كان من العلماء .

وقال أبو الزناد : كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يُرضَى ويُنتهَى إلى قولهم : سعيد بن المسيب ، وعروة ، والقاسم ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ، في مشيخة أجِلَّة سواهم من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل .

قال الحسن بن محمد بن الحنفية : سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب .

الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهذلي : سمعت سليمان بن يسار يقول : سعيد بن المسيب بقية الناس . وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب فيقول : اذهب إلى سليمان بن يسار ؛ فإنه أعلم من بقِيَ اليوم .

وقال مالك : كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب ، وكان كثيرا ما يوافق سعيدا ، وكان سعيد لا يُجْترَأُ عليه .

قال مصعب الزبيري ، عن مصعب بن عثمان : كان سليمان بن يسار أحسن الناس وجها ، فدخلت عليه امرأة ، فسامَتْهُ نفسَه ، فامتنع عليها ، فقالت : إذًا أفضحك ، فخرج إلى خارج وتركها في منزله وهرب منها ، قال سليمان : فرأيت يوسف -عليه السلام- وكأني أقول له : أنت يوسف ؟ قال : نعم ، أنا يوسف الذي هَمَمْتُ ، وأنت سليمان الذي لم تهمّ .

إسنادها منقطع .

قال ابن معين : سليمان ثقة.

وقال أبو زرعة : ثقة ، مأمون ، فاضل عابد . وقال النسائي : أحد الأئمة .





أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة عن أبي المكارم التيمي ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا ابن خلاد ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا بن جريج ، أخبرني يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار ، قال : تفرق الناس عن أبي هريرة ، فقال له ناتِل أخو أهل الشام : يا أبا هريرة ، حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : أول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد ، فأُتي به فعرَّفه نِعمَهُ فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدتُ. فقال : كذبت ؛ إنما أردت أن يقال فلان جريء ، فقد قيل . فأمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار ؛ ورجل تعلم العلم ، وقرأ القرآن ، فأُتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك . قال : كذبت ؛ إنما أردت أن يقال فلان عالم ، وفلان قارئ ، فقد قيل. فأُمر به فسحب على وجهه إلى النار ; ورجل آتاه الله من أنواع المال ، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : ما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك . فقال : كذبت ؛ إنما أردت أن يقال فلان جواد ، فقد قيل . فأمر به ، فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار هذا حديث صحيح .

قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : قدم علينا سليمان بن يسار دمشق ، فدعاه أبي إلى الحمَّام ، وصنع له طعاما . وكان أبوه يسار فارسيا .

وقال الواقدي : وليَ سليمان سوق المدينه لأميرها عمر بن عبد العزيز .

قال ابن المديني والبخاري ومسلم : يُكنى أبا أيوب .

وعن قتادة : قال : قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالطلاق ، فقيل : سليمان بن يسار .

وعن أبي وقال ابن سعد كان ثقة ، عالما ، رفيعا ، فقيها ، كثير الحديث ، مات سنة سبع ومائة .

وكذا أرخه مصعب بن عبد الله ، وابن معين ، والفلاس ، وعلي بن عبد الله التميمي ، والبخاري ، وطائفة ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:06 AM
ابن الحاجب
أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني الأسنائي الشهير بابن الحاجب
فقيه مالكي و أصولي و نحوي ، ولد في إسنا بصعيد مصر سنة 570هـ ، و توفي بالإسكندرية سنة 646هـ .
اشتغل أبو عمرو بالقاهرة ، وحفظ القرآن ، وأخذ بعض القراءات عن الشاطبي ، وسمع منه " التيسير " ، وقرأ بطرق " المبهج " على الشهاب العزنوي ، وتلا بالسبع على أبي الجود ، وسمع من أبي القاسم البوصيري ، وإسماعيل بن ياسين ، وبهاء الدين القاسم ابن عساكر ، وفاطمة بنت سعد الخير ، وطائفة ، وتفقه على أبي المنصور الأبياري وغيره .

وكان من أذكياء العالم ، رأسا في العربية وعلم النظر ، درس بجامع دمشق ، وبالنورية المالكية ، وتخرج به الأصحاب ، وسارت بمصنفاته الركبان ، وخالف النحاة في مسائل دقيقه ، وأورد عليهم إشكالات مفحمة .

قال أبو الفتح ابن الحاجب في ترجمة أبي عمرو بن الحاجب : هو فقيه ، مفت ، مناظر ، مبرز في عدة علوم ، متبحر ، مع دين وورع وتواضع واحتمال واطراح للتكلف .

قلت : ثم نزح عن دمشق هو والشيخ عز الدين ابن عبد السلام عندما أعطى صاحبها بلد الشقيف للفرنج ، فدخل مصر وتصدر بالفاضلية .

شيوخه
قرأ بعض القراءات على الشاطبي كما قرأ على أبي الفضل الغزنوي ، و أبي الجود اللخمي ، و سمع الحديث على الشاطبي و إسماعيل بن ياسين ، و أبي عبد الله الأرتاحي .
و أخذ الفقه عن أبي منصور الأبياري و غيره .
من تلاميذه
روى عنه الحافظ عبد العظيم المنذري ، و الحافظ عبد المؤمن الدمياطي ، و أبو علي بن الجلال ، و أبو الفضل الذهبي .
قالوا عنه
قال الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد : ( هذا الرجل تيسرت له البلاغة فتفيأ ظلها الظليل و تفجرت ينابيع الحكمة فكان خاطره ببطن المسيل ، و قرب المرمى فخفف الحمل الثقيل ) .
كما ذكره ابن خلكان و أثنى عليه ثناء جميلا قال ابن خلكان كان من أحسن خلق الله ذهنا ، جاءني مرارا لأداء شهادات ، وسألته عن مواضع من العربية ، فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام.
مؤلفاته
الكافية في النحو .
الشافية في الصرف .
جامع الأمهات في الفقه .
منتهى السول و الأمل في علمي الأصول و الجدل ، في أصول الفقه .
مختصر المنتهى ، و هو مختصر السابق .
شرح مقدمة الزمخشري .
و من شعره :
إن تغيبوا عن العيون فأنتم .:. في فلوب حضوركم مستمر
مثلما تثبت الحقائق في الذهـ .:. ـن و في خارج لها مستقر .
وفاته
توفي ابن الحاجب في الإسكندرية سنة 646هـ

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:07 AM
الإمام ابن جريج
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الإمام، العلامة، الحافظ شيخ الحرم، أبو خالد، وأبو الوليد القرشي الأموي، المكي، صاحب التصانيف، وأول من دون العلم بمكة. مولى أمية بن خالد. وقيل: كان جده جريج عبدا لأم حبيب بنت جبر زوجة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد الأموي، فنُسب ولاؤه إليه. وهو عبد رومي. وكان لابن جريج أخ اسمه محمد لا يكاد يُعرف. وابنٌ اسمه محمد.

حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وجود، وعن ابن أبي مليكة، ونافع مولى ابن عمر، وطاوس حديثا واحدا قوله . وذكر أنه أخذ أحاديث صفية بنت شيبة، وأراد أن يدخل عليها، فما اتفق. وأخذ عن مجاهد حرفين من القراءات، وميمون بن مهران، ويوسف بن ماهك، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن دينار، وعكرمة العباسي مرسلا، وعكرمة بن خالد المخزومي، وابن المنكدر، وعبيد الله بن أبي يزيد، والقاسم بن أبي بزة، وعبد الله بن كثير الداري، وأيوب بن هانئ، وحبيب بن أبي ثابت، وزيد بن أسلم، والزهري، وصفوان بن سليم، وعبد الله بن طاوس، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن كثير بن المطلب، وعبد الله بن كيسان، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن عباد بن جعفر، وخلق كثير. وينزل إلى أقرانه، بل وأصحابه. فحدث عن زياد بن سعد شريكه، وجعفر الصادق، وزهير بن معاوية، وإبراهيم بن محمد بن أبي عطاء وهو ابن أبي يحيى، وسعيد بن أبي أيوب المصري، وإسماعيل ابن علية، ومعمر بن راشد، ويحيى بن أيوب المصري. وكان من بحور العلم.

حدث عنه: ثور بن يزيد، والأوزاعي، والليث، والسفيانان، والحمادان، وابن علية، وابن وهب، وخالد بن الحارث، وهمام بن يحيى، وعيسى بن يونس، وابن إدريس، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن حرب الأبرش، ويحيى بن أبي زائدة، ووكيع، والوليد بن مسلم، وهشام بن يوسف، وحجاج بن محمد الأعور، وأبو أسامة، وروح، وأبو عاصم، والخريبي، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد الرزاق بن همام، وعبيد الله بن موسى، وغندر، والأنصاري، وعثمان بن الهيثم المؤذن، ويحيى بن سليم الطائفي، ومحمد بن بكر البرساني وأمم سواهم.

قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أول من صنف الكتب؟ قال: ابن جريج، وابن أبي عروبة. وروى علي بن المديني، عن عبد الوهاب بن همام، عن ابن جريج قال: أتيت عطاء وأنا أريد هذا الشأن، وعنده عبد الله بن عبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأت القرآن؟ قلت: لا. قال: فاذهب فاقرأه ثم اطلب العلم. فذهبت، فغبرت زمانا حتى قرأت القرآن، ثم جئت عطاء، وعنده عبد الله. فقال: قرأت الفريضة؟ قلت: لا. قال: فتعلم الفريضة، ثم اطلب العلم. قال: فطلبت الفريضة، ثم جئت. فقال: الآن فاطلب العلم، فلزمت عطاء سبع عشرة سنة.

قلت: من يلزم عطاء هذا كله، يغلب على الظن أنه قد رأى أبا الطفيل الكناني بمكة، لكن لم نسمع بذلك، ولا رأينا له حرفا عن صحابي.

وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: اختلفت إلى عطاء ثماني عشرة سنة. وكان يبيت في المسجد عشرين سنة.

قال ابن عيينة: سمعت ابن جريح يقول: ما دَوَّن العلم تدويني أحد. وقال: جالست عمرو بن دينار بعدما فرغت من عطاء تسع سنين.

وروى حمزة بن بهرام، عن طلحة بن عمرو المكي، قال: قلت لعطاء: من نسأل بعدك يا أبا محمد؟ قال: هذا الفتى إن عاش -يعني ابن جريج. وروى إسماعيل بن عياش، عن المثنى بن الصباح وغيره، عن عطاء بن أبي رباح قال: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى، وسيد شباب أهل العراق حجاج بن أرطاة.

قال علي بن المديني: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، فذكرهم، ثم قال: صار علمهم إلى أصحاب الأصناف. ممن صنف العلم منهم من أهل مكة ابن جريج. يكنى أبا الوليد، لقي ابن شهاب، وعمرو بن دينار. يريد من الستة المذكورين.

قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جريج: لمن طلبتم العلم؟ كلهم يقول: لنفسي: غير أن ابن جريج فإنه قال: طلبته للناس.

قلت: ما أحسن الصدق ! واليوم تسأل الفقيه الغبي: لمن طلبت العلم؟ فيبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قلة ما عرف منه.

قال علي: سألت يحيى بن سعيد: من أثبتَّ من أصحاب نافع؟ قال: أيوب، وعبيد الله، ومالك، وابن جريج أثبت من مالك في نافع.

وروى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: عمرو بن دينار، وابن جريج أثبت الناس في عطاء. وروى أبو بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد قال: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك ابن جريج من كتابه لم تنتفع به.

وروى الأثرم، عن أحمد بن حنبل قال: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان، وأخبرت، جاء بمناكير. وإذا قال: أخبرني، وسمعت فحسبك به. وروى الميموني عن أحمد إذا قال ابن جريج: "قال" فاحذره. وإذا قال: "سمعت أو سألت"، جاء بشيء ليس في النفس منه شيء. كان من أوعية العلم.

قال عبد الرزاق: قدم أبو جعفر -يعني الخليفة- مكة، فقال: اعرضوا علي حديث ابن جريج، فعرضوا فقال: ما أحسنها لولا هذا الحشو -يعني قوله: "بلغني"، و "حُدثتُ". قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب. وروى إسماعيل بن داود المخراقي، عن مالك بن أنس قال: كان ابن جريج حاطب ليل. وقال محمد بن منهال الضرير، عن يزيد بن زريع قال: كان ابن جريج صاحب غثاء. وقال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة الحلبي، عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: حكم الله بيني وبين مالك، هو سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات مرابطا مات شهيدا فنسبني إلى جدي من قبل أمي، وروى عني: من مات مريضا مات شهيدا وما هكذا حدثته.

روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين، قال: ابن جريج ليس بشيء في الزهري. وقال أبو زرعة الدمشقي، عن أحمد بن حنبل قال: روى ابن جريج عن ست عجائز من عجائز المسجد الحرام، وكان صاحب علم. وقال جعفر بن عبد الواحد، عن يحيى بن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقا. فإذا قال: حدثني فهو سماع، وإذا قال: أنبأنا أو أخبرني، فهو قراءة، وإذا قال: قال. فهو شبه الريح.

وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان: أعياني ابن جريج أن أحفظ حديثه. فنظرت إلى شيء يجمع فيه. المعنى، فحفظته، وتركت ما سوى ذلك.

قال سليمان بن النضر الشيرازي، عن مخلد بن الحسين قال: ما رأيت خلقا من خلق الله أصدق لهجة من ابن جريج.

وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق قال: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج.

أنبأني المسلم بن محمد، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا أبو بكر بن ثابت، أنبأنا علي بن محمد المعدل، حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق قال: أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم- .

قلت: وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة وبالمناولة ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري، لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف. ولا سيما في ذلك العصر لم يكن حدث في الخط بعد شكل ولا نقط.

قال أبو غسان زنيج: سمعت جريرا الضبي يقول: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج بستين امرأة. وقيل: إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة.

قال عبد الوهاب بن همام، قال ابن جريج: كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب. فقيل لي: لو لزمت عطاء. فلزمته.

وقال يحيى القطان: لم يكن ابن جريج عندي بدون مالك في نافع، وقال علي بن عبد الله: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج.

قال عبيد الله العيشي، حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال: قدم علينا ابن جريج البصرة، فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث، فأنكره عليه الناس، فقال: ما تنكرون عليَّ فيه؟ قد لزمت عطاء عشرين سنة فربما حدثني عنه الرجل بالشيء لم أسمعه منه. ثم قال العيشي: سمى ابن جريج في ذلك اليوم محمد بن جعفر غندرا، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا. قال ابن معين: لم يلق ابن جريج وهب بن منبه. وقال أحمد بن حنبل: لم يلق عمرو بن شعيب في زكاة مال اليتيم، ولا أبا الزناد.

قلت: الرجل في نفسه ثقة، حافظ، لكنه يدلس بلفظة "عن"، "وقال" وقد كان صاحب تعبد وتهجد وما زال يطلب العلم حتى كبر وشاخ. وقد أخطأ من زعم أنه جاوز المائة، بل ما جاوز الثمانين، وقد كان شابا في أيام ملازمته لعطاء.

وقد كان شيخ الحرم بعد الصحابة: عطاء، ومجاهد، وخلفهما: قيس بن سعد، وابن جريج، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج، فدون العلم، وحمل عنه الناس، وعليه تفقه مسلم بن خالد الزنجي، وتفقه بالزنجي الإمام أبو عبد الله الشافعي. وكان الشافعي بصيرا بعلم ابن جريج، عالما بدقائقه. وبعلم سفيان بن عيينة.

وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة، وفي مسند أحمد، ومعجم الطبراني الأكبر، وفي الأجزاء.

قال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج، علمت أنه يخشى الله.

وقال ابن جريج: لم أسمع من الزهري، إنما أعطاني جزءا كتبته، وأجازه لي.

