شريف
29-10-2009, 03:48 PM
موقف عصيب مررت به اليوم في مدرستي ... لن أبالغ حين أقول أننا جميعا بكينا اليوم ... أننا جميعا عرفنا ماذا تعني الحياة علي حقيقتها ووجهها العاري القبيح ... هذه الدنيا التي نجري فيها جري الوحوش ... نتنافس و نتصارع ... و نتهافت علي القرش ... و نلهث وراء المنصب و الكرسي و الجنيه و المكانة و الوضع الاجتماعي و السيارة و البيت و ال و ال .... إلي حيث التراب ... و إلي حيث لا يملأ جوف ابن آدم و يسد شهواته غيره يوم ألا يخرج من الدنيا إلا بقطعة بيضاء من القماش سوداء من أثر حب الدنيا ... بيضاء من واقعية الموقف سوداء من خيال لم يكن علي البال .....
بالأمس القريب و منذ ما يقرب تقريبا من أسبوع كان المشهد كالتالي
ناظر المدرسة : الرجل الذي بنيت المدرسة علي أكتافه ... رجل من الزمن النادر ... رجل يعشق التعليم و يعشق التدريس و يري فيه من الرسالة ما يكفي لتقديسه ... يقف مع تحية العلم صباحا كالأسد ينظر بعزة إلي علم مصر...
تراه و كأنه يتراقص طربا و فخرا لانه ناظر المدرسة الحريص عليها المحب لطلبته و لمدرسته الزارع بهم كل المعاني الجميلة و كل الاخلاق الحميدة و كل المبادئ الرائعة التي يعجز الوالدين عن زرعها في ابنائهم رغم مرور السنين ... رجل يعشق الحركة ..لم يمل يوما واحدة ... في السادسة و النصف صباحا أو السابعة و بدون مبالغة
هو أول المتواجدين .. يقوم بفتح بوابة المدرسة قبل أن يفعل ذلك عمال المدرسة !
في طابور المدرسة تستمع الي نصائحه في ميكروفون المدرسة و كأنه منذر جيش... برغم بساطته و برغم زيه المتواضع ... إلا أنه كان يعشق العمل ... لم ينظر يوما إلي المادة ... كان يدفع من جيبه الخاص من أجل سد ثغرات المدرسة ... تلك المدرسة التي شهد فيها أكثر من خمسة و ثلاثين عاما من العمل الدؤوب ...
يوما بعد يوم ... و نحن ننظر إليه نظرة الاعجاب ... فقد بلغ الرجل الستين من عمره ... و هو مازال أسود الشعر رشيق ... سريع الخطوات ... يجري من دور الي دور... ينظم العمل .... يشكر في هذا و يشجع هذا و ينصح هذا..
و لكن جاء وقت الرحيل
فلم يصدق نفسه
لقد بلغ الستين
نعم
لقد بلغ من العمر الستين ... لقد جرت السنوات كالبرق ... و الله ان دموعي تتساقط الان و أنا أكتب الموضوع اليكم
انه لا يصدق نفسه... و نحن لا نصدق ... أن هذا الرجل سيتركنا هكذا بكل سهولة ؟
لم يستطع أن يصدق ... و لا نحن ... ذهبنا معه الي الادارة التعليمية .. طالبنا بمد الخدمة له... قمنا بما يشبه المظاهرة ... انه قطار العمر يجري مسرعا متهورا كالمجنون ... لا يراعي حبا يجري في دمه و لا يراعي أنه قد يموت ألما .... قد يختنق حزنا
فوافقوا أن يمدوا له عاما آخر
فرحنا كثيرا ... و كاد هو أن يطير من هناك الي مدرسته لو استطاع لفعلها ...
شاهدناه و قد ارتمي علي ارض الفناء... هل تصدقون ذلك ؟ علي أرض الفناء يقبلها
و يقبل الجدران ...يالله ... انه العمر الذي يمضي ... انها السنين التي تسرقنا
لم نكد نفرح حتي فاجئتنا الاقدار
جاء قرار من الادارة ... أن لا مد له
لن يستطيع أن يمد
فاجئنا منذ اربعة ايام و هوا يدخل باب المدرسة ... يضع يده علي الحديد ...و علي الجدران ...
و فاجأنا بالخبر و هوا يبكي ...و نحن لم نتمالك أنفسنا أمام هذا الموقف الرهيب ... من يتحمل ذلك؟
من يقوي علي ذلك ؟ و كأننا نري موته أمام أعيننا ... فحرمانه من عمله يساوي موته
و يساوي موت أشياء كثيرة فينا
و طوال الايام الاربعة
يأتي كل يوم إلي المدرسة ... يلامس الحوائط... يمر علي الفصول ... يتابع بنفسه و كأنه مفتون و قد جن جنونه
يمر علي الفناء ... ينادي في الاولاد كسابق عهده و كأنه مازال ناظرا ... و نحن جميعا ننظر اليه باندهاش ممزوج بحسرة ... دخل علي أنا فصلي و أنا أشرح ... وجدته يقبلني و يضمني بقوة ... بكيت كثيرا اليوم ...كأنه أبي و يودعني لينتقل الي رحمة الله ...بكي و بكيت ... مر علي كل الفصول ... يتفرس في الوجوه ... ينظر بابتسامة المحتضر ... الذي تيقن من موته ... يشاهد وجوهنا كأنه يريد أن يحفظ ملامحها ... كأنه سيحرم منها الي الابد ...و ينظر الي الطلبة ... و يمر يقلب كفا علي كف ..و نحن خلفه ... نقول له لن ننساك ... لن نتركك وحيدا ...
لقد كنت رجلا لن تتكرر ....هل ستصدقوني عندما تعلمون أن الاطفال الذين لم يبلغ عمرهم الثامنة بكوا معنا ؟؟؟؟؟؟؟
تلك هي الحياة أيها المغترون بالحياة
تلك هي الحقيقة المرة
حتما سنكون أثرا بعد عين
حتما سنبقي ذكري
إما ذكري بخير أو ذكري بشر
أعياد الميلاد التي نحتفل بها كل عام ... نرسم علي وجوهنا الابتسامة
و لو فكرنا قليلا لبكينا
فهو عام فات ... و نبقي ذكري
توقف القلب يستجدي النبضات
و لكن هيهات ... فإن النبضات لم تعد تسمع القلب و لن تلتفت إليه
بالأمس القريب و منذ ما يقرب تقريبا من أسبوع كان المشهد كالتالي
ناظر المدرسة : الرجل الذي بنيت المدرسة علي أكتافه ... رجل من الزمن النادر ... رجل يعشق التعليم و يعشق التدريس و يري فيه من الرسالة ما يكفي لتقديسه ... يقف مع تحية العلم صباحا كالأسد ينظر بعزة إلي علم مصر...
تراه و كأنه يتراقص طربا و فخرا لانه ناظر المدرسة الحريص عليها المحب لطلبته و لمدرسته الزارع بهم كل المعاني الجميلة و كل الاخلاق الحميدة و كل المبادئ الرائعة التي يعجز الوالدين عن زرعها في ابنائهم رغم مرور السنين ... رجل يعشق الحركة ..لم يمل يوما واحدة ... في السادسة و النصف صباحا أو السابعة و بدون مبالغة
هو أول المتواجدين .. يقوم بفتح بوابة المدرسة قبل أن يفعل ذلك عمال المدرسة !
في طابور المدرسة تستمع الي نصائحه في ميكروفون المدرسة و كأنه منذر جيش... برغم بساطته و برغم زيه المتواضع ... إلا أنه كان يعشق العمل ... لم ينظر يوما إلي المادة ... كان يدفع من جيبه الخاص من أجل سد ثغرات المدرسة ... تلك المدرسة التي شهد فيها أكثر من خمسة و ثلاثين عاما من العمل الدؤوب ...
