المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسرار القرآن



مصطفى محمد صابر
06-04-2010, 09:20 PM
من أسرار القرآن

بقلم‏:‏د‏.‏ زغلـول النجـار

(297)‏ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود‏*‏ ‏(‏الحج‏:26)‏
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في آخر الثلث الأول من سورة الحج‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها ثمان وسبعون‏(78)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الأمر فيها من الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي عبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن يؤذن في الناس بالحج‏,‏ وهي السورة القرآنية الوحيدة التي جمعت بين سجدتين من سجدات التلاوة‏,‏ ويدور المحور الرئيسي لسورة الحج حول عدد من التشريعات الإسلامية‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المدنية‏,‏ وإن احتوت السورة الكريمة علي عدد من ركائز كل من العقيدة والأخلاق الإسلامية‏.‏

هذا وقد سبق استعراض سورة الحج‏,‏ وما جاء فيها من تفصيل للعبادات المفروضة لأداء شعيرة الحج‏,‏ وما أوردته من قيم أخلاقية‏,‏ وركائز عقيدية‏,‏ وإشارات كونية‏,‏ ونركز هنا علي الإعجاز التاريخي والإنبائي والعلمي في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود‏*‏ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق‏*‏ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير‏*‏ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق‏(‏ الحج‏:26‏ ـ‏29).‏

أولا‏:‏ من جوانب الإعجاز التاريخي‏:‏
‏(1)‏ في قوله ـ تعالي ـ‏:‏ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت‏...‏ أي ساويناه له وهيأناه‏,‏ أو جعلناه‏(‏ مباءة‏)‏ أي مرجعا له ـ عليه السلام ـ يرجع إليه للعمارة والعبادة‏,‏ والأمر بتطهيره من الأرجاس الحسية والمعنوية من مختلف صور الشرك‏,‏ والكفر‏,‏ والابتداع‏,‏ والضلالات‏,‏ والمقصود بمكان البيت هنا هو موضع أساسات الكعبة المشرفة‏,‏ بيت الله الحرام الذي حرمه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ يوم خلق السماوات والأرض‏,‏ وهو أول بيت وضع في الأرض‏,‏ وذلك لقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين‏(‏ آل عمران‏:96).‏

والواضح من كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أن الذي بني هذا البيت ابتداء هم الملائكة الذين بنوه بأمر من الله ـ سبحانه وتعالي ـ في هذه البقعة المباركة التي حرمها الله بعلمه وحكمته وإرادته يوم خلق السماوات والأرض‏,‏ وذلك تهيئة لخلق أبوينا آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام ـ ويقدر تاريخ خلقهما علي الأرض بحدود أربعين ألف سنة مضت‏,‏ بينما يقدر عمر الكون بحوالي‏13.7‏ بليون سنة‏.‏

لذلك يخبرنا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأن أول من طاف بالبيت الحرام هم الملائكة‏,‏ ثم آدم ـ عليه السلام ـ‏,‏ وبعد ذلك أنبياء الله الذين كان منهم نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح وشعيب ـ عليهم السلام ـ ونفر من الذين آمنوا معهم‏,‏ وإذا كان نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد‏,‏ فإن الفارق الزمني بين كل من آدم وإبراهيم ـ عليهما السلام ـ هو في حدود‏36000‏ سنة‏,‏ وفي خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة تهدم البيت الحرام‏,‏ وضاعت معالمه‏,‏ لذلك بعث الله ـ سبحانه وتعالي ـ ملائكته الكرام لتبين لعبده ونبيه إبراهيم مكان البيت‏,‏ ولذلك قال ربنا ـ وهو أصدق القائلين ـ‏:‏ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت‏...(‏ الحج‏:26).‏

أي أظهرنا له قواعد البيت الحرام بشيء من السوية حتي يسهل تعرفه عليها‏,‏ فيبدأ برفع قواعد البيت منها عندما نأمره بذلك انطلاقا من قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‏(‏ البقرة‏:127).‏