قال يحيى بن معين: ولاء ابن جريج لآل خالد بن أسيد الأموي. وقال يحيى بن سعيد: سمع ابن جريج من مجاهد حديث فطلقوهن في قبل عدتهن وسمع من طاوس قوله في محرم أصاب ذرات قال: قبضات من طعام .

قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد. كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر. وكان له امرأة عابدة. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا للجماع. وروي عن عبد الرزاق قال: كان ابن جريج يخضب بالسواد، ويتغلى بالغالية، وكان من ملوك القراء، خرجنا معه وأتاه سائل، فناوله دينارا.

قال أبو محمد بن قتيبة مولد ابن جريج سنة ثمانين عام الجحَّاف . أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا علي بن هبة الله، أنبأنا أبو إسحاق الفيروزآبادي قال: ومنهم أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وجريج عبد لآل أم حبيب بنت جبير، ومات سنة خمسين ومائة.

وبه قال أبو إسحاق، قال ابن جريج: ما دوَّن هذا العلم تدويني أحد جالست عمرو بن دينار بعدما فرغت من عطاء سبع سنين. وقال: لم يغلبني على يسار عطاء عشرين سنة أحد، فقيل له: فما منعك عن يمينه؟ قال: كانت قريش تغلبني عليه.

قلت: قد قدم عبد الملك بن جريج إلى العراق قبل موته، وحدث بالبصرة وأكثروا عنه.

قال ابن المديني، وأبو حفص الفلاس: مات ابن جريج سنة تسع وأربعين ومائة وهذا وهم. فقد قال يحيى القطان ومكي بن إبراهيم، وأبو نعيم، وعدة: مات سنة خمسين ومائة وعن ابن المديني أيضا: سنة إحدى وخمسين .

قلت: عاش سبعين سنة. فسنه وسن أبي حنيفة واحد، ومولدهما وموتهما واحد.

قرأت على عمر بن عبد المنعم، أخبركم عبد الصمد بن محمد القاضي حضورا، أنبأنا علي بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد بن أحمد بن جميع، حدثنا واهب بن محمد بالبصرة، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا محمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج، عن ابن المنكدر، عن أبي أيوب، عن مسلمة بن مخلد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته .

هذا حديث جيد الإسناد، ومسلمة له صحبة. ولكن لا شيء له في الكتب إلا في سنن أبي داود، من روايته عن رويفع بن ثابت.

وبه أخبرنا ابن جميع، حدثنا جعفر بن محمد الهمداني، حدثنا هلال بن العلاء، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من جلس في مجلس كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه هذا حديث صحيح غريب.

وفي تاريخ القاضي تاج الدين عبد الباقي: أن ابن جريج قدم وافدا على معن بن زائدة لدين لحقه، فأقام عنده إلى عاشر ذي القعدة. فمر بقوم تغني لهم جارية بشعر عمر بن أبي ربيعة هيهـات مـن أمَـة الوهاب منزلنا



إذا حللنا بسـيف البحر مـن عـدنِ

واحـتـل أهلُـك أجيـادا فليس لنا



إلا التـذكـر أو حـظُّ مـن الحـزنِ

تـاللـه قـولي لـه في غير معتبة



ماذا أردت بطول المكث في اليمــنِ

إن كـنت حاولت دنيا أو ظفرت بها



فما أصبـت بـترك الحـج من ثمنِ

قال: فبكى ابن جريج وانتحب، وأصبح إلى معن وقال: إن أردت بي خيرا فردني إلى مكة، ولست أريد منك شيئا. قال: فاستأجر له أدلاء، وأعطاه خمس مائة دينار، ودفع إليه ألفا وخمس مائة. فوافى الناس يوم عرفة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:08 AM
الإمام أبو المظفر السمعاني

هو الإمام منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله التميمي الشيخ الإمام أبو المظفر السمعاني. نسبة إلى سمعان بطن من تمميم.

ولد في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربعمائة بمرو من بلاد خراسان ونشا في أسرة عريقة من العلم فوالده وأخوته وأولاده وأولاد أولاده من كبار العلماء.

ووصف الخوارزمي هذه العائلة عند ترجمته لحفيد المصنف بقوله: بيته أرفع بيت في الإسلام وأعظمه وأقدمه في العلوم الشرعية والأمور الدينية وأسلاف هذا البيت وأخلاقه قدوة العلماء وأسوة الفضلاء الإمامة مدفوعة إليهم والرياسة موقوفة عليهم تقدموا على أئمة زمانهم في الآفاق بالاستحقاق وترأسوا عليهم بالفضل والفقه.

وكان في البداية حنفيا كوالده وتلقى العلم عليه وبعد وفاة والده رحل إلى بغداد عام 461 هـ وجرت بينه وبين علماء بغداد المناظرات والمباحثات والتقى في هذه الرحلة الشيخ أبا إسحاق الشيرازي صاحب المهذب والإمام أبا نصر بن الصباغ وجرت بينهما مناظرات وسمع من عدد من المحدثين. ثم خرج إلى الحج وصحب بمكة الإمام أبو القاسم الزنجاني ثم عزم على الانتقال إلى مذهب الشافعي وعاد إلى مرو وبسبب تحوله عن مذهب أبي حنيفة تعرض لمضايقات فرحل إلى طوس ثم نيسابور واستقبله الوزير نظام الملك وعرف له قدره ومكث بها فترة عقد فيها مجلس للتذكير ثم عاد إلى مرو وصلح حاله.

مكانته في المذهب:
قال الدكتور هيتو مما لا شك فيه أن الشافعية أفادوا كثيرا من التزام ابن السمعاني مذهبهم لأنه أعرف بمذهب أبي حنيفة منهم ولذلك فهو أقدر على الرد والدفاع ونصرة مذهبه الجديد ولذلك كان كتابه الاصطلام في الرد على أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية الكبار وكتابه البرهان في الخلاف وغير ذلك من كتبه في الخلاف كان لها مكانة خاصة بين كتب الخلاف لهذا الأمر الذي ذكرناه.
ثناء الناس عليه:

قال إمام الحرمين لو كان الفقه ثوبا مطويا لكان أبو المظفر بن السمعاني طرازه.
وقال أبو القاسم بن إمام الحرمين أبو المظفر السمعاني شافعي وقته
وقال عبد الغافر الفارسي أبو المظفر وحيد عصره في وقته فضلا وطريقة وزهدا وورعا.
وقال حفيده أبو سعد هو إمام عصره بلا مدافعة وعديم النظير في وقته ومن طالع تصانيفه وأنصف عرف محله من العلم.

مؤلفاته:
القواطع في أصول الفقه مطبوع
البرهان في الخلاف يشمل أكثر من ألف مسألة خلافية
الأوسط في الخلاف
المختصر المسمّى بالاصطلام في الرد على أ[ي زيد الدبوسي أجاب فيه عن المسائل التي ذكرها الدبوسي في الأسرار وهو من اشهر كتبه في الخلاف
تفسير القرآن الكريم مطبوع
منهاج أهل السنة
الانتصار لأصحاب الحديث مطبوع
الرد على القدرية
مجموع في الأحاديث جمع فيه ألف حديث عن مائة شيخ وتكلم عليها فأحسن وأجاد
الرسالة القوامية

توفي ابن السمعاني يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة هـ بمرو.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:09 AM
شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني

هو شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر الشافعي العسقلاني ، فلسطيني الأصل و مصري المولد
المولد والنشأة
ولد المحدث الجليل بمدينة القاهرة في الثالث والعشرين من شعبان سنة 773هـ ، وهو من عائلة فلسطينية الاصل سكنت مدينة عسقلان و هاجرت إلى مصر قبل ان يولد هناك وكان والده عالماً أديباً ثرياً، وأراد لابنه أن ينشأ نشأة علمية أدبية إلا أنه توفي ولم يزل أحمد طفلاً فكفله أحد أقارب والده زكي الدين الخروبي كبير تجار الكارم بمصر، فرعاه الرعاية الكاملة وأدخله الكُتّاب فظهر نبوغه المبكر فقد أتم حفظ القرآن الكريم وهو ابن خمس سنين ووصف بأنه كان لا يقرأ شيئاً إلا انطبع في ذهنه. و هو عالم جليل
رحلاته في طلب العلم




مكانته بين أهل عصره
تفرد ابن حجر من بين أهل عصره في علم الحديث مطالعة وقراءة وتصنيفاً وإفتاءً حتى شهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد والعدو والصديق، حتى كان إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع بين العلماء، وقد رحل إليه الطلبة من الأقطار وطارت مؤلفاته في حياته وانتشرت في البلاد وتكاتب الملوك من قطر إلى قطر في شأنها وكانت له اليد الطولى في الشعر ، وله ديوان شعر متوسط الحجم مطبوع.
الوظائف التي شغلها
شغل ابن حجر الكثير من الوظائف المهمة في الإدارة المملوكية المصرية ، مما هيأ له الوقوف على مجريات السياسة المصرية ودخائلها آنذاك ومكنه من الاتصال المباشر بالمصادر الأولى لأحداث عصره.
وتولى ابن حجر الإفتاء واشتغل في دار العدل وكان قاضى قضاة الشافعية وعني ابن حجر عناية فائقة بالتدريس واشتغل به ولم يكن يصرفه عنه شيء حتى أيام توليه القضاء والإفتاء وقد درّس في أشهر المدارس في العالم الإسلامي في عهده من مثل (المدرسة الشيخونية والمحمودية والحسنية والبيبرسية والفخرية والصلاحية والمؤيدية ومدرسة جمال الدين الآستادار في القاهرة ( وجمال الدين هذا من أهالي البيرة قرب رام الله في فلسطين).
مؤلفاته
له مؤلفات وتصانيف كثيرة زادت على مئة وخمسين مصنفاً في مجموعة من العلوم المهمة وسنذكر بعض ما اشتهر منها وطارت سمعته في الآفاق:

ويعتبر هذا السفر العظيم أفضل شرح وأعمه نفعاً لصحيح البخاري الذي يعتبر ثاني كتاب بعد كتاب الله ، وتأتي أهمية كتاب ابن حجر من كونه شرحاً لأصح ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث وقد تضمن ذلك الشرح ذكر أحاديث أخرى وعلق ابن حجر على أسانيدها وناقشها حتى كان بحق ( ديوان السنة النبوية )، وكذلك لما تضمنه من فقه وأصول ولغة ومناقشة للمذاهب والآراء في شتى المعارف الإسلامية . وقد اشتهر هذا الكتاب في عهد صاحبه حتى قبل أن يتمه وبلغ شهرته أن الملك شاه رخ بن تيمور ملك الشرق بعث بكتاب إلى السلطان برسباي يطلب منه هدايا من جملتها ( فتح الباري ) فجهز له ابن حجر ثلاث مجلدات من أوائله.












من نظمه
كان شيخ الإسلام ابن حجر شاعراً مطبوعاً ، و تبوأ مكانة مرموقة بين أدباء عصره .
و من شعره :
إنما الأعمال بالنيات في .:. كل أمر أمكنت فرصتهُ
فانو خيراً وافعل الخير فإن .:. لم تطقه أجزأت نيتهُ
وله في مطلع قصيدة طويلة في المديح النبوي .
1- رحل إلى مكة سنة 785هـ وأقام بها سنة ودرس خلالها الحديث على يد الشيخ عبدالله بن سليمان النشاوري ، وقد قرأ عليه صحيح البخاري وسمع في مكة من الشيخ جمال الدين بن ظهيرة. 2- ورحل من مكة إلى مصر عائداً فداوم على دراسة الحديث الشريف على يد العلامة الحافظ عبدالرحيم العراقي، وتلقى الفقه من الشيخ ابن الملقن والعز ابن جماعة وعليه درس الأصول وباقي العلوم الآلية كالمنهاج وجمع الجوامع وشرخ المختصر والمطول. 3- ثم رحل إلى بلاد الشام والحجاز واليمن ومكة وما بين هذه النواحي. 4- وأقام في فلسطين وتنقل في مدنها يسمع من علمائها ويتعلم منهم، ففي غزة سمع من أحمد بن محمد الخليلي وفي بيت المقدس سمع من شمس الدين القلقشندي، وفي الرملة سمع من أحمد بن محمد الأيكي، وفي الخليل سمع من صالح بن خليل بن سالم ، وبالجملة فقد تلقى ابن حجر مختلف العلوم عن جماعة من العلماء كل واحد كان رأساً في فنه كالقراءات والحديث واللغة والفقه والأصول ، ويذكر عن شيخه العز بن جماعة أنه قال : أقرأ في خمسة عشر علماً لا يعرف علماء عصري أسماءها. 1- فتح الباري شرح صحيح البخاري (خمسة عشر مجلداً ) ، ومكث ابن حجر في تأليفه عشرين سنة ( ولما أتم التأليف عمل مأدبة ودعا إليها أهل قلعة دمشق وكان يوماً عظيماً ) . 2- الإصابة في تمييز الصحابة وهو كتاب تراجم ترجم فيه ابن حجر للصحابة الكرام فكان من أهم المصادر في معرفة الصحابة. 3- تهذيب التهذيب ومختصره كتاب تقريب التهذيب. 4- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ، ذكر فيه أحاديث لم يخرجها أصحاب المسانيد الثمانية. 5- الدراية في تخريج أحاديث الهداية ويعتبر من كتب التخريج البديعة وقد خرج فيه الأحاديث الواردة في كتاب الهداية وهو مرجع فقهي وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة. 6- "إنباء الغمر بأنباء العمر" وهو مؤلف ضخم يقع في حوالي ألف صفحة كبيرة حيث يتبع نظام الحوليات والشهور والأيام في تدوين الحوادث. ثم يتبع حوادث كل سنة بأعيان الوفيات. وقد أفاض في ذكر ما يتعلق بمصر من هذه الحوادث، وهو يتناول الأحداث التي وقعت بين سنة (773 - 850 هـ). 7- "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" وهو معجم ضمنه تراجم أعيان القرن الثامن الهجري من علماء وملوك وسلاطين وشعراء وغيرهم من مصر ومختلف بلاد الإسلام، ويعتبر هذا الكتاب من أهم مصادر تاريخ مصر الإسلامية في الفترة التي يتناولها، وتبدو نزعته كعالم حديث في ذكر مصادره التي اعتمد عليها في تأليفه. 8- "رفع الإصر عن قضاة مصر" وهو معجم لقضاة مصر منذ الفتح الإسلامي حتى آخر القرن الثامن الهجري. 9 ـ نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر و هو في مصطلح الحديث . 10 ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام. 11 ـ لسان الميزان. 12 - تغليق التعليق في وصل معلقات البخاري . 13 - ديوان ابن حجر
إن كنت تنكر حباً زادني كلفا .:. حسبي الذي قد جرى من مدمع و كفى
و إن تشككت فسئل عاذلي شجـني .:. كم بت أشكو الأسى و البث و الأسفا
كدرت عيشاً تقضى في بعادكمو .:. و راق مـني نسيب فيكمو و صفا
سرتم و خلفتمو في الحي ميت هوى .:. لولا رجـاء تلاقيكم لقد تلفا
وفاته
توفي في أواخر ذي الحجة سنة 852هـ وكان له مشهد لم ير مثله فيمن حضره من الشيوخ ، وشهده أمير المؤمنين والسلطان وقدم الخليفة للصلاة عليه، وكان ممن حضر الجنازة الشاعر الشهاب المنصوري فلما وصلوا بالجنازة إلى المصلى أمطرت السماء على نعشه.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:12 AM
الإمام إبراهيم النَّخَعي

الإمام ، المحافظ ، فقيه العراق، أبو عمران ، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن [النخع] النخعي ، اليماني ثم الكوفي ، أحد الأعلام ، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد .

روى عن خاله ، ومسروق ، وعلقمة بن قيس ، وعبيدة السلماني ، وأبي زرعة البَجَلي ، وخيثمة بن عبد الرحمن ، والربيع بن خُثَيم ، وأبي الشعثاء المحاربي ، وسهم بن منجاب ، وسويد بن غفلة ، والقاضي شريح ، وشريح بن أرطاة ، وأبي معمر عبد الله بن سَخْبَرة ، وعبيد بن نُضَيْلة ، وعمارة بن عمير ، وأبي عبيدة بن عبد الله ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وخاله عبد الرحمن بن يزيد ، وهمام بن الحارث ، وخلق سواهم من كبار التابعين .

