المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الى محبى د/مصطفى محمود تابع معنا مذكراته قبل مماته



شمس بياض
19-12-2009, 06:30 PM
احبتى فى الله
سلام عليكم
انا ممن احب علم وكتب د/ مصطفى محمود
وكنت وانا طفله انتظر برنامجه العلم والايمان بفرحة غامرة

كنت ممن اتابعه انا وافراد اسرتى وبعض الجيران
نجلس وكأن على رؤسنا الطير
كحال من يستمعون الان لمهند ونور
ههههه
مع الفارق طبعا فى القيمة العلميه والقيم المغروسه من خلال
مادتيين مقدمتين للمشاهد مع اختلاف الزمن
لا اطيل عليكم

مع تصفحى لجريده المصرى اليو م
وقع نظرى على اسم مصطفى محمود
رحمه الله وغفر له وجعلنا من المستفيدين بعلمه

فقرات ان له مذكرات ستنشرها الجريده
فأثرت ان انقلها لمن يشاركنى الاهتمام والتقدير والحب لهذه الشخصيه العظيمة
نسألكم الفاتحة على روحه الكريمة اولا
واليكم اول جزء من المذكرات
بعنوان (بذرة الشك)

من كان يصدق ذلك؟
أخيراً بعد عشرين عاماً من الاختفاء وقبل وفاته.. يتكلم.. سأل عنه الناس.. وتكلموا.. ويئسوا.. ثم سألوا.. واندهشوا.. وصمتوا.. تعددت الشائعات فمنها أنه تم إبعاده لأسباب سياسية ومنها أن مرضاً لعيناً أصابه وأجلسه فى البيت، ومن روج أنه ترك عائلته ووطنه وسار هائماً على وجهه فى البلاد يبحث عن اليقين.
أخيراً وبعد عشرين عاماً من العزلة وقبل وفاته.. يتحدث.. ويطل على الناس.. ويروى.
أكثر من أثار الجدل فى مصر خلال القرن العشرين.. وأكثر الشخصيات التى تعرضت للهجوم والشائعات طوال حياته.. أخيراً يتكلم صاحب أكثر الكتب الدينية إثارة للجدل فى القرن العشرين (الله والإنسان) كتابه الأول الذى حوكم من أجله فى شهر رمضان وقد كان بداية لموجة التكفير، التى عانى منها المفكرون فى مصر خلال الخمسين عاماً الأخيرة.
مصطفى محمود.. العالم، المفكر، الفيلسوف، الطبيب، الفقيه، الصحفى، السياسى، الكاتب، الأديب، يتكلم ويروى ويتحدث ويعلم أجيالاً افتقدوا القدوة وبحثوا عنها كثيراً، وحتى الآن لم يعثروا عليها.
ننشر هنا حقائق لأول مرة من خلال مذكراته التى روى منها جزءاً كبيراً وتم استخراج باقى هذه المذكرات من خلال أعماله وكتاباته، وهنا يجيب عن تساؤلات كثيرة ظلت بدون إجابات حول طفولته وجمعية الكفار التى كونها فى الثانية عشرة من عمره وكيف كانت حشرات الصراصير بداية رحلة الشك الطويلة، وهل بالفعل وصل مصطفى محمود إلى اليقين التام وما المنهج الذى استخدمه وكيف كان لوالده تأثير قوى عليه وكيف احتلت ابنته أمل مكانة الأم عنده.. وهل كان الموساد الإسرائيلى سبباً فى فشل زيجاته، وهل كان له يد فى الشائعات التى دارت حوله وهل حاول اغتياله؟
نكشف علاقته بكل من (هيكل.. صلاح حافظ.. عبدالوهاب.. صلاح جاهين.. هتلر.. السادات.. إحسان عبدالقدوس.. لويس جريس.. عبدالناصر.. لوتس عبدالكريم.. بنت الشاطئ.. روزاليوسف.. ماركس والشيوعية).
عن أزمة الشفاعة التى لم تنته حتى الآن يتحدث.. قصة البرنامج الذى كانت تخلو شوارع مصر من المارة أثناء إذاعته.. ولماذا أراد مصطفى محمود أن يصور للناس عذاب القبر بالصوت والصورة؟
أين مصطفى محمود؟
لم يكن اقترابنا منه سهلا أبدا.. هو ناسك فى صومعته الآن.. غير مسموح لأحد بالتطفل أو الاختراق.. لذلك كان السماح لنا بالاقتراب أمراً غير عادى.. ذهبنا فوجدناه ولم نجده.. فقد كان جسده الذى نحل يملأ المكان.. وصوته الذى وهن يخترق سمعنا.. لا يشغله شىء عن قضاياه التى تفرغ لها.. ابتعد عن المشكلات التى تشغل المصريين هذه الأيام.. الفلاسفة دائما لا ينظرون إلى التفاصيل وإنما يرجعون كل المشاكل إلى العلل الكبرى، وعلل مصر والأمة العربية والإسلامية تتلخص الآن من وجهة نظره فى (تدنى الأخلاق، والبعد عن الدين، والفرقة).
اقتربنا منه فى اليوم الذى شهد مولده والعائلة تحتفل بعيد ميلاده الـ٨٨ فى السابع والعشرين من شهر ديسمبر عام ٢٠٠٨.. شاهدناه.. راقبناه.. حاورناه.. جادلناه واستمتعنا بالخصوصية التى خصنا بها هو وعائلته الكريمة.. طفنا فى صومعته الخاصة التى لم تتجاوز شقة مساحتها ٨٥ متراً عبارة عن حجرتين وصالة صغيرة، واجهنا صعوبة شديدة فى التحرك داخل أرجاء صومعته بسبب تلال الكتب المترامية، التى كادت تخفى معالم الجدران.
لم يتغير برنامجه طوال فترة اقترابنا منه فهو بعد الاستيقاظ فى الثامنة صباحاً يتناول وجبة إفطار خفيفة فى السرير «جبنة ومربة وعيش توست وشاى بلبن أو نسكافيه»، ثم يحصل على حمام دافئ، وبعد ذلك يبدأ بقراءة الجرائد، ويحصل على جولة قصيرة ليتابع أخبار العالم أمام التليفزيون، لينكبّ بعدها على كتبه ودفاتره يدون أفكاره مستنداً إلى لوحه الخشبى الشهير «مصطفى محمود لم يجلس على مكاتب أبدا» لا يتوقف إلا لتناول الغداء فى الخامسة والذى لم يتغير أبدا عن السمك المشوى يتلوه تفاحة وموزة، ليستمر فى اجتهاده بين كتب الفلسفة والدين وعلوم الكون، ويحاول تفسير بعض الآيات الكونية التى وردت فى القرآن الكريم ويتناول وجبة العشاء فى العاشرة مساء وهى مثل الإفطار ليواصل اجتهاده إلى الثانية عشرة مساء.
وعن عزلته هذه تقول ابنته أمل إنها ليست بجديدة عليه فقد كنا أطفالاً صغاراً لا نستطيع دخول غرفته.. والذى تغير هذه الأيام أن فترة العزلة قد طالت، لدرجة أنه يظل لأيام لا يتحدث مع أحد، مما يدفعها للقلق عليه فتذهب لتطمئن عليه فتجده فى حالة تأمل وسكون تام أو غرق فى القراءة، وعندما أظهرت قلقها عليه ذات مرة طمأنها وقال: «لا تقلقى على فأنا لا أعيش وحدى فالله معى ولا يتركنى».
إلا أن الأزمة الأخيرة التى أرقدته داخل المستشفى الذى يحمل اسمه، حيث عانى من التهابات شديدة فى قرنية العين.. ربما حسم أمره وقتها وقرر أنه آن الأوان أن يخرج من عزلته ويفتح دفاتر أسراره.
هناك صور لا تنمحى من الذاكرة أبداً مثل:
■ متى فقدت الأمل فى الحلم ورضيت بالواقع؟
■ ما اللحظة الفاصلة بين أنا القديم الحالم الساعى لتغيير العالم وبين أنا الذى صرت
■ فى أى يوم وفى أى ساعة وفى أى لحظه فهمت أن الحلم حلم والواقع واقع أكان ذلك أيام الجامعة أم فى دهاليز المجلة «سنة أولى تدريب» وأنا أرى القيم تتساقط أمامى الواحدة تلو الأخرى على يد أساتذتى الكتاب الكبار الذين كنت أحلم يوماً بالحديث لهم
■ أم حين كفرنى من كفرنى، لمجرد أن اعترضت على شعار الإسلام هو الحل وأشاعوا تنصيرى
■ أم حين شعرت بالغربة لأول مرة عن أهلى وأنا فى بلدى واخترت العزلة؟
مصطفى محمود