وجميع الآثار في الحرم المكي تؤكد أن الذي رفع القواعد من البيت هو نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ خاصة أن بالحرم المكي مقام إبراهيم‏,‏ وبئر زمزم‏,‏ والحجر الأسود‏,‏ وقبري كل من نبي الله إسماعيل وأمه ـ عليهما السلام ـ في حجر إسماعيل‏,‏ والعديد من الآثار المتعلقة بهذين النبيين الكريمين من أنبياء الله‏,‏ ولم ترد في كتب الأولين أية إشارة إلي أن كلا من إبراهيم وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ قد رفعا القواعد من الكعبة المشرفة‏.‏

وجاءت الرواية علي لسان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ علي النحو التالي‏:‏

أول ما اتخذ الناس المنطق من قبل أم إسماعيل‏,‏ اتخذت منطقا لتعفي أثرها علي سارة‏,‏ ثم جاء بها إبراهيم وابنها إسماعيل وهي ترضعه‏,‏ حتي وضعهما عند مكان البيت‏,‏ عند دوحة فوق مكان زمزم في أعلي مكان من موضع المسجد‏,‏ وليس بمكة يومئذ أحد‏,‏ وليس بها ماء‏,‏ فوضعهما هنالك‏,‏ ووضع عندهما جرابا فيه تمر‏,‏ وسقاء فيه ماء‏,‏ ثم قفي إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت‏:‏ يا إبراهيم؟ أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا‏,‏ وجعل لا يلتفت إليها‏,‏ فقالت له‏:‏ آلله أمرك بهذا؟ فقال‏:‏ نعم‏,‏ قالت‏:‏ إذن لن يضيعنا‏,‏ ثم رجعت‏,‏ فانطلق إبراهيم حتي إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه مكان البيت‏,‏ ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يده قائلا‏:‏

ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون‏(‏ إبراهيم‏:37).‏

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من سقاء الماء حتي إذا نفد ما في سقاء الماء عطشت وعطش ابنها‏,‏ وجعلت تنظر إليه‏,‏ فوجدت الصفا أقرب جبل يليها‏,‏ فقامت عليه‏,‏ ثم استقبلت الوادي تنظر هل تري أحدا؟ فلم تر أحد‏,‏ فهبطت من الصفا حتي إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها‏,‏ ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتي جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها‏,‏ ونظرت هل تري أحدا؟ فلم تر أحدا‏,‏ وفعلت ذلك سبع مرات‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ قال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ فلذلك سعي الناس بينهما‏,‏ فلما أشرفت علي المروة سمعت صوتا فقالت‏:‏ صه‏,‏ تريد نفسها‏,‏ ثم تسمعت فسمعت أيضا‏,‏ فقالت‏:‏ لقد سمعت إن كان عندك غوات‏,‏ فإذا هي بالملك عند موضع زمزم‏,‏ فبحث بعقبه ـ أو قال‏:‏ بجناحه ـ حتي ظهر الماء‏,‏ فجعلت تحوضه وتقول بيديها هكذا‏,‏ وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ قال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ يرحم الله أم إسماعيل‏!‏ لو تركت زمزم لكانت عينا معينا‏,‏ وأضاف ابن عباس قوله‏:‏ فشربت وأرضعت ولدها‏,‏ فقال لها الملك‏:‏ لا تخافي الضيعة‏,‏ فإن ها هنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه‏,‏ وإن الله لا يضيع أهله‏.‏

والروايتان لهما أصل واحد‏,‏ ولكن شتان بينهما‏,‏ وكلتاهما تبينان الإعجاز التاريخي فيما سجله القرآن الكريم من أن نبي الله إبراهيم وابنه النبي إسماعيل ـ عليهما السلام ـ هما اللذان رفعا القواعد من البيت الحرام في مكة المكرمة‏.‏

ثانيا‏:‏ من جوانب الإعجاز الإنبائي‏:‏
في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ لعبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ‏:‏ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر‏...(‏ الحج‏:27)‏ وجه من أوجه الإعجاز الإنبائي في كتاب الله‏,‏ لأن عدد الحجيج إلي بيت الله ظل في تزايد مستمر علي مدي القرون الأربعة عشر الماضية حتي وصل إلي قرابة أربعة ملايين نسمة في زماننا‏,‏ بالإضافةإلي عشرات الملايين من المعتمرين علي مدي السنة‏,‏ والذي ينظر إلي واقع مكة المكرمة في كل من زمن نبي الله إبراهيم وزمن خاتم المرسلين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ ما كان يمكن له أن يتنبأ بذلك أبدا‏,‏ وسوف يظل عدد الحجاج والمعتمرين في تزايد إلي ما شاء الله ـ سبحانه وتعالي ـ تحقيقا لهذا الإنباء القرآني الكريم‏.‏