ولم نجِد له سماعا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة كالبراء وأبي جُحَيْفة وعمرو بن حُرَيث.

وقد دخل على أم المؤمنين عائشة وهو صبي ، ولم يثبت له منها سماع ؛ على أن روايته عنها في كتب أبي داود والنسائي والقزويني ، فأهل الصنعة يعدون ذلك غير متصل مع عدِّهم كلهم لإبراهيم في التابعين ، ولكنه ليس من كبارهم ، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود ، واسع الرواية ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، كثير المحاسن ، رحمه الله تعالى .

روى عنه الحكم بن عتيبة ، وعمرو بن مرة ، وحماد بن أبي سليمان تلميذه ، وسماك بن حرب ، ومغيرة بن مِقْسَم تلميذه ، وأبو معشر بن زياد بن كليب ، وأبو حصين عثمان بن عاصم ، ومنصور بن المعتمر ، وعبيدة بن مُعَتَّب وإبراهيم بن مهاجر ، والحارث العُكْلي ، وسليمان الأعمش ، وابن عون ، وشباك الضَّبِّي ، وشعيب بن الحبحاب ، وعبيدة بن معتب ، وعطاء بن السائب ، وعبد الرحمن بن أبي الشعثاء المحاربي ، وعبد الله بن شُبْرُمة ، وعلي بن مدرك ، وفضيل بن عمرو الفقيمي ، وهشام بن عائذ الأسدي ، وواصل بن حيان الأحدب ، وزُبيد اليامي ، ومحمد بن خالد الضبي ، ومحمد بن سُوقَة ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبو حمزة الأعور ميمون ، وخلق سواهم .

قال أحمد بن عبد الله العجلي : لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أدرك منهم جماعة ، ورأى عائشة .

وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما ، وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقِّيا ، قليل التكلف وهو مختفٍ من الحجاج .

روى أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صَيْرفي الحديث .

وروى جرير عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : كان الشعبي وإبراهيم وأبو الضحى يجتمعون في المسجد يتذاكرون الحديث ، فإذا جاءهم شيء ليس فيه عندهم رواية ، رموا إبراهيم بأبصارهم .

قال يحيى بن معين : مراسيل إبراهيم أحبُّ إليّ من مراسيل الشعبي . قاله عباس عنه .

قال ابن عون : وصفت إبراهيم لابن سيرين ، قال : لعله ذاك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة ، كان في القوم وكأنه ليس فيهم .

شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : ما كتبت شيئا قط .

قال مغيرة : كنا نهابُ إبراهيم هيبة الأمير .

وقال طلحة بن مصرِّف : ما بالكوفة أعجب إليّ من إبراهيم وخيثمة.

قال فضيل الفُقيمي : قال لي إبراهيم : ما كتب إنسان كتابا إلا اتَّكل عليه .

قال أبو قطن : حدثنا شعبة ، عن الأعمش : قلت لإبراهيم : إذا حدثتني عن عبد الله فأسند ، قال : إذا قلت : قال عبد الله ، فقد سمعته من غير واحد من الصحابة ، وإذا قلت : حدثني فلان ، فحدثني فلان .

وقال مغيرة : كره إبراهيم أن يستند إلى سارية .

حماد بن زيد ، عن ابن عون : جلست إلى إبراهيم ، فقال في المرجئة قولا غيره أحسن منه .

وجاء ذم الإرجاء من وجوه عنه .

وقال سعيد بن جبير : أتستفتوني وفيكم إبراهيم ؟ .

قال الحاكم : كان إبراهيم النخعي يحج مع عمه وخاله علقمة والأسود .

وكان يبغض المرجئة ويقول : لأنا على هذه الأمة -من المرجئة- أخوفُ عليهم من عدتهم من الأزارقة .

توفي وله تسع وأربعون سنة .

حماد بن زيد : حدثنا شعيب بن الحبحاب ، حدثتني هُنَيْدة امرأة إبراهيم ، أن إبراهيم كان يصوم يوما ويفطر يوما .

قال سعيد بن صالح الأشج ، عن حكيم بن جبير ، عن إبراهيم ، قال : ما بها عريف إلا كافر .

عفان : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا ابن عون ، قال : كان إبراهيم يأتي السلطان ، فيسألهم الجوائز .

وقال محمد بن ربيعة الكلابي عن العلاء بن زهير ، قال : قدم إبراهيم على أبي وهو على حُلْوان ، فحمله على برذون ، وكساه أثوابا ، وأعطاه ألف درهم فقبِلَهُ .

قال الأعمش : ربما رأيت إبراهيم يُصلي ثم يأتينا ، فيمكث ساعة كأنه مريض .

قال أبو حنيفة عن حماد ، قال : بشَّرْتُ إبراهيم بموت الحجاج ، فسجد ، ورأيته يبكي من الفرح .

وقال سلمة بن كهيل : ما رأيت إبراهيم في صيف قط إلا وعليه مِلحفة حمراء وإزار أصفر .

وقال مغيرة : رأيت إبراهيم يُرْخي عمامته من ورائه .

وقال يحيى القطان : [مات وهو] ابن نيف وخمسين بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة .

قال محمد بن سعد : دخل إبراهيم على أم المؤمنين عائشة ، وسمع زيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك .

روى عنه الشعبي ، ومنصور ، والمغيرة بن مقسم ، والأعمش وغيرهم من التابعين .

عبد الله بن جعفر الرقي : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أُنيسة ، عن طلحة بن مصرف ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : يا أبا عمران ، من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : دخلت على أم المؤمنين عائشة .

سليمان بن داود المُبَاركي : حدثنا أبو شهاب ، عن الحسن بن عمرو ، عن أبيه ، أنه دخل على إبراهيم فقال : يا أبا عمران .

وقال ضمره بن ربيعة : سمعت رجلا يذكر أن حماد بن أبي سليمان قدم عليهم البصرة ، فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف ، فقال له : ضع عنك نصرانيتك هذه ، فلقد رأيتني ننتظر إبراهيم فيخرج عليه معصفرة ، ونحن نرى أن الميتة قد حلت له .

شعبة ، عن أبي معشر ، عن النخعي ، أنه كان يدخل على عائشة فيرى عليها ثيابا حبرا ، فقال أيوب : وكيف كان يدخل عليها؟ ! قال : كان يخرج مع عمه وخاله حاجا وهو غلام قبل أن يحتلم ، وكان بينهم ودٌّ وإخاء ، وكان بينهما وبين عائشة ود وإخاء .

شريك ، عن سليمان بن يسير ، عن إبراهيم : أدخلني خالي الأسود على عائشة وعلي أوضاح .

جرير ، عن مغيرة ، قال : كان إبراهيم يدخل على عائشة مع الأسود وعلقمة ، ومات وله سبع وخمسون سنة أو نحوه.

وقال سليم بن أخضر : حدثنا ابن عون ، قال : مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين .

علي بن عاصم : حدثنا مغيرة ، قال : قيل لإبراهيم : قتل الحجاج سعيد بن جبير . قال : يرحمه الله ، ما تُرِك بعده خلف ، قال : فسمع بذلك الشعبي فقال : هو بالأمس يعيبه بخروجه على الحجاج ، ويقول اليوم هذا ! فلما مات إبراهيم ، قال الشعبي : ما تُرك بعده خلف .

نعيم بن حماد : حدثنا جرير ، عن عاصم ، قال : تبعت الشعبي ، فمررنا بإبراهيم ، فقام له إبراهيم عن مجلسه ، فقال له الشعبي : أما إني أفقه منك حيا ، وأنت أفقه مني ميتا ، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك ، فيحيون علمك .

محمد بن طلحة بن مصرف : حدثني ميمون أبو حمزة الأعور ، قال : قال لي إبراهيم : تكلمت ، ولو وجدت بُدا لم أتكلم ، وإن زمانا أكون فيه فقيها لزمان سوء .

قال أبو حمزة الثمالي : كنت عند إبراهيم النخعي ، فجاء رجل فقال : يا أبا عمران ، إن الحسن البصري يقول : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقال رجل : هذا من قاتل على الدنيا ، فأما قتال من بغى ، فلا بأس به . فقال إبراهيم : هكذا قال أصحابنا عن ابن مسعود . فقالوا له : أين كنت يوم الزاوية ؟ قال : في بيتي . قالوا : فأين كنت يوم الجماجم ؟ قال : في بيتي . قالوا : فإن علقمة شهد صفين مع علي . فقال: بخٍ بخٍ ، من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله.

عن شعيب بن الحبحاب ، قال : كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا سابع سبعة أو تاسع تسعة . فقال الشعبي : أدفنتم صاحبكم ؟ قلت : نعم . قال : أما إنه ما ترك أحدا أعلم منه ، أو أفقه منه . قلت : ولا الحسن ولا ابن سيرين ؟ قال : نعم ، ولا من أهل البصرة ، ولا من أهل الكوفة ، ولا من أهل الحجاز. وفي رواية : ولا من أهل الشام .
الإمام إبراهيم النَّخَعي

الإمام ، المحافظ ، فقيه العراق، أبو عمران ، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن [النخع] النخعي ، اليماني ثم الكوفي ، أحد الأعلام ، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد .

روى عن خاله ، ومسروق ، وعلقمة بن قيس ، وعبيدة السلماني ، وأبي زرعة البَجَلي ، وخيثمة بن عبد الرحمن ، والربيع بن خُثَيم ، وأبي الشعثاء المحاربي ، وسهم بن منجاب ، وسويد بن غفلة ، والقاضي شريح ، وشريح بن أرطاة ، وأبي معمر عبد الله بن سَخْبَرة ، وعبيد بن نُضَيْلة ، وعمارة بن عمير ، وأبي عبيدة بن عبد الله ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وخاله عبد الرحمن بن يزيد ، وهمام بن الحارث ، وخلق سواهم من كبار التابعين .

ولم نجِد له سماعا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة كالبراء وأبي جُحَيْفة وعمرو بن حُرَيث.

وقد دخل على أم المؤمنين عائشة وهو صبي ، ولم يثبت له منها سماع ؛ على أن روايته عنها في كتب أبي داود والنسائي والقزويني ، فأهل الصنعة يعدون ذلك غير متصل مع عدِّهم كلهم لإبراهيم في التابعين ، ولكنه ليس من كبارهم ، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود ، واسع الرواية ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، كثير المحاسن ، رحمه الله تعالى .

روى عنه الحكم بن عتيبة ، وعمرو بن مرة ، وحماد بن أبي سليمان تلميذه ، وسماك بن حرب ، ومغيرة بن مِقْسَم تلميذه ، وأبو معشر بن زياد بن كليب ، وأبو حصين عثمان بن عاصم ، ومنصور بن المعتمر ، وعبيدة بن مُعَتَّب وإبراهيم بن مهاجر ، والحارث العُكْلي ، وسليمان الأعمش ، وابن عون ، وشباك الضَّبِّي ، وشعيب بن الحبحاب ، وعبيدة بن معتب ، وعطاء بن السائب ، وعبد الرحمن بن أبي الشعثاء المحاربي ، وعبد الله بن شُبْرُمة ، وعلي بن مدرك ، وفضيل بن عمرو الفقيمي ، وهشام بن عائذ الأسدي ، وواصل بن حيان الأحدب ، وزُبيد اليامي ، ومحمد بن خالد الضبي ، ومحمد بن سُوقَة ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبو حمزة الأعور ميمون ، وخلق سواهم .

قال أحمد بن عبد الله العجلي : لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أدرك منهم جماعة ، ورأى عائشة .

وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما ، وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقِّيا ، قليل التكلف وهو مختفٍ من الحجاج .

روى أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صَيْرفي الحديث .

وروى جرير عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : كان الشعبي وإبراهيم وأبو الضحى يجتمعون في المسجد يتذاكرون الحديث ، فإذا جاءهم شيء ليس فيه عندهم رواية ، رموا إبراهيم بأبصارهم .

قال يحيى بن معين : مراسيل إبراهيم أحبُّ إليّ من مراسيل الشعبي . قاله عباس عنه .

قال ابن عون : وصفت إبراهيم لابن سيرين ، قال : لعله ذاك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة ، كان في القوم وكأنه ليس فيهم .

شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : ما كتبت شيئا قط .

قال مغيرة : كنا نهابُ إبراهيم هيبة الأمير .

وقال طلحة بن مصرِّف : ما بالكوفة أعجب إليّ من إبراهيم وخيثمة.

قال فضيل الفُقيمي : قال لي إبراهيم : ما كتب إنسان كتابا إلا اتَّكل عليه .

قال أبو قطن : حدثنا شعبة ، عن الأعمش : قلت لإبراهيم : إذا حدثتني عن عبد الله فأسند ، قال : إذا قلت : قال عبد الله ، فقد سمعته من غير واحد من الصحابة ، وإذا قلت : حدثني فلان ، فحدثني فلان .

وقال مغيرة : كره إبراهيم أن يستند إلى سارية .

حماد بن زيد ، عن ابن عون : جلست إلى إبراهيم ، فقال في المرجئة قولا غيره أحسن منه .

وجاء ذم الإرجاء من وجوه عنه .

وقال سعيد بن جبير : أتستفتوني وفيكم إبراهيم ؟ .

قال الحاكم : كان إبراهيم النخعي يحج مع عمه وخاله علقمة والأسود .

وكان يبغض المرجئة ويقول : لأنا على هذه الأمة -من المرجئة- أخوفُ عليهم من عدتهم من الأزارقة .

توفي وله تسع وأربعون سنة .

حماد بن زيد : حدثنا شعيب بن الحبحاب ، حدثتني هُنَيْدة امرأة إبراهيم ، أن إبراهيم كان يصوم يوما ويفطر يوما .

قال سعيد بن صالح الأشج ، عن حكيم بن جبير ، عن إبراهيم ، قال : ما بها عريف إلا كافر .

عفان : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا ابن عون ، قال : كان إبراهيم يأتي السلطان ، فيسألهم الجوائز .

وقال محمد بن ربيعة الكلابي عن العلاء بن زهير ، قال : قدم إبراهيم على أبي وهو على حُلْوان ، فحمله على برذون ، وكساه أثوابا ، وأعطاه ألف درهم فقبِلَهُ .

قال الأعمش : ربما رأيت إبراهيم يُصلي ثم يأتينا ، فيمكث ساعة كأنه مريض .

قال أبو حنيفة عن حماد ، قال : بشَّرْتُ إبراهيم بموت الحجاج ، فسجد ، ورأيته يبكي من الفرح .

وقال سلمة بن كهيل : ما رأيت إبراهيم في صيف قط إلا وعليه مِلحفة حمراء وإزار أصفر .

وقال مغيرة : رأيت إبراهيم يُرْخي عمامته من ورائه .

وقال يحيى القطان : [مات وهو] ابن نيف وخمسين بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة .

قال محمد بن سعد : دخل إبراهيم على أم المؤمنين عائشة ، وسمع زيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك .

روى عنه الشعبي ، ومنصور ، والمغيرة بن مقسم ، والأعمش وغيرهم من التابعين .

عبد الله بن جعفر الرقي : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أُنيسة ، عن طلحة بن مصرف ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : يا أبا عمران ، من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : دخلت على أم المؤمنين عائشة .

سليمان بن داود المُبَاركي : حدثنا أبو شهاب ، عن الحسن بن عمرو ، عن أبيه ، أنه دخل على إبراهيم فقال : يا أبا عمران .

وقال ضمره بن ربيعة : سمعت رجلا يذكر أن حماد بن أبي سليمان قدم عليهم البصرة ، فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف ، فقال له : ضع عنك نصرانيتك هذه ، فلقد رأيتني ننتظر إبراهيم فيخرج عليه معصفرة ، ونحن نرى أن الميتة قد حلت له .