اخوتى
انتظر تعليقاتكم على هذه المذكرات

شمس بياض
19-12-2009, 06:40 PM
أنا مفكر منذ كنت فى «بطن أمى».. وشكوكى كانت «منهجية» وليست بسبب «العناد»



You can see links before reply (You can see links before reply)في مرحلة الشباب

لم تكن نشأته عادية، فمن يقرأ وهو فى الثامنة من عمره كتابات داروين وسلامة موسى، التى يصعب على البالغين استيعاب ما تحمله من أفكار طفل غير عادى.. وفى هذه النقطة يقول مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، الذى ينتهى نسبه إلى علىّ زين العابدين إلى على بن أبى طالب: «كان كل ما يحاوطنى يدفعنى للتفكير.. ورفض المنطق أو المسلمات،
فعندما أنشأ وسط سبعة أخوة أنا أصغرهم، ويكون أبى هو الزوج الثالث لأمى، والمفارقة الغريبة أن تكون أمى الزوجة الثالثة لأبى، وعندما يخبرونى أنى ولدت لتوأم اسمه سعد لكنه توفى بعد الولادة بأيام قليلة.. وهو الأمر الذى شغلنى كثيرا فى طفولتى أننى فقدت توأمى الذى وهبه الله لى.. ولدت فى قرية ميت خاقان القديمة بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، التى كانت تسمى أيامها مديرية المنوفية، وكان ميلادى يوم ٢٠ ديسمبر عام ١٩٢١،
ولكن المقيد فى شهادة ميلادى هو يوم ٢٧ ديسمبر ١٩٢١ أى بعد ميلادى الحقيقى وهذا كان سببه أن معتقدات الناس فى وقتها أن المواليد لا يتم قيدهم إلا بعد مرور أسبوع لعل الطفل يموت فيصبح لا داعى للأوراق والدفاتر والسجلات وخلافه، وهذا ما حدث بالفعل مع توأمى، ولم يقوموا بتسجيلى بالتالى إلا بعد أن ارتاحت الأسرة بأنى يمكن أن يكون فى عمرى بقية.
ما تلى ذلك من سنوات كان مثيراً للدهشة فعلا وهو ما غيّر فى طفولتى بالفعل، لأنه حدثت بينى وبين المرض صداقة غريبة وقد عانت أسرتى بسبب أمراضى المتكررة، وربما يعود السبب فى ذلك إلى أننى مولود ابن سبعة أشهر.
أتذكر مشاهد غريبة لا أنساها أبدا وأنا طفل صغير حين كنت أشاهد زملائى يلعبون ويمرحون ويلعبون الكرة ويجرون ويتصارعون بينما كنت عاجزاً عن أن أفعل مثلهم بالفعل وإلى الآن مازالت نزلة برد خفيفة يمكن أن تسكننى فى الفراش لمدة شهر،
ولهذا كان يجب أن أبحث عن ذاتى ولا يمكن أن أستسلم للمرض، ولهذا لم يكن غريبا أن يكون لى عالم خاص، لأنى أختلف كما رأيتم عن أقرانى، فكنت أتركهم يلعبون الكرة وأدخل عالمى الخاص لأتجول فيه ما بين البطولات والانتصارات بداية من السندباد ورحلاته التى كانت لا تفارقنى والمكتشفين والعلماء وكانت أحلامى كلها بطولات سواء بطولات عسكرية مثل خالد بن الوليد والإسكندر الأكبر الذى كتبت فيما بعد مسرحية تحمل اسمه أو بطولات علمية مثل ماركونى وأديسون.
انتقلت الأسرة بعد ميلادى بأيام إلى شارع «الحلو» الذى كنا نسكن فيه بمدينة طنطا بمحافظة الغربية حاليا، بعد أن كانت تلقب بمديرية الغربية، وحين أتذكر تلك المرحلة المبكرة من حياتى تأتينى وعلى الفور من الذاكرة صورة والدى، ذلك الحنون الذى ينتمى فى خاطرى إلى تكوين الملائكة.. كان يحتضننى ويحملنى على كتفه فور عودته من عمله فى الديوان العام لمديرية الغربية،
ولأننى كنت آخر العنقود ومريضا فى نفس الوقت فقد كنت مدللا بمعنى الكلمة، رغم أن حال الأسرة أقل من المتوسط، فلو قلت له أحضر لى لبن العصفور لفعل ذلك دون تردد، وإذا قلت لهم «نفسى فى الملوخية» كما كنت أفعل دائما لأننى أحبها فكان يسرع والدى ووالدتى إلى كل الجيران يبحثون عن الملوخية إذا لم تكن فى قائمة طعامنا يومها، وكانوا لا يردون لى طلبا مطلقا،
وكما سبق وقلت كانت أمى هى الزوجة الثالثة لأبى وكان أبى هو الزوج الثالث لأمى، فقد تزوج أبى زوجته الأولى التى رحلت بعد زواجه منها وعلى ما أتذكر كان اسمها سعاد،
ثم تزوج الثانية وفشل فى زيجته، ثم كانت أمى هى الزوجة الثالثة له، ومن المفارقات الغريبة أنه هو أيضا كان الزوج الثالث لها ولأن أبى كان إنساناً طيباً حنوناً فقد ضم كل أولادها من زوجيها السابقين إليه ولهذا فقد كان منزلنا يضم عائلة كبيرة: شقيقتى الكبرى من أمى وشقيقتى الصغرى «اعتدال» وقد رحلتا منذ فترة كبيرة وشقيقين من زوج سابق لها وهما حلمى مراد ومحمد مراد، بالإضافة إلى شقيقى الأكبر المرحوم حسن محمود، الذى كان (محافظاً للدقهلية) فى الستينيات،
وشقيقى مختار هذا فضلا عن شخصى وتوأمى «سعد» الذى رحل بعد أيام من مولدنا، وبهذا فكانت الأسرة تتكون من تسعة أفراد بعد موت سعد، وكانت أمى طيبة وحنونة وسيدة منزل مدبرة حازمة وكأنها تحقق بذلك التوازن فى الأسرة لأبى المفرط فى عمليات الصرف، وكانت وزيرة اقتصاد لمرتب أبى الضئيل،
حيث كان يعمل محضراً براتب لا يتجاوز ٨٠ قرشاً، ولكنه كان إنسانا مثقفا يتحدث الفرنسية بطلاقة، فقد كانت شهادة الابتدائية التى حصل عليها تحمل فى مناهجها ودراستها التعمق فى دراسة اللغات الأجنبية ومنها الإنجليزية والفرنسية، ثم تدرج أبى فى مناصبه من أولى الدرجات الوظيفية كمحضر إلى أن وصل إلى سكرتير فى مديرية الغربية وارتفع راتبه من ٨٠ قرشا حتى وصل إلى ٢٠ جنيها وهو أكبر راتب حصل عليه فى حياته، وكانت له عادة لم يقطعها فى حياته منذ أول راتب تقاضاه وحتى آخر راتب،
وهو أنه كان يعطف بربع راتبه على الفقراء، كان يذهب إلى أقاربه الفقراء والجيران ومعارفه الذين كان يرى فيهم رقة الحال فى القرى المحيطة بطنطا ويوزع عليهم ربع هذا الراتب الضئيل، فقد كان حنونا عطوفا إلى أبعد مدى مع زوجته وأولادها وأقاربها ومعارفه، وعلى الرغم من الراتب الصغير الذى كان يتقاضاه أبى فإننا كنا نشعر بأننا أثرياء فلا نأكل إلا أفضل الغذاء،
ولا أستطيع أن أعلل أو أفسر سوى أنها «البركة»، فالراتب ضئيل وصغير ولكن الله بارك فيه، لأن من تقاضاه قد بذل فى سبيله العرق والجهد الذى يستحقه وقد أتقن عمله على الوجه الأكمل فبارك الله له فيما رزق، وكانت اللحوم والخضر والفاكهة والمأكولات لها طعم ونكهة تختلف عن الآن تماما، فما نأكله اليوم «كيماويات وأدوية وهرمونات»..
لا أستطيع أن أنكر أننى عشت حياة متواضعة فى منزلنا لكن شملتها الراحة والسكينة والطمأنينة والبركة فى المعيشة والمأكل والمشرب والملبس، حقيقى أننى لم أكن أعرف السيارة أو التاكسى ولكن «الحمار» فى أحسن الأحوال كان وسيلة جميلة أستخدمها حينما كنت أريد أن أذهب إلى القرى المجاورة لزيارة أقاربنا ومعارفنا وكان طريقى إلى المدرسة أقطعه سيرا على الأقدام يوميا ولا أنسى أن زملائى فى المدرسة (وكان اسمها الكتاب الشوكى نسبة إلى صاحبها الشيخ محمد الشوكى الذى كان يدرس اللغة العربية وكنت ألقبه بالبعبع نسبة إلى عنفه وشدته) كانت تنتظرهم على باب المدرسة سيارات فارهة لتوصيلهم إلى منازلهم، لكنى لم أعقد مقارنة مطلقا بينى وبينهم،
لم أحلم يوما بأن يكون لدى سيارة أو قصر ولم يخطر ببالى ضرورة أن أكون غنيا، فقد كنت أعيش بكل كيانى فى عالمى الخاص وهو كان عالماً مليئاً بالقيم والمثل العليا ومليئاً بالبطولات والانتصارات، ودائماً كان بداخلى انتصار الخير على الشر فى هذه الحياة، ورغم مرض أبى سبع سنوات كاملة كان فيها طريح الفراش فإننى لم أسمع منه شكوى واحدة أو عبارة تحمل نبرة السخط والتذمر بل كانت الابتسامة لا تفارق شفتيه أبدا،