وفي قوله ـ تعالي ـ‏:‏ وأذن في الناس بالحج‏...‏ أي ناد فيهم وأعلمهم بفريضة الحج‏,‏ وهي من أركان الإسلام‏,‏ وفي قوله ـ تعالي ـ‏:‏ يأتوك رجالا‏...‏ أي مشيا علي أرجلهم‏,‏ ورجالا هو جمع راجل أو رجل‏,‏ وهو من ليست له وسيلة من وسائل الركوب أو المواصلات‏,‏ أي من ليس له ظهر يركبه‏,‏ وقد تحقق ذلك بالفعل‏.‏

وفي قوله ـ تعالي ـ‏:...‏ وعلي كل ضامر‏...‏ أي وركبانا علي كل حيوان مهزول بعير أو غيره أنهكته المسافات الطويلة التي سارها نظرا لبعد الشقة‏,‏ واللفظ ضامر هو اسم فاعل من ضمر يضمر ضمورا فهو ضامر‏,‏ أو ضمر ضمرا فهو ضامر‏,‏ وهذا الاسم يطلق علي كل من الذكر والأنثي‏,‏ وهذا من بلاغة التعبير القرآني‏,‏ وقد تحقق ذلك أيضا بالفعل‏.‏

ثالثا‏:‏ من جوانب الإعجاز العلمي‏:‏
في قوله ـ تعالي ـ‏:...‏ يأتين من كل فج عميق إشارة واضحة إلي كروية الأرض في زمن شيوع انبساطها وامتداداتها الأفقية نظرا لضخامة أبعادها‏,‏ وذلك لأن الفج في اللغة هو الشقة الفسيحة بين جبلين‏,‏ وجمعه فجاج‏,‏ ووصف الفج بالعميق أي البعيد سفلا فيه إشارة ضمنية إلي كروية الأرض لأن الامتداد البعيد السفلي لا يكون إلا إذا كانت الأرض علي هيئة الكرة‏,‏ أو شبه الكرة‏,‏ وهو ما أثبته العلم‏.‏

والتعبير القرآني‏:...‏ من كل فج عميق فيه إشارة أيضا إلي ضخامة أبعاد الأرض‏,‏ لأن عميق يعني بعيدا من العمق‏,‏ وأصله البعد سفلا كما سبق أن أشرنا‏,‏ ومنه بئر عميقة‏,‏ أي غائرة أو غائر قاعها إلي أسفل‏,‏ وبالإضافة إلي أن وصف الفج بالعمق فيه إشارة إلي كل من كروية الأرض‏,‏ وضخامة أبعادها‏,‏ فإن التعبير فيه إشارة أيضا إلي أن الناس سوف يقصدون الحج من مختلف أماكن الأرض المكورة‏,‏ مهما تباعدت المسافات‏,‏ واختلفت وسائل المواصلات‏,‏ وقد تحقق ذلك بالفعل أيضا‏.‏

وأوجه الإعجاز التاريخي‏,‏ والإنبائي‏,‏ والعلمي في هذه الآيات الأربع‏,‏ مع روعة البيان‏,‏ وجمال النظم والدقة البالغة في اختيار الألفاظ مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه اللغة العربية‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا إلي أن يشاء الله ـ تعالي ـ حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين بأنه كلام رب العالمين‏,‏ وشاهدا للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

نوره فوزي
09-04-2010, 12:23 AM
You can see links before reply
You can see links before reply
You can see links before reply***********/alw33.jpg
مساء النور والسرور



جزاك الله ألف خير ونفع بك الإسلام والمسلمين...



بوركت على الموضوع المفيد...:27:







:38:You can see links before reply
You can see links before reply***********/alw33.jpg
You can see links before reply






أختكم في الله:






نورة فوزي عبدالحليم...

moooostafa
09-04-2010, 12:48 AM
الدال علي الخير كفاعله

بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك