شمس بياض
16-12-2009, 03:12 PM
عباد الله، تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة عام مبارك بإذن الله، بعد أن أَفَلَت شمس عام كامل، مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله، ما أسرع مرور الليالي والأيام، وتصرّم الشهور والأعوام، لكن الموفَّق الملهم من أخذ من ذلك دروسا وعبرا، واستفاد منه مدَّكراًً ومزدجراً، وتزود من المَمَرِّ للمقر، فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد من حاذر الغفلة عن الدار الآخرة حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة، فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، والله نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام والمسلمين، وصلاحا لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.
إخوة الإسلام، حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطّره تأريخنا الإسلامي المجيد من أحداث عظيمة، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
معاشر المسلمين، ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد، علها تكون سببا في شحذ الهمم واستنهاض العزمات للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله You can see links before reply، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفاتِ المحاسبة الدقيقة، ونظرات المراجعة المستديمةِ في الأمة تجديدا في المواقف وإصلاحا في المناهج وتقويما للمسيرة في كافة جوانبها.
إخوة العقيدة، وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التأريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.
إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات والآثار النيرات والدروس والعبر البالغات ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوَالذي بعث محمدا You can see links before reply بالحق بشيرا ونذيرا ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين، وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين. إذا تحقق ذلك أيها المسلمون، وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به والدرع الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعا، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
أمة التوحيد والوحدة، لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة، وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التأريخ يجد أن مردّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتساهل في جانب الثوابت المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد، ينظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه You can see links before reply جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما))[1] (You can see links before reply_ftn1).
الله أكبر، ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه،
وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة، You can see links before replyحَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَاYou can see links before reply [يوسف:110].
أمة الإسلام، ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القومية والتمايزات القبلية والعلاقات الحزبية، واستحقاق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، يقال ذلك ـ أيها المسلمون ـ وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثر أمام تيارات إلحادية وافدة ومبادئ عصرية زائفة ترفع شعارات مصطنعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغار، والمهانة والتبار، والشقاء والبوار، فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين والتمزق المشين، وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى:
أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟! أين أخوة المهاجرين والأنصار مِن شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟! فقولوا لي بربكم، أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟! فلتصخ منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرِح الشائعات المغرضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.
إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التضحية والبذل والفداء ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته وحقوقه يجر ـ يا رعاكم الله ـ إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة في بقاع شتى من العالم، حيث حلت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا، سائلوا أرض النبوات ومهد الحضارات ومنطلق الرسالات وبلاد المعجزات فلسطين المجاهدة: ماذا تعاني من صلفٍ يهوديٍّ سافر ومن حقد صهيونيٍّ أرعن؟! سائلوا الشيشان وكشمير وغيرها عن الأوضاع المأساوية علَّ دروس الهجرة النبوية تحرِّك نخوة وتشحذ همة وتستنهض عزما، وما ذلك على الله بعزيز.
إخوة الإيمان، وفي مجال تربية الشباب والمرأة وميدان البيت والأسرة يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام ـ بأبي هو وأمي ـ ما يجلِّي أثر الشباب في الدعوة ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة، أين هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب بالشهوات وجعلهم فريسة لمهازل القنوات وشبكات المعلومات في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمات في الحفاظ على الدين والقيم، والثبات على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة ودعاوَى العولمة المفضوحة؟!
أيها الإخوة والأخوات، وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم ما يجلِّي دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فأين هذا من دعاة المدنية المأفونة الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم زاعمين زوراً وبهتانا أن تمسك المرأة بثوابتها وقيمها واعتزازها بحجابها وعفافها تقييد لحريتها وفقد لشخصيتها وبئس ما زعموا؟! فخرجت من البيت تبحث عن سعادة موهومة وتقدميّة مزعومة لتظنها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف مدنسة العرض مغتصبة الحقوق عديمة الحياء موءودة الغيْرَة، وتلك صورة من صور إنسانيات العصر المزعومة وحريته المأفونة ومدنيته المدعاة، ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السراب الخادع والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.