انتظرونى فى باقى المذكرات

7asnaa kareem
19-12-2009, 10:05 PM
الله عليكى يا شمس الشموس

معلوماتك منوره الدنيا زيك
بجد موسوعه علميه

ربنا يكرمك ويبارك فيكى
انا منتظره باقى المذكرات

شمس بياض
19-12-2009, 10:53 PM
[quote=7asnaa kareem;152707]
الله عليكى يا شمس الشموس



معلوماتك منوره الدنيا زيك
اعزكم الله
بجد موسوعه علميه
دى مجاملة خطيرة بجد انا مش قديها
حقيقى مجامله رقيقه
من انسانه ارق


ربنا يكرمك ويبارك فيكى
انا وانتم والمسلمين

انا منتظره باقى المذكرات
ان شاء الله
يا حبيبتى


نورت الصفحة
لاحرمنى الله من ردودك

شمس بياض
21-12-2009, 10:18 PM
وكان يؤدى فروض الرجل المسلم الموحد حتى آخر يوم فى حياته، وأيضا كان يعتريه فى أواخر أيامه النسيان فكان يدخل عليه أصدقاؤه من المشايخ ويقولون له: يا شيخ محمود أنت رفعت عنك التكاليف، وكان أبى يضحك وهو يرد عليه قائلا: لا يمكن أن ترفع التكاليف أبدا. وحينما كان ينسى بحكم السن والشيخوخة وضعف الذاكرة عدد الركعات كان يسألنى لأذكره. لقد كان أبى يمثل لى الكمال الخلقى النادر، وتعلمت منه الكثير من القيم والمثل العليا والنبيلة.

وقد كنت من مواليد نفس برج أبى، وهو برج القوس، لذا تمتعت بنفس صفاته ولم أكن من مواليد برج الجدى، وهذا يفرق كثيرا فى الأبراج، لدرجة أن أحد رجال الفلك وكان يدعى الشيخ حسين ضرب لى النجم وحسب لى من المراجع الفلكية منذ أكثر من أربعين سنة، وقال لى أنت لست من برج الجدى، ولكن من برج القوس، وشكلك وملامح وجهك وصفاتك تقول إنك من برج القوس، ومن مفارقات الأيام أن هذا المنجم قد تنبأ بما سيحدث لى على مدى عشرين عاما بالتفصيل والأرقام، ولا تسألونى عن إيمانى بالمنجمين، لأنى لا أقصد شيئاً ولكن فقط أقص عليكم ما حدث معى بالضبط.

كان مصطفى محمود يعرف ما نريد الحصول عليه بالضبط، فمما سبق عرفنا منه كيف تكونت أفكاره المتمردة أو المختلفة، ولكنه كان يلمح فى نظراتنا التلهف على معرفة كيف خرجت هذه الأفكار إلى أرض الواقع فقال:

«طفولتى كانت غريبة وعجيبة، كما ربانى والدى فى المسجد والكتاب، أى أنها كانت طفولة دينية من الدرجة الأولى، لكننى لم أجد فى نفسى المتلقى التقليدى وخلاص، بل كان كل شىء يدخل بداخلى كان يمر على مصفاة فأنتقى الأشياء التى أشعر أنها يقينية وأتخلص من أى شىء أشعر بأنه هراء حتى لو كان من شيخ الجامع،

فمثلا الجميع يعرف قصة مرحلة الشك وكيف عبرت منها من الشك إلى اليقين، ولكن الذى لا يعلمه أحد أن إمام مسجد هو من زرع بداخلى بذرة الشك الأولى فى العقيدة، وفى كل ما يحيط بى خصوصا المسلمات (أى الأمور الفطرية التى يتعامل معها الإنسان كأنها أمور طبيعية مثل ما يتلقاه الابن من والديه فى طفولته وهكذا)، عندما تعامل معنا بجهل وكأنه يتعامل مع (شوية فراخ) دون أن يعلم أننى سأكون له بالمرصاد،


أنا سأقول لكم على طريقة تقضون بها على الصراصير والحشرات الضارة فى المنزل وهى طريقة دينية عظيمة جدا، وكل واحد يفتح الكراسة وسوف أملى عليكم هذه الطريقة العظيمة الجديدة.. وأخذ يملى علينا كلاماً عبارة عن مزيج من الآيات والطلاسم، ثم قال لنا: الصقوا هذه الورقة على الحائط وسوف تكتشفون أن الصراصير سوف تموت موتاً شنيعاً على هدى هذه الطريقة الدينية العظيمة.. وبالطبع فقد فرحت من كل قلبى، لأننى كنت على استعداد لتصديق كل ما يقول وكتبت كل ما قاله بالحرف الواحد ولصقته باهتمام شديد على الحائط وجلست منتظراً النتيجة، لكن خاب ظنى،

وأصبت بإحباط شديد، فقد تزايدت الصراصير وأصبحت أضعاف ما كانت قبل طريقة الشيخ، بل الأدهى من هذا أن الصراصير اتخذت من الورقة التى أخبرنى بها الشيخ ملجأ لها ومن يومها أحسست أن الرجل «نصّاب كبير»، وبدأت أشك فى كل شىء ليس فى هذا الشيخ وحده ولكن فى كل من حولى، وكانت هذه هى بذرة الشك التى زرعت فى نفسى وقد زرعها الشيخ محمود خطيب وواعظ جامع سيدى عز، لم أشك فى الورقة التى دعا إليها فقط أو فى حديثه، ولكن اعترانى شك فى كل شىء.

قصة الشك وتاريخها أصلا مرتبطان بطبيعة تكوينى الفكرى وطبيعتى كمفكر.. ضحك وقال (وهنا أذكر بأننى كنت مفكراً وأنا فى بطن أمى) فمن طبيعة المفكرين أن يعيدوا النظر فى المسلمات، إنهم يبدأون من البداية الأولى، دائماً يبدأون من صفحة بيضاء، فهم على الدوام ضد المسلمات، فهذه هى الرحلة الطبيعية، وهى تعنى شكاً منهجياً وليس شكاً عنادياً، فهناك فرق بين أن يعاند الإنسان أو يجادل، وبين ألا يسلم بالبدهات أو يبدأ بالمسلمات بأن يكون منهجياً..

وبالفعل إن قصة الشك قديمة وبدأت معى من الطفولة حين كنت أخطو أولى خطواتى وكنت لا أزال مراهقاً صغيراً لم أتجاوز ١٢ عاما عندما أحببت أن أتمرد على شيخ الجامع فكونت جمعية فى بيتنا المقابل له وقد سميتها (جمعية الكفار)، وكنت أناوش الشيخ بها، كنا نكتب مطبوعات هذه الجمعية ونحاول اختراق المسجد لكى نلصقها بداخله ونوزعها على المصلين لجذب أعضاء جدد لكنهم أمسكوا بى ذات مرة وضربونى علقة ساخنة فى الجامع، وقد أخرج الشيخ كل غضبه علىَّ فى هذه المرة، لأننى فكرت ولأننى أول من اعترض على كلامه وأفكاره،

وكانت هذه الأفعال ليس من وحى خيالى، ولكنه كان تيارا موجوداً على الساحة أيامها ينشر هذا الاتجاه ممثلا فى كتب دارون وسلامة موسى وشبل شميل والتى كانت أفكارهم ثورة على الدين وهذه الثورة استهوتنى بشكل كبير وبالتالى سرت على هذا الطريق وهذا المنهج، وكنت أقضى يومياً من ٥ إلى ٦ ساعات فى مكتبة البلدة بطنطا وأقرأ فى مختلف المجالات وأدخل فى مناقشات ومجادلات وخناقات تنتهى بالضرب والجرى، خاصة بعد إنشاء (جمعية الكفار) هذه التى كانوا يعتبرون أفكارها بالطبع دعوة للكفر، وكان معى فى هذه الجمعية أصدقاء مسيحيون،

وخطورة هذا أن هذه الجمعية كانت ضد الأديان عموماً، وكانت مرحلة غريبة فى حياتى كلها على الإطلاق، ولو تأملتم كيف ولماذا تكونت جمعية الكفار أو ما هو مبعث شكوكى فى الأديان ستجدوا أن شيخاً واعظاً هو الذى قادنى إلى الشك، فقد ولدت شكوكى على يد شيخ، والسبب فى هذا أنه تحدث بجهل وخطأ،

وهذه أسوأ طريقة، فلاشك أن الوعظ الخاطئ يمكن أن يقود إلى كارثة مروعة، فالذى قاله شيخ سيدى عز الرجال لا يمت للدين بصلة مطلقاً، فهو لاشك رجل كذاب ودجال على أى حال، وكنت فى هذه الفترة من العمر أتساءل فى تمرد: «تقولون إن الله خلق الإنسان لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولابد لكل صنعة من صانع ولابد لكل موجود من موجد صدقنا وآمنا، فلتقولوا لى إذن من خلق الله أم أنه جاء بذاته وإذا كان كذلك فى تصوركم فلماذا لا تصدقون أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهى الإشكال»،

وعندما كنت أقول هذا فتصفر من حولى الوجوه وتنطلق الألسن تمطرنى باللعنات وتتسابق إلى الكلمات عن يمين وشمال ويستغفر لى أصحاب القلوب النقية، ويطلبون لى الهدى، نعم لقد رفضت عبادة الله، لأننى استغرقت فى عبادة نفسى، وأعجبت بومضة النور التى بدأت تومض فى فكرى مع انفتاح الوعى وبدأت الصحوة من مهد الطفولة.