شعبة ، عن أبي معشر ، عن النخعي ، أنه كان يدخل على عائشة فيرى عليها ثيابا حبرا ، فقال أيوب : وكيف كان يدخل عليها؟ ! قال : كان يخرج مع عمه وخاله حاجا وهو غلام قبل أن يحتلم ، وكان بينهم ودٌّ وإخاء ، وكان بينهما وبين عائشة ود وإخاء .

شريك ، عن سليمان بن يسير ، عن إبراهيم : أدخلني خالي الأسود على عائشة وعلي أوضاح .

جرير ، عن مغيرة ، قال : كان إبراهيم يدخل على عائشة مع الأسود وعلقمة ، ومات وله سبع وخمسون سنة أو نحوه.

وقال سليم بن أخضر : حدثنا ابن عون ، قال : مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين .

علي بن عاصم : حدثنا مغيرة ، قال : قيل لإبراهيم : قتل الحجاج سعيد بن جبير . قال : يرحمه الله ، ما تُرِك بعده خلف ، قال : فسمع بذلك الشعبي فقال : هو بالأمس يعيبه بخروجه على الحجاج ، ويقول اليوم هذا ! فلما مات إبراهيم ، قال الشعبي : ما تُرك بعده خلف .

نعيم بن حماد : حدثنا جرير ، عن عاصم ، قال : تبعت الشعبي ، فمررنا بإبراهيم ، فقام له إبراهيم عن مجلسه ، فقال له الشعبي : أما إني أفقه منك حيا ، وأنت أفقه مني ميتا ، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك ، فيحيون علمك .

محمد بن طلحة بن مصرف : حدثني ميمون أبو حمزة الأعور ، قال : قال لي إبراهيم : تكلمت ، ولو وجدت بُدا لم أتكلم ، وإن زمانا أكون فيه فقيها لزمان سوء .

قال أبو حمزة الثمالي : كنت عند إبراهيم النخعي ، فجاء رجل فقال : يا أبا عمران ، إن الحسن البصري يقول : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقال رجل : هذا من قاتل على الدنيا ، فأما قتال من بغى ، فلا بأس به . فقال إبراهيم : هكذا قال أصحابنا عن ابن مسعود . فقالوا له : أين كنت يوم الزاوية ؟ قال : في بيتي . قالوا : فأين كنت يوم الجماجم ؟ قال : في بيتي . قالوا : فإن علقمة شهد صفين مع علي . فقال: بخٍ بخٍ ، من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله.

عن شعيب بن الحبحاب ، قال : كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا سابع سبعة أو تاسع تسعة . فقال الشعبي : أدفنتم صاحبكم ؟ قلت : نعم . قال : أما إنه ما ترك أحدا أعلم منه ، أو أفقه منه . قلت : ولا الحسن ولا ابن سيرين ؟ قال : نعم ، ولا من أهل البصرة ، ولا من أهل الكوفة ، ولا من أهل الحجاز. وفي رواية : ولا من أهل الشام .

روى الترمذي من طريق شعبة عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : أسْنِدْ لي عن ابن مسعود . فقال : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله بن مسعود ، فهو الذي سمعت ، وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله .

في سن إبراهيم قول .ان : أحدهما عاش تسعا وأربعين سنة . الثاني أنه عاش ثمانيا وخمسين سنة.

مات سنة ست وتسعين.
روى الترمذي من طريق شعبة عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : أسْنِدْ لي عن ابن مسعود . فقال : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله بن مسعود ، فهو الذي سمعت ، وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله .

في سن إبراهيم قول .ان : أحدهما عاش تسعا وأربعين سنة . الثاني أنه عاش ثمانيا وخمسين سنة.

مات سنة ست وتسعين.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:18 AM
الإمام طاوس
هو طاوس ابن كيسان ، الفقيه القدوة عالم اليمن ، أبو عبد الرحمن الفارسي ، ثم اليمني الجندي الحافظ .

كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لأخذ اليمن له ، فقيل : هو مولى بحير بن ريسان الحميري ، وقيل : بل ولاؤه لهمدان . أراه ولد في دولة عثمان - رضي الله عنه - أو قبل ذلك .

سمع من زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وزيد بن أرقم ، وابن عباس ، ولازم ابن عباس مدة ، وهو معدود في كبراء أصحابه .

وروى أيضا عن جابر ، وسراقة بن مالك ، وصفوان بن أمية ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعن زياد الأعجم ، وحجر المدري ، وطائفة . وروى عن معاذ مرسلا .

روى عنه عطاء ، ومجاهد ، وجماعة من أقرانه ، وابنه عبد الله ، والحسن بن مسلم ، وابن شهاب ، وإبراهيم بن ميسرة ، وأبو الزبير المكي ، وسليمان التيمي ، وسليمان بن موسى الدمشقي ، وقيس بن سعد المكي ، وعكرمة بن عمار ، وأسامة بن زيد الليثي ، وعبد الملك بن ميسرة ، وعمرو بن دينار ، وعبد الله بن أبي نجيح ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وخلق سواهم . وحديثه في دواوين من الإسلام ، وهو حجة باتفاق .

فروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : إني لأظن طاوسا من أهل الجنة .

وقال قيس بن سعد : هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة .

سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح قال : قال مجاهد لطاوس : رأيتك يا أبا عبد الرحمن تصلي في الكعبة ، والنبي صلى على بابها يقول لك : اكشف قناعك ، وبين قراءتك ، قال طاوس : اسكت لا يسمع هذا منك أحد ، قال : ثم خيل إلي أنه انبسط في الكلام ، يعني فرحا بالمنام .

عبد الرزاق ، عن دواد بن إبراهيم أن الأسد حبس ليلة الناس في طريق الحج ، فدق الناس بعضهم بعضا ، فلما كان السحر ، ذهب عنهم ، فنزلوا وناموا ، وقام طاوس يصلي ، فقال له رجل : ألا تنام ، فقال : وهل ينام أحد السحر .

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أخبرنا يوسف بن خليل ، أخبرنا أبو المكارم اللبان ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا محمد بن بدر ، حدثنا حماد بن مدرك ، حدثنا عثمان بن طالوت ، حدثنا عبد السلام بن هاشم ، عن الحر بن أبي الحصين العنبري قال : مر طاوس برواس قد أخرج رأسا فغشي عليه .

وروى عبد الله بن بشر الرقي قال : كان طاوس إذا رأى تلك الرءوس المشوية ، لم يتعش تلك الليلة . سمعه منه معمر بن سليمان .

وبه إلى أبي نعيم ، حدثنا الطبراني ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس أو غيره أن رجلا كان يسير مع طاوس ، فسمع غرابا ينعب فقال : خير ، فقال طاوس : أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني ، أو قال : لا تمش معي .

وبه إلى عبد الرزاق سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف ، أو أيوب بن يحيى بعث إلى طاوس بسبعمائة دينار أو خمسمائة ، وقيل للرسول : إن أخذها الشيخ منك ، فإن الأمير سيحسن إليك ويكسوك ، فقدم بها على طاوس الجند ، فأراده على أخذها ، فأبى فغفل طاوس ، فرمى بها الرجل في كوة البيت ، ثم ذهب وقال لهم : قد أخذها ، ثم بلغهم عن طاوس شيء يكرهونه فقال : ابعثوا إليه ، فليبعث إلينا بمالنا ، فجاءه الرسول ، فقال : المال الذي بعث به الأمير إليك ، قال ما قبضت منه شيئا ، فرجع الرسول ، وعرفوا أنه صادق ، فبعثوا إليه الرجل الأول ، فقال : المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن ، قال : هل قبضت منك شيئا ؟ قال : لا ، ثم نظر حيث وضعه ، فمد يده فإذا بالصرة قد بنى العنكبوت عليها ، فذهب بها إليهم .

وبه قال أبو نعيم ، حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبو معمر ، عن ابن عيينة قال : قال عمر بن عبد العزيز لطاوس : ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين - يعني سليمان بن عبد الملك - قال : مالي إليه حاجة ، فكأن عمر عجب من ذلك . قال سفيان : وحلف لنا إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة : ورب هذه البنية ما رأيت أحدا ، الشريف والوضيع عنده بمنزلة ، إلا طاوسا .

وبه حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس قال : كنت لا أزال أقول لأبي : إنه ينبغي أن يخرج على هذا السلطان ، وأن يفعل به ، قال : فخرجنا حجاجا ، فنزلنا في بعض القرى ، وفيها عامل - يعني لأمير اليمن - يقال له : ابن نجيح ، وكان من أخبث عمالهم ، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد ، فجاء ابن نجيح ، فقعد بين يدي طاوس ، فسلم عليه ، فلم يجبه ، ثم كلمه فأعرض عنه ، ثم عدل إلى الشق الآخر ، فأعرض عنه ، فلما رأيت ما به قمت إليه ، فمددت بيده وجعلت أسائله ، وقلت له : إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك ، فقال العامل : بلى معرفته بي فعلت ما رأيت قال : فمضى وهو ساكت لا يقول لي شيئا ، فلما دخلت المنزل قال : أي لكع ، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك ، لم تستطع أن تحبس عنه لسانك . محمد بن المثنى العنزي ، حدثنا مطهر بن الهيثم الطائي ، عن أبيه ، قال : حج سليمان بن عبد الملك ، فخرج حاجبه فقال : إن أمير المؤمنين قال : ابغوا إلي فقيها أسأله عن بعض المناسك ، قال : فمر طاوس ، فقالوا : هذا طاوس اليماني ، فأخذه الحاجب فقال : أجب أمير المؤمنين ، قال : أعفني ، فأبى ، ثم أدخله عليه ، قال طاوس : فلما وقفت بين يديه قلت : إن هذا المجلس يسألني الله عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم ، هوت فيها سبعين خريفا ، حتى استقرت قرارها ، أتدري لمن أعدها الله ؟ قال : لا ويلك لمن أعدها ؟ قال : لمن أشركه الله في حكمه فجار قال : فكبا لها .

قال أبو عاصم النبيل : زعم لي سفيان قال : جاء ابن لسليمان بن عبد الملك ، فجلس إلى جنب طاوس ، فلم يلتفت إليه فقيل له : جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه ! قال : أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما في يديه .

روى أبو أمية عن داود بن شابور قال : قال رجل لطاوس : ادع الله لنا ، قال : ما أجد لقلبي خشية ، فأدعو لك .

ويروى أن طاوسا جاء في السحر يطلب رجلا ، فقالوا : هو نائم ، قال : ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه أن طاوسا قال له : يا أبا نجيح ! من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله .

ابن عيينة عن هشام بن حجير ، عن طاوس قال : لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج . وروى سفيان الثوري عن سعيد بن محمد قال : كان من دعاء طاوس : اللهم احرمني كثرة المال والولد ، وارزقني الإيمان والعمل . [
قال ابن شهاب : لو رأيت طاوسا ، علمت أنه لا يكذب . الأعمش ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس قال : أدركت خمسين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وعن حبيب بن أبي ثابت قال : اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم عند أحد : عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة .

معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : لقي عيسى عليه السلام إبليس ، فقال : أما علمت أنه لا يصيبك إلا ما قدر لك ، قال : نعم ، قال : فارق ذروة هذا الجبل فترد منه ، فانظر أتعيش أم لا ، قال عيسى : إن الله يقول : لا يجربني عبدي ، فإني أفعل ما شئت . ورواه معمر عن الزهري وفيه : فقال : إن العبد لا يبتلي ربه ، ولكن الله يبتلي عبده ، قال : فخصمه .

حفص بن غياث ، عن ليث قال : كان طاوس إذا شدد الناس في شيء ، رخص هو فيه ، وإذا ترخص الناس في شيء ، شدد فيه ، قال ليث : وذلك للعلم .

عنبسة بن عبد الواحد ، عن حنظلة بن أبي سفيان قال : ما رأيت عالما قط يقول : لا أدري أكثر من طاوس . وقال سفيان الثوري : كان طاوس يتشيع وقال معمر : احتبس طاوس على رفيق له حتى فاته الحج . قلت : قد حج مرات كثيرة .

وقال جرير بن حازم : رأيت طاوسا يخضب بحناء شديدة الحمرة وقال فطر بن خليفة : كان طاوس يتقنع ويصبغ بالحناء .

قال عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي : رأيت طاوسا وبين عينيه أثر السجود .

سفيان الثوري ، عن رجل قال : كان من دعاء طاوس اللهم احرمني كثرة المال والولد .

قال معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : عجبت لإخوتنا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا . قلت : يشير إلى المرجئة منهم الذين يقولون : هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابة .

ابن جريج : حدثنا إبراهيم بن ميسرة أن محمد بن يوسف الثقفي استعمل طاوسا على بعض الصدقة ، فسألت طاوسا كيف صنعت ؟ قال : كنا نقول للرجل : تزكي رحمك الله مما أعطاك الله ؟ فإن أعطانا أخذنا ، وإن تولى ، لم نقل تعال .

وبلغنا أن ابن عباس كان يجل طاوسا ، ويأذن له مع الخواص ولما قدم عكرمة اليمن ، أنزله طاوس عنده ، وأعطاه نجيبا .

روى إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس قال : لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه ، لشدت إليه المطايا .

توفي طاوس بمكة أيام الموسم ، ومن زعم أن قبر طاوس ببعلبك ،فهو لا يدري ما يقول ، بل ذاك شخص اسمه طاوس إن صح ، كما أن قبر أبي بشرقي دمشق ، وليس بأبي بن كعب البتة .

وطاوس هو الذي ينقل عنه ولده أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا ، وما ذاك إلا أن الحجاج وذويه كانوا يحلفون الناس على البيعة للإمام بالله وبالعتاق والطلاق والحج وغير ذلك . فالذي يظهر لي أن أخا الحجاج - وهو محمد بن يوسف أمير اليمن - حلف الناس بذلك ، فاستفتي طاوس في ذلك ، فلم يعده شيئا ، وما ذاك إلا لكونهم أكرهوا على الحلف . فالله أعلم .

ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب قال : شهدت جنازة طاوس بمكة سنة خمس ومائة ، فجعلوا يقولون : رحم الله أبا عبد الرحمن ، حج أربعين حجة .

وروى عبد الرزاق ، عن أبيه قال : مات طاوس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث ابن هشام بن عبد الملك بالحرس ، قال : فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن واضعا السرير على كاهله ، فسقطت قلنسوة كانت عليه ، ومزق رداؤه من خلفه ، فما زايله إلى القبر ، توفي بمزدلفة أو بمنى .
وقال محمد بن عمر الواقدي ، ويحيى القطان ، والهيثم وغيرهم : مات طاوس سنة ست ومائة ، ويقال : كانت وفاته يوم التروية من ذي الحجة وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك ، اتفق له ذلك ، ثم بعد أيام اتفق له الصلاة بالمدينة على سالم بن عبد الله .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:19 AM
الإمام ابن خُزَيْمة
هو‌ محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر. الحافظ الحجة الفقيه , شيخ الإسلام , إمام الأئمة أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي , صاحب التصانيف.

ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين وعني في حداثته بالحديث والفقه , حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.

سمع من إسحاق بن راهويه , ومحمد بن حميد , ولم يحدث عنهما , لكونه كتب عنهما في صغره وقبل فهمه وتبصره , وسمع من محمود بن غيلان , وعتبة بن عبد الله المروزي , وعلي بن حجر , وأحمد بن منيع , وبشر بن معاذ , وأبي كريب , وعبد الجبار بن العلاء , وأحمد بن إبراهيم الدورقي , وأخيه يعقوب , وإسحاق بن شاهين , وعمرو بن علي , وزياد بن أيوب , ومحمد بن مهران الجمال , وأبي سعيد الأشج , ويوسف بن واضح الهاشمي , ومحمد بن بشار , ومحمد بن مثنى , والحسين بن حريث , ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني , ومحمد بن يحيى , وأحمد بن عبدة الضبي , ونصر بن علي , ومحمد بن علي , ومحمد بن عبد الله المخرمي , ويونس بن عبد الأعلى , وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي , ويوسف بن موسى , ومحمد بن رافع , ومحمد بن يحيى القطعي , وسلم بن جنادة , ويحيى بن حكيم , وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي والحسن بن محمد الزعفراني , وهارون بن إسحاق الهمداني , وأمم سواهم , ومنهم : إسحاق بن موسى الخطمي , ومحمد بن أبان البلخي.