يوما بعد يوم ... و نحن ننظر إليه نظرة الاعجاب ... فقد بلغ الرجل الستين من عمره ... و هو مازال أسود الشعر رشيق ... سريع الخطوات ... يجري من دور الي دور... ينظم العمل .... يشكر في هذا و يشجع هذا و ينصح هذا..
و لكن جاء وقت الرحيل
فلم يصدق نفسه
لقد بلغ الستين
نعم
لقد بلغ من العمر الستين ... لقد جرت السنوات كالبرق ... و الله ان دموعي تتساقط الان و أنا أكتب الموضوع اليكم
انه لا يصدق نفسه... و نحن لا نصدق ... أن هذا الرجل سيتركنا هكذا بكل سهولة ؟
لم يستطع أن يصدق ... و لا نحن ... ذهبنا معه الي الادارة التعليمية .. طالبنا بمد الخدمة له... قمنا بما يشبه المظاهرة ... انه قطار العمر يجري مسرعا متهورا كالمجنون ... لا يراعي حبا يجري في دمه و لا يراعي أنه قد يموت ألما .... قد يختنق حزنا
فوافقوا أن يمدوا له عاما آخر
فرحنا كثيرا ... و كاد هو أن يطير من هناك الي مدرسته لو استطاع لفعلها ...
شاهدناه و قد ارتمي علي ارض الفناء... هل تصدقون ذلك ؟ علي أرض الفناء يقبلها
و يقبل الجدران ...يالله ... انه العمر الذي يمضي ... انها السنين التي تسرقنا
لم نكد نفرح حتي فاجئتنا الاقدار
جاء قرار من الادارة ... أن لا مد له
لن يستطيع أن يمد
فاجئنا منذ اربعة ايام و هوا يدخل باب المدرسة ... يضع يده علي الحديد ...و علي الجدران ...
و فاجأنا بالخبر و هوا يبكي ...و نحن لم نتمالك أنفسنا أمام هذا الموقف الرهيب ... من يتحمل ذلك؟
من يقوي علي ذلك ؟ و كأننا نري موته أمام أعيننا ... فحرمانه من عمله يساوي موته
و يساوي موت أشياء كثيرة فينا
و طوال الايام الاربعة
يأتي كل يوم إلي المدرسة ... يلامس الحوائط... يمر علي الفصول ... يتابع بنفسه و كأنه مفتون و قد جن جنونه
يمر علي الفناء ... ينادي في الاولاد كسابق عهده و كأنه مازال ناظرا ... و نحن جميعا ننظر اليه باندهاش ممزوج بحسرة ... دخل علي أنا فصلي و أنا أشرح ... وجدته يقبلني و يضمني بقوة ... بكيت كثيرا اليوم ...كأنه أبي و يودعني لينتقل الي رحمة الله ...بكي و بكيت ... مر علي كل الفصول ... يتفرس في الوجوه ... ينظر بابتسامة المحتضر ... الذي تيقن من موته ... يشاهد وجوهنا كأنه يريد أن يحفظ ملامحها ... كأنه سيحرم منها الي الابد ...و ينظر الي الطلبة ... و يمر يقلب كفا علي كف ..و نحن خلفه ... نقول له لن ننساك ... لن نتركك وحيدا ...
لقد كنت رجلا لن تتكرر ....هل ستصدقوني عندما تعلمون أن الاطفال الذين لم يبلغ عمرهم الثامنة بكوا معنا ؟؟؟؟؟؟؟
تلك هي الحياة أيها المغترون بالحياة
تلك هي الحقيقة المرة
حتما سنكون أثرا بعد عين
حتما سنبقي ذكري
إما ذكري بخير أو ذكري بشر
أعياد الميلاد التي نحتفل بها كل عام ... نرسم علي وجوهنا الابتسامة
و لو فكرنا قليلا لبكينا
فهو عام فات ... و نبقي ذكري
توقف القلب يستجدي النبضات
و لكن هيهات ... فإن النبضات لم تعد تسمع القلب و لن تلتفت إليه