وفى عمر الـ١٦ بدأت برفض المسلمات. لم أكن أريد أن آخذ شيئاً عن أبى وأمى، ولكن كنت أريد أن أجتهد اجتهاداً شخصياً، وبدأت بالمحسوس الذى أمامى ولم أبدأ بما وراء الطبيعة، وقد تمثل هذا المحسوس فى الطبيعة «الفيزياء» فوجدت الفيزياء والكيمياء عاجزة عن أن تفسر لى شيئاً عاجزة عن أن تفسر لى الحياة والموت،

ومن أجل ذلك استعنت بالفلسفة فوجدت أنها فى حاجة إلى فلسفة لتعينها، فبدأت بالأديان سواء كانت سماوية أو دنيوية (بوذا وزرادشت وعيسى وموسى ومحمد) فوجدت كمال الأمر كله فى القرآن.. وكانت هذه هى المرحلة الطبيعية، ورغم أننى اتجهت بقلبى إلى الدين فكانت هناك أسباب حقيقية قادتنى إلى الشك، ومن هنا بدأت رحلة الشك، وبدأت أحاور وأرفض وتحدث فجوة بينى وبين الدين وتزايدت هذه الفجوة تدريجياً.

أصدقاء فى لحظة الوداع

استيقظ الدكتور مصطفى من غيبوبته فى أحد الأيام، وطلب أن يرى أصدقاءه الأقرب، وهم الدكتور على بدران والدكتور عبدالقادر، وكلاهما أستاذ صيدلى، وبالفعل زاره كل منهما وقضيا معه اليوم، كما زاره المخرج المسرحى جلال الشرقاوى، أحد المقربين للدكتور مصطفى، الذى عاش معه مواقف عديدة واشتركا فى العديد من الأعمال الفنية،

وهى مواقف سيأتى ذكرها تفصيلا فيما بعد. وقد ذهب الشرقاوى صديق الدكتور مصطفى خمس مرات إلى المستشفى خلال شهور المرض الأخيرة، كما زاره الكاتب الصحفى محمد عبدالقدوس، نجل الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس والسيدة روزاليوسف، وكلاهما كان له دور مهم فى بدايات الدكتور مصطفى محمود الأدبية والفكرية،

وكان محمد عبدالقدوس من آخر الأصدقاء الذين جلسوا مع الدكتور مصطفى قبل رحيله، بالإضافة إلى رسام الكاريكاتير رجائى، الذى يعتبر واحدا من أهم وأقرب الأصدقاء للدكتور مصطفى،

حيث ارتبطا ببعضهما البعض منذ البدايات المشتركة فى مجلتى «روزاليوسف» و«صباح الخير»، ورجائى هو صاحب الصورة الشهيرة التى رسمها لمصطفى محمود، وعلقها الدكتور على أحد جدران شقته وكان يقف أمامها كل يوم، ويتأملها حوالى نصف ساعة، خاصة فى السنوات الأخيرة.

العقاد وتشيكوف والأهرام

عندما صعبت القراءة على الدكتور مصطفى فى أيامه الأخيرة طلب من ابنته أمل أن تقرأ له فى اهتمامات ومجالات متنوعة، فأحيانا كان يطلب منها أن تقرأ له مقاطع من مؤلفات العملاق عباس محمود العقاد، أو قصص الكاتب الروسى الشهير أنطون تشيكوف الروسى، أو بعض الفقرات من الكتب العلمية، وأحيانا كان يطلب منها أن تقرأ له مقالات أصدقائه وتلاميذه فى الأهرام

نعمه محمود
21-12-2009, 10:26 PM
بجد تسلم ايدك على الموضوع الأكثر من رائع سيرة ذاتية تفرح بجد

شمس بياض
08-01-2010, 01:53 PM
بجد تسلم ايدك على الموضوع الأكثر من رائع سيرة ذاتية تفرح بجد
شكؤرا لمروركم يا غالية
نورت الصفحة

شمس بياض
08-01-2010, 04:42 PM
اخوتى
السلام عليكم

اليكم
باقى المذكرات تدريجيا

أراد مصطفى محمود أن يدخلنا معه فى الحوار فسألنا عن الأفكار التى تشغل بال هذه الأجيال - يقصد جيلنا الحالى طبعا - فأجبناه عن كل تساؤلاته.. فكر بعض الوقت وكأنه لم يجد فيها ما يثير الانتباه.. أو أنه انتهى تفكيره إلى أنها ليست أفكاراً بالمرة فزم شفتيه ثم قال: أريد أن أتكلم عن أفكارى وأنا فى المرحلة ما بين دراسة الطب وبين الثلاثين.. كنت فى مثل عمرك تقريبا وما الذى شغلنى فى هذه الفترة وكيف كنت أفكر ثم أردف: كان هناك خليط من خطوات فكرية تنضج بداخلى..
أفكار عن (الغيب والموت والقدر والعدالة) هل كان صراع الأفكار هذا بداخلى نتيجة لازدحام الساحة بكم كبير من أفكار الفلسفة الوجودية المادية فى هذه الفترة.. ربما.. لكن المؤكد أن هذه الأفكار تشغلنى منذ طفولتى كما سبق أن أشرت- أى عشرينيات وثلاثينيات القرن المنصرم- بينما هذه الأفكار بدأت تأخذ طريقها إلى الساحة فى مصر بعد الحرب العالمية ضمن حلقات انتشارها على المستوى العالمى نتيجة ليأس الفلاسفة من كل المناهج المطروحة وقتها وكان يتمثل فشلها فى عجزها عن وقف بحر الدم والعنف الذى شهده العالم أثناء الحرب العالمية الثانية.. إذا أنا سبقت انتشار هذه الفلسفة والأفكار بحوالى عقدين من الزمن.
ولكن الحقيقة أن من أكثر الأفكار التى شغلتنى عموما منذ طفولتى حتى الآن فكرة الموت.. دائما كنت أتصور أن عمرى قصير جدا وأنى سأموت.. بين الحين والآخر كنت أقف أمام المرآة وعمرى عشر سنوات وأقول بصوت مرتفع جدا الموت يطاردنى يقف خلفى وأمامى وبجوارى ألا أستطيع الهروب منه.. أنا بالفعل كنت أرى ملك الموت وكأنه يحاوطنى.. وكنت أشعر كل صباح يوم جديد أن ساعتى قد حانت وكنت أخبر أهلى بذلك..
وهذا أثار خوف وقلق والدى وأمى على وذهبا بى إلى الأطباء وعندما لم يجدا علاجاً يشفينى «طبيعتى المختلفة عن أقرانى كانت تدفعهما دائما لتخيل أنى أقترب من الجنون» فذهبا بى إلى المشايخ والعرافين الذين كانوا يتواجدون بكثرة فى الريف ولكنهم أيضا لم يجدوا كلاما يقولونه غير أن يخترعوا أنى ممسوس أو «مخاوى جن» من تحت الأرض «لاحظوا أن شائعات الجنون وقربى من الجان تطاردنى منذ الطفولة» ولعل السبب فى كل ذلك أن المرض دائما يهاجمنى فأصبح بالنسبة لى يمثل مشكلة خطيرة جدا فما بالكم بطفل صغير لا يستطيع أن يجرى ويصارع من هم فى مثل عمره..

حالته الصحية متدهورة ولا تسمح بذلك والحقيقة أنى من أجل هذا اخترت كلية الطب دون غيرها من الكليات إضافة إلى أسباب أوضحتها سابقا حيث كانت كلية الحقوق فى ذلك الوقت من كليات القمة ويتخرج فيها الوزراء والسياسيون ورغم إلحاح الأسرة على بأن ألتحق بها إلا أنى تمردت على رغبتهم «الواضح حياتى كانت عبارة عن سلسلة من التمرد المستمر» واخترت كلية الطب لأننى حريص على التعرف على أدق تفاصيل وأسرار الأمراض والأزمات الصحية وكيف يمكن التخلص منها.
أردت أن أتعرف على طريقة أتخلص بها من عللى ومرضى المستمر الذى لم يستطع طبيب أن يشفينى منه واكتشفت فى هذا التوقيت أن الموت والمرض مشكلة كبرى بالنسبة لى فالمرض بالنسبة لى يمثل الموت وأن المؤشرات والعلامات التى تسبقه قد تتمثل فى موت العينين والساق والذراع والإحساس وعانيت كثيرا من أجل الوصول لما توصلت له وعندما مارست الطب سنتين بعد التخرج كنت أعتبر أنى حققت انتصاراً كبيراً على الموت عندما أتغلب على المرض الموجود داخل المرضى، ولكن كان يصيبنى الإحباط الشديد عندما ينتصر المرض على ويسوق أمامه للموت روح مريض وينظر لى ويخرج لسانه معلنا أنى لا أقوى عليه وذهلت عندما وقفت لأول مرة أمام طاولة التشريح.. أمام الجثة..
ولم تحدث لى عملية إغماء أو حتى مجرد شعور بالخوف كما كان يحدث لبعض زملائى وتعلمت من يومها أن كل إنسان يحمل الموت بداخله وبأنى أحمل الموت بداخلى أيضا حتى ولو كانت صحتى جيدة وأن الموت يسكن معى وتعلمت أن الإنسان كلما ازداد عمره سقطت الخلايا الميتة من جسده، وأن اللعاب الذى يطرده من فمه يحمل بداخله ملايين الخلايا الميتة وأن دم الإنسان يحوى كل ساعة ٦٠ مليون خلية من الخلايا الحمراء والخلايا البيضاء وبعد صراع مرير تقتل خلايا الدم البيضاء البكتيريا الموجودة بخلايا الدم الحمراء وتسوق جثث الموتى إلى الكبد الذى يمكنه التعامل مع هذه الجثث ويحولها إلى مرارة وصفراء والجسم يتعامل مع كل هذه الجثث.. يحللها ويستفيد منها ويحولها إلى عصارات مختلفة.. ووجدتنى أسأل نفسى هل كان الموت يعمل داخلى طوال هذه السنوات ليل نهار وأنا لا أدرى بحقيقة المعركة الدائرة بداخلى؟
وعرفت من يومها بأن الموت أكبر من أن يكون كلمة فهو واقع يدور داخلى وأن عملية الهدم والبناء تتم دون أن أدرى وأن الهدم داخلى وداخل كل إنسان منذ الولادة ولكن البناء غالب عليه حتى يحدث التوازن فى سن الأربعين ثم تبدأ عملية النزول والهدم التى تتزايد وبالتالى إذا كان البناء غالبا فأنا شاب وإذا كان الهدم غالبا فأنا دخلت مرحلة الشيخوخة وقد كنت منذ طفولتى أشعر بأن الموت قريب منى وأسمع خطوات أقدامه وهى تقترب منى كل يوم وكنت باستمرار أحدق فى الموت وأنظر إليه وأصرخ فيه كما كنت أفعل أمام المرآة وأنا طفل صغير «أنا أرى الموت..
أرى ملك الموت ولست خائفاً فكنت أتحداه دائما وأحدق فيه لدرجة أننى كنت أتوقع دائما أننى سأموت مبكرا ولم أتوقع أن أصل إلى الـ٨٨ عاما من عمرى وكنت دائما أقول سأموت فى سن الثلاثين ولكن «أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد» ورغم كل هذا ظل الموت معى يأكل ويشرب ويعيش ويتنفس بين ضلوعى ويسيطر على وجدانى وأصبح مشكلة وكارثة تصاحبنى أينما ذهبت.. ففى خلوتى الأخيرة التى امتدت لعشرين عاما ظهر لى كثيرا وواجهته كثيرا وتغلبت عليه وكنت أنا المنتصر.. وفى تكوينى وفكرى الموت مرتبط بشكل كبير بالفن والدين وبالفعل كان هو السبب فى تكوينى وفكرى وحبى للموسيقى.
والحياة بالنسبة لى كما يعرفها المقربون منى منذ الصغر نظام دقيق للغاية ومرتب، فليس هناك شك أن الحياة والموت ليسا النهاية، ولكن البداية الحقيقية فى حياة البرزخ وهى الحياة التى تظل الأرواح جميعا متعلقة بها إلى أن يأذن الله بالفناء للبشرية الموجودة على الأرض ولهذا فإنى كنت دائما حريصاً على أن أفعل شيئا ما دام هناك متسع من الوقت يكفى لذلك وكان من الأسباب التى تدفعنى للعمل والإنجاز إحساسى بالموت الذى يقترب منى كل لحظة وكل ثانية.
كما أخبرتكما أن هذه الأفكار كانت تنتابنى وأنا طالب جامعى وكانت تظهر فى شكل مقالات مسلسلة فى مجلة (روزاليوسف) التى كانت منبراً صحفياً كبيراً وقتها لأنها تمردت على السياق العام للصحافة فى مصر.. كنت أنشر هذه المقالات سواء كانت فكرية عامة أو فلسفية بالخصوص إضافة إلى كتابة القصة القصيرة.. وبعد أن أنهيت الجامعة عملت فى مستشفى أم المصريين لمدة عامين..
فى هذه الفترة كانت حركة الضباط الأحرار فى عام ١٩٥٢ والتى رحبت بها كثيرا لأنها تمثل تمرد الجيش والشعب على النظام الملكى الفاسد فكان التمرد على الواقع هو ما يلفت انتباهى دائما ولكن خذلتنا هذه الثورة بعد ذلك فقد حررت الدولة المصرية لاستعباد الشعب المصرى وكنت وقتها أداوم على نشر مقالاتى فى «روزاليوسف» عندما فوجئ إحسان عبدالقدوس باستدعائه من قبل رجال الثورة «كان هذا أول صدام بينى وبين جمال عبدالناصر» للتحقيق معه حول ما نشر بمجلته وكيف يقوم مصطفى محمود بنشر هذه الأفكار فى مجلته
وقال إحسان لهم «أنا أعطى الحرية للكتاب الذين يعملون داخل مجلتى وأؤمن بالحرية التى تؤمنون بها والتى تنادون أنتم بها.. من الممكن أن أكون غير متفق مع مصطفى محمود فى أفكاره وفيما يكتب لكننى لا أستطيع تقييد حريته والأمانة الصحفية تمنعنى من التدخل بل وأن أعطيه مساحة ليعبر عن رأيه وليس هو وحده ولكن هذا ينطبق على كل الصحفيين فى مجلتى وحق الرد متاح للجميع».
أنتم تلاحظون أن إحسان عبدالقدوس قد دعمنى ووقف بجانبى وقت أن كان هو العملاق عبدالقدوس ولم ينس رجال الثورة وعلى رأسهم عبدالناصر هذا الموقف لإحسان وردوا عليه بعد ذلك بسحله وسجنه وكيف أنهم لم يستطيعوا أن يدينونى أيام المقالات وظهر موقفهم عندما جمعت هذه المقالات فى كتابى الأول «الله والإنسان» عام ١٩٥٦ إذا غضضنا النظر عن المجموعة القصصية الأولى «أكل عيش».
على الرغم من أن الإعلام لم يكن بمثل هذا الحجم وكان الاعتماد كله على الصحافة الورقية إلا أنك تستطيع أن تؤكد أن الحياة فى مصر قد توقفت بالفعل بعد إصدار الكتاب ورواجه.. لم يعتد الناس على مثل هذه الأفكار أو على الأقل هذه الطريقة فى طرحها.. انقلبت الدنيا من حولى.. أصبح كل واحد يكتب عن الموضوع بمزاجه، من وصفنى بأننى فيلسوف العصر الجديد ومن وصفنى بالملحد والشيوعى والكافر و.. و.. وهنا ضحك مصطفى محمود حتى دمعت عيناه اللتان أصابهما المرض مؤخرا.. وقال من الطريف أن دارا حكومية «دار الجمهورية للنشر» هى التى وافقت على طبع الكتاب ونشره وكان يشرف عليها فى ذلك الوقت أنور السادات وحقق الكتاب رواجا كبيرا..
والطريف أيضا أن المفتى كان قد قرأ هذا الكتاب وأبدى رأيه بأن هذا الأسلوب يبشرنا بكاتب كبير وعالم ومفكر وكان هذا اعترافا رسميا من الدولة بهذا الكتاب وقيمته ولكن قضاة التفتيش الجدد رفضوا الكتاب وثاروا وهاجوا وسبوا وقالوا هذا الكاتب أصابه الجنون أو كفر وقدموا مجموعة الشكاوى ضدى للقضاء وتمت مصادرة النسخ المعدودة المتبقية فى الأسواق من الكتاب بعد أن تخاطفه الكثير من المصريين الذين كانوا يرغبون فى من يكسر لهم الظلام ويطير الخفافيش التى تتزايد داخله ويفسر لهم حقيقة ما يجرى لأنهم سئموا من أن تفرض عليهم الأشياء باعتبارها «واقع ولازم يقبلوه»..
وتحولت الدعاوى التى قدمت ضدى إلى قضية كبرى تناولها معظم صحفيى مصر ، وظلت القضية تنظر أمام محكمة أمن الدولة شهوراً خرجت خلالها شائعات كثيرة ومتعددة وكان من بينها «أنهم سيحكمون بكفرى وارتدادى عن الدين ومن ثم إعدامى،
وآخر أن علماء الأزهر انتهوا بالفعل للحكم علىّ بالكفر والارتداد عن الدين» وظلت الشائعات تظهر شائعة تلو الأخرى وتتردد فى أرجاء مصر حتى تقرر إصدار الحكم فى القضية فى شهر رمضان وذلك بغرض تشديد الحكم وعدم استخدام الرأفة وأتذكر أيامها أن إحسان عبدالقدوس استعان بمحام كان اسمه محمود وكان قد اشتهر وبرع فى الترافع عن جرائم النشر وكان يتحدث عما يجرى من أعمال قمع وقهر وإرهاب وديكتاتورية ومصادرة الكتب والأفكار
وأذكر أيضا أنه أثناء المرافعات قال لى إن ما كتبته فى كتابك هذا كلام يستخدمه كبار الصوفية وبعد سلسلة مرافعات طويلة استغرقتها المحاكمة التى كانت تتداول فى حجرة مغلقة وسرية واستغرقت المرافعات ساعات طويلة ولكن لا يستطيع القضاة فى ذلك الوقت الحرج فى تاريخ مصر إلا إرضاء جمال عبدالناصر الذى أصدر حكمه من أول يوم بمصادرة الكتاب ورغم كل المرافعات وما استندت إليه من أقوال الصوفية فقد أصدرت محكمة أمن الدولة الحكم بمصادرة الكتاب وعدم خروجه للنور وبالطبع خرج الحكم دون حيثيات ورغم ذلك صادروه بأمر جمال عبدالناصر.
وتقبلت اتهامى بالكفر وأنا فى بداية حياتى بأن أغلقت على نفسى باب شقتى.. واعتزلت من هول الصدمة حيث كانت عواطفى مازالت حساسة فلما أخذت الأفكار تهاجمنى.. لقد كفرونى لأنى امتلكت نفس ما امتلكوه.. نفس مؤهلاتهم.. القدرة على جذب الانتباه.. القدرة على جعل الآخرين يستمعون ويؤمنون بما أقول.. كفرونى.. قالوا نقضى عليه وهو صغير.. وناجيت روح أبى.. لقد اتهمونى بالكفر يا أبى.. أنا ابنك اصطحبتنى إلى المسجد وأنا ابن الثالثة وألبستنى الطاقية والجلباب الصغير.. أنا الذى حفظتنى القرآن والحديث بينما مازال من فى مثل عمرى يلعبون فى تراب الشارع..
أين أنت يا أبى لتدفعهم بعيدا بأيديك الكبيرة الحانية.. لا تدفعهم بعيدا عنى فقط بل تدفعهم بعيدا عن هذا البلد الطيب.. الذى يحاوطونه كالسرطان.. وجعلوا من يفكر يكفر.. جاءت أمى إلى.. جاءت بجلبابها وطرحتها.. افترشت سجادة الصلاة وأخذت رأسى فى حجرها.. وظللت فترة طويلة على هذا الحال.. ورغم أن معظم أفكار الكتاب لم تقترب من الأساسيات والثوابت مثل الله بل كانت فى (مسألة القضاء والقدر والجنة والنار والصواب والخطأ وقضايا الجبر والاختيار والبعث والخلود) إلا أن رجال الدين يعتبرون أن مجرد التفكير فى مثل هذه الأشياء هو الكفر ولكنهم لا يعلمون أن التفكير فى مثل هذه الأشياء منتهى الإيمان لأننى مفكر أبحث عن أشياء تزيد من إيمانى وتعلقى بالله سبحانه وتعالى وقديما كانوا يفكرون فى هذه الشكوك دون أن يعرضوا للرجم أو القتل .