حدث عنه : البخاري , ومسلم في غير" الصحيحين " , ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم - أحد شيوخه , وأحمد بن المبارك المستملي , وإبراهيم بن أبي طالب , وأبو حامد بن الشرقي , وأبو العباس الدغولي , وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري , وأبو حاتم البستي , وأبو أحمد بن عدي , وأبو عمرو بن حمدان , وإسحاق بن سعد النسوي , وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه , وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ , وحفيده محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة , ومحمد بن أحمد بن علي بن نصير المعدل , وأبو بكر بن إسحاق الصبغي , وأبو سهل الصعلوكي , والحسين بن علي التميمي حُسَيْنَك .

وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين , وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري , والخليل بن أحمد السِّجْزي القاضي , وأبو سعيد محمد بن بشر الكرابيسي , وأبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحاكم , وأبو نصر أحمد بن الحسين المرواني , وأبو العباس أحمد بن محمد الصندوقي , وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري , وأبو الوفاء أحمد بن محمد بن حمويه المزكي , وخلق كثير.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري : لم أرَ أحدا مثل ابن خزيمة.

قلت : يقول مثل هذا وقد رأى النسائي.

قال أبو أحمد حسينك : سمعت إمام الأئمة أبا بكر يحكي عن علي بن خشرم , عن ابن راهويه : أنه قال : أحفظ سبعين ألف حديث. فقلت لابن خزيمة : كم يحفظ الشيخ ؟ فضربني على رأسي وقال : ما أكثر فضولك ! ثم قال : يا بني ، ما كتبت سوداء في بياض إلا وأنا أعرفه.

قال أبو علي الحافظ : كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة.

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي , أخبرنا عبد الله بن عمر , أخبرنا أبو الوقت , أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن صالح , حدثنا أبي , حدثنا أبو حاتم بن حبان التميمي قال : ما رأيت على وجه الأرض من يحفظ صناعة السنن , ويحفظ ألفاظها الصحاح , وزياداتها , حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط.

قال أبو الحسن الدارقطني : كان ابن خزيمة إماما ثبتا , معدوم النظير.

حكى أبو بشر القطان قال : رأى جار لابن خزيمة -من أهل العلم- كأن لوحا عليه صورة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وابن خزيمة يصقُلُه. فقال المعبر : هذا رجل يحيي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام أبو العباس بن سريج -وذُكر له ابن خزيمة- فقال : يستخرج النكت من حديث رسول الله بالمنقاش.

وقد كان هذا الإمام جهبذا بصيرا بالرجال , فقال -فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر- شيخ الحاكم : لست أحتج بشهر بن حوشب , ولا بحريز بن عثمان لمذهبه ولا بعبد الله بن عمر , ولا ببقية , ولا بمقاتل بن حيان , ولا بأشعث بن سوار , ولا بعلي بن جدعان لسوء حفظه , ولا بعاصم بن عبيد الله , ولا بابن عقيل , ولا بيزيد بن أبي زياد , ولا بمجالد , ولا بحجاج بن أرطاة إذا قال : عن , ولا بأبي حذيفة النهدي , ولا بجعفر بن برقان , ولا بأبي معشر نجيح , ولا بعمر بن أبي سلمة , ولا بقابوس بن أبي ظبيان. ثم سمى خلقا دون هؤلاء في العدالة ؛ فإن المذكورين احتج بهم غير واحد.

وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري : سمعت ابن خزيمة يقول : ليس لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول إذا صح الخبر.

قال الحاكم : سمعت محمد بن صالح بن هانئ , سمعت ابن خزيمة يقول : من لم يُقرَّ بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم , وكان ماله فَيْئا.

قلت : من أقرَّ بذلك تصديقا لكتاب الله , ولأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله , ولم يخض في التأويل ولا عمق , فهو المسلم المتبع , ومن أنكر ذلك , فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصِّر , والله يعفو عنه , إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك , ومن أنكر ذلك بعد العلم , وقفا غير سبيل السلف الصالح , وتمعقل على النص , فأمره إلى الله , نعوذ بالله من الضلال والهوى.

وكلام ابن خزيمة هذا -وإن كان حقا- فهو فَج , لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.

قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه : سمعتُ ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله تعالى , ومن قال إنه مخلوق. فهو كافر , يستتاب , فإن تاب وإلا قُتل , ولا يُدفن في مقابر المسلمين.

ولابن خزيمة عظمة في النفوس , وجلالة في القلوب لعلمه ودينه , واتباعه السنة.

وكتابه في " التوحيد " مجلد كبير , وقد تأوَّل في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل ؛ بل آمنوا وكفوا , وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله , ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه , وتوخيه لاتباع الحق- أهدرناه , وبدعناه , لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه.

قال الحاكم : فضائل إمام الأئمة ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة , ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل , والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء. قال : وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء.

قال حمد بن عبد الله المعدل : سمعت عبد الله بن خالد الأصبهاني يقول : سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة فقال : ويحكم ! هو يُسأل عنا ولا نُسأل عنه ! هو إمام يُقتدى به.

قال الإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي : حضرت ابن خزيمة , فقال له أبو بكر النقاش المقرئ : بلغني أنه لما وقع بين المزني وابن عبد الحكم , قيل للمزني : إنه يرد على الشافعي. فقال المزني : لا يمكنه إلا بمحمد بن إسحاق النيسابوري. فقال أبو بكر : كذا كان.

وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المضارب قال : رأيت ابن خزيمة في النوم , فقلت : جزاك الله عن الإسلام خيرا , فقال : كذا قال لي جبريل في السماء.

قال الحاكم : حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- , قال : لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ , كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا , مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي , وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان , ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني الصبغي- خليفة ابن خزيمة في الفتوى , وأحسن الجماعة تصنيفا , وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين , وأبي بكر بن أبي عثمان , وهو آدبهم , وأكثرهم جمعا للعلوم , وأكثرهم رحلة , وشيخ المطوعة والمجاهدين , وأبي محمد يحيى بن منصور , وكان من أكابر البيوتات , وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء.

قال : فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور , وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه , وهو معتزلي , وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم , واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا : هذا إمام لا يسرع في الكلام , وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه , وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري , فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.

قال الحاكم : سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : كان من قضاء الله -تعالى- أن الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته , هو وجماعة من أصحابه -جهلا منهم- فسألوه أن يتخذ ضيافة , وكان لابن خزيمة بساتين نزهة. قال : فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها.

وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي : أن الضيافة كانت في جمادى الأولى سنة تسع وثلاث مائة , وكانت لم يعهد مثلها , عملها ابن خزيمة , فأحضر جملة من الأغنام والحملان , وأعدال السكر , والفرش , والآلات , والطباخين , ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب , فاجتمعوا بجَنْزَرُوذ وركبوا منها , وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقا سوقا , يسألهم أن يجيبوه , ويقول لهم : سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم. فكانوا يجيئون فوجا فوجا حتى لم يبق كبير أحد في البلد -يعني نيسابور- والطباخون يطبخون , وجماعة من الخبازين يخبزون , حتى حمل أيضا جميع ما وجدوا في البلد من الخبز والشواء على الجمال والبغال والحمير , والإمام -رحمه الله- قائم يجري أمور الضيافة على أحسن ما يكون , حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها.

فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال : لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم , وجرى ذكر كلام الله : أقديم هو لم يزل , أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به ؟ فوقع بيننا في ذلك خوض , قال جماعة منا : كلام البارئ قديم لم يزل.

وقال جماعة : كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه. فبكرت إلى أبي علي الثقفي , وأخبرته بما جرى فقال : من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث. وانتشرت هذه المسألة في البلد , وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة , وأخبروه بذلك حتى قال منصور : ألم أقل للشيخ : إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية ؟ وهذا مذهبهم. قال : فجمع ابن خزيمة أصحابه وقال : ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام ؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.

قال الحاكم : وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال : لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه , وكان أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه , ويحضران مجلس أبي علي الثقفي , فيقرءون ذلك على الملأ , حتى استحكمت الوحشة.

سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ , سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق , ومن قال : شيء منه مخلوق. أو يقول : إن القرآن محدث , فهو جهمي , ومن نظر في كتبي , بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي , قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي , وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي , والصبغي , ويحيى بن منصور- كذبة , قد كذبوا علي في حياتي , فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني , وابن أبي عثمان أكذبهم عندي , وأقولهم علي ما لم أقله.

قلت : ما هؤلاء بكذبة ؛ بل أئمة أثبات , وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم. فقبح الله من ينقل البهتان , ومن يمشي بالنميمة.

قال الحاكم : وسمعت محمد بن أحمد بن بالويه , سمعت ابن خزيمة يقول : من زعم بعض هؤلاء الجهلة : أن الله لا يكرر الكلام , فلا هم يفهمون كتاب الله. إن الله قد أخبر في مواضع أنه خلق آدم , وكرر ذكر موسى , وحمد نفسه في مواضع , وكرر فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ولم أتوهم أن مسلما يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين , وهذا قول من زعم أن كلام الله مخلوق , ويتوهم أنه لا يجوز أن يقول : خلق الله شيئا واحدا مرتين.

قال الحاكم : سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : لما وقع من أمرنا ما وقع , وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم , واغتنم أبو القاسم , وأبو بكر بن علي , والبردعي السعي في فساد الحال , انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة , وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم , وبين له غرض المخالفين في فساد الحال , إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده , فدخلت أنا , وأبو علي , وأبو بكر بن أبي عثمان , فقال له أبو علي الثقفي : ما الذي انكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه ؟ قال : ميلكم إلى مذهب الكلابية , فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب على أصحابه مثل الحارث وغيره.

حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب , فقلت : قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق , فأخرجت إليه الطبق , فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه , ثم قال : لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه , فكتب آخر تلك الأحرف , فقلت لأبي عمرو الحيري : احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام , ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا , فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا : إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط , وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال.

فقبل منهم , فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه , فامتنع عليه أبو عمرو , ولم يرده حتى مات ابن خزيمة , وقد أوصيت أن يدفن معي , فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه وهو : القرآن كلام الله تعالى , وصفة من صفات ذاته , ليس شيء من كلامه مخلوق , ولا مفعول , ولا محدث , فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث , أو زعم أن الكلام من صفة الفعل , فهو جهمي ضال مبتدع , وأقول : لم يزل الله متكلما , والكلام له صفة ذات , ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة , ولم يتكلم إلا ما تكلم به , ثم انقضى كلامه , كفر بالله , وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا فيقول : هل من داع فأجيبه .

فمن زعم أن علمه تنزل أوامره ضلّ , ويكلم عباده بلا كيف الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لا كما قالت الجهمية إنه على الملك احتوى , ولا استولى. وإن الله يخاطب عباده عودا وبدءا , ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه , ومن زعم غير ذلك , فهو ضال مبتدع. وساق سائر الاعتقاد.

قلت : كان أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته , وكبير الشافعية بنيسابور , حمل عنه الحاكم علما كثيرا.

ولابن خزيمة ترجمة طويلة في " تاريخ نيسابور " تكون بضعا وعشرين ورقة , من ذلك وصيته , وقصيدتان رُثِيَ بهما.

وضبط وفاته في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مائة عاش تسعا وثمانين سنة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:20 AM
الإمام ابن قدامة
هو الشيخ الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب " المغني " مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة إحدى وأربعين وخمس مائة في شعبان .

وهاجر مع أهل بيته وأقاربه ، وله عشر سنين ، وحفظ القرآن ، ولزم الاشتغال من صغره ، وكتب الخط المليح ، وكان من بحور العلم وأذكياء العالم . ورحل هو وابن خاله الحافظ عبد الغني في أول سنة إحدى وستين في طلب العلم إلى بغداد فأدركا نحو أربعين يوما من جنازة الشيخ عبد القادر ، فنزلا عنده بالمدرسة ، واشتغلا عليه تلك الأيام ، وسمعا منه ومن هبة الله بن الحسن الدقاق ، وأبي الفتح بن البطي ، وأبي زرعة بن طاهر ، وأحمد بن المقرب وعلي بن تاج القراء ومعمر بن الفاخر ، وأحمد بن محمد الرحبي ، وحيدرة بن عمر العلوي ، وعبد الواحد بن الحسين البارزي ، وخديجة النهروانية ، ونفيسة البزازة ، وشهدة الكاتبة ، والمبارك بن محمد البادرائي ، ومحمد بن محمد بن السكن ، وأبي شجاع محمد بن الحسين المادرائي ، وأبي حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي ، ويحيى بن ثابت .

وتلا بحرف نافع على أبي الحسن البطائحي ، وبحرف أبي عمرو على أستاذه ابو الفتح بن المني .

وسمع بدمشق من أبي المكارم بن هلال ، وعدة . وبالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي . وبمكة من المبارك بن الطباخ . وله مشيخة سمعناها .

حدث عنه البهاء عبد الرحمن والجمال أبو موسى ابن الحافظ، وابن نقطة ، وابن خليل ، والضياء ، وأبو شامة ، وابن النجار ، وابن عبد الدائم ، والجمال ابن الصيرفي ، والعز إبراهيم بن عبد الله ، والفخر علي ، والتقي ابن الواسطي ، والشمس ابن الكمال ، والتاج عبد الخالق ، والعماد ابن بدران ، والعز إسماعيل ابن الفراء ، والعز أحمد ابن العماد ، وأبو الفهم ابن النميس ، ويوسف الغسولي ، وزينب بنت الواسطي ، وخلق آخرهم موتا التقي أحمد بن مؤمن يروي عنه بالحضور أحاديث . وكان عالم أهل الشام في زمانه.

قال ابن النجار : كان إمام الحنابلة بجامع دمشق ، وكان ثقة حجة نبيلا ، غزير الفضل ، نزها ، ورعا عابدا ، على قانون السلف ، عليه النور والوقار ، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه .

وقال عمر بن الحاجب : هو إمام الأئمة ومفتي الأمة خصه الله بالفضل الوافر ، والخاطر الماطر ، والعلم الكامل طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار ، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية . إلى أن قال : وله المؤلفات الغزيرة ، وما أظن الزمان يسمح بمثله ، متواضع ، حسن الاعتقاد ، ذو أناة وحلم ووقار ، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين ، وكان كثير العبادة ، دائم التهجد ، لم نر مثله ، ولم ير مثل نفسه .

وعمل الشيخ الضياء سيرته في جزئين فقال : كان تام القامة ، أبيض ، مشرق الوجه ، أدعج ، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه ، واسع الجبين ، طويل اللحية قائم الأنف ، مقرون الحاجبين ، صغير الرأس ، لطيف اليدين والقدمين ، نحيف الجسم ، ممتعا بحواسه .

أقام هو والحافظ ببغداد أربع سنين فأتقنا الفقه والحديث والخلاف ، أقاما عند الشيخ عبد القادر خمسين ليلة ومات ، ثم أقاما عند ابن الجوزي ، ثم انتقلا إلى رباط النعال ، واشتغلا على ابن المني . ثم سافر في سنة سبع وستين ومعه الشيخ العماد ، وأقاما سنة .

