المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة (المرتبة المقعرة) د/يوسف إدريس, قراءة نقدية



مستر أحمد خليل
03-01-2010, 04:29 PM
بدءاً من العنوان ( المرتبة المقعرة)..لماذا اختار المؤلف هذا العنوان ؟ ..المرتبة في القصة هي رمز الخمول والكسل والدعة ..حتى أنه بدأ وقال جديدة وعالية ومنفوشة.. مما يوحي بإغراء للنوم والإستسلام للراحة..تماماً مثل الطعام الساخن ذو الرائحة المثيرة لشهوة الأكل ، وجاءت لفظة المقعرة لتصف حالتها في نهاية القصة حيث تقعرت واحتوت الجسد الذي استسلم لإغرائها فأصبحت اللحد
·بداية الحدث هو ليلة الدخلة ، وهي الليلة المفترض فيها أن يبدأ الإنسان حياة نقية ..يبدأ فيها حياة متعاونة مع شريكة حياته سعياً إلى إنشاء أسرة ..أي أن تلك الليلة والتي غالباً ما تبدأ ........ أو بإزالة كل الحواجز بين الطرفين.. بدأها بطل القصة بالنوم متأثراً بإغراء المرتبة ولم يعِ بأنها( الدخلة) في ذاتها هي الحدث الذي ينتظره أو الذي يجب أن يبدأ منه..فسأل زوجته(أنظري هل تغيرت الدنيا) وهو سؤال مائع لأنها لن تعلم قصده من تغير الدنيا، فلم يؤجل اللقاء بزوجته ؟ -مع أنه في حد ذاته متعة أكبر من النوم كما أنه له نتائج إيجابية على الجميع- تماماً مثل العمل والكفاح في سبيل الغاية سواء كانت مادية أو وطنية أو دينية هذه متعة عظيمة ولكن الإنسان يتركها ويخضع لمتعة أدنى وهي الكسل رغم أن الكسل لا هدف منه
·حال الزوجة هنا عجيب.. فهي مشتركة بالجرم بخضوعها لتهربه منها.. القصة فانتازيا ربما..ولكن لا مانع من مناقشة سلوك الزوجة، ليلة الدخلة والزوج يسألها السؤال فتجيب بأن الدنيا لم تتغير..ويقول فلأنم يوماً ..ثم يستيقظ بعد أسبوع! والسؤال هنا هو ( لماذا لم توقظه الزوجة في اليوم التالي؟ أو في أي يوم من الأيام السبعة؟ وعندما استيقظ من نومه وسألها نفس السؤال لماذا أجابت بنفس الإجابة وتركته ينام ثانية؟ ) سيقول البعض أن أحداث القصة نفسها غير طبيعية فلم نترك هذا ونعلق على السلوك؟ ، وكما قلت من قبل الكاتب قصد هذا السلوك العجيب من الإثنين حتى يتيح لنا أن نتأمله بعيداً عن نوم الزوج لمدة ستة عشر عاماً وسبعة أيام وهو أمر غير وارد في الحياة الطبيعية ، فهل كان سلوك الزوجة خوفاً من اللقاء فآثرت أن تتركه؟ أم تشجيع على الخمول ؟ والكاتب تركنا حيارى هنا إذ لم يتحدث عما فعلته الزوجة طوال تلك الفترة ولنا هنا أن نخمن ما نشاء حسب اتجاه الرمز في عقولنا .. ربما نامت هي الأخرى.. ربما خانته فتركته ينام كام يحلو له.. ربما هي من البله حتى أنها لم تهتم لما يحدث. كل شئ جائز
·كان الزوج يقول سأنام يوماً فينام أسبوعاً ويقول سأنام أسبوعاً فينام عاماً وهكذا هو يطيل الأمد..ما أشبه هذا بسلوك الحكومات والشعوب العربية على السواء..يبدو أن الزوج بيروقراطي
·كلما استيقظ الزوج يكن جسمه قد غور أكثر في المرتبة..وكأنها رمال ناعمة أو وحش يلتهمه ببطء.. يرمز الكاتب هنا للتعود ..يبدأ الجسد والمرتبة في الإرتباط ببعضهما..تتخذ المرتبة شكل الجسد ويجد الجسد مستقر له..فالتعود على الشئ خاصة إن كان مثل الكسل والنوم يجعل الإنسان يعجز عن ترك تلك العادة وكأنه أدمنها..وبمرور الزمن يزيد الإرتباط فيصبح الإنفصال أشبه بالمستحيل.. وبعد فوات الأوان يكون الجسد قد انتهى إلى الموت بسبب ذلك الإرتباط.. المرتبة التي يفترض أنها وسيلة أصبحت غاية والغاية التهمته حتى أصبحت لحداً
·( وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي إنبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة..) سحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي انبعاج ..وكأنه لم يكن .. نحن نعلم عمر بن الخطاب وصلاح الدين ونابليون ونيوتن ومايكل أنجلو وبرنارد شو..كل واحد منهم له إنجازاته التي أتمها عن طريق العمل والكد ..من منا يعلم إسم كسول واحد أو عاطل واحد؟ كلهم استوت عليهم الملاءة بلا إنبعاج لأن كسلهم التهمهم فأصبحوا لا شئ..وكما قال نجيب محفوظ في إحدى قصصه أن المؤمن يزلزل الأرض ويحرك الجبال ويقتل الموت ، كما أنهم ألقوه من النافذة لتعثر الخروج به في الظاهر أو لأنه أصبح أدنى من أن يحمل بكرامته وهو في هذه الحالة المزرية
·حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت- يا إلهي لقد تغيرت الدنيا ، أدارت بصرها في الفضاء..ولم تكتفِ فقط بالنظر إلى المرتبة وزوجها السابق بالداخل.. وإنما نظرت حولها وكأنها ترى العالم لأول مرة..أو كأنها ترفع رأسها إلى أعلى لأول مرة ..رغم كل شئ أدركت هي في النهاية ان الحياة تتغير ليس بسبب موت زوجها فهو لم يكن يوماً بزوج..ولكن ربما تحررت من الرباط الذي قيدها طوال ستة عشر عاماً ..فهو لم يحاول قط أن يتحرك أو أن يغير أي شئ..فليأت التغير إذن بعد أن رحل وأصبحت حرة
كل ما قلته هو مجرد تذوق للقصة ومحاولة لسبر أغوارها..قد أكون أخطأت وقد أكون أصبت.. لكن الأكيد أن يوسف إدريس كان عبقرياً مظلوماً مثل معظم العباقرة.. رحمه الله





تصْرخين.. وتخترقينَ صُفوفَ الجُنودْ.
نتعانقُ في اللحظاتِ الأخيرةِ,..
في الدرجاتِ الأخيرةِ.. من سلّم المِقصلَهْ.
أتحسَّسُ وجهَكِ!
(هل أنت طِفلتيَ المستحيلةُ أم أمِّيَ الأرملةْ?)
أتحسسُ وجهَكِ!
(لمْ أكُ أعمى;.
ولكنَّهم أرفقُوا مقلتي ويدي بمَلَفِّ اعترافي
لتنظرَه السلُطاتُ..
فتعرفَ أنِّيَ راجعتهُ كلمةً.. كلمةً..
ثم وَقَّعتُهُ بيدي..
- ربما دسَّ هذا المحقِّقُ لي جملةً تنتهي بي الى الموتِ!
لكنهمْ وعدوا أن يُعيدوا اليَّ يديَّ وعينيَّ بعدَ
انتهاءِ المحاكمة العادِلهْ