أيها الأحبة في الله، وإشارة أخرى إلى أمر يتعلق بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى من عقيدتها وتأريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمرية أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنها التوقيت والتأريخ بالهجرة النبوية المباركة، وكم لهذه القضية من مغزًى عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به، كيف وقد فتن بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في تأريخهم وأعيادهم، أين عزة الإسلام؟! وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضم مغريات الحياة؟! فإلى الذين تنكروا لثوابتهم وخدشوا بهاء هويتهم وعملوا على إلغاء ذاكرة أمتهم وتهافتوا تهافتا مذموما وانساقوا انسياقا محموما خلف خصومهم، وذابوا وتميعوا أمام أعدائهم ننادي نداء المحبة والإشفاق: رويدكم؛
فنحن أمة ذات أمجاد وأصالة وتأريخ وحضارة ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا You can see links before reply، فلا مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتأريخنا، ولسنا بحاجة إلى تقليد غيرنا، بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، لكنه التقليد والتبعية والمجاراة والانهزامية والتشبه الأعمى من بعض المسلمين هداهم الله، وقد حذر You can see links before reply أمته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن: ((من تشبه بقوم فهو منهم))[2] (You can see links before reply_ftn2)، والله المستعان.
أيها الإخوة المسلمون، وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنه حدث قديم لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى عليه السلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب، ويا لها من عبرة لكل عدو لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون أن الله منتقم من الطغاة الظالمين، طال الزمن أو قصر، فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النصر الخالدة، ألا فليقرّ أعينٌ بذلك أهل الحق ودعاته، فالعاقبة للمتقين، وليتنبه لذلك قبل فوات الأوان أهل الباطل ودعاته، You can see links before replyإِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰYou can see links before reply [النازعات:26]، You can see links before replyإِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِYou can see links before reply [الفجر:14]. وإن في الحوادث لعبرا، وإن في التأريخ لخبرا، وإن في الآيات لنذرا، وإن في القصص والأخبار لمدَّكرا ومزدجرا، You can see links before replyلَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَYou can see links before reply [يوسف:111].
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعل حاضرنا خيرا من ماضينا، ومستقبلنا خيرا من حاضرنا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان توابا.
إخوة الإسلام، حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطّره تأريخنا الإسلامي المجيد من أحداث عظيمة، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
معاشر المسلمين، ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد، علها تكون سببا في شحذ الهمم واستنهاض العزمات للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله You can see links before reply، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفاتِ المحاسبة الدقيقة، ونظرات المراجعة المستديمةِ في الأمة تجديدا في المواقف وإصلاحا في المناهج وتقويما للمسيرة في كافة جوانبها.
إخوة العقيدة، وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التأريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.
إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات والآثار النيرات والدروس والعبر البالغات ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوَالذي بعث محمدا You can see links before reply بالحق بشيرا ونذيرا ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين، وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين. إذا تحقق ذلك أيها المسلمون، وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به والدرع الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعا، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
أمة التوحيد والوحدة، لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة، وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التأريخ يجد أن مردّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتساهل في جانب الثوابت المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد، ينظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه You can see links before reply جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما))[1] (You can see links before reply_ftn1).
الله أكبر، ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه،
وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة، You can see links before replyحَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَاYou can see links before reply [يوسف:110].
أمة الإسلام، ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القومية والتمايزات القبلية والعلاقات الحزبية، واستحقاق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، يقال ذلك ـ أيها المسلمون ـ وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثر أمام تيارات إلحادية وافدة ومبادئ عصرية زائفة ترفع شعارات مصطنعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغار، والمهانة والتبار، والشقاء والبوار، فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين والتمزق المشين، وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى:
أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟! أين أخوة المهاجرين والأنصار مِن شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟! فقولوا لي بربكم، أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟! فلتصخ منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرِح الشائعات المغرضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.
إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التضحية والبذل والفداء ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته وحقوقه يجر ـ يا رعاكم الله ـ إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة في بقاع شتى من العالم، حيث حلت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا، سائلوا أرض النبوات ومهد الحضارات ومنطلق الرسالات وبلاد المعجزات فلسطين المجاهدة: ماذا تعاني من صلفٍ يهوديٍّ سافر ومن حقد صهيونيٍّ أرعن؟! سائلوا الشيشان وكشمير وغيرها عن الأوضاع المأساوية علَّ دروس الهجرة النبوية تحرِّك نخوة وتشحذ همة وتستنهض عزما، وما ذلك على الله بعزيز.
إخوة الإيمان، وفي مجال تربية الشباب والمرأة وميدان البيت والأسرة يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام ـ بأبي هو وأمي ـ ما يجلِّي أثر الشباب في الدعوة ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة، أين هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب بالشهوات وجعلهم فريسة لمهازل القنوات وشبكات المعلومات في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمات في الحفاظ على الدين والقيم، والثبات على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة ودعاوَى العولمة المفضوحة؟!
أيها الإخوة والأخوات، وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم ما يجلِّي دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فأين هذا من دعاة المدنية المأفونة الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم زاعمين زوراً وبهتانا أن تمسك المرأة بثوابتها وقيمها واعتزازها بحجابها وعفافها تقييد لحريتها وفقد لشخصيتها وبئس ما زعموا؟! فخرجت من البيت تبحث عن سعادة موهومة وتقدميّة مزعومة لتظنها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف مدنسة العرض مغتصبة الحقوق عديمة الحياء موءودة الغيْرَة، وتلك صورة من صور إنسانيات العصر المزعومة وحريته المأفونة ومدنيته المدعاة، ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السراب الخادع والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.
أيها الأحبة في الله، وإشارة أخرى إلى أمر يتعلق بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى من عقيدتها وتأريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمرية أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنها التوقيت والتأريخ بالهجرة النبوية المباركة، وكم لهذه القضية من مغزًى عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به، كيف وقد فتن بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في تأريخهم وأعيادهم، أين عزة الإسلام؟! وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضم مغريات الحياة؟! فإلى الذين تنكروا لثوابتهم وخدشوا بهاء هويتهم وعملوا على إلغاء ذاكرة أمتهم وتهافتوا تهافتا مذموما وانساقوا انسياقا محموما خلف خصومهم، وذابوا وتميعوا أمام أعدائهم ننادي نداء المحبة والإشفاق: رويدكم؛
فنحن أمة ذات أمجاد وأصالة وتأريخ وحضارة ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا You can see links before reply، فلا مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتأريخنا، ولسنا بحاجة إلى تقليد غيرنا، بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، لكنه التقليد والتبعية والمجاراة والانهزامية والتشبه الأعمى من بعض المسلمين هداهم الله، وقد حذر You can see links before reply أمته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن: ((من تشبه بقوم فهو منهم))[2] (You can see links before reply_ftn2)، والله المستعان.
أيها الإخوة المسلمون، وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنه حدث قديم لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى عليه السلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب، ويا لها من عبرة لكل عدو لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون أن الله منتقم من الطغاة الظالمين، طال الزمن أو قصر، فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النصر الخالدة، ألا فليقرّ أعينٌ بذلك أهل الحق ودعاته، فالعاقبة للمتقين، وليتنبه لذلك قبل فوات الأوان أهل الباطل ودعاته، You can see links before replyإِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰYou can see links before reply [النازعات:26]، You can see links before replyإِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِYou can see links before reply [الفجر:14]. وإن في الحوادث لعبرا، وإن في التأريخ لخبرا، وإن في الآيات لنذرا، وإن في القصص والأخبار لمدَّكرا ومزدجرا، You can see links before replyلَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَYou can see links before reply [يوسف:111].
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعل حاضرنا خيرا من ماضينا، ومستقبلنا خيرا من حاضرنا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان توابا.