صنف " المغني " عشر مجـلدات و " الكافي " أربعة ، و" المقنع " مجلدا ، و " العمدة " مجيليدا ، و " القنعة" في الغريب مجيليد و " الروضة " مجلد ، و " الرقة " مجلد ، و " التوابين " مجلد ، و " نسب قريش " مجيليد ، و " نسب الأنصار " مجلد ، و " مختصر الهداية " مجيليد ، و " القدر " جزء ، [و] " مسألة العلو " جزء ، و " المتحابين " جزء ، و " الاعتقاد " جزء ، و " البرهان " جزء ، و " ذم التأويل " جـزء ، و " فضائل الصحابة " مجيليد ، و " فضل العشر " جزء ، [و] "عاشوراء " أجزاء ، [و] " مشيخته " جزآن ، [و] " وصيته " جزء ، [و] " مختصر العلل للخلال " مجلد ، وأشياء .

قال الحافظ الضياء : رأيت أحمد بن حنبل في النوم فألقى علي مسألة ، فقلت : هذه في الخرقي ، فقال : ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي .

قال الضياء : كان رحمه الله إماما في التفسير وفي الحديث ومشكلاته ، إماما في الفقه ، بل أوحد زمانه فيه ، إماما في علم الخلاف ، أوحد في الفرائض ، إماما في أصول الفقه ، إماما في النحو والحساب والأنجم السيارة ، والمنازل .

وسمعت داود بن صالح المقرئ ، سمعت ابن المني يقول - وعنده الإمام الموفق - : إذا خرج هذا الفتى من بغداد احتاجت إليه .

وسمعت البهاء عبد الرحمن يقول : كان شيخنا ابن المني يقول للموفق : إن خرجت من بغداد لا يخلف فيها مثلك .

وسمعت محمد بن محمود الأصهباني يقول : ما رأى أحد مثل الشيخ الموفق .

وسمعت المفتي أبا عبيد الله عثمان بن عبد الرحمن الشافعي يقول عن الموفق : ما رأيت مثله ، كان مؤيدا في فتاويه .

وسمعت المفتي أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة يقول : ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجـة الاجتهاد إلا الموفق .

وسمعت الحافظ أبا عبد الله اليونيني يقول : أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين ، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه ; فإنه كان كاملا في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسـان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الجميلة ، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقلت بهذا : إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات ، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد ، وهو تعليم العلم والسنة ، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا ; كالحلم والكرم والعقل والحياء ، وكان الله قد جبله على خلق شريف ، وأفرغ عليه المكارم إفراغا ، وأسبغ عليه النعم ، ولطف به في كل حال .

قال الضياء : كان الموفق لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم .

قلت : بل أكثر من عاينا لا يناظر أحدا إلا ويَنْسَمُّ .

وقيل : إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه .

وبقي الموفق يجلس زمانا بعد الجمعة للمناظرة ، ويجتمع إليه الفقهاء ، وكان يشـغل إلى ارتفاع النهار ، ومن بعد الظهر إلى المغرب ، ولا يضجر ، ويسمعون عليه ، وكان يقرئ في النحو ، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه . إلى أن قال الضياء : وما علمت أنه أوجع قلب طالب ، وكانت له جـارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئا ، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم . وسمعت البهاء يقول : ما رأيت أكثر احتمالا منه .

قال الضياء : كان حسـن الأخلاق لا يكاد يراه أحد إلا متبسما ، يحكي الحكايات ويمزح . وسمعت البهاء يقول : كان الشيخ في القراءة يمازحنا وينبسط . وكلموه مرة في صبيان يشتغلون عليه ، فقال : هم صبيان ولا بد لهم من اللعب ، وأنتم كنتم مثلهم . وكان لا ينافس أهل الدنيا ، ولا يكاد يشكو ، وربما كان أكثر حاجة من غيره ، وكان يؤثر .

وسمعت البهاء يصفه بالشجاعة ، وقال : كان يتقدم إلى العدو وجرح في كفه ، وكان يرامي العدو .

قال الضياء : وكان يصلي بخشوع ، ولا يكاد يصلي سنة الفجر والعشائين إلا في بيته ، وكان يصلي بين العشائين أربعا "بالسـجدة" ، و "يس" ، و "الدخان" ، و "تبارك" ، لا يكاد يخل بهن ، ويقوم السحر بسبع وربما رفع صوته ، وكان حسن الصوت .

وسمعت الحافظ اليونيني يقول : لما كنت أسمع شناعة الخلق على الحنابلة بالتشبيه عزمت على سؤال الشيخ الموفق ، وبقيت أشهرا أريد أن أسأله ، فصعدت معه الجبل فلما كنا عند دار ابن محارب قلت : يا سيدي ، وما نطقت بأكثر من سيدي ، فقال لي : التشبيه مستحيل ، فقلت : لم ؟ قال : لأن من شرط التشبيه أن نرى الشيء ، ثم نشبهه ، من الذي رأى الله ثم شبهه لنا ؟

وذكر الضياء حكايات في كراماته .

وقال أبو شامة كان إماما علما في العلم والعمل ، صنف كتبا كثيرة ، لكن كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه ، فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار .

قلت : وهو وأمثاله متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم ! وكذا كل فرقة تتعجب من الأخرى ، ولا عجب في ذلك ، ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة .

قال الضياء : وجـاءه من بنت عمته مريم المجد عيسى ، ومحمد ، ويحيى ، وصفية ، وفاطمة ، وله عقب من المجد . ثم تسرى بجـارية ، ثم بأخرى ، ثم تزوج عزية فماتت قبله ، وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر ، ودفن من الغد سنة عشرين وست مائة ، وكان الخلق لا يحصون . توفي بمنزله بالبلد . قال : وكنت فيمن غسله .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:22 AM
الإمام ابن رشد
(450 - 520 هـ = 1058 - 1126 م)
الإمام العلامة شيخ المالكية قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي . من أعيان المالكية. وهو جد ابن رشد الفيلسوف محمد بن أحمد.

ولد في قرطبة ، وبها نشأ، كان محمد ابن رشد ـ بإجماع من ترجموا له ـ ناسكاً عفيفاً، كريم الخلق سهل الحجاب، كما كان أستاذاً بطبعه، يحب التدريس ويحسن طرق التبليغ، تسعفه مادة غزيرة، وتفكير منظم، وعبارة منطلقة، وحرص على نفع الطلبة. ولم ينل ابن رشد تقدير الأوساط العلمية ببلده وكفى، بل أجله الناس في العدوتين، حتى أمير المسلمين ملك المرابطين في مراكش، واعتقده أهل قرطبة بصفة خاصة وأحبوه لأنه كان إمامهم وخطيبهم في الجامع الأعظم الذي كان يسع أهل المدينة جميعاً، ورأوا فيه العالم بالشريعة المتحلي بها، إياه يستفتون في مسائل دينهم ودنياهم، وإليه يفزعون فيما يلم بهم من ريب الدهر ونوائبه.

وتعلم على يد أعلام علماء الأندلس :
- كفقيه قرطبة أبي جعفر بن رزق .
- والفقيه الحافظ أبي عبد الله محمد بن خيرة الأموي المعروف بابن أبي العافية .
– والمحدث المسند أبي العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري الدلائي .
- وإمام اللغة في الأندلس أبي مروان عبد الملك بن سراج
- وزعيم المفتين بقرطبة أبي عبد الله محمد بن فرج المعروف بابن الطلاع .
- ورئيس المحدثين بها أبي على حسين بن محمد الغساني الجياني.
- وغيرهم من كبار الشيوخ.

وأخذ عنه عدد لا يحصى من طلبة الأندلس والمغرب، من أشهرهم :
- قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن أصبغ الأزدي.
- وجامع نوازل ابن رشد الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الوزان .
- والقاضي عياض بن موسى السبتي .
والمحدث الفقيه أبو مروان عبد الملك ابن مسرة اليحصبي .
–والمحدث محمد بن يوسف ابن سعادة مؤلف كتاب شجرة الوهم .
- والحافظ المفسر أبو الحسن علي بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن النعمة .
–والمؤرخ خلف بن عبد الملك ابن بشكوال صاحب الصلة .

مؤلفاته :
- البيان والتحصيل
-المقدمات الممهدات
- نوازل ابن رشد، في مجلد ضخم، جمعها تلميذه أبو الحسن ابن الوزان ( وتسمى أيضاً الفتاوى، والأجوبة .
- اختصار المبسوطة ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي.
- تهذيب مشكل الآثار، لأحمد الطحاوي الحنفي .
- النوادر .
- المسائل الخلافية .
- حجب المواريث .
- اختصار الحجب على مذهب مالك بن أنس مما روي عن زيد بن ثابت .
- فهرسة .
- وقد نسب بعضهم - خطأ - إلى محمد ابن رشد الجد كتاب بداية المجتهد، وهو مطبوع معروف النسبة لابن رشد الحفيد.
عاش سبعين سنة ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة وصلى عليه أبو القاسم وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:23 AM
الإمام بن سيرين
هو أبوبكر محمد بن سيرين البصري التابعي الكبير، والإمام القدير في التفسير، والحديث، والفقه، وتعبير الرؤيا، والمقدم في الزهد والورع وبر الوالدين، وكان محدثًا بارعًا وفقيهًا متمكنًا، وقد اجتمع على حبه أهل زمانه، حيث وجدوا فيه من العلم والحكمة والأدب والزهد والتواضع ما جعله يتربع في أفئدتهم ونفوسهم وعقولهم ويحظى بتلك المنزلة الرفيعة ..
وقد اشتهر ابن سيرين بتعبير الرؤى والأحلام بما شكل مدرسة في علم تفسير الأحلام، وهو علم من العلوم الشرعية والفراسات الربانية، من أبرز مؤلفات ابن سيرين كتاب تفسير الأحلام.
مــولده ونشــأته
ولد "محمد بن سيرين" رحمه الله في خلافة [عثمان بن عفان] . كان أبوه (سيرين) مملوكًا لانس بن مالك الصحابي، وكان من نصيبه بعد معركة عين التمر وهي بلدة غربي الكوفة افتتحها خالد بن الوليد في خلافة أبو بكر الصديق ، فأعتقه أنس. قال أنس بن سيرين : ولد أخي محمد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه وأمه اسمها (صفية) وكانت أمة لابي بكر الصديق فأعتقها أيضًا. عرف أبوه وأمه بالصلاح وحُسن السيرة.
طلبه للــعلم
نشأ "محمد بن سيرين" في بيت تحوطه التقوى والورع واتصل بمجموعة كبيرة من الصحابة م مثل: زيد بن ثابت ، عمران بن الحصين ، انس بن مالك, أبو هريرة ، عبد الله بن الزبير ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن عمر أقبل "محمد بن سيرين" على هؤلاء الصحب الكرام ينهل من علمهم وفقههم وروايتهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. قال هشام بن حسان : أدرك محمد ثلاثين صحابياَ .
ومن تلاميذه / قتادة ، وأيوب ، و يونس بن عبيد ، و ابن عون ، و خالد الحذّاء ، وهشام بن حسان ، و عوف الأعرابي ، و قرة بن خالد ، ومهدي بن ميمون ، و جرير بن حازم ، و أبو زياد محمد بن سليم ، و يزيد بن إبراهيم التستري ، و عقبة بن عبد الله الأصم و غيرهم خلق كثير .
شهـرته
اشتهر محمد بن سيرين وذاع صيته وعلت شهرته في البلاد وعُرف بالعلم والورع وقد كانت له مواقف مشهورة مع ولاة بني أمية صدع فيها بكلمة الحق وأخلص النصح لله ولرسوله؛ منها: سأله مرة عمر بن هبيرة والي بني أمية على (العراقين): كيف تركت أهل مصرك يا أبا بكر (كنية ابن سيرين)؟! فقال محمد بن سيرين: تركتهم والظلم فيهم فاش وأنت عنهم لاهٍ. فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت إليه قائلا: إنك لست الذي تُسأل عنهم وإنما أنا الذي أسأل وإنها لشهادة (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فأجزل ابن هبيرة له العطاء فلم يقبل، فعاتبه ابن أخيه قائلا: ما يمنعك أن تقبل هبة الأمير؟ فقال: إنما أعطاني لخير ظنه بي، فإن كنت من أهل الخير كما ظن، فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن، فأحرى بي ألا استبيح قبول ذلك.
ورعـــه
ومن ورع محمد بن سيرين رحمه الله أنه سمع أحد الناس يسب الحجاج بن يوسف بعد وفاته فقال له:" صه يا ابن أخي، فإن الحجاج مضى إلى ربه، وإنك حين تقدم على الله عز وجل ستجد أن أحقر ذنب ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنب اجترحه الحجاج، فلكل منكما يومئذ شأن يغنيه، واعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم كما سيقتص للحجاج ممن يظلمونه، فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد" . منح الله ابن سيرين سمتًا صالحًا وقبولا في قلوب الناس، فكان الناس إذا رأوه في السوق وهم غارقون في غفلتهم انتبهوا وذكروا الله وهللوا وكبَّروا. وكانت له تجارة وله بيع وشراء في السوق فإذا رجع إلى بيته بالليل أخذ في القيام يتلو القرآن ويبكي. وكان في تجارته ورعًا لدرجة أنه ذات مرة اشترى زيتًا بأربعين ألفًا مؤجلة، فلما فتح أحد زقاق الزيت وجد فيه فأرًا ميتًا متفسخًا فقال في نفسه: إن الزيت كله كان في المعصرة في مكان واحد وإن النجاسة ليست خاصة بهذا الزق دون سواه، وإن رددته للبائع بالعيب فربما باعه للناس. فأراق الزيت كله.
ثناء العلمـــاء عليه
قال مورق العجلي: " ما رأيت رجلا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين" .
قال بن عون : كان محمد يأتي بالحديث على حروفه وقال أيضاً : ما رأيت مثل محمد بن سيرين وقال حماد بن زيد ، عن عثمان البتى ، قال : لم يكن أحد بالبصرة أعلم بالقضاء من ابن سيرين . وعن حماد أيضاً عن عاصم ، سمعت مورقاً العجلي يقول : ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين . قال ابن عون ثلاثة لم تر عيناي مثلهم : ابن سيرين بالعراق ، والقاسم بن محمد بالحجاز ، ورجاء بن حيوة بالشام ، كأنهم التقوا فتواضوا . قال أبو عوانة : رأيت محمد بن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله . قال محمد بن جرير الطبري : كان ابن سيرين فقيهاً ، عالماً ، ورعاً ، أديباً ، كثير الحديث ، صدوقاً ، شهد له أهل العلم و الفضل بذلك ، وهو حجة .
قال مهدي بن ميمون : رأيت محمد بن سيرين يحدث بأحاديث الناس ، وينشد الشعر ، ويضحك حتى يميل ، فإذا جاء بالحديث من المسند كلح و تقبض . قال أشعث : كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال و الحرام ، تغير لونه حتى نقول : كأنه ليس بالذي كان . قال ابن شبرمة : دخلت على محمد ابن سيرين بواسط فلم أر أجبن من فتوى منه ، ولا أجرأ على الرؤيا منه . قال هشام : ما رأيت أحداً عند السلطان أصلب من ابن سيرين . وكان ابن سيرين قد حبس في السجن على دين أصابه و قد حبسه مالك بن المنذر ، وقدر روى عبد الحميد بن عبد الله أن السجّان قال لإبن سيرين : إذا كان الليل فأذهب إلى أهلك فإذا أصبحت فتعال . قال لا والله ، لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان .
عن ابن عون قال : أن محمد كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه ظن أن به مرضاً من خفض كلامه عندها .
وفـــاته
قال بن عون : كانت وصية محمد بن سيرين لأهله و بنيه : أن يتقوا الله و يصلحوا ذات بينهم و أن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين و أوصاهم بما أوصى به (( إبراهيم بنيه و يعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنت مسلمون )) و أوصاهم ألا يدعوا أن يكونوا إخوان الأنصار و مواليهم في الدين ، فإن العفاف و الصدق خير و أبقى و أكرم من الزنى و الكذب قال غير واحد : مات محمد بعد الحسن البصري بمائة يوم ، سنة عشر و مئة . توفي محمد بن سيرين بعد أن عمَّر حتى بلغ السابعة والسبعين عامًا، رحمه الله.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:26 AM
الإمام أبو بكر بن عبد الرحمن


هوأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، الإمام، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة النبوية ، أبو عبد الرحمن ، والصحيح أن اسمه كنيته ، وهو من سادة بني مخزوم ، وهو والد عبد الله ، وسلمة ، وعبد الملك ، وعمر ، وأخو عبد الله ، وعبد الملك ، وعكرمة ، ومحمد ، ومغيرة ، ويحيى ، وعائشة ، وأم الحارث ، وكان ضريرا
.
قال ابن سعد وُلد في خلافة عمر ، وكان يقال له : راهب قريش لكثرة صلاته ، وكان مكفوفا .

حدث عن أبيه ، وعمار بن ياسر ، وأبي مسعود الأنصاري ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأبي هريرة ، ونوفل بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبد الرحمن بن مطيع ، وأبي رافع النبوي ، وأسماء بنت عميس ، وطائفة .

وعنه ابناه عبد الله وعبد الملك ، ومجاهد ، وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي ، وعراك بن مالك ، وعمرو بن دينار ، والزهري ، وعبد ربه بن سعيد ، وعكرمة بن خالد ، وسمي مولاه ، وإبراهيم بن مهاجر ، وعبد الله بن كعب الحميري ، وعبد الواحد بن أيمن ، وابن أخته القاسم بن محمد بن عبد الرحمن ، وخلق كثير .

قال الواقدي : اسمه كنيته ، وقد أضرَّ ، وقد استُصغر يوم الجمل فرُدَّ هو وعروة . وكان ثقة ، فقيها ، عالما سخيا ، كثير الحديث .


وقال العجلي وغيره : تابعي ثقة .

وقال ابن خراش : هوأحد أئمة المسلمين ، هو وإخوته يُضرب بهم المثل .

قال أبو داود : كان إذا سجد يضعُ يدَه في طشْت ماء من علة كان يجدها .

وقال الزبير بن بكار : هو أحد فقهاء المدينة السبعة ، وكان يُسمَّى الراهب ، وكان من سادات قريش .

قال إبراهيم بن المنذر : حدثنا معن ، عن ابن أبي الزناد ، أن الفقهاء السبعة الذين كان أبو الزناد يذكرهم : سعيد بن المسيب ، وعروة ، والقاسم ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسليمان بن يسار .

وروي الشعبي عن عمر بن عبد الرحمن أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر .. في حديثٍ ذكره .

قلت : كان أبو بكر بن عبد الرحمن ممن جمع العلم والعمل والشرف ، وكان ممن خلف أباه في الجلالة .

قال الهيثم بن عدي ، وعلي بن عبد الله التميمي ، وابن نمير ، وابن معين ، وأبو عمر الضرير ، والفلاس ، وأبو عبيد : مات سنة أربع وتسعين .

وروى الواقدي ، عن عبد الله بن جعفر المخرمي ، قال : صلى أبو بكر بن عبد الرحمن العصر ، فدخل مُغْتَسَلَهُ فسقط ، فجعل يقول : والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا . فما علمت أن الشمس غربت حتى مات ، وذلك في سنة أربع وتسعين بالمدينة .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:27 AM
الإمام عبد الله بن وهب
هوعبد الله بن وهب ابن مسلم ، الإمام شيخ الإسلام أبو محمد الفهري ، مولاهم المصري الحافظ ،الفقيه .

مولده : سنة خمس وعشرين ومائة أرخه ابن يونس ، وقال : قيل : ولاؤه للأنصار .

طلب العلم ، وله سبع عشرة سنة .

روى عن : ابن جريج ، ويونس بن يزيد ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وحيي بن عبد الله المعافري ، وحيوة بن شريح ، وعمرو بن الحارث ، وأسامة بن زيد الليثي ، وعمر بن محمد العمري ، وعبد الحميد بن جعفر ، وموسى بن علي بن رباح ، وعبد الله بن عامر الأسلمي ، وأبي صخر حميد بن زياد ، وموسى بن أيوب الغافقي ، وأفلح بن حميد ، وعبد الله بن زياد بن سمعان ، ومالك ، والليث ، وابن لهيعة، وحرملة بن عمران ، وسلمة بن وردان المدني ، والضحاك بن عثمان ، وعبد الله بن عياش القتباني ، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وخلق كثير .

لقي بعض صغار التابعين ، وكان من أوعية العلم ، ومن كنوز العمل .

ذكر ابن عبد البر في كتاب "العلم" له : قال ابن وهب : كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم ، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم -عليه السلام- كيف خلقه الله -تعالى- ؟ ونحو هذا ، فشكوت ذلك إلى شيخ ، فقال لي : ابن وهب ، قلت : نعم قال : اطلب العلم . فكان سبب طلبي العلم .

قلت : مع أنه طلب العلم في الحداثة ، نعم ، وحدث عنه خلق كثير ، وانتشر علمه ، وبعد صيته .

روى عنه : الليث بن سعد شيخه ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأصبغ ابن الفرج ، وسعيد بن أبي مريم ، وعبد الله بن صالح ، وأحمد بن عيسى التستري ، وحرملة بن يحيى ، وأحمد بن صالح ، والحارث بن مسكين ، وأبو الطاهر بن السرح ، وعمرو بن سواد ، وهارون بن سعيد الأيلي ، ويحيى بن أيوب المقابري ، وسحنون بن سعيد عالم المغرب ، ويحيى ابن يحيى الليثي ، وعبد الله بن محمد بن رمح ، ويونس بن عبد الأعلى ، وبحر بن نصر الخولاني ، وإبراهيم بن منقذ الخولاني ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن الوهبي ، وعلي بن خشرم وعيسى بن مثرود الغافقي ، والربيع بن سليمان المردي ، وعبد الملك بن شعيب بن الليث ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، وغيرهم .

وعن ابن وهب قال : رأيت عبيد الله بن عمر قد عمي ، وقطع الحديث ، ورأيت هشام بن عروة جالسا في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت : آخذ عن ابن سمعان ، ثم أصير إلى هشام ، فلما فرغت قمت إلى منزل هشام ، فقالوا : قد نام ، فقلت : أحج ، وأرجع ، فرجعت ، فوجدته قد مات . كذا هذه الرواية ، وإنما مات هشام ببغداد ، فلعله سار إلى بغداد بعد .

قال محمد بن سلمة : سمعت ابن القاسم يقول : لو مات ابن عيينة ، لضربت إلى ابن وهب أكباد الإبل ، ما دون العلم أحد تدوينه .

وروى يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب قال : أقرأني نافع بن أبي نعيم .

وقال أبو زرعة : نظرت في نحو من ثلاثين ألف حديث لابن وهب ، ولا أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له ، وهو ثقة ، وقد سمعت يحيى بن بكير يقول : ابن وهب أفقه من ابن القاسم .

قلت : موطأ ابن وهب كبير لم أره ، وله كتاب "الجامع" وكتاب "البيعة" وكتاب "المناسك" وكتاب "المغازي" وكتاب "الردة" ، وكتاب " تفسير غريب الموطأ " وغير ذلك .

قال أحمد بن صالح الحافظ : حدث ابن وهب بمائة ألف حديث ، ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه ، وقع عندنا سبعون ألف حديث عنه .

قلت : كيف لا يكون من بحور العلم ، وقد ضم إلى علمه علم مالك ، والليث ، ويحيى بن أيوب ، وعمرو بن الحارث ، وغيرهم !

قال علي بن الجنيد الحافظ : سمعت أبا مصعب الزهري يعظم ابن وهب ، ويقول : مسائله عن مالك صحيحة .

وقال أبو حاتم الرازي : هو صدوق صالح الحديث .

وقال أبو أحمد بن عدي في "كامله" هو من الثقات ، لا أعلم له حديثا منكرا ، إذا حدث عنه ثقة .

وروى أبو طالب ، عن أحمد بن حنبل ، قال : ابن وهب يفصل السماع من العرض ، ما أصح حديثه ، وأثبته ، وقد كان يسيء الأخذ ، لكن ما رواه أو حدث به ، وجدته صحيحا .

وقال يحيى بن معين : ثقة .

قال خالد بن خداش : قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال يوم القيامة -تأليفه- فخر مغشيا عليه ، قال : فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام -رحمه الله تعالى- .

وعن سحنون الفقيه قال : كان ابن وهب قد قسم دهره أثلاثا ، ثلثا في الرباط ، وثلثا يعلم الناس بمصر ، وثلثا في الحج ، وذكر أنه حج ستا وثلاثين حجة .

وعن عبد الله بن وهب ، قال : دعوت يونس بن يزيد إلى وليمة عرسي .

وبلغنا أن مالكًا -الإمام- كان يكتب إليه : إلى عبد الله بن وهب مفتي أهل مصر ، ولم يفعل هذا مع غيره . وقد ذكر عنده ابن وهب وابن القاسم ، فقال مالك : ابن وهب عالم ، وابن القاسم فقيه .

قال أحمد بن سعيد الهمداني : دخل ابن وهب الحمام ، فسمع قارئا يقرأ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فغشي عليه .

قال أبو زيد بن أبي الغمر : كنا نسمي ابن وهب ديوان العلم .

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة : نظرت لابن وهب في نحو ثمانين ألف حديث .

قلت : هذه رواية أخرى عن أبي زرعة .

قال أبو عمر بن عبد البر : جد عبد الله بن وهب هو مسلم مولى ريحانة مولاة عبد الرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري .

وقال أحمد بن عبد الرحمن : بحشل : طلب عباد بن محمد الأمير عمي ليوليه القضاء ، فتغيب عمي ، فهدم عباد بعض دارنا ، فقال الصباحي لعباد : متى طمع هذا الكذا وكذا أن يلي القضاء ؟! فبلغ ذلك عمي ، فدعا عليه بالعمى . قال : فعمي الصباحي بعد جمعة .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حرملة : سمعت ابن وهب يقول : نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما ، فأجهدني ، فكنت أغتاب وأصوم ، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم ، فمن حب الدراهم تركت الغيبة .

قلت : هكذا والله كان العلماء وهذا هو ثمرة العلم النافع ، وعبد الله حُجة مطلقا ، وحديثه كثير في الصحاح ، وفي دواوين الإسلام ، وحسبك بالنسائي وتعنته في النقد حيث يقول : وابن وهب ثقة ، ما أعلمه روى عن الثقات حديثا منكرا .

قلت : أكثر في تواليفه من المقاطيع والمعضلات ، وأكثر عن ابن سمعان وبابته ، وقد تمعقل بعض الأئمة على ابن وهب في أخذه للحديث ، وأنه كان يترخص في الأخذ ، وسواء ترخص ورأى ذلك سائغا ، أو تشدد ، فمن يروي مائة ألف حديث ، وينذر المنكر في سعة ما روى ، فإليه المنتهى في الإتقان .

قال أبو الطاهر بن عمرو : جاءنا نعي ابن وهب ، ونحن في مجلس سفيان بن عيينة ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أصيب به المسلمون عامة ، وأصبت به خاصة .

قلت : قد كان ابن وهب له دنيا وثروة ، فكان يصل سفيان ، ويبره ، فلهذا يقول : أصبت به خاصة .


قال ابن عبد البر : أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن عمر بن لبابة ، سمعت محمد بن أحمد العتبي يقول : حدثني سحنون بن سعيد أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم ، فقال : ما فعل الله بك ؟ فقال : وجدت عنده ما أحب . قال له : فأي أعمالك وجدت أفضل ؟ قال : تلاوة القرآن . قال : قلت له : فالمسائل ؟ فكان يشير بأصبعه يلشيها . قال : فكنت أسأله عن ابن وهب ، فيقول لي : هو في عليين .

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد ، قالا : أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ، أخبرنا علي بن البسري ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني (ح) وأخبرنا أحمد بن المؤيد ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا هبة الله بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي إملاء ، قال : قرئ على عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، وأنا أسمع : حدثكم أحمد بن صالح قالا : حدثنا ابن وهب -وهذا لفظ أحمد- أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، سمعت يونس بن سيف ، عن سعيد بن المسيب ، قال : قالت عائشة : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ما يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة زاد فيه إبراهيم بن منقذ : وإنه -عز وجل- ليدنو ، ثم يباهي بهم الملائكة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، وأبو الحسين علي بن محمد ، قالا : أخبرنا الحسن بن يحيى المخزومي ، أخبرنا عبد الله بن رفاعة ، أخبرنا أبو الحسن الخلعي ، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس ، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني أفلح بن حميد ، عن أبي بكر بن حزم ، عن سلمان الأغر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة الجماعة خمس وعشرون درجة على صلاة الفذ .

روى عباس الدوري ، عن يحيى بن معين ، سمع ابن وهب يقول لسفيان : يا أبا محمد ، الذي عرض عليك فلان أمس أجزها لي ، قال : نعم .

قلت : هذا الفعل مذهب طائفة ، وإن الرواية سائغة به ، وبه يقول الزهري ، وابن عيينة .

وروى ابن عدي ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله المخزومي ، عن أبيه ، قال : كنت عند سفيان ، وعنده ابن معين ، فجاءه ابن وهب بجزء ، فقال : يا أبا محمد ، أحدث بما فيه عنك ؟ فقال له ابن معين : يا شيخ ، هذا والريح سواء ، ادفع الجزء إليه حتى ننظر في حديثه .

قال عبد الله بن الدورقي : سمعت ابن معين يقول : ابن وهب ليس بذاك في ابن جريج ، كان يستصغر . وقد ورد أن الليث بن سعد سمع من ابن وهب أحاديث ابن جريج .

فمن غرائبه عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن رجلا زنى ، فأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فجُلِد ، ثم أخبر أنه محصن فرجمه لكن هذا تابعه عليه أبو عاصم ، وأخرجه أبو داود والنسائي .

قال هارون بن معروف : سمعت ابن وهب يقول : قال لي عبد الرحمن ابن مهدي : اكتب لي أحاديث عمرو بن الحارث ، فكتبت له مائتين ، وحدثته بها .

عمرو بن سواد : قال لي ابن وهب : سمعت من ثلاث مائة وسبعين شيخا ، فما رأيت أحفظ من عمرو بن الحارث ، وذلك أنه كان يتحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث .

يونس ، عن ابن وهب ، قال : ولدت سنة خمس وعشرين ومائة ، وطلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة ، ودعوت يونس يوم عرسي .

قال عثمان بن سعيد : سألت يحيى بن معين عن ابن وهب ، قال : أرجو أن يكون صدوقا .

قال عبد الله بن عدي : حدثنا ابن يعلى ، حدثنا ابن معين ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا الليث ، عن عبد الله بن وهب ، عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو .

وعن أحمد بن صالح قال : صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث ، كله سوى حديثين عند حرملة .

قلت : ومع هذه الكثرة فيعترف ابن عدي ، ويقول : لا أعلم له حديثا منكرا من رواية ثقة عنه .

وروى أبو طالب ، عن أحمد بن حنبل ، قال : ما أصح حديث ابن وهب وأثبته ، يفصل السماع من العرض ، والحديث من الحديث ، فقيل له : أليس كان سييء الأخذ ؟ قال : بلى ، ولكن إذا نظرت في حديثه ، وما روى عن مشايخه ، وجدته صحيحا -مر هذا مختصرا .

وعن الحارث بن مسكين قال : شهدت سفيان بن عيينة ، ومعه ابن وهب ، فسئل عن شيء ، فسأل ابن وهب ، ثم قال : هذا شيخ أهل مصر أخبر عن مالك بكذا .

قال أبو حاتم البستي : ابن وهب هو الذي عني بجمع ما روى أهل الحجاز وأهل مصر ، وحفظ عليهم حديثهم ، وجمع وصنف ، وكان من العباد .