فى بعض الأحيان قادنى تفكيرى لأتساءل هل كان ضروريا نزول الوحى والإلهام بواسطة جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم ولماذا لم يلهمه الله مثلما ألهم الفنانين والموسيقيين والعلماء فى لحظات الإبداع والاختراع؟ وكانت قصة الوحى تشغلنى بشكل كبير وكنت دائما أفكر فيها ولكن بمجرد أن طرحت السؤال وبدأت البحث عن إجابة تعالت أصوات بتكفيرى مرة أخرى وكأنه لا توجد تهمة للمفكرين والباحثين عن الحقيقة غير التكفير وهذه القضايا تغير تفكيرى فيها بعد وصولى لليقين فسبحانه وتعالى كان لابد أن يميز رسوله عن بيتهوفن وجوخ وبيكاسو وقيس وعنترة،
وبعد بحث طويل فى القرآن أحسست أنه كتاب عجيب دستور لكل البشر وذلك لأنى حين قرأت كل الأديان أحسست أنها جميعا تتحدث عن شىء واحد لاشك فيه هو وحدانية الله ولكن اكتشفت أن الأديان القديمة مضت عليها القرون وتم تحريفها ودخلتها مصالح الكهنة وكانوا هم السبب فى كل هذه الفروق بين دين وآخر فكل واحد منهم يريد أن يستغل الدين لأغراض ومصالح شخصية حتى فى مصر القديمة «الفرعونية» كانت الديانة توحيدية والدليل هو كتاب الموتى ولكن الكهنة الذين يريدون أن يشيدوا المعابد اخترعوا آلافاً من الآلهة ليحصلوا من ورائها على القرابين وهذا ما حدث مع الأنبياء أيضا فكلما مات نبى خرج المنتفعون وحرفوا ليستفيدوا بالمكاسب المادية وجاء بعد ذلك عصر الملوك والرؤساء والسياسات المختلفة التى نعرفها الآن والتى زادت الأمر سوءا حيث إن العلمانيين يرددون شعارهم «كيف أسير إلى الأمام وأنا ألتفت إلى الخلف» ومن هنا يقولون العلم يتناقض مع الإيمان وقد نسوا أن كتاب الله سبحانه وتعالى يقود إلى أفضل طريق.. إلى الله..
وبعد مصادرة كتابى وجدت الماركسيين فى مصر يرفعوننى إلى السماء ويعلنون أنى أصبحت من كبار مفكرى الماركسية والشيوعية فى مصر وازداد إعجابهم بى وتأييدهم لى عندما كتبت قصة عن رجل زبال ونشرتها فى مجلة صباح الخير وكانت المجلة فى بدايات إصداراتها وبعدها وجدت أن الشيوعيين يصفوننى بأنى أعظم كاتب وأكبر مفكر وقيل عنى يومها إن تشيكوف مجددا يظهر فى مصر يحمل اسم مصطفى محمود وكنت مندهشا لكل ما يحدث حولى ومندهشا أكثر لإعجابهم بهذه القصة رغم أنها قصة عادية للغاية ولم أشترك معهم أو أنضم إليهم بل تجاهلتهم بعد ذلك بأن حذفت هذه القصة من جميع مؤلفاتى،
ولكنهم سرعان ما تحولوا ضدى بعد ذلك ووجهوا إلى الكثير من الاتهامات ومنها الردة الفكرية وكانت مدرسة ظهرت فى ذلك الوقت على يد محمود أمين العالم وكانت ترغب فى أن ينادى الكتاب جميعهم بالاشتراكية العلمية والشيوعية والماركسية ومن يخالفهم لا يعد أديبا أو مفكرا وأكبر دليل أنهم رفعونى إلى السماء ولذلك قرأت عن الفكر الماركسى بإمعان فلم أشعر باقتناع ودار داخلى حوار طويل ووجدت أنه يجب أن أغلق على نفسى باب حجرتى وظللت أمارس قراءتى فى معظم كتب الفلسفة وعلم النفس مثل (أفلاطون وأرسطو وهيجل وبكارل وماركس ووليم جيمس) وقراءة الأديان (الفيدات الهندية والبوذية والزرادشتية)
وفى النهاية وصلت إلى الإيمان فى حين أن اليسار فى الستينيات كان قد أصبح اتجاها قوياً موجوداً على الساحة وله ثقله وقد توغلت يده إلى الأدب والسينما والمسرح فتسبب نظام الاقتصاد الشمولى الذى طالب به فى الفقر والجوع للمصريين وهذا ما توقعته ولكنهم بعد ذلك وفى دقائق معدودة وجدوا صحف العالم والإذاعات والشعوب تنادى بسقوطهم.. سقوط الشيوعية..
وسقط هؤلاء الأشخاص الذين عندما تمردت على أفكارهم وانتقدتهم اغتالونى فى موهبتى وفكرى وجردونى حتى من لقب الكاتب واتهمونى بالتخلف وهذه هى أفكارهم وطباعهم لأن الشيوعية والشيوعيين تنظيم إذا صادف فى طريقه كاتبا يميل لأفكارهم فإن مهمتهم تكون جذبه إليهم ومن بعد ذلك بدأت أعيد النظر فى كل شىء حولى وبدأت بمراجعة كتابى الأول «الله والإنسان» ووجدته مليئاً بالثغرات التى عدلت عنها وصححتها فى كتب أخرى.. وأنا هنا أعلن لأول مرة أننى تراجعت عن كل الأفكار المادية التى لا ترتبط بالدين والتى جاءت بكتابى الأول «الله والإنسان».
■ كفرونى لأنى امتلكت نفس ما امتلكوه.. نفس مؤهلاتهم.. القدرة على جذب الانتباه.. القدرة على جعل الآخرين يستمعون ويؤمنون بما أقول.. كفرونى.. قالوا نقضى عليه وهو صغير
■ أغلقت على نفسى باب شقتى.. وناجيت روح أبى.. لقد اتهمونى بالكفر يا أبى.. أنا ابنك الذى اصطحبتنى إلى المسجد وأنا ابن الثالثة.. أنا الذى حفظتنى القرآن والحديث بينما مَنْ فى مثل عمرى لم يتخطوا مرحلة اللعب فى تراب الشارع.. أين أنت يا أبى لتدفعهم بعيدا عنى بأيديك الكبيرة الحانية.. لا تدفعهم بعيدا عنى فقط بل تدفعهم بعيدا عن هذا البلد الطيب.. الذى يحاوطونه كالسرطان.. وجعلوا من يفكر يكفر
■ جاءت أمى إلىّ والتى كانت تتمثل فى شخصية أختى الكبيرة زكية.. جاءت بطرحتها وجلبابها.. افترشت سجادة الصلاة وأخذت رأسى فى حجرها.. وظللت فترة طويلة على هذه الحال.. حتى نهضت من جديد
■ كان يجب ألا أترك الساحة لخفافيش ظلام جدد.. لقضاة فى محاكم تفتيش جديدة
■ إن الناجح هو ذلك الذى يصرخ منذ ميلاده: جئت إلى العالم لأختلف معه.. لا يكف عن رفع يده فى براءة الأطفال ليحطم بها كل ظلم وكل باطل.
مصطفى محمود