قال يونس الصدفي : عرض على ابن وهب القضاة ، فجنن نفسه ، ولزم بيته .

ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد ابن أخي ابن وهب ، حدثني عمي قال : كنت عند مالك ، فسئل عن تخليل الأصابع ، فلم ير ذلك ، فتركت حتى خف المجلس ، فقلت : إن عندنا في ذلك سنة : حدثنا الليث وعمرو بن الحارث ، عن أبي عشانة ، عن عقبة بن عامر ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا توضأت ، خلل أصابع رجليك فرأيته بعد ذلك يسأل عنه ، فيأمر بتخليل الأصابع ، وقال لي : ما سمعت بهذا الحديث قط إلى الآن .

سمعنا في "إرشاد" الخليلي : حدثني جدي ، وعلي بن عمر الفقيه، والقاسم بن علقمة ، ومحمد بن سليمان ، وصالح بن عيسى قالوا : حدثنا ابن أبي حاتم .
قال يونس بن عبد الأعلى : كانوا أرادوا ابن وهب على القضاء ، فتغيب . قال : ومات في شعبان سنة سبع تسعين ومائة .

قلت : عاش اثنتين وسبعين سنة . وقد وقع لنا جملة من عالي حديثه في "الخلعيات" وفي "الثقفيات" وغير ذلك .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:31 AM
الإمام إسحاق بن راهويه
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي ثم الحنظلي المروزي ، نزيل نيسابور .
مولده في سنة إحدى وستين ومائة .
وقد ارتحل في سنة أربع وثمانين ومائة ، ولقي الكبار ، وكتب عن خلق من أتباع التابعين ، وسمع الفضل بن موسى السيناني ، والفضيل بن عياض ، ومعتمر بن سليمان ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وأبا خالد الأحمر ، وجرير بن عبد الحميد ، وسفيان بن عيينة ، وعيسى بن يونس ، وأبا تميلة يحيى بن واضح ، وعتاب بن بشير الجزري ، وأبا معاوية الضرير ، ومرحوم بن عبد العزيز ، وعبد الله بن وهب ، ومخلد بن يزيد ، وحاتم بن إسماعيل ، وعمر بن هارون البلخي ، ومحمد بن جعفر غندرا ، والوليد بن مسلم ، وإسماعيل ابن علية ، ووكيع بن الجراح ، وبقية بن الوليد ، وحفص بن غياث ، وعبد الله بن إدريس ، والوليد بن مسلم ، وشعيب بن إسحاق ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، والنضر بن شميل ، ومحمد بن فضيل ، ويزيد بن هارون ، وأسباط بن محمد ، وعبد الوهاب الثقفي ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبا بكر بن عياش ، وعبيدة بن حميد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الرزاق ، وأمما سواهم بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام .

حدث عنه : بقية بن الوليد ، ويحيى بن آدم ، وهما من شيوخه ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وهما من أقرانه ، وإسحاق بن منصور ، ومحمد بن يحيى ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج في " صحيحيهما " ، وأبو داود ، والنسائي في " سننهما " ، ومحمد بن عيسى السلمي في " جامعه " ، وأحمد بن سلمة ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وموسى بن هارون ، ومحمد بن نصر المروزي ، وداود بن علي الظاهري ، وعبد الله بن محمد بن شيرويه ، وولده محمد بن إسحاق ، وجعفر الفريابي ، وإسحاق بن إبراهيم البشتي -بشين معجمة- والحسين بن محمد القباني ، ومحمد بن النضر الجارودي ، وأبو العباس الحسن بن سفيان ، وأبو العباس السراج خاتمة أصحابه ، وخلق سواهم .
كان شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أحد أئمة المسلمين، وعلماء الدين، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد.
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : رحم الله إسحاق ، ما كان أفقهه وأعلمه .
وقال النسائي : ابن راهويه أحد الأئمة ، ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق .
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : والله لو كان إسحاق في التابعين ، لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه .
وعن إسحاق بن راهويه ، قال : ما سمعت شيئا إلا وحفظته ، ولا حفظت شيئا قط فنسيته .
وقال أبو بكر بن نعيم : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : وافقت إسحاق بن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد ، اجتمعوا في الرصافة أعلام الحديث فيهم أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وغيرهما ، فكان صدر الجلس لإسحاق ، وهو الخطيب .

قال عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي : حدثنا النسائي ، قال : إسحاق بن راهويه أحد الأئمة .
وقال عبد الكريم بن النسائي : أخبرني أبي ، قال : إسحاق ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق .
توفي ـ رحمه الله ـ سنة ثمان وثلاثين ومائتين ، وله سبع وسبعون سنة.

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:32 AM
الإمام عبد الله بن المبارك

هو عبد الله بن المبارك ابن واضح الإمام شيخ الإسلام، عالم زمانه ، وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي ، مولاهم التركي ، ثم المروزي ، الحافظ ، الغازي ، أحد الأعلام ، وكانت أمه خوارزمية .
مولده في سنة ثمان عشرة ومائة.
طلب العلم وهو ابن عشرين سنة . فأقدم شيخ لقيه : هو الربيع بن أنس الخراساني ، تحيل ودخل إليه إلى السجن ، فسمع منه نحوا من أربعين حديثا ، ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة ، وأخذ عن بقايا التابعين ، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في طلب العلم ، وفي الغزو ، وفي التجارة ، والإنفاق على الإخوان في الله ، وتجهيزهم معه إلى الحج .

سمع من : سليمان التيمي ، وعاصم الأحول ، وحميد الطويل ، وهشام بن عروة ، والجريري ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والأعمش ، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وخالد الحذاء ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الله بن عون ، وموسى بن عقبة ، وأجلح الكندي ، وحسين المعلم ، وحنظلة السدوسي ، وحيوة بن شريح المصري ، وكهمس ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، وابن جريج ، ومعمر ، والثوري ، وشعبة ، وابن أبي ذئب ، ويونس الأيلي ، والحمادَين ، ومالك ، والليث ، وابن لهيعة ، وهشيم ، وإسماعيل بن عياش ، وابن عيينة ، وبقية بن الوليد ، وخلق كثير . وصنف التصانيف النافعة الكثيرة .

حدث عنه : معمر ، والثوري ، وأبو إسحاق الفزاري ، وطائفة من شيوخه ، وبقية ، وابن وهب ، وابن مهدي ، وطائفة من أقرانه ، وأبو داود ، وعبد الرزاق بن همام ، والقطان ، وعفان ، وابن معين ، وحبان بن موسى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن آدم ، وأبو أسامة ، وأبو سلمة المنقري ، ومسلم بن إبراهيم ، وعبدان ، والحسن بن الربيع البوراني ، وأحمد بن منيع ، وعلي بن حجر ، والحسن بن عيسى بن ماسرجس ، والحسين بن الحسن المروزي ، والحسن بن عرفة ، وإبراهيم بن مجشِّر ، ويعقوب الدورقي ، وأمم يتعذر إحصاؤهم ، ويشق استقصاؤهم . وحديثه حجة بالإجماع ، وهو في المسانيد والأصول . ويقع لنا حديثه عاليا . وبيني وبينه بالإجازة العالية ستة أنفس .
قال أحمد بن سنان القطان : بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد ، فنظر إليه ، فأعجبه سمْته فقال : من أين أنت ؟ قال : من أهل خراسان ، من مرو . قال : تعرف رجلا يقال له : عبد الله بن المبارك ؟ قال : نعم . قال : ما فعل ؟ قال : هو الذي يخاطبك ، قال : فسلم عليه ، ورحب به .
قال أحمد العجلي : ابن المبارك ثقة ثبت في الحديث ، رجل صالح يقول الشعر ، وكان جامعا للعلم .

قال العباس بن مصعب : جمع عبد الله الحديث ، والفقه ، والعربية ، وأيام الناس ، والشجاعة ، والسخاء ، والتجارة ، والمحبة عند الفرق .

قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة : ابن المبارك ، والنضر بن شميل ، ويحيى بن يحيى .
وقال محمد بن المثنى : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما رأت عيناي مثل أربعة : ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري ، ولا أشد تقشفا من شعبة ، ولا أعقل من مالك ، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك .
وقال محمد بن أعين : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، واجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : جالست الثوري ، وسمعت منه ، ومن ابن المبارك ، فأيهما أرجح ؟ قال : لو أن سفيان جهد على أن يكون يوما مثل عبد الله لم يقدر .
وقال أحمد بن يحيى بن الجارود : قال علي بن المديني : عبد الله بن المبارك أوسع علما من عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن آدم .

قال أبو سلمة التبوذكي : سمعت سلام بن أبي مطيع يقول : ما خلف ابن المبارك بالمشرق مثله .

وفاته : قال عبدان بن عثمان : مات ابن المبارك في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة .

قال حسن بن الربيع : قال لي ابن المبارك قبل أن يموت : أنا بن ثلاث وستين سنة .

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:33 AM
ومن أعلام المغرب العربي بكر بن حمّاد

هو أبو عبد الرحمان بكر بن حمّاد بن سهل بن أبي إسماعيل الزناتي ، ولد بتيهرت (ولاية بالغرب الجزائري حاليا)

حوالي سنة 200 هجري 816 ميلادي ، نشأبها وانكبّ منذ صغره على الدّرس فتعلّم على مشاهير علماء بلده

ولم يلبث أن فارق وطنه وهو في حداثة سنّه عام 217هجري 832 ميلادي فشخص إلى القيروان في طلب العلم ،

فأخذ عن علماء تلك المدينة أمثال (سحنون ) صاحب المدونة ثمّ ارتحل إلى الشّرق فدخل بغداد وكانت يومئذ زاخرة

بالعلماء ،فاتّصل بهم وأخذ عن أبي مسدد وعمر بن مرزوق وبشر بن حجر ولقى أدباء لهم ذكر وصيت منهم أبو

تمّام ودعبل الخزاعي ومسلم بن الوليد وابن الأعرابي والرياشي وابن حاتم السجستاني فصاحبهم وكانت له معهم

مساجلات أدبية أسفرت عن ثبوت قدمه في الآداب وفي صناعتي الشعر والنثر ، واتصل (بكر) بخلفاء الدولة

العباسية وقال فيهم الشعر الرائق فأصفوه ودّهم وأغدقوا عليه إحسانهم كغيره من أدباء بلاطهم ، وما عتم أن قفل

راجعا إلى مربع صباه ،فدخل في طريقه إلى القيروان ،سنة 274هجري 887ميلادي فتصدّر للتعليم وترامى صيته

في الآفاق ووصل خبره إلى الأندلس فقصده الكثير من أهلها للأخذ عنه والتخرّج على يده ، وكان منهم قاسم بن

أصبغ البياني وقرّبه بنو الأغلب إليهم فقال فيهم القصائد الرائعة ، لكنه لم يدم مكوثه بتلك الربوع بل آب إلى بلده

تيهرت سنة 295للهجرة فأصبح بها حجة أدباء عصره ، فقال شعرا ساحرا في أمراء بني رستم
.
توفي بكر بن حمّاد بقلعة ابن حمّة شمال مدينة تيهرت في شوّال سنة 295 للهجرة 907 للميلاد

شهد ببراعة بكر العلمية في الأدب وبشاعريته الكثير من الأدباء فقال عنه البكري :إنّه كان ثقة مأمونا حافظا

للحديث ) وقال عنه ابن عذارى : كان عالما بالحديث وتمييز الرجال وشاعرا مفلقا ) والتاريخ قد سجّل له شعرا

كثيرا في جميع الأغراض من غزل ومدح ورثاء وهجاء واعتذار وزهد ووعظ .

ومن شعره الكثير اقتطفنا هذه الأبيات التي عارض بها مدح عمران ابن حطّان لابن ملجم قاتل علي كرّم اللّه وجهه


قل لابن ملجم ، والأقدار غالبـــــة 000 هدمت ،ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدم000 وأوّل النّاس اسلاما وايمانـــــا

وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما 000 سنّ الرّسول لنا شرعا وتبيانــــــا


إلى أن يصل....

كأنّه لم يرد قصدا بضربتــــــه000 إلاّليصلى عذاب الخلد نيرانــــــــــا

سمير الجابرى
02-06-2010, 02:41 AM
أبو قلابة الرقاشي (1)

الإمام , الحافظ , القدوة , العابد , محدث البصرة أبو قلابة , عبد الملك بن الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم , الرقاشي البصري .

ولد سنة تسعين ومائة .

وسمع في حداثته من : يزيد بن هارون , وروح بن عبادة , وأبي عامر العقدي , وعبد الله بن بكر السهمي , وأبي عاصم النبيل , وأبي عتاب سهل بن حماد الدلال , وعشبيد بن عقيل الهلالي , وعمر بن حبيب العدوي , ويعقوب الحضرمي , وسعد بن الربيع أبي زيد الهروي , وعون بن عمارة , ووالده محمد بن عبد الله , وخلق سواهم .

وكان أحد الأذكياء المذكورين .

حدث عنه : ابن ماجه , وابن صاعد , وأبو بكر النجاد , وأبو سهل القطان , وإبراهيم بن علي الهجيمي , وأبو بكر الشافعي , وأبو جعفر بن البختري , والحافظ حفص بن عمر الأردبيلي وأبو سعيد بن الأعرابي , وعلي بن الفضل البلخي الحافظ , وإسحاق بن إبراهيم الجرجاني البحري , وخلق كثير .


وقال أحمد بن كامل القاضي : قيل إن أبا قلابة كان يصلي في اليوم والليلة أربع مائة ركعة . قال : ويقال : إنه حدث من حفظه بستين ألف حديث .

وقال أبو عبيد الآجري : سألت أبا داود عنه , فقال : أمين مأمون , كتبت عنه .

وقال محمد بن جرير الطبري : ما رأيت أحدا أحفظ من أبي قلابة الرقاشي .

قلت : توفي في شوال سنة ست وسبعين ومائتين .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه في كتابه , أخبرنا عمر بن محمد , أخبرنا هبة الله بن الحصين , أخبرنا أبو طالب بن غيلان , أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله , حدثنا أبو قلابة , سنة 276 حدثنا يعقوب الحرمي , وسعيد بن عامر , قالا : حدثنا شعبة , عن سفيان (ح) : وحدثنا أبو قلابة , حدثنا أبو عاصم , حدثنا سفيان , عن علي بن الأقمر , عن أبي جحيفة , قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أما أنا فلا آكل متكئا .

هذا حديث حسن من العوالي , بل هو أعلى ما وقع لأبي قلابة .

قيل : إن أم أبي قلابة أُرِيت وهي حامل به كأنها ولدت هدهدا , فقال لها عابر : إن صدقت رؤياك تلدين ولدا يكثر الصلاة .

المصدر
(1) المكتبة الإسلامية

أبوبكر أحمد العملة
02-06-2010, 04:57 PM
بارك الله لكم

في كل لحظة وثانية ودقيقة وساعة ويوم وشهر وسنة ....

ببوابة التعليم المصرى

وجزاكم الله خيراً

سمير الجابرى
09-06-2010, 10:46 PM
بارك الله لكم

في كل لحظة وثانية ودقيقة وساعة ويوم وشهر وسنة ....

ببوابة التعليم المصرى

وجزاكم الله خيراً




You can see links before reply

زهره المدائن
10-06-2010, 01:39 AM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
أ / سميـــــــــر
وجعله الرحمن في ميزان حسناتك
منور ديما في الركن الديني
في انتظار المزيد من مشاركاتك
العطرة العامرة بذكر الله
You can see links before reply

سمير الجابرى
11-06-2010, 03:45 AM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
أ / سميـــــــــر
وجعله الرحمن في ميزان حسناتك
منور ديما في الركن الديني
في انتظار المزيد من مشاركاتك
العطرة العامرة بذكر الله
You can see links before reply




You can see links before reply

Abu omar
28-12-2016, 06:25 PM
وعلى الله قصد السبيل....